Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

العرب والإبداع... فن إعادة التدوير

التربص بالأفكار غير التقليدية ومعاداة والابتكارات أمر ليس بجديد

في اليوم العالمي للإبداع والابتكار تتجه أنظار البعض صوب الاقتصاد الإبداعي حيث فرص اقتصادية للملايين (مواقع التواصل)

ملخص

تاريخ البشرية وحاضرها يؤكدان أن #الابتكار_والإبداع طبيعة إنسانية ربما تؤججها أو تسرع من إيقاعها الأزمة والحاجة إلى كنها تبقى غريزة مثلها غريزة البقاء

"كل سنة وأنت طيب يا مبدع"، "عيد سعيد أيتها المبدعة"، "يدوم الابتكار ويعيش الإبداع"، قائمة التهاني والأماني الحديثة المتعلقة بالاحتفاء بالإبداع والاحتفال بالابتكار طويلة، يتبادلها الأطباء في إشارة إلى عمليات جراحية تجرى بحنكة، والصحافيون كناية عن مقالات وتقارير تبدو فيها ملكات الإبداع، ويعتبرها الفنانون سمة من سمات أعمالهم وصفة يطلقونها على أنفسهم وزملائهم، حتى أصحاب الحرف والمهن من سباكين ونجارين وحدادين يعتبرون إصلاح صنبور ماء إبداعاً، وتحويل أنبوب صرف صحي من داخل الحمام إلى خارجه عملية ابتكارية مئة في المئة.

قوائم لا تنضب

قوائم "أفضل مئة ابتكار" و"أجدى مئة عمل أو فكرة مبدعة" لا تنضب، جرى العرف أن تعتمد القوائم على المبتكرات التي غيرت وجه الحياة ويسرت معيشة البشر، العجلة والمسمار والبرجل والعملات والكهرباء والمصباح والصور التلفزيونية (الأشعة) والرنين المغناطيسي والسونار والسيارة والمضادات الحيوية والبراد والإنترنت والتقويم والساعة والصابون والتسوق عبر الإنترنت والأبجدية والتلفزيون والأرقام والتخدير والمرآة وماكينات الصراف الآلي والبوصلة والطائرة والتسلسل الجيني وأنظمة الـ"جي بي أس" والآلة الكاتبة وتقنيات العمليات الجراحية والذكاء الاصطناعي والمكواة والقطار وتطبيقات التواصل الاجتماعي والهاتف المحمول والقوائم تتجدد.

في يوم 21 أبريل (نيسان) من كل عام يتجدد الاهتمام بالإبداع والتذكير بأهمية الابتكار، إنه "اليوم العالمي للإبداع والابتكار"، في مثل هذا اليوم عام 2002 احتفل العالم للمرة الأولى بهذا اليوم بعد قرار اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة.

الهدف من اليوم كان زيادة الوعي بدور الإبداع والابتكار في حل المشكلات ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتنمية المستدامة. الأمم المتحدة تؤكد دور الابتكار والإبداع في إتاحة زخم جديد للنمو الاقتصادي وإيجاد فرص للجميع، إضافة إلى حلول للقضايا، لا سيما الملحة مثل الفقر والجوع.

الابتكار غريزة

تاريخ البشرية وحاضرها يؤكدان أن الابتكار والإبداع طبيعة إنسانية، ربما تؤججها أو تسرع من إيقاعها الأزمة والحاجة، لكنها تبقى غريزة مثلها غريزة البقاء، وعكس الابتكار الجمود والسكوت وعكس الإبداع الإبادة والفناء، وعلى رغم ذلك يبقى مفهوم الإبداع يكتنفه الغموض.

الأمم المتحدة تعي المشكلة، ليس هناك فهم عالمي محدد لمفهوم الإبداع، بالتالي هو مفهوم مفتوح على التأويلات، ابتداء من التعبير الفني وانتهاء بمهارات حل المشكلات والخروج من الأزمات في إطار التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة.

علاقة الإبداع والثقافة

ترى المنظمة الأممية علاقة وثيقة بين الإبداع والثقافة، ولا يوجد تعريف واحد للاقتصاد الإبداعي، فهو مفهوم متطور يرتكز على التفاعل بين الإبداع الإنساني والأفكار والملكية الفكرية والمعرفة والتقنية، والأنشطة الاقتصادية القائمة على المعرفة هي نقطة ارتكاز الصناعات الإبداعية.

