Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رينيه إليوت: الاعتناء بالذات سرّ نجاح الحياة العمليّة والعائليّة

لم تكن عملية إدخال الغذاء العضوي في ثقافة الطعام وسوقه في المملكة المتحدة خلال تسعينيات القرن الماضي خالية من المتاعب كما تشرح السيدة إليوت 

رينيه إليوت الرائدة في مجال التغذية العضوية (عن موقع سيكريت ليدرز) 

تُحقّق مبيعات الأغذية العضويّة أرقاماً قياسية مع تزايد عدد الأسر البريطانية التي تستهلك هذه الصنف من المنتجات الغذائية بدءاً من بيض الدجاج الذي يعيش طليقاً ويتغذى على الطبيعة ووصولاً إلى حلوى الجيلاتين بنكهة الفاكهة، مع العلم أنّ التداول بمصطلحات على شاكلة الاستدامة لم يكن شائعاً قبل عقدٍ مضى تقريباً. وكانت رينيه إليوت، سيدة الأعمال المبتكرة التي خاضت  في مجالات تجارية عدة ، هي المرأة التي أدخلت الغذاء العضوي في ثقافة الطعام وسوقه في المملكة المتحدة خلال تسعينيات القرن الماضي، أيّ من قبل أن يجد الكرنب طريقه إلى قوائم وجبات المطاعم العصريّة في لندن.

بالنسبة إلى إليوت، الصّحة هي الأساس الذي يقوم عليه رفاه كلّ شخص. وفي معرض حديثها إلى صحيفة "اندبندنت" تقول إنّ "الاعتناء بالذات هو حجر الزاوية. ولكنّه حجر غير مريح بعض الشيء بنظر بعض النساء، ومؤلم حتى بنظر أخريات. كلّ ما في الأمر أنّه منوط بنشأة الواحدة منّا وتربيتها. لكن أنا عن نفسي، لو خرجتُ عن توازني فسوف أُصاب بالتوتر".

وتُضيف "في مجال الأعمال، ثقة الإنسان بنفسه واحترامه لذاته وجسمه يمثلان معاً محور الحياة والعلاقات . لذا عليكِ أساساً أن تثقي بحدسك أولاً قبل عقلك؛ ولو أملى عليكِ القيام بهذا الشيء أو ذاك، يجب أن تحترمي ذلك، سواء أكان هذا الشيء قراراً مهماً على مستوى الأعمال أو قراراً بسيطاً بالنوم لفترةٍ أطول".

لا تزال إليوت اليوم مُولعة بهذا الشعار كما كانت عام 1995، حين افتتحت أوّل سوبرماركت للأغذية العضوية في المملكة المتحدة أطلقت عليه اسم "بلانيت أورغانيك" (أو الكوكب العضوي)، واضطُرّت لأجله أن تقلب حياتها المهنيّة رأساً على عقب وتُغيّر طريقة تطوّر قطاع بيع الأغذية العضوية بالتجزئة في المملكة المتحدة.

"بلانيت أورغانيك" الذي بدأ في السّنوات العشر الأخيرة متجراً في شارع وستبورن غروف، أمسى اليوم شركة بقيمة ملايين الجنيهات الإسترلينية. ففي العام الماضي، بلغت قيمة ايرادات مبيعاته في سبعة متاجر 30.6 مليون جنيه إسترليني ووصلت الارباح التشغيلية فيها إلى 590 ألف جنيه إسترليني. وفي العام الحالي، تتجه الشركة  لتحقيق إيرادات بقيمة 36 مليون جنيه إسترليني.

وعلى الرّغم من تنحّي إليوت عن منصبها كمديرة لشركةـ"بلانيت أورغانيك" التي بيعت في إطار صفقة قُدّرت بحوالى 15 مليون جنيه إسترليني عام 2018، فإنها لا تزال تحتفظ بأسهم فيها كما تعمل حتى اليوم ناطقة رسمية باسم العلامة التجارية.

ورغبةً منها في مساعدة الناس على عيش حياةٍ صحيّة وسعيدة، عملت سيدة الأعمال الرائدة على إطلاق مشروعها الثاني "بيلوغا بين" (Beluga Bean) ، وهو عبارة عن أكاديمية تُنظَّم فيها دورات دراسية لتعليم النساء مهارات حياتية وتجارية أساسية، على غرار كيفية الادّخار للراتب التقاعدي أو أسلوب التّعامل مع اكتئاب ما بعد الولادة أو طريقة الموازنة بين رعاية الأطفال والعمل.

لم يكن تحقيق إليوت لطموحاتها وتطلّعاتها بالأمر السهل، لكنّ عملها في قطاع التغذية كان مسألة حتمية. وتتذكر "كانت أمّي خبازة وطباخة ماهرة . لذا كانت العطلات  وأعياد الميلاد وحفلات التخرّج كلّها تتصل بالأكل".

وعندما كانت إليوت طالبة في الجامعة، سافرت إلى أوروبا حيث التقت بزوجها المستقبلي على متن حافلة ليلية في لندن عام 1985. ولمّا أدركت أنّ ما يربطها به أكثر من مجرّد علاقة عابرة، قررت الانتقال للعيش في المملكة المتحدة العام التالي.

وأثناء زيارة  لها إلى الولايات المتحدة، خطرت لها فكرة الأغذية  العضوية التي غيرت وجه ثقافة الطعام البريطانية، حين دخلت إلى سوبرماركت "بريد أند سيركوس" (Bread & Circus) العضوي الذي يُشكّل اليوم جزءاً من متاجر "هول فودز" (Whole Foods). ونظراً إلى النقص المخيّب للآمال في الأطعمة العضوية في المملكة المتحدة، قررت إليوت عندئذ أن تأخذ المسألة على عاتقها وتنقل مفهوم الأغذية العضوية إلى لندن.

وتشرح سيدة الأعمال "لطالما فكّرت بنوعيّة الأطعمة المتاحة في الأسواق حينذاك واعتبرتُها غير مناسبة ولا تُقيم وزناً لصحتي كمستهلكة.. وبما أنّ الولايات المتحدة تتقدّم على المملكة المتحدة على عدّة مستويات، كنتُ أكيدة أنّه ما من أحد يُدير مثل هذا النوع من الأعمال في ديارنا وأنه يبنغي عليّ أن أقوم بذلك بنفسي".

في ذلك الوقت، كانت إليوت محرّرة في مجلة معنية بالنبيذ. وكان لا بدّ لها من تحقيق نقلة نوعية في مهتنها كخطوة أولى في سبيل تحقيق أهدافها العمليّة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عن ذلك ، تقول "تولّيتُ على مدى عامين إدارة متجر للأطعمة الصحيّة. لكن عدا ذلك، لم يكن لديّ أي خبرة سابقة في مجال الأعمال. فأنا أحمل شهادة جامعية في اللغة الإنكليزية.. كان الأمر أكثر سهولة لأنني كنتُ ساذجة. قال لي أبي ذات مرة "لا سبب يمنعكِ من القيام بشيء يُمكن لأيّ شخص أن يقوم به" وصدّقته".

استغرقت قرابة السنة في إعداد خطة الأعمال وتبحث عن التمويل وتبتكر الشعار التجاري قبل أن تقوم بافتتاح أوّل فرع لمتجر "بلانيت أورغانيك" في شارع وستبورن غروف في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 1995.

وعلى حدّ تعبير إليوت، "في هذه الأيام، أقضي الكثير من وقتي بنصح عملائي بألا يقلقوا بشأن الـ"كيف" وأن يركزوا على الـ"ماذا" أولاً". "يُمكن لمشوار الألف ميل أن يُحقّق لك النجاح، لكن إن بدأته بالتركيز على الـ"كيف"، فستشلّ حركتك".

تصدرت أنباء انتشار مرض جنون البقر في المملكة المتحدة  أخبارها في عام  1996. وكانت إليوت بالمرصاد، لتحصد في ذلك الوقت ثمار ما زرعته من استثمارات، إذ تضاعفت قيمة المبيعات الإجمالية لشركتها من 1.2 مليون جنيه إسترليني إلى 2.4 مليون جنيه إسترليني. وعندها، أدركت  أنّها تسير في الاتجاه الصحيح. وهي تصف تلك التجربة مبينة "كان الأمر أشبه بمطاردة حصانٍ عدّاء، كانت الأرقام ترتفع بسرعةٍ فائقة بالكاد كنّا قادرين على مواكبتها".

لكن، ما إن بدأت الأعمال بالازدهار، حتى سارع شريكها في الاستثمار الأولي بالإسهم إلى إقامة دعوى ضدها. في هذا السياق ، تقول "قرّر شريكي وهو صاحب نفوذ، أن أترك أعمالي. وعندما رفضتُ التخلّي عن المشروع الذي لطالما اعتبرته كطفل لي، رفع قضية عليّ في المحكمة. كان ذلك أصعب شيء أُواجهه في حياتي. كان أمراً فظيعاً جداً ودامت المحاكمة قرابة 14 شهراً".

وكي تتمكّن من تجاوز مطبّات تلك الفترة، حرصَت إليوت على العناية بنفسها فقرأت كتاب "فنّ الحرب" (The Art of War) لـسون تزو،  وهو نصُّ عسكري صيني قديم يدعو بشكلٍ أساسيّ إلى معرفة العدو. وتروي بالحرف الواحد "نمتُ وتأمّلت وتوقّفتُ عن الشرب. باختصار، اتخذت استعداداتي للحرب. وإذ كنتُ طالبةً مجتهدة في المدرسة، فقد كانت استعداداتي شرسة جداً وبفضلها ربحت".

وبعد مرور عشر سنوات على إدارتها للشركة، شعرَت إليوت بأنّ الوقت قد حان لتتنحّى. في الاسباب، تقول "أنا أمّ لثلاثة أولاد والأمومة أمر لم أتوقّع تحقيقه يوماً لكثرة ما كنتُ أخشى المسؤولية المترتبة عليه.. أدركت أن عليّ أن أستعين بخدمات مربية لتعتني بأطفالي أو بمدير تنفيذي ليتابع أعمالي. كان الخيار صعباً جداً وغير متوقّع بالنسبة إليّ".

وتُتابع "قالت لي إحدى صديقاتي يوماً إنّ "بلانيت" موجودة في السوق منذ أكثر من 20 عاماً وهي الآن كبيرة بما يكفي وتعكس القيم الخاصة بك"؛ وكلامها هذا هو الذي ساعدني على اتخاذ قرار التنحّي جانباً.. فوجود الأطفال في حياة المرأة يُبطئ خطاها فعلاً؛ وعلى الواحدة منّا أن تعي ذلك وتُبقي عينيها مفتوحتين، إذ بصرف النظر عن حجم الدعم الذي يُمكن أن يُوفّره لها الشريك، سنتحمل نحن دائماً مسؤولية تقديم الرعاية الأولى والأخيرة للأسرة. والمعروف أنّ ما يحظى باهتمامنا ينمو ويستمر. لكن، للأسف لا يسعنا الاهتمام بكلّ شيء في الوقت نفسه وكثيراً ما يكون علينا الاختيار".

وإذ أسسّت في عام 2017، أكاديمية "بيلوغا بين"  بغرض  مساعدة النّساء على التعلّم من خبرتها في بناء المشاريع من الصفر والموازنة بين دورها كأم ودورها كسيّدة أعمال، فهي لم تهمل العناية بنفسها.

تُعلّم الأكاديمية مقررات من بينها "انطلاق" الذي يُعنى بمفاهيم الأعمال، و "غذاء" الذي يُدرّس مهارات الطبخ والخبز الضرورية لأجل تحسين الصحة. وقريباً ستطلق إليوت مقرراً جديداً تحت عنوان "حديث الجسد"، يستهدف المراهقين الذين يُصارعون في مواجهة قلّة الثقة بالنفس وسلوك الإيذاء الشخصي الناتجين عن تعرّضهم المستمرّ لوسائل الإعلام الاجتماعي.

تُعرب إليوت عن تفاؤلها حيال مستقبل الأكاديمية ودورها، مبينة "نحن ننمو بوتيرةٍ بطيئة، لكن لديّ رؤية كبيرة وسألتزم بها للسنوات العشرة القادمة.. فالأكاديمية نصفها تخطيط أعمال ونصفها اكتشاف ذاتي، وهي بالتالي تُغطّي كلّ شيء والغرض منها الإجابة على أسئلة كثيرة على شاكلة: ‘في غضون السنوات الخمس القادمة، أرغب في إطلاق هذا المشروع كما أرغب في إنجاب الأطفال‘؛ ‘أرغب في تأسيس شركتي الخاصة لكنّ شريكي غير واثق من هذه الخطوة‘؛ أودّ أن أساعد النساء الأصغر سناً على تحديد ميزانيتهنّ والادّخار لها بعد أن يتخرّجنَ ويعشنَ وحدهّن للمرة الأولى".

ومن خلال دورها كمحاضرة معروفة في مجال التغذية والصّحة، تدأب إليوت كذلك على تعليم فنّ الخبز الصّحي في "كلية الطب الطبيعي" في لندن، وكثيراً ما تُحاضر في روّاد المشاريع الناشئين عبر برامج البودكاست، التي تشتمل على مقابلات ونصائح من شخصيات مهمة في مجال الصناعات التكنولوجية والإبداعية في المملكة المتحدة، كبرنامج "القادة السريين".

في هذا الخصوص، تُوضّح "شعاري في الحياة أن أتعلّم وأكسب وأُحقّق العائدات؛ وثمّة جزء مني الآن يدعو إلى العطاء ومساندة الآخرين في المشوار الذي سبق وقمتّ به.. فهذه الأدوات ما كانت متاحة عندما بدأتُ العمل على "بلانيت"، وأرى أنّه من الرائع أن يسير المرء في مشواره إلى جانب شخصٍ يسنده، لأنّه في الحقيقة مشوار مخيف ولأنّ الوحدة التي سيفرضها عليك معظم الوقت قد تُسبب لك أزمة ثقة بالنفس".

وتُضيف "عندما أطلقتُ "بلانيت"، استلهمتُ تحرّكاتي من أنيتا روديك التي أسّست "ذي بودي شوب" في وقتٍ لم يكن فيه الكثير من الأمثلة التي تُحتذى لسيدات أعمال ناجحات".

السؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف تنجح إليوت في الموازنة بين مختلف جوانب حياتها؟ تقول رائدة الأعمال إنها تفعل ذلك "من خلال قضاء أوقات ممتعة كل أسبوع وتخصيص الوقت الكافي لنفسي. فأنا أرقص وأمشي كلّ يوم. التوازن مهم جداً بالنسبة إلي. نحن غالباً ما نتحدّث عن الاتجاه لكنّ نقطة الهدف هي التي تتحرّك باستمرار. وهذه كانت غلطتي مع "بلانيت" – كان الأمر متعلّق دائماً بالخطوة التالية. لكنّني أُدرك اليوم أنني بحاجة إلى قضاء أوقات ممتعة والاعتناء بنفسي لأنّني لا أعلم ما يُخبّئه لي الغد".

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من صحة