Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"عمالة الأطفال" و150 عاماً من اغتيال البراءة

"متسلقو المداخن" مروية تاريخية لمعاناة الصغار

ظاهرة استخدام الأطفال في تنظيف المداخن (اندبندنت عربية)

ملخص

متسلقو المداخن في بريطانيا كتبوا بمعاناتهم رحلة 150 عاما من عمالة الأطفال الشاقة

على رغم اهتمام الأمم المتحدة بمعاناة الأطفال من الأحداث والصراعات والظروف التي تتسبب في فقدانهم حقوقهم الأساس، وذلك بتخصيص اليوم الدولي لضحايا العدوان من الأطفال الأبرياء في الرابع من يونيو (حزيران) كل عام، إلا أن ثمة قصة عن براءة الطفولة التي اغتالتها الظروف، ففي عام 1875 وفي مقاطعة كامبريدج الإنجليزية حوصر طفل يدعى جورج بروستر (12 سنة) أثناء عمله داخل أحد مداخن مستشفى فولبورن، وحاول المسؤولون إنقاذه عبر الهدم الجزئي للمدخنة ولكن المحاولات فشلت وأعلنت وفاته بعد إخراجه بسبب امتلاء رئتيه بالسخام.

أثارت وفاة العامل الصغير ضجة في الصحافة البريطانية أدت إلى إجراء إصلاحات حقيقية لحماية الأطفال عبر تشديد قوانين تنظيف المداخن، إذ كان يتم استغلال أطفال الطبقة الفقيرة والأيتام على مدى أكثر من قرنين في تنظيف مداخن المنازل، ليس في بريطانيا فقط بل في كل أرجاء القارة العجوز، عطفاً على صغر أجسامهم الذي يمكنهم من الدخول إلى أنبوب المداخن والخروج منها. 

وعلى إثر هذه الواقعة، وبعد مرور نحو 15 عقداً من الزمان وإغلاق هذه الصفحة السوداء من تاريخ أوروبا، فإن عالمنا لا يزال يتداولها حتى اليوم، وتستعرض القصص والحكايات مهنة تنظيف المداخن التي كان روادها أطفالاً.

انتشار المداخن

في منتصف القرن الـ 18 شهدت الأراضي الإنجليزية تغيرات وتحولات اقتصادية واجتماعية كبرى بسبب الثورة الصناعية، إذ حلت الآلات والمكائن محل العمل اليدوي، ولم تعد المنتجات الحديثة حصراً على الطبقة الغنية بسبب وجود المصانع ووفرة الإنتاج.

وبشكل متزامن تنامى العدد السكاني في المدن وزادت المنازل وأصبحت أكثر ارتفاعاً بمداخن عدة في المبنى الواحد، وللحد من الحرائق أقرت الحكومة بعض التعديلات في تصاميم البناء ومن أبرزها تصميم المداخن التي اشترطت أن تكون ضيقة مع التفافات حادة في الزوايا، وإجبار أصحابها على تنظيفها أربع مرات في العام الواحد لتجنب تراكم الرماد الذي يتسبب في انسدادها، مما أسهم في زيادة الطلب على منظفي المداخن لتجنب الحرائق والغرامات الحكومية.

ولضيق مساحتها وارتفاعها العالي فلم يكن منظف المداخن البالغ قادراً على تنظيف كامل أجزاءها، فلجأ أصحاب هذه المهنة إلى استغلال أطفال الطبقة الفقيرة لإزاحة السخام والرماد العالق في زواياها.

المتسلقون الصغار

نمت ظاهرة استخدام الأطفال في تنظيف المداخن ما بين القرن الـ 17 وبداية القرن الـ 20 في بريطانيا وسويسرا وإيطاليا وبلجيكا وفرنسا، ولم تقتصر هذه المهنة على الأولاد فقط وإنما أحياناً كانت الفتيات الصغيرات تعملن فيها للحاجة المادية، واعتاد أصحاب ورش التنظيف استقطاب الأطفال في دور الأيتام والملاجئ، وفي ظل الظروف الصعبة لجأت بعض الأسر الفقيرة إلى بيع صغارها لأرباب العمل لضمان مسكن ومأكل لأطفالهم في مقابل عملهم الشاق والمحفوف بالأخطار.

أطلق على هؤلاء الأطفال لقب "المتسلقون"، وهم يعملون من عمر السادسة وأحياناً الرابعة، ويتسلقون المداخن من الأسفل إلى الأعلى حاملين معهم فرشاة كبيرة مسطحة فوق رؤوسهم، ومكشطة صغيرة لإزالة الرماد العالق في جنبات المدخنة، دافعين أنفسهم داخلها من ركبهم ومرافقهم، فيما ينتظر المسؤول عنهم أسفل المدخنة لتحفيزهم تارة والضغط عليهم بالصراخ والتهديد تارة أخرى.

وبعد بلوغ قمة المدخنة يهبط "المتسلق الصغير" مجدداً إلى الأسفل لضمان تنظيف كل زاوية وجمع الرماد داخل كيس كبير، وعلى هذه الوتيرة يعمل هؤلاء الأطفال طوال النهار في أكثر المهن صعوبة وخطورة وأقلها أجراً.