والاقتصاد الإبداعي، بما في ذلك المنتجات السمعية والبصرية والتصميم والإعلام الجديد والفنون الجميلة والنشر والفن المرئي، يمثل قطاعات تحويلية هائلة لاقتصاد العالم فيما يتصل بالكسب وإيجاد فرص العمل ونقل المكاسب.

في هذا اليوم العالمي تدعو المنظمة الأممية العالم إلى تبني مفهوم الابتكار، وهو ما يؤدي إلى تخصيص الإمكانات الاقتصادية له عبر الدعم والتمكين.

وتبقى الثقافة مكوناً رئيساً، بل وشرطاً لا غنى عنه لتحقيق الإبداع، ثقافة الإبداع هي بيئة العمل التي توفر الأجواء والعوامل اللازمة للابتكار والإبداع الخارجين على الشكل التقليدي لهما، وهي البيئة التي يصفها البعض بـ"غير الأرثوذكسية" أو غير التقليدية، أي تلك التي لا تقيدها أفكار مسبقة أو قيود سابقة التجهيز والتعليب، هذه البيئة تستدعي منظوراً آخر للثقافة، حيث الثقافة باعتبارها محفزاً للإبداع أو معرقلاً له ومقتلاً لإمكاناته وهي في مهدها.

في هذا العام خروج طفيف على التعامل التقليدي مع اليوم، لم تعد المسألة مجرد حديث عن البيئة الداعمة للإبداع، والثقافة الحاضنة للابتكار واللتين باتت مكوناتهما معروفة، لكن عن البيئة الطاردة للإبداع والمتربصة بالابتكار.

التربص بالأفكار

التربص بالأفكار غير التقليدية ومعاداة الإبداعات والابتكارات التي تخرج عن المألوف وتعرض الجمود والثبات والركود لخطر التغيير والتعديل أمر ليس بجديد. عالم الفلك والفيزيائي والفيلسوف الإيطالي غاليليو غاليلي تعرض لحرب شعواء من الكنيسة الكاثوليكية بسبب إبداعاته وابتكاراته في الرياضيات والفلسفة والفلك، وعلى رأسها نجاحه في اختراع التلسكوب الراصد للفضاء الخارجي وكواكبه ونجومه، ونظريته في حركة الأرض.

في القرن الـ16، تبنى غاليليو نظرية عالم الفلك البولندي نيكولاس كوبرنيكس التي عصفت بفكرة مركزية الأرض وكونها مركز الكون ما جعله عدو الكنيسة الأول ومتهماً بعد محاكمة "دينية" وعقوبته الإقامة الجبرية في بيته.

وقبله، وتحديداً في القرن الـ14، ناصب رجال الدين في أوروبا العالم والفيلسوف الإنجليزي روجر بايكون لأنه دعا إلى الاعتماد على التجربة العملية واستقاء العلم ونتائجه بناء على البث والتجريب، بعيداً من التسليم بما ورد في الكتب والمراجع، وهي الدعوة التي فتحت عليه أبواب حروب مستعرة مع رجال الدين.

وفي القرن الـ12، أدت أفكار أبو الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن رشد المعروف بـ"ابن رشد" الإبداعية عن كون الفلسفة الطريق للوصول إلى الله، وترجيح كفة الحقيقة العقلية على النقلية، وإيمانه بقدرة المرأة على القيام بأعمال الرجال وأن الدين أحكام شرعية لا مذاهب نظرية إلى اتهامه بالزندقة وحرق كتبه.

وهناك من أفتى بحرمانية طباعة الكتب في حقب تاريخية مختلفة، بدءاً بتحريم طباعة الكتب الشرعية من قبل بعض مشايخ الأزهر الشريف خوفاً من إلحاق الضرر أو التشويه أو التزوير في المحتوى أثناء الطباعة، وانتهاء بفتوى منسوبة للسلطان العثماني بايزيد الثاني الذي أصدر فرماناً في عام 1493 يقضي بتحريم الطباعة على رعاياه من المسلمين.

تنازع رجال الدين والسياسة

في اليوم العالمي للإبداع والابتكار يخشى كثيرون، لا سيما من أولئك القابعين في أرجاء الكوكب المتنازع عليها بين رجال الدين والسياسة، أو حيث يرتدي رجال السياسة عباءة الدين، من فتح نقاش عن علاقة الدين، أو بالأحرى ما يقدمه رجال الدين من مفاهيم ونظريات وقوانين ترتكز على فهمهم وفهم الأولين له، بالابتكار والإبداع.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الاتجاهان الرئيسان متوقعان، الأول يرى أن الدين والإبداع والابتكار لا يتناقضان، حيث الدين يشجع الإبداع ويدعم الابتكار طالما لم يعصفا بالثوابت أو يمسا القواعد. والثاني يؤمن أن كليهما يقف على طرف نقيض من الآخر.

يمثل الاتجاه الثاني عالم الأحياء المؤمن بنظرية النشوء والارتقاء جيري كوين، الذي يمكن تلخيص كتابه "هل يمكن أن يتعايش الدين والعلم؟" في الجملة التالية: الإيمان من دون دليل في العلم رذيلة، والإيمان من دون دليل في الدين فضيلة.

فضيلة الإبداع

فضيلة الإبداع والابتكار يتم الاحتفاء بها اليوم في شتى أرجاء الأرض، مؤشر الابتكار العالمي لعام 2022 وضع عدداً من الدول العربية في مراتب تتراوح بين الجيدة والمتدنية. جاءت كل من الإمارات والسعودة وقطر في المراتب الـ31 والـ51 والـ52، والكويت والمغرب وتونس في المراتب الـ62 والـ76 والـ73، كما جاءت مصر واليمن في المرتبتين الـ79 والـ128. يشار إلى أن إسرائيل جاءت في المرتبة الـ16.

لكن المؤشر الفعلي، من حيث الأثر والنتيجة المتحققة على أرض الواقع، للابتكار والإبداع في العالم العربي يشير إلى مكانة ضبابية وأثر يكاد يكون غائباً.

هل يوجد إبداع؟ نعم. هل هناك حاضنات ابتكار؟ نعم. هل الحكومات وبعض المنظمات والهيئات توفر التمويل وغيرها من أنواع الدعم للمبتكرين؟ نعم، لكن قائمة الإبداعات والابتكارات لا تحوي أياً من أبرز إبداعات وابتكارات العقد الماضي، فتح باب الهندسة الجينية، الصاروخ الذي يستخدم لمرات عدة، السيارة ذاتية القيادة، المصباح الـ"ليد"، ساعات اليد الذكية، الهواتف الذكية وغيرها ليست إبداعات عربية.

مشاركة فقط لا غير

ربما تحوي فرق البحث والتطوير والابتكار أشخاصاً من دول عربية، لكن منشأ الابتكارات الكبرى والإبداعات ليست عربية، إلا أن هناك عديداً من الدول العربية لديها حاضنات ابتكار تعمل على اكتشاف أو رعاية وتقديم الدعم والخدمات للموهوبين والمبدعين والمبتكرين، لكنها حتى اللحظة، تظل حاضنات.

من جهة أخرى، يسهل الخلط دائماً بين مفهومي الإبداع والابتكار من جهة، والتكنولوجيا من جهة أخرى. التكنولوجيا تخدم المبدعين وتدعم الإبداع، لكن استخدامها في حد ذاته ليس إبداعاً مهماً كان يعكس ملكات إبداع.

التكنولوجيا لا تقمع الإبداع، في الواقع هي تعززه، الفرق بين الاثنين هو أن الإبداع يأتي من مراقبة العالم وتفسيره وتقديم مفاهيم وأفكار جديدة لنا، في حين أن التكنولوجيا تمكننا من رؤية العالم بشكل مختلف، والوصول إلى المعلومات من أي مكان في العالم.

هل استخدام التكنولوجيا إبداع؟

الخبير في مجال صناعة الإعلام الرقمي ألكساندر راوزر يوضح في مقال عنوانه "التكنولوجيا: هل تعوق أم تساعد الابتكار؟" الفرق بين الابتكار والتكنولوجيا، حيث الابتكار يأتي من مراقبة العالم، وبذل مجهود لتفسيره وتقديم مفاهيم وأفكار جديدة خاصة به. أما التكنولوجيا فتمكن الأفراد من رؤية العالم بشكل مختلف والوصول إلى معلومات في أي مكان بالعالم.

ويضيف "نادراً ما يحدث الابتكار والإبداع على يد شخص مجنون وحيد قابع وحده في معمل في القبو، هي صورة نمطية، لكن نادرة الحدوث، أغلب الابتكارات والإبداعات الحقيقية تكون نتاج جهد جماعي تعاوني، وتعكس تضافر جهود وخلفيات وخبرات مختلفة تخرج بمنتج إبداعي جديد".

الثقافة استثناء

المنتج الإبداعي العربي في مناسبة اليوم العالمي للإبداع والابتكار ما زال محصوراً في الإبداع الثقافي، الحديث عن دينامية الإبداع الفني بين الشباب، وابتكار الأعمال الثقافية من شعر ورسم وموسيقى وغناء، والحفاظ على اللغة العربية كمحرك للإبداع المقروء يتمتع بوفرة وثراء في شتى أرجاء العالم العربي.

أما الابتكار بمعناه الأشمل، فيعاني ضعفاً وهزالاً. وبحسب تقرير "ملامح الابتكار في البلدان العربية" الصادر عن "اللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا" (الإسكوا) عام 2017، فإن نتائج الدول العربية على دليل الابتكار العالمي تتباين بحسب مستويات التنمية والدخل في كل دولة، فكلما زاد الدخل ارتفعت مرتبة الدولة على سلم الابتكار، والعكس صحيح، وإن كانت هناك استثناءات تفرضها نسب التعليم العالي المرتفعة والتخصصات العلمية التي تلقى إقبالاً.

لكن التقرير يقول، إن أياً من الدول العربية لم يرتق إلى الريادة في مجال الابتكار، وأن السبب الرئيس هو ضعف النظم الموضوعة والمؤسسات المخصصة لرعاية الابتكار، وعدم كفاية الموارد البشرية، وحيث تكفي تعاني شحاً في التمويل حيث ضعف الإنفاق على الإبداع والابتكار. وعلى رغم التحقق المحرز في مجال وضع الاستراتيجيات والرؤى المتعلقة بالابتكار والإبداع، "فإن التحسن الذي حققته الدول، إن وجد، بحسب ترتيب الابتكار العالمي، طفيف أو جزئي".

مؤشر الحاجة أم الاختراع

ولو وجد مؤشر للابتكارات والإبداعات خارج السياق العلمي المعهود والضاربة عرض الحائط بتجهيزات المعامل وتمويلات الحكومات والمؤسسات، لوجدت دول عربية عديدة نفسها على رأس مؤشر الإبداع الشعبي والحاجة التي هي أم الابتكار، وهو المؤشر الذي يتماشى عكسياً مع مستويات الدخل، فكلما انخفض الدخل تأجج الإبداع.

فمن سيارات مجمعة بالكامل من بواقي السيارات وأجزائها "الخردة" إلى عوامات الطفو المصنوعة من زجاجات المياه البلاستيكية، والهاتف المحمول المعلق في "شبشب" على مقدمة الدراجة النارية لإتاحة متابعة الـ"جي بي أس"، والبيت المشيد حول نخلة لم يهن على المالك هدمها فباتت من مكونات غرفة الجلوس، والحمار الذي يجر آلة حرث التربة ناهيك بأجهزة التلفزيون والمذياع والكمبيوتر والمكواة التي تعامل معاملة الآثار في جانب آخر من العالم لكنها أجهزة منزلية عادية لا ترضخ لوهم العمر الافتراضي أو أكذوبة التحديث والتجديد.

في اليوم العالمي للإبداع والابتكار تتجه أنظار البعض صوب الاقتصاد الإبداعي حيث فرص اقتصادية للملايين، وطاقات نور وأمل لفئات مهمشة أو منسية ليصبح لها دور في دفع تنمية الكوكب عبر فكرة مبدعة أو تصور مبتكر. ويحلم بعض آخر بانتقال مبدعيه ومبتكريه من محدودية الحاضنات ومراكز الاكتشاف والدعم إلى آفاق الإبداع الحقيقي. ويستقر البعض الآخر في دائرة إعادة التدوير المفرغة الناجمة عن ضيق ذات اليد رافعة شعار "بضاعة أتلفها الهوى وأعاد إحياءها العوز".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات