ملخص
ما زالت منظومة التدريب الصيفي للطلاب عربياً متأرجحة بين التدريب الإجباري لضمان الدرجات الدراسية، والاختياري سواء لاكتساب الخبرة لتعظيم فرص العمل بعد التخرج، أو لضيق ذات يد الأسرة، والمتحرج من الفكرة لارتباطها بين البعض بوصمة اجتماعية
قائمة المميزات والفوائد التي يمنحها التدريب الصيفي للطلاب طويلة، تتجدد بتغير متطلبات سوق العمل، وبتنوع فرص التدريب، وكيفية البحث عنها، والحصول عليها. واكتساب خبرة عملية لا تمنحها فصول العلم مهما كانت رائعة ومتميزة، يعظم من حجم المعرفة، وينمي المهارات، ويحسن فرص التوظيف، ويفتح آفاقاً غير مألوفة في سوق العمل، ويبني ويقوي شبكات المعارف، ويساعد التدريب الصيفي للطلاب على التفكير في مسارات مهنية لم تكن لتطرأ على باله لو اكتفى بالدرجة العلمية فقط، فتلك الخبرة تقدم فرصة حقيقية لتعديل دفة الاهتمام، واختيار مهنة أو تخصص مختلف عن الدرجة العلمية، تساعد المتدرب على إعادة اكتشاف نفسه واهتماماته وقدراته والقائمة لا تنتهي، فالقوائم تتنوع بتنوع الطلاب وتنوع الفرص والثقافة... وبالتالي فإن فرصة التدريب الصيفي للطلاب هي الخطوة الأولى للطلاب للانطلاق في مسيرة الألف ميل نحو المستقبل.
مصر... سوق العمل تعاني
صيف الطلاب في مصر شديد التنوع، منه ما هو ترفيه خالص، حيث سفر وبحر وحفلات ومناسبات، ومنه حبس انفرادي أو حتى جماعي في البيت، حيث لا مهرب نحو بحر أو مفر من الالتزام بقيود الأسرة المادية أو الاجتماعية أو كليهما، لكن منظومة التدريب الصيفي للطلاب غيرت كثيراً من معالم الإجازة الصيفية.
"صيف بلا تدريب يعني مضيعة لمعلومات وخبرات عام دراسي مضى، وإهداراً لجهد ووقت الأساتذة والطلاب في العام الدراسي الجديد"، كما تقول المحاضرة في الإعلام والصحافة الرقمية في إحدى الجامعات الخاصة أميرة حامد.
وترى حامد أن "قليلاً من التدريب الصيفي للطلاب لا يضر، حتى تلك الكليات والتخصصات التي لا تجبر طلابها على ذلك شرطاً للتخرج، فإن ثلاثة أو أربعة أسابيع يمضيها الطالب في شركة أو مصنع أو مكتب يلاحظ سير العمل، ويؤدي بعض المهام، ويحضر اجتماعاً أو اثنين أشبه بالمقبلات التي تسبق الوجبة الرئيسة أي الانخراط في سوق العمل".
سوق العمل تعاني كثيراً في مصر، يظن البعض أن المعاناة أحادية، أي إن المتضررين والمتأذين هم الخريجون الذين يطرقون الأبواب من دون جدوى. لكن الحقيقة هي أن أصحاب الأبواب "المغلقة" يتضررون أيضاً، لكن لأسباب مختلفة، أصحاب ومديرو ومسؤولو التوظيف في عديد من أماكن العمل يئنون من فرط غياب القدرات والمهارات، وليس الدرجات العلمية المطلوبة لتقلد الوظائف.
يقول أيمن طه (58 سنة) صاحب شركة توريد معدات طبية إنه يتلقى سيراً ذاتية مبهرة بصفة يومية لخريجي كليات الطب والصيدلة والعلوم، "وعلى رغم ذلك نسبة من يصلحون لتقلد الوظائف التي تتطلب علاقات مع أطباء وجهات حكومية وشركات أجنبية، أو يستطيعون كتابة رسائل البريد الإلكتروني لا تتعدى خمسة في المئة. وهذا يعود إلى قلة، أو بالأحرى، انعدام التدريب أو الخبرة الحياتية الحقيقية. كثيرون يعتقدون أن حصولهم على درجة علمية يكفي لضمان عمل مناسب، وهذه ليست حقيقة".
ويشير طه إلى أن شركته تتيح في كل صيف خمس أو ست فرص التدريب الصيفي للطلاب الجامعيين، "ألاحظ أن بعضهم يعتبر التدريب الصيفي نزهة أو ترفيهاً. وآخرون يأتون يوماً، ويغيبون عشرة، ويظهرون فجأة قبل انتهاء مدة التدريب للحصول على شهادة إتمام التدريب، لكن هناك نماذج أخرى لطلاب وطالبات يحرصون على إتمام فرصة التدريب كلها، وينجزون ما يجري تكليفهم به من أعمال قد يعتبرها زملاء لهم دونية أو لا تليق بطالب طب أو صيدلة، وهؤلاء هم المستفيدون الحقيقيون من التدريب الصيفي، ولدي أربعة من الموظفين ممن تدربوا في الصيف في الشركة، ثم تعاقدت معهم للعمل عقب تخرجهم".
نسبة من طلاب الجامعات والمعاهد تعتبر "التدريب الصيفي" عملاً لا بد منه، وليس تدريباً بغرض إثراء السيرة الذاتية، أو لإتمام مادة دراسية. قطاعات عديدة مثل المقاهي والبناء والزراعة وتوصيل الطلبات تشهد إقبالاً صيفياً من طلاب الجامعات والمرحلة الثانوية لأسباب مادية بحتة. نسبة غير قليلة من الأسر المصرية تعتبر عمل أبنائها، لا سيما الذكور، في الصيف وربما بعد انتهاء الدوام الدراسي أيضاً، بنداً رئيساً من بنود دخل الأسرة. هذا البند تحول من خانة الضرورة إلى الضرورة القصوى في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة الحالية.
ويظل التدريب الصيفي للطلاب في مصر منظومة تتداخل فيها العادات مع التقاليد، إضافة إلى قدر غير قليل من الثقافة العملية والتعليمية المكتسبة حديثاً، عمل الطالب أو الطالبة في الصيف ما زال ينظر إليه البعض وكأنه وصمة، فقد يعني أن الأهل في حاجة إلى مساعدة مادية من الأبناء، ويتضاعف الشعور بالحرج لدى هذه الفئة "المحافظة" إن كان المتدرب فتاة.
لكن، الثقافة الحديثة التي اكتسبت من تطور نظام التعليم في عديد من الجامعات، سواء الحكومية أو الخاصة، جعلت من التدريب الصيفي للطلاب إما ضرورة لإنجاز مادة دراسية ما، أو نشاطاً شبابياً لطيفاً يقبل عليه كثيرون لأسباب مختلفة تتراوح بين ملء وقت الفراغ، والاستفادة الفعلية، وتنمية المهارات والقدرات، والتعرف إلى فرص العمل المتاحة، وإضافة فقرة حقيقية ضمن بنود السيرة الذاتية.
السيرة الذاتية الحديثة
السيرة الذاتية للطالب حديث التخرج لم تعد بالضرورة تقتصر على الاسم والسن والعنوان والمؤهل الدراسي، والفرق بين خريج وآخر وقت التقدم لشغل وظيفة ما يكمن في بند "التدريب" أو الخبرات المكتسبة، هذا البند مستمر في اكتساب أرضية وشعبية، لا سيما بين طلاب الكليات العلمية، مثل الطب والهندسة وعلوم الكمبيوتر والزراعة.
وعلى رغم أن طلاب كليات مثل العلوم السياسية والإعلام وغيرهما من العلوم الاجتماعية يتجهون بشكل متزايد نحو التدريب الصيفي، فإن الفكرة ما زالت تعاني ضبابية مجتمعية، إضافة إلى أمارات تشير إلى تحولها إلى بند "إداري" من بنود النجاح يحتمل الوساطة ويتسع للمجاملات.
مجاملات إصدار شهادة تفيد بإكمال الطالب فترة تدريب في شركة أو بنك ما، يتم تبادلها أحياناً بين "أنكل فلان" صديق "بابا" ومدير الشركة أو المسؤول الكبير فيها وبين الطالب الذي يقدمها إلى جامعته لزوم إتمام المادة الدراسية، كما أن الوساطة تتدخل لإيجاد فرصة تدريب صيفي "جيدة" لمن يملك شبكة معارف جيدة، ومن الفرص ما يضمن "مصروفات أو بدل انتقال" لا تتوافر عادة في فرص التدريب الصيفي العادية.
اعتياد التدريب أثناء العطلة الصيفية يضمن قيمة مضافة في السيرة الذاتية للطلاب في مصر، وفكرة التدريب الصيفي برمتها تشهد تحولاً في معدلات الانتشار والقبول، حتى إن عديداً من المصالح الحكومية تعلن عن فرص التدريب الصيفي لتخصصات بعينها تحت بند "البرامج الصيفية".
السعودية... رؤية 2030 طورت فكرة البرامج الصيفية
تحول شبيه تشهده السعودية تزامناً مع الإجازة الصيفية تضع بعض الأسر خططها التدريبية لأبنائها لتطوير مهاراتهم الفكرية والإبداعية، وإلحاقهم بالمنشآت التدريبية، سواء داخل السعودية أو خارجها.
قبل أعوام، كانت العروض الترويجية عن البرامج التعليمية الصيفية من خارج السعودية تعني فئة مجتمعية محددة لديها القدرة على ابتعاث أبنائها في ظل ضعف البرامج الصيفية للطلاب والطالبات في الداخل، لكن مع انطلاقة رؤية السعودية 2030 تطورت فكرة البرامج الصيفية، التي تخدم الطلاب والطالبات في المجال التعليمي والترفيهي، وتنوعت الأنشطة التي تستهدف جميع فئات المجتمع كونها مجانية أو ذات رسوم رمزية.
تهدف هذه البرامج إلى تعزيز الاستفادة من أوقات الإجازة، وفق خطة زمنية، ورفع مستوى الطلاب التعليمي، وتنمية مهاراتهم وقدراتهم لتعزيز نواتج التعلم والقيم الوطنية، إلى جانب تنمية قدراتهم ضمن مجموعة واسعة من البرامج والأنشطة والفعاليات الثقافية والترفيهية والرياضية، وتعزيز المكتسبات التربوية والوطنية المتحققة في الأنشطة الطلابية، وذلك من خلال عدد من المسابقات والمشاريع التي تسهم في تحسين جودة الحياة.
وتقام البرامج الصيفية على المستوى التدريبي أو التعليمي من قبل جهات حكومية عدة بالتعاون مع القطاع الخاص مثل وزارتي الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية والتعليم، اللتان أعلنتا في وقت سابق عن تنظيم عدد من البرامج التدريبية الصيفية الجديدة للطلاب في مدن ومحافظات السعودية، مشيرتان إلى أنها تشهد إقبالاً كبيراً.
في الماضي، ابتعد الشباب والشابات السعوديون عن مجالات العمل في المطاعم والمقاهي والمحال التجارية، لكن تغير وعي المجتمع، وحالياً يتوجه عديد من الشباب للعمل في هذه المجالات بهدف تطوير قدراتهم واكتساب تجارب ومهارات مختلفة.
المنصة الوطنية الموحدة في السعودية وفرت خدمة إلكترونية يقدمها صندوق تنمية الموارد البشرية تتيح للطلاب والطالبات ممن هم فوق سن الـ17 سنة الحصول على التدريب خلال فترة معينة من الإجازة الصيفية، بهدف إكسابهم المهارات الأساسية المؤهلة لسوق العمل.
وأكد عدد من الطلاب والطالبات تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" أن الإجازة الصيفية فرصة لتطوير قدراتهم وإكسابهم المهارات. ترى نوف أحمد (21 سنة) أن فكرة الالتحاق ببرامج تعليمية أو تدريبية صيفية تسرع تحقيق أكبر عدد ممكن من المهارات التطويرية.
وفي ظل التطور التكنولوجي قالت ليان ماهر (20 سنة) إن هذا التطور مكنها من استغلال الإجازة الصيفية في حضور برامج تدريبية عن بعد صباحاً، والعمل في أحد المتاجر مساءً، لتطوير قدراتها ومهاراتها التعليمية والتدريبية.
ريان سالم (18 سنة) أبدى إعجابه بفكرة العمل في أحد المقاهي وتقبله وأهله ذلك، قائلاً "العمل ليس عيباً"، وعلى الفرد أن يخوض جميع المجالات ليكتسب خبرات ومهارات متنوعة.
أهم أدوات التغيير
مستشار التحول المؤسسي والتدريب والتطوير هشام حافظ يقول، إن البرامج الصيفية في السعودية أصبحت ذات أهمية، نظراً إلى اعتماد جهات العمل الرائدة على التدريب الصيفي للطلاب، إما على مستوى الفرد أو المنظومة كاملة، خصوصاً بعد انطلاق رؤية السعودية 2030.
وعن مفهوم التدريب يقول إن إكساب المتلقي مجموعة من المهارات والمعارف والمعلومات والاتجاهات تحسن كفاءته وتطور مهاراته". مشيراً إلى أن التدريب يعد من أهم أدوات التغيير وتطوير الذات.
وأفاد بأن التدريب الصيفي شهد نقلة، إذ توجهت الإدارات في القطاع العام والخاص وغير الربحي إلى إثراء المجتمع بالبرامج التدريبية الصيفية التي يغلب عليها التدريب المجاني أو الرسوم الرمزية، مما زاد من إقبال فئة الشباب على تلقي هذه البرامج خلال إجازة الصيف، إضافة إلى تقبل المجتمع فكرة تدريب أبنائهم وعملهم في مختلف الأنشطة من مطاعم ومقاه وغيرهما.
ومع تعدد الخيارات المتاحة فإن كثرة شرائح الطلاب تجعل كثراً يجدون أنفسهم من دون فرص تناسب ظروفهم، خصوصاً في الجانب الترفيهي، الذي يحتاج إلى إمكانات مادية قد لا تكون متوفرة، فيما الجانب التعليمي أصبح ميسوراً مع الخيارات التقنية.
وكانت السعودية بين دول عدة قد قلصت إجازتها الصيفية إلى نحو شهرين فقط، بعد أن كانت في سنوات مضت تتجاوز ثلاثة أشهر.
العراق... الطلاب يساعدون أنفسهم
ومن العمل الصيفي من أجل اكتساب الخبرات وتنمية المهارات في السعودية إلى العمل لمساندة الأهل والمساعدة في كسب قدر من المال لسداد مصروفات الدراسة في العراق.
تقول الطالبة في قسم علم النفس نور علي لـ"اندبندنت عربية" إنها تعمل منذ ثلاث سنوات في بيع الكتب "بعد وفاة والدي والتحاقي بالجامعة وجدت أنه من المناسب الحصول على فرصة عمل تعينني على الإيفاء بتكاليف الدراسة، حاولت إيجاد فرصة عمل تناسبي، وكنت محظوظة بالحصول على فرصة عمل بائعة في مكتبة، وهذا يناسب هوايتي في القراءة ضمن تخصصات الأدب والفن وعلم النفس".
وترى علي أنه من الصعوبة على الطالب أن يحصل على فرصة عمل مناسبة له خلال العطلة الصيفية، ولا توجد مؤسسات حكومية تدعم برامج تدريبية للطلاب تسهم في تعزيز المهارات والخبرات للحصول على فرص عمل بعد التخرج، إضافة إلى تقديم منح لهم، إلا أن الغالبية تؤكد أنها لا تتقاضى أي مكافآت.
وترى الطالبة في الفرقة الثانية بكلية التربية زينب نبيل أن المجتمع لا يتقبل عمل الشابات تحديداً. تقول "نجد طلاباً يعملون في مختلف الأعمال، ولا ينظر إليهم المجتمع نظرة شك. وهذه الحال لا تنطبق على الشابات، فمجتمعنا لا يتقبل وجودها في سوق العمل على رغم حاجتها المادية بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة".
نبيل تعمل في مركز تجاري بوظيفة بائعة مستحضرات تجميل تغنيها عن طلب المال من جدتها، تقول "أعيش مع جدتي بعد انفصال أبي وأمي وارتباط كل منهما بزواج آخر، وقد دفعني ذلك للبحث عن فرصة عمل خلال الصيف وخلال أيام العطل، فجدتي لم تتمكن من الإيفاء بكل متطلبات الدراسة الخاصة بي وأنا لم أعد أرغب أن أطلب المساعدة من والدي، لكنني لا أشعر أن المجتمع يتقبل عملي حتى لو عرفوا أنني بحاجة إلى المال لغرض إكمال دراستي".
التدريب يشمل الجميع
غابت برامج التدريب التي تقدمها المؤسسات الحكومية للطلاب، فبعد عام 2003 توقفت هذه البرامج واقتصرت على مشاريع تدريب محدودة تقدمها الوزارات لبعض التخصصات، كما أن التدريب المهني غاب أيضاً بسبب توقف المصانع أو اقتصارها على خطوط إنتاج محدودة لن تستوعب تدريب الطلبة، فأصبح الطالب هو من يبحث عن فرصة عمل، أو فرصة للتدريب من دون أن تمد له المؤسسات الحكومية يد العون.
الأجيال الماضية تتذكر البرامج التدريبية، التي كانت تشمل الجميع، ولأن الدولة كانت الراعية لكل النشاطات التدريبية للشباب فكانت برامج التدريب مجانية للجميع. غسق عبد الرزاق التي عاصرت هذه الحقبة تقول إن "مراكز الشباب نشطت في فترة الثمانينيات، وكانت البرامج تحوي دورات في الرسم والنحت الخياطة والنشاطات الرياضية المجانية".
كما عرف العراق المعسكرات التدريبية في الحقبة ذاتها. يقول الأستاذ الجامعي ناطق السعدون إن "هذه المعسكرات على رغم صعوبتها كانت تجربة رائعة ورائدة". ويضيف "لم يكن الموضوع يتعلق بالإعداد العسكري فقط، بل كانت تمارس في هذه المعسكرات هوايات متعددة، أهمها الألعاب الرياضية، ومن هذه المعسكرات خرجت خيرة نجوم الرياضة العراقية في ذلك الحين".
التدريب العسكري الصيفي كان يشمل طلاب المرحلة الابتدائية، وكان طلاب الصف السادس الابتدائي فقط يلتحقون بمعسكر التدريب، وكان يعقد في حديقة عامة كبيرة تتسع لهذه الأعداد الكبيرة، وكل مجموعة كانت تمضي فيه بين 10 و15 يوماً يتعلمون خلالها فنون الكشافة العامة والحياة الكشفية، إضافة إلى ممارسة أنشطة متعددة. أما طلاب المرحلة الإعدادية فكانت معسكرات التدريب الخاصة بهم خارج المدن ولمدة شهر، وكذلك الحال بالنسبة إلى طلاب الجامعات.
ويرى السعدون أن تجربة معسكرات تدريب الطلبة كانت من التجارب الريادية في المنطقة، استطاع من خلالها العراق أن يضع فلسفة محددة لماهية الجيل الذي تحتاجه الدولة، "وهو جيل مثقف قوي متطلع خال من أمراض الطائفية والمذهبية والعنصرية. شهدت هذه المعسكرات تجمع كل الأطياف والأعراق والقوميات في مكان واحد دون تمييز أو تفضيل".
لبنان... مخيمات للأثرياء
مخيمات صيفية لكن أبعد ما تكون عن المجانية في لبنان، إذ تتراوح كلفة الاشتراك في المخيم، التي تمتد لنحو شهر ونصف للطالب الواحد بين 250 و400 دولار أميركي، وتختلف الكلفة من مكان إلى آخر.
وطالما كان المخيم الصيفي من أول اختيارات الأهل لأطفالهم لتنمية قدراتهم الفكرية والجسدية في عطلة الصيف، لكن في ظل الأزمة لم يعد اختياراً مفضلاً لشريحة كبيرة من الأهل، نظراً إلى ارتفاع كلفتها، لا سيما أن الأهل يدفعون كذلك كلفة التنقل والنزهات الأسبوعية ضمن المخيم.
تقول مسؤولة أحد المخيمات الصيفية في بيروت كايتي صليبي، إن نحو 150 طالباً سجلوا لشهر يوليو (تموز)، لكن العدد أقل في شهر أغسطس (آب). وتشير إلى أن معظم الطلاب في المخيم من المدرسة نفسها أو مدارس محيطة، ما يعني أنهم من فئة اجتماعية واحدة ما زالت لديها القدرة على دفع تكلفة المخيم.
وجد جانب من الأهل الكلفة عادية وسددوها كالعادة، لكن بسبب الوضع المعيشي الصعب طلب قسم آخر المساعدة، ومنهم من طلبوا تقسيط كلفة المخيم، لعدم قدرتهم على تسديدها دفعة واحدة كونها تشكل عبئاً عليهم. ويؤمن القائمون على المخيم الدعم لمن يحتاج إليه، ويرغم بعض الأهل على تسجيل أولادهم في المخيم الصيفي، لأن الأب والأم يعملان، وليس لديهما من يتولى الرعاية في غيابهما، وفق ما توضحه صليبي، يتعلم الأطفال في المخيم تنمية "روح المجموعة"، ما لا يتعلمونه في المدرسة حيث التركيز على التعليم، هم يتعلمون أثناء الوجود ضمن مجموعة معنى الربح والخسارة والمشاركة والتعاون مع الآخرين، ويشاركون في أنشطة تنمي القدرات الفكرية.
تغيير في الذهنية أيضاً حول التدريب الصيفي للطلاب
بحسب الأستاذة في علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية، جنات شامل الخوري، اختلفت المعايير إلى حد كبير بعد الأزمة "استفادت فئة في المجتمع من الأوضاع الجديدة، إضافة إلى فئة سمحت ظروفها بالتأقلم مع الوضع، في المقابل تراجعت إمكانات شريحة في المجتمع، هي الطبقة الوسطى أو الطبقة التي كانت ميسورة أكثر قبل الأزمة".
أما عمل الشباب في الصيف، فلم يشهد لبنان يوماً هذا الكم من الإقبال على العمل في هذه الفئة العمرية، حتى إن الأهل يشجعون أبناءهم على ذلك، بعد أن كانوا يرفضون الفكرة تماماً.
أما طبيعة العمل فتختلف بين منطقة وأخرى، يعمل الشباب، وهم من طلاب الجامعات في الشمال، في السوبرماركت أو في محلات المجوهرات أو الألبسة، بغض النظر عن مجالات اختصاصهم، إذ لا تتوافر في المنطقة مؤسسات يمكن التدريب فيها بغرض اكتساب خبرة في مجال التخصص العلمي.
أما في بيروت وجبل لبنان فقد يتمكن الطالب من العمل في مجال تخصصه ليكتسب الخبرة، وفي الوقت نفسه يؤمن مصروف جيبه ويخفف من الأعباء على أهله. ومن الطلاب، لا سيما المتفوقين، من يعرض خدمة الدروس الخصوصية لطلاب آخرين في مقابل مادي لمساعدة ذويهم.
وقد كسرت الأزمة الصورة النمطية السائدة ضمن الطبقة الوسطى، التي كانت قادرة على تلبية كل حاجات أبنائها. لذلك، قبل انتهاء العام الدراسي يبحث الطلاب عن عمل أثناء عطلة الصيف، لتخفيف الأعباء عن الأهل، سواء كان العمل في مجال الدراسة أو لا يمت له بصلة.
تجارب في مساعدة الأهل
نسبة كبيرة من الطلاب تعمل في المقاهي والمطاعم وفي المخيمات الصيفية. موسى ناصيف (الطالب في كلية الطب) اختار منذ العام الماضي أن يعطي دروساً خصوصية لطلاب الجامعة الأصغر سناً لمساعدة أهله. يقول إن قسط الجامعة ارتفع إلى حد كبير في العام الماضي، ولم يعد قادراً على البقاء مكتوف اليدين فيما يبذل أهله كل الجهود ليتابع دراسته. بدأ ناصيف بإعطاء الدروس الخصوصية في مواد مثل الكيمياء واللغة الإنجليزية في عطلة الصيف لطلاب الجامعة، ولاحقاً أصبح يعطي دروساً خصوصية "أونلاين" لطلاب في مناطق أخرى، بحسب ما يسمح وقته ودراسته. يقول: "أشعر بالسعادة لمساعدة أهلي على قدر المستطاع، وأيضاً يسعدني نجاح طالب أساعده. بالنسبة إليَّ نجاحنا مشترك".
أما ماتيو موسى (10 سنوات) فاتخذ قراراً بمساعدة أهله في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة، على رغم صغر سنه، وهو يمضي فترة بعد الظهر في الصيف، لدى عودته من المخيم الصيفي، في تحضير "غزل البنات" وبيعه. يوضح والده طوني موسى أنه في الفصل الأخير من العام الدراسي كانت هناك رحلة مدرسية لم يكن قادراً على تسديد تكلفتها عن أطفاله الثلاثة لوجود أولويات أخرى لديه. منذ ذاك الوقت، قرر موسى أن يحضر حلوى "غزل البنات" بآلة صغيرة معدة للاستخدام المنزلي أهداه إياها والداه سابقاً، فيستثمر فيها لتسديد كلفة الرحلة ومساعدة أهله أيضاً. بعد تردد، وافق الأهل، ولاقت فكرته استحساناً من كثر شجعوه.
يبدو للبعض أن موسى يتحمّل مسؤولية تتخطى سنه الصغيرة، لكن والده يترك له الحرية الكاملة، ليتوقف عن العمل وقتما يشاء، لكنه في الوقت نفسه آخذ في اكتساب مهارات تحمل المسؤولية وإدارة المال، كما تطورت قدراته الشخصية بشكل واضح للجميع.
الأردن... ترفيه واضطرار
نماذج شبيهة لطلاب مراهقين يعملون في الصيف بغرض زيادة دخل الأسرة، وذلك في الأحياء الشرقية الفقيرة في العاصمة الأردنية عمان. يعمل هؤلاء الطلاب في الصيف بغرض كسب المال، لكن الحاجة تضطرهم للعمل في مهن غير منتجة وربما خطرة. والأقل حظاً يصبحون رفاق الشوارع والأزقة على مدار اليوم. أما أقرانهم في غرب عمان، وهم الأوفر حظاً، فيمضون عطلة الصيف في أنشطة صيفية متنوعة.
هذه الحال تلخص مشهد العطلة الصيفية في الأردن، التي تمتد نحو شهرين كاملين، في وقت تزداد معه ثقافة الإقبال على استغلال الوقت بما يفيد، خلافاً لعقود مضت، إذ تنتعش المراكز التي تقدم للطلاب أنشطة رياضية وثقافية وعملية لتطوير مهاراتهم واكتساب الخبرات.
في المقابل تغيب ثقافة التدريب الصيفي للطلاب في بعض مدن ومحافظات الأردن، بخاصة الفقيرة، وذلك لأسباب عدة أبرزها نقص الفرص المتاحة، بخاصة في القطاعات ذات الطلب المرتفع مثل الشركات والمؤسسات الكبيرة، أو لعدم وجود برامج تدريب. كما لا توجد حملات توعية عن أهمية التدريب الصيفي للطلاب وفوائده المهنية، في ظل طغيان وسائل التواصل الاجتماعي واستنزافها لوقت المراهقين وقدراتهم.
وتلعب العوامل الاجتماعية والاقتصادية الدور الرئيس في فرص العمل الصيفي، إذ تتركز أغلب حالات عمل الطلاب صيفاً بين العائلات التي تواجه مصاعب في تأمين دخل مناسب، فيجد الطلاب أنفسهم مضطرين للعمل في أثناء أشهر الصيف، لا سيما في أعمال الزراعة في الريف.
وتعمل المراكز الشبابية التابعة لوزارة الشباب على تقليل هذه الفجوة، عبر تقديم نشاطات لطلاب المدن الأردنية، لكنها تفتقر إلى الاحترافية والتنظيم عكس المراكز الخاصة.
وثمة 197 مركزاً شبابياً في الأردن، لكن المفعل منها لا يتجاوز عددها 87 مركزاً بسبب قلة التمويل.
نشاطات غير تقليدية
وخلافاً للأشكال التقليدية لفرص التدريب الصيفي التي اعتادها الأردنيون، تبزغ مجالات حديثة في هذا الشأن، مثل دورات البرمجة والذكاء الاصطناعي والروبوت، إلا أنها حكر على الأسر ميسورة الحال.
وتشهد دورات تعليم البرمجة والتطبيقات إقبالاً متزايداً من قبل الأجيال الناشئة. وظهر عدد كبير من المراكز المتخصصة في السنوات القليلة الماضية، التي تنظم دورات متخصصة بحسب الفئات العمرية. وتلقى دورات برمجة المواقع الإلكترونية، وتطوير الألعاب الإلكترونية والتصميم الغرافيكي إقبالاً كبيراً في الصيف. وهذا التدريب الصيفي للطلاب يجمع بين المتعة والفائدة، إذ تزود الطالب المتدرب بخبرات تفيده في مرحلة البحث عن عمل في عالم يتجه بسرعة البرق نحو الرقمنة.
كما جرى إطلاق مبادرة "مليون مبرمج أردني" على مستوى الأردن، لبناء قدرات الطلاب في البرمجة وإكسابهم مهارات جديدة من خلال التعلم الجماعي.
وبينما تنشط المراكز الصيفية في المدارس الخاصة، تكاد تغيب في المدارس الحكومية، الأمر الذي يزيد من الفجوة التعليمية والثقافية بين الطلاب في القطاعين، وفيما يجاهد الأهالي لإبقاء أبنائهم بعيدين من الشاشات ومنصات التواصل والألعاب الإلكترونية.
يقول التربوي محمد عدنان إن تقليص العطلة الصيفية عاماً بعد آخر أسهم في اتساع الفجوة الثقافية. وأعلنت وزارة التربية والتعليم أنها عادت لتنظيم برنامج التدريب الوطني الصيفي "بصمة" بعد توقف طارئ بسبب جائحة كورونا. ويضم نحو 8800 طالب وطالبة من المدارس الحكومية. ويهدف إلى تعزيز قيم الانتماء وترسيخ المواطنة الصالحة، واستثمار طاقات الطلاب، وبناء جسور الثقة بينهم ومعلميهم.
ولا تتيح القوانين الأردنية عمالة الأطفال. والحد الأدنى للعمل هو 16 سنة، لكن في العادة يعمل كثير من الطلاب في العطلة الصيفية في وظائف بسيطة، بخاصة طلاب الجامعات الذين يهدفون إلى كسب دخل إضافي يعينهم على تأمين الرسوم الجامعية ويؤهلهم لكسب خبرات في سوق العمل، خلافاً لسنوات سابقة كان ينظر فيها إلى عمل الطلاب بدونية.
من بين هذه الوظائف توصيل الطلبات باستخدام الدراجات النارية أو السيارات، والتدريس الخصوصي من قبل بعض الطلاب المتفوقين، والعمل في المحلات التجارية والمطاعم والمقاهي. ويقدم عدد من سلاسل المقاهي والمطاعم المشهورة برامج عمل صيفي للطلاب في فصل الصيف بمقابل مادي صغير. ويلجأ بعض الطلاب للعمل في مجالات أخرى مثل شركات التسويق أو المنظمات الإنسانية.
تونس... تحول لقبول فكرة التدريب الصيفي للطلاب
العقلية المجتمعية المنتقلة من مرحلة الرفض لعمل الطلاب صيفاً إلى قبول الفكرة بل وتشجيعها ليست في الأردن فقط، لكن المجتمع التونسي يشهد تغيراً ملحوظاً أيضاً في قبول عمل وتدريب الطلاب في الصيف.
بدأت عقلية الخجل من العمل في أوقات العطلات بالنسبة للطلاب تتغير تدريجاً في تونس، وأصبحت للبعض أمراً ضرورياً لطبقة محدودي الدخل، لكن نوعية العمل هي التي تسبب قدراً من الحرج. بعض الأعمال لا تروق للمجتمع كقطاع البناء أو العمل في مقهى أو مطعم. كما أن هذه الأعمال قد تناسب الشباب، لكنها لا تناسب الشابات وفق نظرة المجتمع. وما زال هناك من يرفض عمل أبنائه كإجراء لدى آخرين.
ليليا توجاني (طالبة في الفرقة الثانية في كلية الإعلام) تقول إنها محظوظة، لأن اختصاصها سهل عليها إيجاد عمل وقت الفراغ وعن بعد أيضاً. وتضيف: "حاولت العمل كمرافقة لسيدة أجنبية، لأنني أتقن اللغة الفرنسية وبمبلغ مغري لكن عائلتي رفضت ذلك، معتبرة أن العمل في بيوت الغرباء ليس من عاداتنا وأمر مشين قد يسبب حرجاً وسط العائلة الموسعة".
وعن العمل في مقهى أو مطعم تقول ليليا بابتسامة عريضة "لا سبيل إليه". مواصلة "مسموح لأخي لكن ليس لي"، معللة ذلك "أولاً نظرة المجتمع التي لم تتغير بعد تجاه الفتاة التي تعمل في مثل هذه الأعمال، لا سيما إن كانت طالبة في الجامعة، إضافة إلى خوف العائلة من تعرضي للاستغلال من بعض أصحاب هذه المحلات".
لكن ضياء السنوسي (طالب العلوم القانونية) يقول إنه يضطر للعمل في البناء والمقاهي وحتى حمل البضائع في بعض المتاجر الكبرى. يقول إنه لا يجد حرجاً في ما يفعل، "بل الحرج الوحيد هو أن أطلب المال من أمي التي تعبت ولا تزال لأجلنا". ويضيف: "علمني العمل الكثير، وجعلني أكثر قوة وصلابة في التعامل مع المجتمع".
عوائق اجتماعية أمام التدريب الصيفي للطلاب
تقول الباحثة في علم الاجتماع نعيمة الفقيه إن عمل الطالب في الصيف لتوفير جزء من المصروفات وهي كثيرة في ظل ارتفاع الأسعار أمر إيجابي. وتضيف أن الحرج يأتي حين يعمل الطالب في تخصص لا علاقة له بدراسته، لا سيما في مهن يعتبرها المجتمع غير لائقة على غرار المطاعم والمقاهي ومرافقة الكبار أو الصغار أو أعمال البناء.
لكنها تضيف أن "التطور التكنولوجي فتح أبواب العمل في أوقات الفراغ للطلاب وغيرهم وذلك عن بعد وعبر الإنترنت". وهنا تدعو الفقيه الشباب لاكتساب مهارات بعيدة من تخصصاتهم العلمية، مثل إتقان اللغات وتقنيات الفيديو والتسويق الإلكتروني وغيرها من المهارات التي تمنح فرصاً أكثر".
من جهته، يشجع كاتب عام منظمة التربية والأسرة عامر الجريدي الشباب على التجربة العملية في العطلة، ولو كانت من دون مقابل. يقول، "ما يكتسبه الشباب في العمل الميداني هو تتمّة للمكتسبات النظرية والتطبيقية في المعهد والجامعة. وكلّ تجربة هي عبارة عن تدرب إعدادي للحياة المهنية والاجتماعية".
ويقول إن البعض يتحرج من العمل في بعض المهن لأسباب تتعلق بالبعد الطبقي. ويشير أيضاً إلى الكسل كعائق رئيسي يحول دون عمل أو تدرب الطلاب في الصيف. ويشير كذلك إلى أن العادات والتقاليد تحول أحياناً دون عمل الفتيات، لا سيما في المطاعم والمقاهي.
الجزائر... لا مكان للتدريب الصيفي
أما في الجزائر، فلا مطاعم أو مقاهي أو غيرهما. لسان حال الطلاب في الصيف "لا تعليم ولا تدريب صيفاً". فمع انتهاء الدراسة في مختلف المؤسسات، بما فيها الجامعة تتوقف عجلة "العلم"، الأمر الذي بات يطرح التساؤلات ويثير الاستفهامات.
الحديث عن الدراسة أو الالتحاق بمقاعد مراكز التكوين والتدريب في صيف الجزائر مثار استهزاء وسخرية، بغض النظر عن بعض الفئات التي تتمسّك بفكرة التدريب الطلابي الصيفي. فالتدريب مرتبط بتيسير الحصول على فرصة عمل بعد التخرج، إضافة إلى مميزات وترقيات، إضافة إلى كونها فرصة لتحقيق دخل إضافي. وعلى رغم أن فرص التدريب الصيفي للطلاب في الجزائر ضعيفة، فإن كثيرين يعرفون أن التدريب الصيفي قد يكون الخطوة الأولى لتحقيق كثير من النجاحات في المستقبل.
وتبلغ مدّة التدريب الصيفي للطلاب بين ثمانية و12 أسبوعاً، وقد تمتد إلى 60 يوماً. وتعتمد أوقاتها على الفصول الدراسية في الجامعات المحلية، فتبدأ بعد نهاية العام الدراسي وتنتهي عند بداية العام الجديد. لكن هذه الفرص ليست بالمجان، لكنها أقرب إلى مراكز التدريب التعليمي بمصروفات.
يقول الأستاذ الجامعي جمال مناصري لـ"اندبندنت عربية" إن التدريب الصيفي ضعيف جداً في الجزائر بسبب قلة عدد المراكز التدريبية، وإن وجدت فأغلبها تجاري، مشيراً إلى أن التدريب الصيفي مهم جداً في مسيرة الطالب، حيث يجري بناء العلاقات والتعرف إلى ميولك بشكل أفضل، وكذا امتلاك سيرة ذاتية قوية، واكتساب مهارات جديدة. وأوضح أن المسألة المادية تلعب دوراً مهماً في عدم الاهتمام بالتدريب الصيفي، لا سيما أن أغلب العائلات الجزائرية محملة بأعباء الدروس الخصوصية في أثناء العام الدراسي.
ويتابع مناصري أن منظومة التعليم في الجزائر لا تشجّع على التعلم، بخاصة أن برامج التدريس مكثفة تجعل الطالب غير راغب في الذهاب إلى المدرسة أو الجامعة. ويشير إلى أن المحسوبية والوساطة في الحصول على فرص العمل الشحيحة تجعل من فكرة التدريب الصيفي آخر اهتمامات الأهل والطلاب، وأن التدريب حكر على فئة صغيرة في المجتمع هم المقتدرون مادياً والضامنون لفرص توظيف عقب التخرج لأسباب تتعلق بالوساطة.
الفضاء الأزرق وخجل الطلاب
في المقابل، يلجأ طلاب جزائريون إلى البحث عن عمل في فصل الصيف بمجرد نهاية امتحانات السنة الدراسية في محاولة، لكسب بعض المال للتخفيف عن كاهل أسرهم متواضعة الحال. لكن أغلب الفرص المتاحة تكون في مجالات، مثل غسل الصحون في المطاعم أو قيادة السيارات أو توزيع وتوصيل الطلبات أو البيع في المحلات التجارية. وهناك كذلك فرص مثل النادل وحارس الشاطئ وعامل النظافة، لكنها تبقى بعيدة من اهتمام الطلاب، لعدة اعتبارات أهمها الخجل الذي يرافق صاحبه، لا سيما أمام الزميلات قبل الزملاء. ويتم تنميط الطالب العامل باعتباره من أسرة فقيرة ومحل شفقة، وهو ما يترتب عليه تعرضه لنظرات أو تصرفات محرجة من قبل زملائه في الجامعة.
ويفسر أستاذ علم الاجتماع، أحمد ضياف، خجل الطلاب من بعض المهن الصيفية في ضوء "العقلية السائدة التي أفرزها الفضاء الأزرق المبني على التفاخر وربما الكذب". مشيراً إلى أن الجميع يمكنه أن يكتب ويقول ما يشاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي، حتى إن "الفوتوشوب" أصبح يفعل فعلته، وهو الوضع الذي يفضحه الواقع في أول فرصة".
وأشار إلى أن العمل في المطاعم أو تنظيف الحدائق وغيرها يضع الطالب أمام الأمر الواقع الذي فرّ منه على الوسائط الاجتماعية، لذا فهو لا يفضل هذه الأعمال، وربما يفضل أن يعاني من ضيق ذات اليد على أن يظهر أمام زملائه بشكل مثير للشفقة.
وتشير بيانات وزارة التكوين المهني إلى ضرورة إعداد خطة شاملة لتطوير قطاع التعليم والتدريب الفني والمهني للعمل على استشراف مهن المستقبل. مشيرة إلى أن ذلك من شأنه تدعيم آليات مساهمة قطاع التعليم والتدريب الفني في سوق العمل. وتلفت الانتباه إلى أن مواءمة هذا القطاع مع سوق العمل، واستشراف مستقبل الاقتصاد الأخضر والرقمنة من شأنهما أن يساعدا في تعزيز اقتصاد التنمية، نظراً إلى دورهما في تحسين مستوى الرفاهية والإنصاف الاجتماعي وتحقيق التنمية المستدامة.
المغرب... ضعف ثقافة التدريب الصيفي للطلاب
استدامة ارتباط فصل الصيف بالراحة والاستجمام لم تعد في الإمكان. ففي المغرب لم يعد الصيف للراحة والترفيه فقط، بل هناك أعداد متزايدة من الطلاب تبحث عن فرص للتدريب الصيفي، أو عن وظائف موسمية تعينهم على تدبر مصاريفهم الشخصية.
ويلاحظ عدم وجود وفرة في عروض التدريب أو العمل الصيفي للطلاب، على رغم محاولات هؤلاء العثور على فرص وعروض تناسب طموحاتهم ومؤهلاتهم، وهو الأمر الذي يعزوه مراقبون إلى ضعف ثقافة التدريب الصيفي بالبلاد.
في عطلة الصيف يسارع هشام (طالب جامعي ينتمي إلى أسرة بسيطة تعيش في ضواحي الرباط) إلى البحث عن عروض التدريب الصيفي المتاحة في مختلف المجالات المتاحة والممكنة، فهو لا يشترط أبداً نوعية التدريب الصيفي.
يقول، "كيف لي أن أشترط نوعية أو مكاناً أو حتى زمناً للتدريب الصيفي؟ فأنا في موقع لا يمنحني ترف الاشتراط والامتناع. وأعتبر هذا التدريب إضافة مهنية تساعد في إغناء سيرتي الذاتية".
ويضيف، أن التدريب الصيفي مفيد لأسباب عدة، إضافة إلى العامل المادي. "فهو يصقل تجارب المتدرب، ويطلعه على طبيعة سوق العمل، ويكسبه مهارات مختلفة في مجالات متنوعة، ما قد يمنح فرصة المتدرب مجد الحصول على عمل عقب تخرجه عكس من لم يحصل على تدريب".
فرص غير مناسبة
من جهتها، تسعى رقية (طالبة جامعية) إلى الحصول على فرصة للتدريب خلال فصل الصيف، غير أنها لا تفلح إلا نادراً في العثور على ما يلائم تخصصها العلمي ودراستها، مشددة على أنها تأمل في أن تتدرب وتعمل في مجال تعرفه وتفهمه ويمكنها الإبداع فيه.
وتبحث رقية عن تدريب خلال الصيف الجاري في مختبر طبي يناسب دراستها للكيمياء، لكن الفرص تكاد تكون منعدمة. وعلى النقيض، هناك عروض عمل عدة في مهن موسمية وموقتة، ولا علاقة لها بالتخصص العلمي للمتدرب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الباحث التربوي، محمد الصدوقي، يقول إن ثقافة التدريب الصيفي للطلاب موجودة لدى البعض وغائبة تماماً لدى البعض الآخر. يقول "فئة من الطلاب تجد نفسها مضطرة للعمل لأسباب مادية. وهناك من يقومون بمبادرة فردية للعمل الصيفي بغرض اكتساب التجربة والاحتكاك بالحياة العملية، أو بتشجيع من أسرهم لتربيتهم على تحمل المسؤولية والاعتماد على النفس والاستقلال الذاتي. كما أن هناك فئة أخرى تعمل في مجالات تلائم تخصصاتهم".
وعزا الباحث غياب ثقافة تشجيع الطلبة على التدريب أو العمل الصيفي لتدبر مصاريفهم الخاصة، إلى غياب الوعي التربوي في تربية البناء على تحمل المسؤولية، والاعتماد على النفس من دون مبالغة في الرعاية والتدليل.
ويضيف، "وهناك عوامل أخرى، مثل عدم الاكتراث أو الوعي بمفهوم المسؤولية وسيادة قيم الأنانية وعدم النضج. أما المؤسسات الرسمية، فلا توجد بنى أساسية أو برامج خاصة بالتدريب الصيفي للطلاب عكس دول كثيرة حول العالم حيث يتم مثلاً الربط بين السياحة والعمل، ولو على سبيل التدريب الصيفي.
وفي الوقت الذي يشكو فيه طلاب كثيرون من عدم وجود فرص للتدريب أو العمل الصيفي بما يناسب مساراتهم الدراسية والحياتية، توجد فرص تدريب في بعض المجالات والمهن، لكنها لا تقدم مكافآت مالية.
فرص كثيرة وأموال شحيحة
وتتوافر عروض التدريب أو العمل خلال الصيف في مجالات بعينها، لا سيما العمل كمندوب للمبيعات، حيث تجد بعض الشركات الصيف فرصة مناسبة لزيادة مستخدمين وعمال لا يكلفونها كثيراً من الأجور.
ومن عروض التدريب الصيفي المتوافرة أيضاً العمل في المقاهي والمطاعم، لا سيما للفتيات اللائي يجدن فرصاً للعمل كنادلات، إلا أن الطالبات أحياناً يرفضن بسبب تمسكهن بدرجاتهن وتخصصاتهن العلمية.
تخصصات الطلاب العرب من المحيط إلى الخليج شديدة بالتنوع وبالغة الثراء. وتشهد أعداد الملتحقين بالجامعات العربية نمواً مطرداً بين جامعات رسمية وأخرى خاصة وثالثة هي فروع لجامعات أجنبية تتسابق على جذب الطلاب العرب. وعلى رغم القيمة الثقافية والمكانة الاجتماعية والضرورة التعليمية التي باتت مرتبطة بالتعليم الجامعي، فإن منظومة التدريب الصيفي عربياً ما زالت تتأرجح بين التدريب الإجباري لضمان الدرجات الدراسية، والاختياري سواء لاكتساب الخبرة لتعظيم فرص العمل بعد التخرج، أو لضيق ذات يد الأسرة، والمتحرج من الفكرة لارتباطها بين البعض بوصمة اجتماعية.
وعلى رغم أن نسبة الطالبات تساوي تقريباً نسبة الطلاب، فإن عادات المجتمعات العربية وتقاليدها ما زالت تفرق بين فرص الطلاب وفرص الطالبات، حيث المجال أرحب للذكور، لا سيما حين يتعلق الأمر بمهن بعينها ما زال العرب ينظرون إليها باعتبارها دونية أو ترتبط في المجتمع بوصمة اجتماعية.
أما قيمة التدريب الصيفي، حيث يكتسب الطلاب معارف حقيقية وتجارب واقعية تضعهم في مواجهة صريحة ومباشرة مع سوق العمل، وتتفتح مداركهم على واقع الحياة المختلف عن قاعات الدرس، وتتعرف إليهم سوق العمل، وتخبرهم أسابيع التدريب، بما ينقصهم من مهارات، وما يحتاجونه من خبرات.
وتظل الخبرات والعادات والأفكار وما هو مقبول وما هو غير مقبول في المجتمعات العربية قيد الطبقة والفئة والقدرة المادية. الطبقية حاكمة حتى في فرص التدريب.