يعمل المتسلقون مرتدين ملابس سيئة لا تحميهم، ومعرضون إلى أخطار عدة منها الحروق أو السقوط من ارتفاع شاهق أو الاختناق داخل المداخن بسبب سقوط كميات الرماد العالقة على رؤسهم، وكذلك الإصابة بخدوش في أنحاء أجسادهم النحيلة التي تتطور إلى تعفن الجلد مسببة لهم أمراضاً مميتة حال لم يتم علاجها.

وبحسب قوانين مهنة تنظيف المداخن فعلى أرباب العمل الحصول على توقيع والدي المتسلق والموافقة الصريحة أمام أحد القضاة لتسليم طفلهم الصغير لممارسة المهنة، وبالتالي يكون أرباب العمل هم المسؤولين عن الصغير حتى البلوغ، متعهدين بتدريبهم بشكل جيد وعدم إرسالهم إلى مداخن مشتعلة، مع توفير قطعتين من الملابس خلال العام الواحد والاغتسال مرة أو مرتين أسبوعياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي المقابل وبعد أعوام من العمل يعاني هؤلاء الصغار إصابات صحية منها السرطان وسوء التغذية، وكذلك أمراضاً تنفسية وبصرية نتاج تعرضهم لسنوات من السخام والدخان، مع الحرمان من الأكل للحفاظ على حجمهم الصغير، إضافة إلى الإصابة بتشوهات جسدية وبخاصة عند مستوى العمود الفقري والمفاصل بسبب وضعية عملهم غير السليمة.

وكان من المتعارف أن يعيش الأطفال مع أسيادهم الذين يوفرون لهم وجبات الطعام الضئيلة ومكاناً للنوم، وبعد سنوات من العمل داخل المداخن ينتقلون من مرحلة التسلق إلى تدريب أطفال آخرين.

مطالبات وإصلاحات

أثارت الظروف التي يعيشها هؤلاء الأطفال عدداً من المطالبات البرلمانية والشعبية لمنع استغلالهم في ممارسة هذه المهنة، لكنها استمرت على مدى عقود لعدم وجود بدائل، وفي عام 1803 ظهر البديل المناسب وهو اختراع فرشاة ميكانيكية قابلة للطي وصالحة لتنظيف المداخن مهما كانت حدة زواياها، لكن أرباب العمل فضلوا الاعتماد على الأطفال.

وفي عام 1840 أجاز البرلمان البريطاني قانوناً يمنع تسلق المداخن لمن هم دون سن الـ 21 سنة، ولكنه لم ينفذ فكانت نتيجته الفشل.

وفاة الطفل جورج بروستر عام 1875 كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، فبعد ضغوط صحافية وشعبية مرّر البرلمان الإنجليزي قانوناً أكثر صرامة أجبر أصحاب الأعمال على الحصول على تراخيص رسمية لمزاولة العمل، وأوكل إلى منسوبي الشرطة مهمة تطبيق القانون الجديد، ومن حينها لوحظ تناقص عدد أطفال المداخن قبل أن يندثر نهائياً مع بدايات القرن الـ 20.

عهد الأصدقاء

وفي نهاية ثلاثينيات القرن الماضي قرأت المؤلفة الألمانية ليزا تيتزنر في أحد الكتب حكاية حدثت خلال العقود الأولى من القرن الـ 19، تتناول غرق 30 طفلًا سويسرياً على متن عبارة كانت متجهة إلى إيطاليا بعد حصولهم على فرصة عمل في تنظيف المداخن، وألهمت تلك الحادثة الحزينة تيتزنر فكرة التقصي والبحث حول حقيقة "أطفال المداخن" فأنتجت أشهر رواياتها "الأخوة السود" التي نشرتها عام 1941 وتحكي قصة طفل يدعى جوليان اضطرت عائلته الفقيرة في قرية سوغنونو السويسرية إلى بيعه ليتم تشغيله في تنظيف المداخن بمدينة ميلانو الإيطالية.

 

وبعد نصف قرن من نشر تيتزنر لـ "الأخوة السود" حُولت الرواية إلى مسلسل كرتوني ياباني للأطفال لا يتعدى 33 حلقة، ولاقى الإنمي نجاحاً باهراً عند عرضه، وتمت دبلجته إلى اللغة العربية باسم "عهد الأصدقاء" الذي عرض على قنوات عدة وترسخت صور أبطاله الصغار المتسخين بالدخان في أذهان المشاهدين حتى يومنا هذا، ومع كل مشهد وصورة ذهنية تعود الذاكرة للمعاناة التي عاشها أطفال المداخن قديماً، والمآسي التي يعيشها أطفال اليوم نتيجة التعرض للاعتدءات الجسدية والعقلية واللفظية، وكذلك اغتيال حقوقهم في التمتع بحياة آمنة، لا سيما من يعيشون في مناطق الصراعات والحروب.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير