Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الإصلاح التربوي... الواقع العربي يهزم أحلام التطوير

تتطلب عملية الإصلاح توافراً للإرادة السياسية وإمكانات مادية وكفاءة قيادية وقدرة على مقاومة التغيير وفك عقدة العقلية التبعية والجمود الديني

لا يزال النظام التعليمي من دون مستوى الطموح رغم حجم الإمكانات (أ ف ب)

ملخص

غالبية الدول العربية لم تستطع تحويل ثرواتها المادية والطبيعية إلى ثروة بشرية تقودها نحو القمة بعيداً من عواصف جمود التعليم وهشاشة التربية

قلما يجتمع مواطنان عربيان أو أكثر من دون أن يتطرقا إلى ملف التعليم والإصلاح التربوي، الحاجة إلى إصلاح المنظومة حديث وتفكير كل بيت، إن لم يكن ألماً وضغطاً بفعل الحمل التعليمي الثقيل والتحصيل المدرسي الضعيف، فإحباطاً من مخرجات تعليم لا تنعكس إيجاباً في سوق العمل، أو تأتي ثماراً في مجالات المعرفة والتنمية.

ولأن قضايا الإصلاح والمعرفة والتنمية تكاد تلمع على الورق وفي التقارير وكذلك الدراسات والأبحاث من فرط روعتها وجاذبيتها، فإن الصدمة تكون عنيفة حين تنتقل القضايا من الأوراق إلى الواقع، قصور واضح في قدرات الخريجين المعرفية، وشح واضح في درجة تمكنهم من المهارات العلمية والتكنولوجية، أما التفكير النقدي والبحث العلمي فحدث ولا حرج.

العالمون بأسرار الإصلاح التربوي والعاملون في مجال التربية والتعلم يقولون إن الإصلاح التربوي الحقيقي لم ولن يتحقق إلا بتوافر الرغبة والإرادة السياسية، وتمكين المرأة في الواقع وليس في الخيال، ووضع حد للتهميش الاقتصادي، وتحرير منظومة الإصلاح من التراث الجامد والتطرف الديني، وكلاهما يحجم من قدرات الإصلاح والمصلحين لتفعيل الإصلاح فعلاً لا قولاً.

ويكفي أن النسبة الأغلب من الدول العربية لم تستطع بعد تحويل ثرواتها المادية والطبيعية إلى ثروة بشرية تقودها نحو القمة، وبعيداً من عواصف جمود التعليم وهشاشة التربية.

مصر... هدأت العاصفة وانهزم الإصلاح

هدأت العاصفة وسكنت المخاوف بعد ما اطمأنت القلوب وتأكدت العقول أن شبح الإصلاح الذي كانت تلوح أخطاره في الأفق قد ذهب إلى حال سبيله، وأن "بعبع" إعادة البناء قد انهزم بضربة الرغبات الشعبية القاضية.

لم يكن قضاءً وقدراً بقدر ما كان ضغطاً شعبياً وحراكاً أسرياً مصرياً ذلك الذي أحال ملف الإصلاح التربوي إلى الأرشيف لحين إشعار آخر، واستعاد ملف التعليم بنسخته الأصيلة حيث الحفظ عقيدة، والصم منهج، والدروس الخصوصية راسخة، ورواتب المعلمين وحوافزهم ودرجاتهم الوظيفية للترقي والعلاوة أولوية قصوى، حتى وإن ظل الحديث عن التطوير مستمراً، والتأكيد على إدماج التكنولوجيا في العملية التعليمية متعاقباً، ومؤتمرات وفعاليات ربط التعليم بسوق العمل وصياغة نظام تعليمي هدفه بناء الشخصية وتنمية المهارات واكتشاف المواهب متواترة.

تواترت على مصر الحديثة عديد من محاولات وأشباه محاولات الإصلاح في ملف التربية والتعليم في كل نظام سياسي في مصر الحديثة، تحديداً منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في منتصف خمسينيات القرن الماضي وحتى اليوم والمحاولات لا تتوقف للإصلاح.

أحدث محاولات الإصلاح التربوي في مصر، التي دارت في سنوات ما بعد أحداث يناير (كانون الثاني) عام 2011، جرى تجميدها بعد ما قوبلت ببعض المشكلات في التنفيذ وكثير من المقاومة من قبل أطراف العملية التعليمية نفسها، وعلى رأسهم المعلمون وأهالي الطلاب.

الإصلاح في 2011

ولأن أبرز هتافات ومطالبات أحداث عام 2011 دار حول إصلاح التعليم، واستجابة وربما يقيناً بأن إحدى  أكبر مشكلات مصر التي تعرقل انتقالها إلى عصر العلم الحديث والمعرفة الحقيقية والحداثة الحضارية هو محتوى التعليم وعقيدته، فقد بذلت مصر جهداً لإصلاح ثقافة التعليم وإعادة بناء منهج التعلم ليكون قائماً على المعرفة لا الاكتناز، واعتبار الطالب طرفاً فاعلاً في المنظومة وليس مفعولاً به، وتطوير فكر المعلم ليصبح مساعداً على التفكير ومحفزاً للبحث، وليس أداة لحشر المعلومات، والتأكد من بقائها في داخل جماجم الصغار حتى يوم الامتحان، إلا أن الجانب الأكبر من الجهد قوبل بمقاومة عنيفة ورفض صارخ.

منظومة المعلمين، التي صارت في عديد من جوانبها تعليماً منزوع التربية أغلبه يدور في "السنتر" وليس المدرسة، إضافة إلى الأهالي، لا سيما الأمهات، شكلوا حائط صد مقاوم للتحديث، ومناهض للتغيير، ومطالب بإبقاء التعليم على ما هو عليه، رافعين راية "هذا ما وجدنا عليه آباءنا".

 

يقول أستاذ علم الاجتماع التربوي وأمين عام المجلس العربي للطفولة والتنمية حسن البيلاوي في كتابه "سوسيولوجيا التربية والتنمية: تربية متكاملة لتنمية متكاملة" (2017) "إنه على رغم التاريخ الطويل لمصر في العلم والبحث العلمي والتعليم، وعلى رغم الحداثة الظاهرة في المنظومة، فإن "التعبير الاجتماعي للعلم" أو Social inscription of science ظل غير مستقر في الثقافة المصرية منذ عهد محمد علي". ويضيف، "تشكل تاريخنا في إطار علاقات النسب والثقافة البطريركية ومعتقدات دينية يغلب على كثير منها التزمت، علاوة على سيادة مناخ اجتماعي وسياسي لا يعترف بالفرد، وهو ما أثر سلباً في ممارسات الإبداع وأنشطة البحث والتجديد وكبحت كثيراً من فرص إطلاق طاقة الشباب الإبداعية والإنسانية".

ويتابع البيلاوي أن تكنولوجيا المعلومات نمت وتوغلت، لكن في ظل غياب سياسات ثقافية مستنيرة، كانت النتيجة هيمنة ثقافة هجينة على الصغار والشباب مع جذور تراث ماضوي جامد وتيارات متطرفة وافدة عششت في عقول الأجيال الجديدة عبر التعليم والإعلام والأسرة وكل سبل الحياة اليومية، ويرى البيلاوي أن ما حدث هو تفاعل تخلف التنمية مع تشوه البنى والهياكل الثقافية والاقتصادية والاجتماعية مع تخلف التربية وواقع المعرفة في أغلب الدول العربية ومصر.

واقع الحال التربوي

واقع الحال التعليمي والتربوي في مصر يشير إلى توافر مقومات وأدوات الإصلاح من جهة، ومقاومة والالتفاف على هذه المقومات مع هيمنة "ما تعرفه أحسن مما لا تعرفه" من قبل معظم أطراف العملية التعليمية من مسؤولين ومعلمين وأولياء أمور وأصحاب مراكز دروس خصوصية. الطريف والمثير أن أقل مقاومة للإصلاح تأتي من أصحاب الشأن: الطلاب.

طلاب مدارس مصر، المقدرة أعدادهم بنحو 25.5 مليون طالب وطالبة، يجدون أنفسهم ضحية شد نظري وجذب عملي من قبل كل من له باع أو شأن أو اهتمام في الإصلاح التربوي، وترصد دراسة معمقة أجرتها مؤسسة كارنيغي للشرق الأوسط عنوانها "على خطى التجديد والإبداع، البحث عن مسارات مبتكرة للإصلاح التربوي العربي" (2022) عديداً من الإنجازات والإيجابيات التي بذلت لإصلاح التعليم في مصر عبر برامج عدة، مثل برامج "ستيم" (نظام تعليم يشمل مهارات يحتاجها الطالب في العلوم والهندسة والرياضيات والتكنولوجيا ويعرف اختصاراً بالإنجليزية بـSTEM.

شيء من القديم

لكن الدراسة رصدت أيضاً أنه حتى دعاة التغيير والإصلاح حافظوا على شيء من التمسك بالأساليب القديمة لتقييم قدرات الطلاب، وهذه المدارس لا تقبل إلا أصحاب الدرجات النهائية والمرتفعة، باعتبارها المعيار الوحيد للتقييم، على رغم أن الدرجات المرتفعة في نظام التعليم تعكس قدرة الطالب على الحفظ وليس التعلم، كما رصد التقرير ظاهرة مقاومة التغيير وتعديل الدفة من التعليم إلى التعليم، لا سيما بين أولياء الأمور والمعلمين، مشيرة إلى أنه حتى يتكلل هذا التحول بالنجاح، ينبغي أن يغير المعلمون ممارساتهم التعليمية حتى تتواءم مع النموذج الجديد.

 

كما رصدت الدراسة استمرار حرص أولياء الأمور على توجيه أبنائهم وبناتهم لنوعية ونظم تعليم لها علاقة بمهن لا تبدو أرفع مكانة فحسب، بل توفر لهم الأمن الاقتصادي، واعتبرت الدراسة مثل هذه الأمور مهمة ومفهومة، لكن حين تتحول إلى محط التركيز الوحيد في الإصلاح التربوي فهناك خطر بأن تقتصر النتيجة على الشكل دون الغوص في جوهر التعليم.

جوهر التعليم وفكرة الإصلاح التربوي وغاية تحويل الدفة من التعليم عبر اكتناز المنهج إلى التعلم باكتساب المهارات تجد نفسها في موقف لا تحسد عليه هذه الآونة، قوى المقاومة من معلمين وأولياء أمور هدأت بعد عودة المياه القديمة إلى مجاريها في المنظومة التعليمية، وباتت العناوين تدور حول "نماذج استرشادية لتدريب الطلاب على حل أسئلة الامتحانات" "وكيل التعليم في محافظة كذا يتابع سير العملية التعليمية" "تأكيد على أن الامتحان في مستوى الطالب المتوسط". كما جرى الإعلان قبل أيام عن مسابقة بحثية لطلاب المدارس حول موضوعين، الأول هو التغيرات المناخية في ميزان الفقه الإسلامي، والثاني هو تجديد الخطاب الدعوي الإسلامي في منهج الشيخ الشعراوي.

العراق... المحاصصة وصلت إلى التعليم

ومن مصر ومعضلة الإصلاح التربوي ومسابقة الطلاب العلمية عن المناخ في الفقه وتجديد الخطاب الديني في منهج الشعراوي، الذي يتهم البعض فكره بالتسبب في شيوع ثقافة التشدد والانغلاق إلى العراق حيث تحوم كلمات المفكر والفيلسوف الكندي آلان دونو الواردة في كتابه "نظام التفاهة"، فقد ذكر دونو أن التفاهة بسطت سلطانها على أرجاء العالم، وأنها (التفاهة) مدت أذرع سيطرتها في كل اتجاه وميدان، ولم تستثن الحقل الأكاديمي أي الجامعات والكليات ومراكز الأبحاث، فالمنظومة الأكاديمية، وفقاً لدونو، في العالم برمته، وحتى في أشهر وأرقى جامعات العالم، صارت رهينة التفاهة والتافهين، وأصبحت المعرفة رهينة ظاهرة التسليع "تسليع المعرفة وبيعها للجهات الممولة للجامعات من خلال سلسلة تبدأ أولى حلقاتها في سعي الأستاذ الجامعي للحصول على المنح من هذه الجهات الممولة، وهكذا ينحدر العمل بالجامعة إلى درك التفاهة، فتتحول فيه من منتج للمعرفة إلى تاجر فيها".

في السنوات القليلة الماضية، استُبعد العراق من مؤشر دافوس لجودة التعليم، وهو ما يعني تراجعاً لمستوى التعليم والمنظومة برمتها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يوضح الأستاذ الجامعي حيدر الشمري، لـ "اندبندنت عربية"، الذي عمل في مجال التدريس في العراق وحالياً في كندا، أن أسباب تراجع التعليم في العراق يعود إلى التدخلات السياسية التي أسهمت بشكل جلي في تراجع جودة البحث العلمي.

وفي السياق نفسه يوضح مدير عام تربية الرصافة الثانية حميد عبدالله أن قطاع التربية والتعليم "قد أهمل لصالح الصراع السياسي والحزبي، الذي أصبح يحتل الأولوية في الدولة، وبالإمكان أن ننتقل في العراق من مرحلة التدريس إلى مرحلة التعليم في حال وجود إرادة سياسية تعطي لقطاع التربية حقوقه المغيبة من بعد 2003. هذا القطاع جرى إهماله بشكل متعمد لحد إنهاك هذه المؤسسة لتصل إلى مرحلة الموت السريري".

ينفق العراق، وفقاً لتقارير البنك الدولي، ما يقارب 10 في المئة من الميزانية العامة على التعليم (الأولي والعالي)، وتمثل رواتب المدرسين والموظفين حصة عالية نسبياً من الإنفاق على التعليم العام (93 في المئة)، بينما يجري تخصيص واحد في المئة فقط من ميزانية الاستثمار في العراق لقطاع التعليم.

وأدى تراجع حجم الإنفاق إلى التراجع في الخدمات التعليمية، ويشار إلى أن عديداً من الطلاب في القرى ما زالوا يرتادون المدارس الطينية و"الكرفانية"، وهذا بدوره يؤثر بشكل كبير في الخدمات التعليمية المقدمة، كما أن نسبة الالتحاق بالمدارس منخفضة، إذ يوجد في العراق ما يقدر بنحو 2.1 مليون طفل، تتراوح أعمارهم بين ست و17 سنة خارج المدرسة.

تغيير بنى التفكير

غالباً ما يجري تغيير المناهج الدراسية بشكل مستمر في العراق، لكنها وفقاً للتربويين تبقى بعيدة عن محاكاة التطور ومراعاة التقدم التكنولوجي. ويرى التربوي، علي البارودي، أن تغيير المناهج غير كاف لجودة التعليم، بل لا بد أن يرعى تغيير المناهج حاجة المؤسسات، يقول "نحتاج إلى الانتقال من التدريس إلى التعليم، ويجب أن يبدأ هذا بإعداد جيل جديد من المعلمين، الذين يؤمنون بالتعليم التواصلي التفاعلي الذي يتطلب بدوره تطوير البنية التحتية للمؤسسات التعليمية".

أما الاستشاري في إدارة المنتجات الرقمية الخاصة بالتعليم أحمد فهد الشكَرة فيرى ضرورة إعادة النظر في فلسفة التعليم بشكل شمولي (فلسفة المدرس الموجه والمناهج التطورية) وعلاقة نظام الانسيابية الأكاديمية بنظام التقييم في التعليم العام (التنافس التحصيلي مقابل المواءمة المهارية). ويقول إن الفرصة متاحة للعراق لإعادة التفكير في بنى التعليم حتى تصبح مخرجاته أكثر ملاءمة لمتطلبات العصر.

لبنان... عدوى الشلل أصابت القطاع التربوي

وفي لبنان أثقلت الأزمات المتلاحقة قطاع التربية والتعليم وقلبته رأساً على عقب، بعدما كان طيلة عقود صورة مشرقة للبلاد ومقصداً للطلاب العرب والأجانب، وعدوى الشلل التي طاولت كل القطاعات منذ بداية الأزمة لم تستثنِ قطاع التعليم الذي نال نصيباً كبيراً من انعكاساتها السلبية.

وأدى فقدان الليرة اللبنانية نحو 98 في المئة من قيمتها أمام العملات الأجنبية الأخرى إلى انهيار الموازنات التشغيلية للمدارس كذلك رواتب المعلمين والإداريين.

 

ووفق إحصاء مؤسسة "الدولية للمعلومات" تراجع عدد المعلمات والمعلمين بين 2019 و2023 في المدارس الخاصة والرسمية بمعدل 12500 أستاذ أي بنسبة 12.4 في المئة، سواء نتيجة تخليهم عن مهنة التعليم وانتقالهم إلى قطاعات أخرى أو السفر إلى الخارج.

يتعرض نظام التعليم الرسمي في لبنان لخطر داهم بسبب إغلاق المدارس فترات طويلة، نظراً إلى إضراب المعلمين الذين يطالبون بزيادة أجورهم، إضافة إلى الانقطاع المستمر للكهرباء، بحيث تشير تقارير صادرة عن الأمم المتحدة إلى أن المدارس الرسمية فتحت أبوابها لأقل من 50 يوماً فقط منذ بداية العام الدراسي، بينما غادر 500 ألف طالب وطالبة مقاعد الدراسة.

وفي تقرير حديث حذرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) من أخطار انقطاع الأطفال في لبنان عن التعلم، داعية الحكومة إلى إعطاء الأولوية للحلول طويلة الأجل من خلال موازنة الدولة لعام 2023 وحثت بيروت على اتخاذ خطوات لدعم المعلمين من خلال تحديد دخل يحفظ كرامتهم ويساعد الأطفال في الحصول على تعليم جيد وآمن وشامل.

غياب الحد الأدنى

ويبلغ عدد مؤسسات التعليم الرسمي 1235 مدرسة تضم نحو 242 ألف طالب ويقدر عدد أساتذتها بأكثر من 55 ألف أستاذ. وفي هذا السياق يوضح رئيس رابطة التعليم الأساسي حسين جواد، "يحاول معظم المعلمين ترك وظيفتهم والهجرة وكثير منهم قدم طلبات استيداع (مسألة قانونية يتوقف فيها عن عمله لفترة عام أو عامين) وبعضهم يغادر البلاد من دون إذن".

ولفت إلى أن روابط المعلمين يطالبون الدولة بتأمين الحد الأدنى من المقومات ليتمكنوا من العودة إلى المدارس، وهي عبارة عن خمسة ليترات بنزين و300 دولار كبدل إنتاجية عن أربعة أشهر سابقة و125 دولاراً شهرياً عن الفترة المتبقية، مؤكداً أن تغطية الاستشفاء باتت وكأنها غير موجودة لأكثر من 320 ألف موظف في القطاع العام.

وذكر أن راتب الأستاذ معدله الوسطي بعد مضاعفته في الموازنة الأخيرة يتراوح بين 8 إلى 10 ملايين ليرة أي أنه لا يتجاوز المئة دولار، موضحاً أن كل الدراسات تؤكد حاجة المعلم إلى 600 دولار في الأقل ليصبح على خط الفقر وليس تحته.

المدارس الخاصة تعاني

وعلى رغم أن القطاع الخاص استطاع نسبياً تخفيف حدة الأزمة، فإن نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض يشكو من استفحال الأزمة في القطاع الخاص أيضاً وتهديد مستقبل طلابه نتيجة لما يعتبره "هدر حقوق الأساتذة"، مذكراً بأن القطاع الخاص يوفر التعليم لنحو 75 في المئة من طلاب لبنان.

ويبلغ عدد المدارس الخاصة وفق "الدولية للمعلومات" نحو 1209 مدارس ويعمل فيها 52 ألف معلم بينهم 20 ألف متقاعد، كما يصل عدد المدارس الخاصة شبه المجانية إلى نحو 352 مدرسة ويعمل فيها 7 آلاف و468 أستاذاً.

وكشف عن أن معظم المدارس الخاصة فرضت على الأهالي تسديد نسبة من الأقساط بالدولار النقدي، لكنها تعطي المعلمين 100 دولار نقدي فقط مضافة إلى رواتبهم الزهيدة بالليرة، كما أن نحو 10 في المئة من المدارس الخاصة تعطي المعلمين قرابة 300 دولار لا تغطي أيضاً حاجتهم في ظل التضخم الكبير بلبنان و"دولرة" اقتصاده.

ويشير إلى أن عدداً كبيراً من إدارات المدارس ومع غياب الرقابة لا تلتزم القانون لأن الأقساط التي يسددها الأهالي تذهب نسبة 65 في المئة منها لأجور المعلمين و35 في المئة لتغطية المستلزمات التشغيلية وأرباح أصحابها، كاشفاً عن توجه معظم معلمي المدارس الخاصة قريباً لتصعيد تحركاتهم المطلبية، مع الإشارة إلى أن عدداً كبيراً من المدارس خفضت أيام التعليم الأسبوعية من خمسة أيام إلى أربعة أو ثلاثة وبحصص تدريسية قصيرة.

فساد وهدر

في المقابل يرى الباحث التربوي في مركز "الدراسات اللبنانية" نعمة نعمة أن الفساد المستشري فاقم الأزمة وسرع وتيرة انهيار القطاع التربوي، كاشفاً عن دخول مبالغ تراكمية إلى لبنان منذ 2010 تقدر بنحو 2.5 مليار دولار لدعم التعليم الرسمي، تضاف إلى موازنات الدولة المخصصة لوزارة التربية، في وقت نظرة واحدة إلى الواقع تؤكد عدم صرف تلك المليارات بشكل شفاف.

ويعتبر أن الحكومات اللبنانية المتعاقبة سعت إلى إيهام الرأي العام أن المساعدات الخارجية كانت مخصصة حصراً لتعليم أبناء النازحين السوريين، بينما الحقيقة، "لم يتجاوز عدد الطلاب السوريين خلال أعوام الذروة في المدارس الرسمية 210 آلاف طالب، وهم اليوم أقل من 100 ألف"، كاشفاً عن أن التمويل الخارجي لتعليم السوريين يقدر بـ 600 مليون دولار وبقية التمويل كانت لتطوير المناهج وتعزيز البنية التحتية للتعليم الرسمي، وكل ذلك لم يحدث، والمناهج ما زالت متأخرة نحو 30 عاماً وجودة التعليم في المدارس الدولية بلبنان تقتصر على نحو 40 ألف طالب أي 10 في المئة فقط.

موت سريري

واقع الجامعة اللبنانية التي تملك 17 كلية وأربعة معاهد دكتوراه وأكثر من 154 اختصاصاً ليس أفضل حالاً، إذ تعاني المشكلات نفسها، وفي هذا الإطار يكشف رئيسها بسام بدران عن أن غياب صيانة المجمعات والمباني يحولها إلى مبانٍ غير صالحة للتعليم، موضحاً "في وقت لا تزال موازنة الجامعة بالليرة اللبنانية المنهارة، فإن أي قطعة للصيانة يجب دفعها بالدولار" ولافتاً إلى مشكلات عدة تهددها أبرزها رواتب الأساتذة والموظفين.

وتشير الأرقام الى تراجع الأساتذة المتفرغين الذين بلغوا 1600 أستاذ قبل 2019 بنسبة 30 في المئة، وتحتضن الجامعة اللبنانية نحو 85 ألف طالب وطالبة في جميع الفروع ومن مختلف المناطق اللبنانية، بعدما كان عددهم 120 ألفاً.

وتكشف دراسة تحت عنوان "تأثير الأزمة اللبنانية في التعليم العالي" أعدها الباحث الأكاديمي حاتم حلاوي عن اتجاه كارثي بالنسبة إلى التعليم واقتصاد المعرفة في لبنان، بعدما كان رائداً تربوياً في المنطقة.

وتفيد بأن 43 في المئة من الطلاب اختاروا جامعات غير التي كانوا يخططون للانضمام إليها، و94 في المئة منهم ذكروا أن المال هو العائق، و54 في المئة ينوون الانضمام إلى الجامعة اللبنانية على رغم الضبابية وعدم وضوح مستقبل التعليم فيها بسبب الأزمة المالية الخطرة التي تمر بها البلاد. ووفق الدراسة، تبين أن 11 في المئة انضموا إلى جامعات من الصف الأول ذات القسط المرتفع.

وعلى رغم أن 60 في المئة من الطلاب يعيشون في منازل يملكها ذووهم، فإن 89 في المئة منهم لجأوا إلى الجامعة الرسمية أو جامعات ذات قسط منخفض وقريبة جغرافياً منهم. أما معدل بدل الإيجار لأولئك الذين يستأجرون بيوتهم، فهو 120 دولاراً، مما يدل على تراجع هائل في قيمة الإيجار، وهو مؤشر إلى هبوط القدرة الشرائية للمجتمع اللبناني. وأنتجت الأزمة ظاهرة جديدة هي أن 31 في المئة من الطلاب يعملون بدوام جزئي على رغم تدني الرواتب وذلك يعني عدم قدرة الطلاب على التعلم من دون عمل جانبي.

السعودية... الاستعداد لجيل المستقبل

وفي السعودية "لا يزال النظام التعليمي من دون مستوى الطموح على رغم حجم الإمكانات التي وفرت له ومن دون مستوى التحديثات التي يواجهها الوطن على كل الصعد"، وهو ما خلصت إليه عام 2016 دراسة وزير التعليم الأسبق أحمد العيسى في كتابه.

الدراسة التي حملت عنوان "إصلاح التعليم في السعودية بين غياب الرؤية السياسية وتوجس الثقافة الدينية وعجز الإدارة التربوية" أكدت أن مخرجات النظام التعليمي لدينا لا تزال أضعف من أن تواجه تحديات الحاضر والمستقبل التي لن نستطيع مواجهتها من دون بناء نظام تعليمي متمكن وقادر على استيعاب جيل المستقبل.

ويقول أستاذ أصول التربية بجامعة القصيم نايف الرحيلي إن واقع الإصلاح التربوي في السعودية خضع لعدد من المشاريع الإصلاحية والتطويرية التي استهدف بعضها المنظومة التربوية بكاملها وبعضها الآخر تناول أحد جوانبها، وآخرها دور رؤية "المملكة 2030" التي جعلت التعليم من أولوياتها الرئيسة إيماناً منها بدورها الفاعل في صنع رأس المال البشري وتحقيق متطلبات التنمية وحاجات سوق العمل.

وأوضح الرحيلي أهمية صياغة مفهوم ودور المؤسسة التعليمية التربوية والمعلم وذلك بإمداد المتعلم بمهارات المستقبل وإعادة هيكلة المؤسسات التربوية في السعودية لتواكب الاتجاهات الحديثة في الإصلاح التربوي والتطورات والتقنيات الحديثة.

ورأى الكاتب فهد العتيبي أن المناهج هي أحد المحركات الأساس لتطوير التعليم، فمنذ ثلاث سنوات ونصف ووزارة التعليم تتخذ من تطوير المناهج نقطة انطلاق نحو الإصلاح التربوي، ومن هنا تم إنشاء مركز تطوير المناهج بالوزارة.

وأشار العتيبي إلى أن المركز يحظى مع ملف المناهج بدعم معالي وزير التعليم، حتى جرى اتخاذ 200 ألف تعديل يشمل كل المناهج في أكبر عملية تصحيح في تاريخ السعودية.

وجاءت هذه التعديلات شاملة لتعزيز الولاء والانتماء للوطن وتعزيز الوسطية والتعددية الثقافية والقيم الوطنية وتطهير المناهج من الفكر الإخواني، وتأهيل أبنائنا وبناتنا لسوق العمل وتزويدهم الخبرات والمهارات اللازمة للمنافسة العالمية، واستيعاب مفردات ومهارات القرن الـ 21.

ولم يتوقف الأمر عند حدود تعديل المحتوى وتطويره بل أدخلت مناهج عصرية جديدة مثل التفكير الناقد الذي أصبح ضرورة لتعزيز القدرات الذهنية عند الطالب.

وقال الكاتب عبد الله الجديع إنه "لا بد من أن نستحضر ونحن نتحدث عن الإصلاح التربوي أن موجة كبيرة نالت من التعليم بوجه عام في المنطقة العربية وتحديداً بعد سبعينيات القرن الـ 20 حين تمكن عدد من المحسوبين على الإخوان وفروعهم من إعداد المناهج وقراءة التاريخ والعالم والمستقبل وفق أدبيات غير علمية، بل أيديولوجية ذات مضامين سياسية أكثر من محتواها العلمي".

وأشار الجديع إلى أن "تلك الموجة كشفت عن خطورة أن تتحول أروقة التعليم إلى محاضن لأطروحات متطرفة تظهر نتائجها بعد جيل أو جيلين، وهذه الطريقة التي انتهجها الإخوان في المنطقة العربية كانت مسبوقة من الاشتراكيين في أوروبا حين اخترقت أروقة الجامعات التوجهات اليسارية المتطرفة بشدة، وحين كانت بلادهم في مواجهة مع الاتحاد السوفياتي كان في الجامعات من يدافع عن النموذج الاشتراكي في الحكم أو يسعى إلى مهاجمة الأنظمة الاقتصادية والسياسية في الغرب، فلم تكن طريقة الإخوان جديدة وإن كانت أقل كفاءة من نظيرتها اليسارية".

وأوضح الجديع أنه "على رغم أن السعودية حذفت كل ما يتعلق بالإخوان من المناهج الدراسية إلا أن العملية التعليمية لا تعتمد على المناهج، إذ إن المناهج ما هي إلا حجر واحد من فسيفساء العملية التعليمية بشمولها، فالمعلم أشد أهمية من المنهج الذي ينبغي له إشراف وتدقيق، إذ التفتت وزارة التعليم للمناهج والخوف من الملقن، وحتى تكون العملية التعليمية مميزة بكفاءة عالية لضمان أن لا تتحول إلى محاضن أيدلوجية معادية، بل يراد منها ما خصصت له من التعليم والتثقيف وما يعزز الانتماء، ولا بد من العمل أكثر على الإصلاح التربوي الذي يشمل جميع جوانب التعليم".

السودان... العملية التعليمية المعقدة ازدادت تعقيدا

 يبدو أن متطلبات العصر، التي تبدو بديهية ومعروفة في أغلب أرجاء العالم، يسودها غموض ما عربياً، ففي السودان مثلاً، يشير المتخصص التربوي أحمد المصطفى إبراهيم إلى أن العملية التربوية أصبحت بالغة التعقيد، وتعتري المشكلات كل عناصرها من معلم وطالب ومحتوى (مناهج) وطرق تدريس، فضلاً عن البيئة المدرسية، فهذا الواقع المرير ظل ماثلاً منذ زمن طويل، ما أدى إلى خلل كبير.

مثلاً، 70 في المئة من المعلمين غير مدربين أو مؤهلين للعمل في مجال التدريس، ويعود ذلك إلى تردي الأوضاع الاقتصادية ما دفع أعداداً كبيرة من المعلمين إلى الهجرة، وملئت الفجوة بأشخاص غير مدربين أو متخصصين.

 

وتابع إبراهيم أن ضعف الميزانيات على مدار عقود أسهم في إضعاف العملية التعليمية، "فلا يعقل أن تبني جيلاً على قدر عال من التعليم والمعرفة بميزانية لا تزيد على اثنين في المئة من موازنة الدولة، وهذا يعكس عدم الاهتمام من السلطة السياسية في هذا المجال، ويقول إن "هذا الخلل أضر بالمجتمع والإنتاجية، نظراً إلى ضعف التحصيل والمردود العلمي، إذ أصبح التعليم تجارياً بحتاً، الطالب يمكنه أن ينجح في عشرات الامتحانات، لكنه لا يستطيع أن يكون مبدعاً أو مفكراً لاعتماده على التلقين والحفظ، بالتالي هناك كوارث مخفية ستكون نتائجها كارثية في المستقبل القريب".

وأشار إلى تفشي ظاهرة إضرابات المعلمين بسبب ضعف الأجور وتدني البيئة التعليمية، كما لا يزيد عدد أيام الدراسة الفعلية في العام على 150 يوماً، ويؤكد أن الإصلاح التربوي ليس صعباً، لكن يتطلب استقراراً سياسياً والتوقف عن التعامل مع التعليم باعتباره مشروعاً ربحياً.

كما يؤكد ضرورة مواكبة التقدم التكنولوجي في تدريب وتأهيل المعلم، وفي إعداد المناهج الدراسية، فضلاً عن الاستفادة من الثورة المعرفية، وتغيير النظام التعليمي التقليدي الذي يعتمد على الحفظ والتلقين ليكون مؤسساً على متغيرات حاجة سوق العمل في البلاد".

تخريب المناهج

ويرى أستاذ الاقتصاد السياسي، حسن بشير محمد نور، أن العملية التعليمية والتربوية تعرضت إلى تخريب ممنهج منذ زمن بعيد، يقول إن تغييرات عدة جرت في عهد رئيس السودان السابق الراحل جعفر نميري (1969- 1985) من منطلق أنها لا تلبي احتياجات التنمية الاجتماعية والاقتصادية بشكل كاف.

وزاد الطين بلة وصول جماعة الإخوان المسلمين للحكم في 1989، إذ خضع التعليم لعملية أدلجة شاملة، فضلاً عن الاعتماد على التعليم التلقيني على رغم ثورة المعرفة وإمكان الحصول على المراجع والمعلومات عبر الإنترنت.

وأضاف نور أن معاناة المعلم أسهمت في تدهور البيئة التعليمية، وذلك لتدني الأجور وضغوط الحياة المعيشية، ما جعله يعمل في أكثر من مدرسة لتغطية مصروفاته اليومية، وكذلك خروج الدولة من المنظومة.

وعلى رغم ذلك، يقول إن الإصلاح التربوي ليس بالعملية الصعبة إذا توافرت الإرادة والقناعة، مشيراً إلى أنه سبق وكانت هناك محاولات جادة لعملية إصلاح شاملة خلال فترة حكومة رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، لكن تعرضت هذه المحاولات لحرب شعواء نتيجة للأدلجة والشحن الزائد والجهل، وأضاف "نهوض أي أمة يرتبط بإصلاح حال التعليم والمعرفة".

الجزائر... إصلاحات بلا نتائج ومستقبل بلا تخطيط

وفي الجزائر، تفتقد منظومة التعليم الكثير في ظل تردي حال التعليم والمعرفة، لكن غياب البعد المستقبلي للتعليم وقلة الاعتماد على الأساليب الحديثة القادرة على اكتشاف مهارات الطلاب وتطوير قدراتهم يأتي على رأس المشكلة.

وطيلة عقود مضت، والحكومات المتعاقبة تجري إصلاحات، لكن لم يسفر أي منها عن نتائج عملية، إنما عالجت مشكلات مؤقتة أو عالقة مرتبطة بالجانب البيداغوجي أو المهني للمعلمين، في حين لا تزال المسائل الجوهرية المرتبطة بالمناهج قائمة.

المناهج التعليمية الحالية تعتمد تخزين المعارف النظرية، التي تكون في بعض الأحيان غير ضرورية للحياة، ولا تفيد المتعلم في شيء سوى أنه يكدسها في ذهنه، ويستدعيها وقت الحاجة أي في الامتحانات.

 

وفي العام الدراسي الحالي، اعتمدت الجزائر تدريس اللغة الإنجليزية في المرحلة الابتدائية، للمرة الأولى في تاريخ البلاد، بهدف الارتقاء بمستوى التعليم، وهي الخطوة التي أثارت جدلاً بين مؤيد ومعارض.

كما لجأت وزارة التربية في الجزائر إلى تفعيل امتحان تقييم المكتسبات لتلاميذ المرحلة الابتدائية، والتخلي عن امتحان نهاية مرحلة التعليم الابتدائي ضمن ما قالت إنه "لتعميق الإصلاحات"، مع إعادة النظر في تنظيم الامتحانات المدرسية، وهو الإجراء الذي اعتبرته الاختصاصية الاجتماعية أمينة حريش، في تصريحات للإذاعة الحكومية، أنه سيخفف الضغوط النفسية والمعنوية على المتعلمين.

وأوضحت أن الاعتماد على هذه الطرق في التقييم ناجع وفعال، ويرسخ في أذهان التلاميذ أن اكتساب المعارف والتحصيل المدرسي لا يرتبطان بامتحان الشهادة فقط.

ويربط نقابيون بين المناهج التربوية والظواهر المرضية التي تعيشها المدرسة في ظل بروز العنف وآفات اجتماعية دخيلة، إذ أعادت جريمة الطعن في الظهر التي تعرضت لها المعلمة ريحانة بن الشية، مطلع العام الجاري، على يد أحد تلاميذها في الصف الرابع متوسط، داخل مؤسسة تعليمية في منطقة باتنة شرق الجزائر، الانتقادات الموجهة للمنظومة التربوية.

ومن المطالب التي ينادي بها أنصار الإصلاح التربوي تحسين محتوى التعليم ووسائله وأساليب تقويمه، لينظر بالاعتبار إلى المواهب والملكات والاحتياجات النفسية، وليس فقط الجانب المعرفي الكمي.

ويسعى البعض من المعلمين الشباب إلى تحسين طرق وتقنيات إيصال المعلومات للطلاب في المدارس الحكومية، وهو اجتهاد منهم بهدف الانتقال من التدريس إلى التعلم.

تجليات السياسة

ويرى المدير السابق للموارد البشرية بوزارة التربية الجزائرية، محمد بو خطة، إن "الإصلاح التربوي المنشود في الجزائر وفي غيرها ليس ببعيد عن الأداء السياسي، فالمنظومة التربوية هي أحد تجليات المنظومة السياسية".

ويذكر أن الجزائر تنفق بسخاء على المنظومة التربوية، مشيراً إلى أن المشكلات تنبع من سوء الإدارة وتسيير الموارد وليس عجزها، ويطالب بو خطة بعدد من الإصلاحات، منها أن تتصالح المدرسة مع المجتمع، إذ إن مشروع المجتمع الذي تتبناه الدولة والمجتمع معاً في تناسق وانسجام سيتجلى أثره في أداء المنظومة التربوية، محذراً من أن أي نزاع حوله ستكون ضحيته الأولى "المدرسة" التي ستكون مسرحاً تتجسد فيه تلك التجاذبات والنزاعات.

وأضاف أن أي نظام تربوي يفترض في البيت أن يتحول إلى مدرسة موازية ويفرض على الوالدين أن يتحولا إلى معلمين فوق العادة في بيوتهم هو نظام فاشل سلفاً، وسيحول العملية التعليمية إلى وسيلة ضغط اجتماعي رهيب يسيء إلى المجتمع والمدرسة معاً.

وأشار إلى ضرورة الاعتماد على التكوين المتخصص في تأطير العملية التعليمية، وهو ما يتطلب وجود مدارس متخصصة في تخريج المؤطرين التربويين، فضلاً عن المواصفات النفسية والفنية الذاتية التي يجب أن تتوفر في هذه الفئة من الموظفين.

كما حذر من الاستمرار في اعتبار قطاع التربية مجالاً لامتصاص البطالة، بل يجب أن تنتقي المنظومة التربوية ما يناسبها من كوادر وليس العكس، وكذلك من مغبة الحشو المعلوماتي في المناهج التربوية.

ويرى بو خطة أن الإصلاح التربوي يجب أن يتوجه إلى مرحلة التعليم الابتدائي، لأن التأثير فيها سيكون حاسماً في صناعة شخصية التلميذ التربوية والاجتماعية، مع العلم أن أمهر المعلمين يجب أن يتواجدوا في هذه المرحلة بالغة الأهمية.

تونس... المشكلة في شح موارد الإصلاح 

وإذا كانت الموارد المالية تتوافر في الجزائر وإن كانت تساء إدارتها، فإنها تعاني شحاً في تونس المجاورة، حيث يبقى إصلاح التعليم من الملفات الكبرى التائهة إلى اليوم بسبب الصراع الدائم بين النقابات وسلطة الإشراف.

وعلى رغم ذلك، يبقى ملف إصلاح التعليم هدف كل الأطراف المتداخلة، وبحسب وزارة الإشراف، فإن الإصلاح يجب أن يكون جذرياً عبر تغيير المناهج وإعادة النظر في طول اليوم لإعطاء فرصة لممارسة نشاطات فكرية وثقافية، لكن يبقى هذا تحدياً يصعب تنفيذه في ظل شح الموارد المالية للدولة. 

يقول المتخصص في التربية عامر الجريدي، "يفترض أن يكون الإصلاح التربوي مسألة دورية دائمة مواكبة للمتغيرات التنموية (الاجتماعية والاقتصادية والبيئية) والتكنولوجية، وعلى رغم مسؤولية الدولة، فإن الإصلاح يجب أن يكون في إطار تشاركي حقيقي، فأطراف العملية التعليمية ليسوا فقط المعلم والطالب، بل تشمل أولياء الأمور والمجتمع المدني ودور العبادة والفضاء الاتصالي والرقمي".

ويشير إلى أن التعليم شعبة من شعب التربية التي تشمل الأسرة والمدرسة وفضاءات التدريب ودور الشباب والثقافة والعبادة والقضاء الرقمي والمجتمع المدني، مؤكداً أن "التعليم يمثل الحلقة الأساسية في نحت معالم المواطنة لدى النشء وتخريج مواطنين مسؤولين منتجين، أما التعليم، فنظامي بالأساس، أي يقع على عاتق المدرسة العمومية، أو وفق مناهج تعليمية وطنية، ويقوم به محترفوه الذين هم المدرسون".

ويضيف الجريدي أن كل الدول العربية تسعى بدرجات وإمكانات ومنهجيات مختلفة إلى تعزيز التربية عموماً والتعليم على وجه الخصوص، مشيراً إلى أن إصلاح التعليم على أساس المسؤولية والتفكير النقدي والمواطَنة ليست عملية يسيرة بالمرة. فهي تتطلب توافراً للإرادة السياسية التحديثية والإمكانات المادية والكفاءة القيادية والحوْكمة والقدرة على مقاومة قوى الجذب إلى الوراء وعقدة العقلية التبعية والجمود الديني".

 

ويرى الجريدي أنه منذ 2011، وعملية الإصلاح التعليمي في تونس تنتظر الإطار المؤسسي السياسي والمجتمعي والمنهجي للشروع في إرساء منظومة تعليمية تؤسس لمشروع مجتمعي ومنوال تنموي يقطع مع التردي المزدوج للأوضاع التنموية (بروافده الاجتماعية والاقتصادية والبيئية) والتربوية والمدرسية، وذلك في وقت انخفض أداء المدرسة العمومية إلى أدنى مستويات الفاعلية والمردود".

من جانب آخر، يرى رئيس الجمعية التونسية لجودة التعليم سليم قاسم، إنه يمكن تقسيم أنظمة التعليم في العالم إلى ثلاثة أنظمة رئيسة. الأول فضل الانغلاق وتجاهل حركة التاريخ لأسباب أغلبها أيديولوجي. والثاني أنظمة أدركت حتمية التغيير، وانخرطت فيه عبر وضع آليات للتطوير والتحسين المستمر تقوم على مبادئ الجودة الشاملة والتخطيط الاستراتيجي. أما النظام الثالث، فهو الذي تنتمي إليه معظم الدول العربية، ومن بينها تونس.

ويضيف أن أنظمة التعليم في بعض الدول العربية ما زالت تتلمس طريقها نحو الإصلاح والتطوير بدرجات متفاوتة من النجاح، وذلك لأسباب تتعلق بشح الموارد مع عدم وضوح أهمية مكانة المنظومة التعليمية من الأصل، وضعف الحوكمة، وعدم تطوير الآليات اللازمة والفعالة للتخطيط والتنفيذ والمتابعة والتقييم.

ويرى قاسم، أن الإصلاحات التي يستغرق إعدادها أشهراً طويلة، وتستهلك ميزانيات ضخمة هي نفسها في حاجة إلى إصلاح، وهو نهج تجاوزته الأحداث.

ويقول إن النظم التعليمية الناجحة هي تلك التي تحظى ببيئة حاضنة داعمة للتعلم، ومنظومة تعليم مُحكمة الهيكلة والإدارة، وموارد بشرية عالية الأداء بفضل ما تتمتع به من إعداد جيد وتأهيل فعال ودافعية مستمرة وظروف عمل ملائمة.

ويؤكد أن الإصلاح يجب أن يكون عملية مستمرة لكل عنصر من العناصر السابقة وفقاً لمعايير دقيقة ومؤشرات واضحة وعمليات قياس منتظمة، مشيراً إلى أن اتباع هذا النهج في عدد من الدول الخليجية بدأ يؤتي ثماره.

المغرب... إنجازات وقصور

ثمار تظهر حيناً، وتختفي أحياناً للإصلاح التربوي في المغرب. وعلى رغم تحقيق عدد من الإنجازات في مسار إصلاح المنظومة التربوية والتعليمية، إلا أن الحكومة تعترف بنفسها بوجود عدد من مواطن القصور.

وتراهن الحكومة المغربية على استكمال الإصلاح التعليمي بالارتكاز على رقمنة التعليم والاعتماد على الوسائط الإلكترونية بشكل أكبر، وكذلك جعل مهنة التدريس أكثر جاذبية عبر الارتقاء المهني والاجتماعي بها، هذه النوايا بالإصلاح تعترضها تحديات كثيرة.

يقول المفتش والخبير التربوي رشيد شاكري، إن أبرز العوائق التي تواجه أي إصلاح تربوي في المغرب ثقافة مقاومة التغيير، مشيراً إلى أن الإصلاح هو تجاوز لمنطقة الراحة والأمان، لذلك يجنح البعض إلى التسليم بالواقع على حساب التطوير والتحسين، وهو ما من شأنه أن يجهض أي عملية إصلاحية.

واستطرد شاكري، في تصريحات لـ"اندبندنت عربية"، بأن كل إصلاح تربوي يهتم بتطوير النموذج البيداغوجي السائد في المؤسسات التعليمية، إلا أن استيراد النماذج الدولية غالباً يصطدم بإشكالية التكيف والمواءمة مع الواقع المحلي.

وأشار إلى مشكلة أخرى، وهي الفجوة بين الخطاب النظري والممارسة الفعلية داخل المؤسسة التعليمية، إذ تملأ المنظومة التربوية بالمفاهيم والتصورات والنظريات، في مقابل عجز في التنزيل والتطبيق، بل يتجاوز الأمر العجز إلى التناقض.

ولفت شاكري إلى أن هذا الإصلاح التربوي يجد نفسه أمام تحديات لا تنتمي إلى منظومة التربية والتعليم، بل تعود إلى مؤسسات لها دورها في تجسيد هذا المشروع، وعلى رأسها المنظومتان الاقتصادية والسياسية، ولذلك يمكن التساؤل إذا كان الإصلاح التربوي قراراً ريادياً يقود بقية الإصلاحات، أم هو إصلاح خاضع للتوجهات الاقتصادية والسياسية السائدة.

اختيارات السلطة

من جهته، يرى الباحث التربوي محمد الصدوقي، أن أي نظام تربوي تعليمي يتبع طبيعة النظام السياسي المجتمعي، أي أن النظام السياسي الحاكم هو الذي يحدد طبيعة النظام التربوي، فالنظام السياسي يحدد الاختيارات السياسية والاجتماعية والثقافية والحضارية، وكذلك نوعية المعارف والقيم والأيديولوجيا، بالتالي شكل الفرد والمجتمع المرجوين.

ويقول الصدوقي إن الأنظمة السياسية المحافظة والاستبدادية تحدد البيداغوجية التقليدية التي تجعل الطفل المتعلم مجرد آلة تنسخ، وتعيد إنتاج المعارف والقيم والأيديولوجيات التي تقدم إليه عبر ممارسات تربوية يطغى عليها التكرار والحفظ والضبط والعنف. أمّا الأنظمة الديمقراطية فتختار البيداغوجيا الحديثة والفعالة التي تحترم كينونة الطفل كإنسان وكمواطن فعّال صانع لحاضر ومستقبل الوطن والإنسانية، وذلك بمساعدته على أن يكون كائناً عقلانياً، وتمكينه من كل معارف وطرق التفكير العقلي والتحليلي والنقدي والمبدع، باعتبارها جوهر الإصلاح التعليمي والإصلاح التربوي.

اليمن... إشكالات مركبة

في اليمن، كان جوهر التعليم يعاني إشكالات مركبة في البلد الذي تشكل نسبة الأمية فيه 45 في المئة من إجمالي عدد السكان البالغ نحو 30 مليون نسمة حتى قبل بدء الصراع.

ولهذا يقع اليمن في مصاف الدول التي تعاني تراجعاً عاماً في بنية النظام التعليمي، الذي أنتج مخرجات ضعيفة فاقم الصراع المستمر منذ ثماني سنوات، من مشكلاتها التاريخية. نزوح عشرات الآلاف من الأسر وإجبار الأطفال على الالتحاق بجبهات القتال وعدم كفاية التمويل العام والافتقار إلى القدرات المؤسسية اللازمة، لتوفير الخدمات التعليمية الأساسية بكفاءة واضطرار الأطفال إلى العمل وإعالة أسرهم تشكل واقع الطفل اليمني.

 

وقد ألقت الأحداث الحالية بظلال وخيمة على المناهج الدراسية، إذ جرى تغيير واستبدال العديد منها بأخرى طائفية تستدعي صراعات تاريخية، وصفها تربويون بأنها "تفخيخ مستقبلي لعقول النشء والأطفال والشباب". هذه المناهج تحض في مجملها على التطرف وانتهاج العنف سبيلاً للوصول إلى الأهداف السياسية المغلفة بطابع ديني طائفي متشدد يمجد فئة ويكفر ما دونها.

يقول الموجه التربوي، علي العمار، إن أعباء كبرى يعانيها التعليم في اليمن، وأضافت إليه الحرب الكثير فوق أعبائه التاريخية، بالتالي فمسألة التطور إلى مرحلة التعلم تبدو مهمة بعيدة المنال في الوقت المنظور على الأقل، نظراً إلى تدهور النظام التعليمي بسبب الصراع الدائر.

يرجع العمار ذلك لجملة من العوائق التي فرضت واقعاً تعليمياً متدنياً إن لم يكن منعدماً، على حد وصفه، منها أن المسيرة التعليمية القائمة ما قبل الحرب كانت تعاني نواقص فادحة للغاية، لأسباب عدة منها ضعف البنية الدراسية والكادر المؤهل وانخفاض الأجور والمرتبات وغياب الاهتمام والإرادة الحكوميتين للنهوض التربوي والتعليمي في حين جاءت الحرب لتسلب ما كان قائماً أو ما كان معمولاً به، وبدأت بانقطاع مرتبات المعلمين عن المناطق الواقعة تحت سيطرة الميليشيات الحوثية واستخدام المدارس ثكنات حربية وتجييش الأطفال والطلاب والزج بهم في الصراع.

هجمات التسييس

ويضيف، "الأخطر من ذلك هو هجمات التسييس، التي طرأت على التعليم عبر استبدال مديري المدارس التربويين بآخرين حزبيين لا يفقهون في التربية أو في التعليم، إضافة إلى الإشكال الأكبر المتمثل في تغيير المناهج الدراسية وتطييفها وتحريفها، وهي كارثة غير مسبوقة".

ويرى العمار أن هذه الخصوصية تتعدى كل الإشكالات التقليدية التي تعانيها جل الدول العربية، التي على رغم مشكلاتها، فإنها تبحث عن التحديث وتطوير عقلية المعلم والطالب. فما جرى في النظام التعليمي في اليمن في سنوات الصراع هو نسف لأساسات التربية والتعليم كونها تمد النشء والأطفال والشباب بكل أسباب الصراع الطائفي والاجتماعي المدمر لأي مجتمع، وهو ما ينذر بمخرجات متطرفة تهدد الجميع.

وعلل العمار ذلك بأن ما يرد في الكتب المدرسية، أو ما يقوله رجل الدين يتم التعامل معه من دون نقاش أو تفكير. يقول "تمكن رجال الدين خلال فترة الصراع من السطو على العقل الجمعي، نظراً إلى ارتباطهم العضوي بزعماء الحرب وقادتها، على رغم كون بعضهم أنصاف متعلمين وكثير مما يقولونه مغلوط وجدير بالشك".

جدير بالذكر أن التعليم والتربية في العصر الحالي ليسا مجرد حشو معلومات في الأدمغة، أو صقل مهارات بغرض استيفاء حاجات سوق العمل. التعليم والتربية القادران على إحداث الفرق في المجتمعات والنهوض بالشعوب هما اللذان يدربان المتعلم على التفكير النقدي والقدرة على التكيف والتطور.

وكما تشير دراسة مؤسسة كارنيغي عن الإصلاح التربوي العربي، "على خطى التجديد والإبداع"، فإن غياب التجديد الحقيقي في ملف التربية والتعليم سيحول إخفاق النظم التعليمية إلى إخفاقات معممة على المجتمع، ومن شأن ذلك أن يفاقم من عوامل عدم الاستقرار.

المطلوب عقد اجتماعي عربي جديد يقوم على دعم الحكومات للمواطنين عبر ضمان إتاحة المعرفة والإصلاح التربوي الحقيقي، والتوقف عن نهج الحفظ والتلقين وتسييس المناهج والزج بالسياسة في الدراسة، وهو النهج الذي أثبت فشلاً كاملاً، وأثمر عن أجيال تعاني البطالة والشعور بالإحباط لعدم القدرة على مجاراة أو فهم طبيعة سوق العمل مع افتقاد مهارات التعلم والتكيف والتفكير النقدي.

 

 

 

الإصلاح التربوي في الأردن خطط متعددة ولا جدية في التنفيذ

 

ينهمك صناع القرار منذ سنوات في محاولة لإصلاح التعليم في الأردن بشقيه المدرسي والجامعي، في محاولة لجعل المناهج الدراسية متوافقة أكثر مع متطلبات الوظائف المستقبلية، والتركيز على الأهداف التعليمية والمعايير الدولية الرئيسة، فضلاً عن توسيع استخدام التكنولوجيا في التعليم.
وعلى رغم التراجع الذي يلاحظه مراقبون ومختصون، فإن التعليم في الأردن لا يزال يعد واحداً من أجود أنظمة التعليم بالنظر إلى أن الإنفاق عليه لا يتجاوز نسبة 12 في المئة من الموازنة العامة. ويأتي الإنفاق على التعليم بالنسبة إلى الأسر الأردنية في المرتبة الثالثة بعد المسكن والطاقة والنقل.
ووصلت نسبة الالتحاق الإجمالية بالتعليم الأساسي إلى 100 في المئة، ونسبة الانتقال إلى التعليم الثانوي 99 في المئة، بينما زادت نسبة الانتقال إلى التعليم العالي على 85 في المئة.
وبعد 100 عام من التعليم في الأردن، تطورت الحال من كتاتيب متناثرة إلى أكثر من 7 آلاف مدرسة و32 جامعة، بموازاة تراجع في الإنفاق على التعليم الحكومي منذ عام 1996 حتى اليوم، وفقاً لبيانات البنك الدولي.
 
معيقات للإصلاح
 
لكن ثمة معيقات كثيرة تقف في وجه هذه المحاولات الإصلاحية مرة بدعوى القلق من حملات التغريب، وأخرى بسبب وجود تيارات شد عكسي في المجتمع، وثالثة ترى أن المنظومة التربوية برمتها بحاجة إلى مراجعة.
بدأت مسيرة التطوير التربوي في الأردن منذ التسعينيات من القرن الماضي، وعلى رغم قلة الموارد وتزايد الأعباء المتمثلة بموجات اللجوء المتكررة للبلاد، تحظى المناهج الأردنية بسمعة طيبة ومستوى متقدم، جعلت منها أنموذجاً يحتذى في دول عربية أخرى، وأصبحت الشهادة الجامعية الأردنية جواز عبور للجامعات العالمية.
 
 

 

 
تسارعت وتيرة هذه الإصلاحات مع تولي العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الحكم في بداية عام 2001 بإطلاق الرسالة الوطنية للتعليم، وفي 2003 أطلقت الحكومة الأردنية برنامجاً بعنوان إصلاح التعليم من أجل الاقتصاد القائم على المعرفة بهدف تحسين بيئة التعليم في المدارس، وتشجيع التعليم في سنوات الطفولة المبكرة. في هذا السياق يحذر مختصون من مخاطر دمج وزارتي التعليم والتعليم العالي والتخبط الذي يشهده في ملف الثانوية العامة في البلاد.
 يؤكد وزير التربية والتعليم الأسبق الدكتور فايز السعودي أن كثيراً مما يطرح من خطط ورؤى للتطوير لا تجد طريقها للتطبيق على أرض الواقع لاسيما في ما يتعلق بقطاعي التعليم والتعليم العالي. ويعتقد السعودي أن المشكلة تكمن في إدارة الموارد البشرية واستنزاف الموازنات.
في المقابل يشير الأكاديمي الدكتور أنيس الخصاونة إلى ما شهده قطاع التربية والتعليم من تراجع كبير في القيم ومخرجات التعليم الذي بات يعتمد على التلقين، محذراً من التوجه لسياسة التعليم عن بعد لا سيما في ظل عدم وجود آليات لضمان الثقة والجودة في هذا النموذج من التعليم.
 
مخاوف من تعديل المناهج 
 
في السياق ذاته ومنذ سنوات تبرز اتهامات ومخاوف من تعديلات على المناهج الأردنية، ويسوق تربويون ادعاءات بالعمل على تفكيك المناهج الدراسية واستهداف ما تتضمنه من قيم ومضامين تعبر عن الدين الإسلامي والقضية الفلسطينية، فضلاً عن حشو لمصطلح الجندر والنوع الاجتماعي في المناهج.
 تؤكد النائب السابق والمختصة في الشأن التربوي هدى العتوم أن هناك حملة ممنهجة مدعومة خارجياً تستهدف المناهج الأردنية وما تتضمنه من قيم ومضامين تعبر عن الدين وهوية المجتمع العربية والإسلامية والهوية الوطنية والقضية الفلسطينية، بحيث باتت المناهج الجديدة عاجزة عن تحصين الطالب ضد آفات المجتمع والشذوذ وعاجزة عن غرس هوية المجتمع وقيمه والثوابت الإسلامية والهوية الوطنية في نفوس الطلاب.
وتتحدث الدكتورة العتوم عما تسميه بدء التغيير في المناهج المدرسية منذ اتفاق وادي عربة مع إسرائيل، ومن ثم التوسع في تعديل المناهج بعد عام 2016 بما يمس قيم المجتمع وهويته العربية والإسلامية وحذف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والنصوص والثقافة الإسلامية.
 
التعليم في تراجع 
 
يعتقد الكاتب محمود الخطايبة أن التعليم في الأردن في تراجع مستمر، مطالباً بهيكلة الإنفاق في هذا المجال، إذ إن 93 في المئة من موازنة التعليم تذهب إلى الرواتب والأجور.
 في هذا السياق يتحدث الخطايبة عن تدني نسبة الإنفاق على التعليم المهني في الأردن، داعياً إلى عملية شفافة وواضحة لطلبة المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، تتضمن المبادئ الأساسية التي تقيم دول العالم المتقدمة طلبتها بناء عليه، التي يقع على رأسها المهارات الأساسية.
وبموازاة محاولة الحكومة إصلاح التعليم، ترصد جهات رسمية تراجع قدرة معظم الأردنيين على الإنفاق على تعليم أبنائهم في المراحل الدراسية الأساسية والجامعية، إثر تراجع الأوضاع الاقتصادية والقدرة المالية للأهالي.
 لا يتورع وزير التربية والتعليم العالي الأردني السابق وجيه عويس عن وصف التعليم في الأردن بأنه طبقي، عدا عن جودة التعليم الحكومي وتحوله إلى بيئة غير آمنة اجتماعياً وصحياً للطلاب. يلخص مراقبون خطوات إصلاح التعليم في الأردن بزيادة الإنفاق الحكومي على التعليم، والتوسع في بناء المدارس الجديدة وتطوير القائم منها، وتعزيز تعلم المهارات الأساسية، وتعزيز دور المعلم ومكانته والارتقاء به في المجالات المهنية والاقتصادية والاجتماعية بوصفه العنصر الأهم في العملية التعليمية.
إضافة إلى إعادة النظر في التشريعات التربوية ونظام تدريب المعلمين، وتعزيز منظومة القيم الأخلاقية والدينية والاجتماعية والوطنية والإنسانية في المحتوى، فضلاً عن إعادة النظر في امتحان شهادة الدراسة الثانوية العامة وسياسة القبول الجامعي، وإعادة النظر في مسار التعليم المهني وضبط جودة التعليم وتحسين مخرجاته. 

المزيد من تحقيقات ومطولات