في غمار السباحة اللاواعية في بحر الإنترنت، قد نفشل في تمييز صعود بعض تطبيقات التواصل الاجتماعي وهبوط بعضها الآخر على مدار الأعوام، وربما هذا الأمر لا يعني المستخدمين بقدر ما يهم جميع العاملين والمسوقين والمروجين لأعمالهم في المجتمع الرقمي، لمعرفة الاتجاهات واستثمارها في جذب حركة المرور إلى العلامات التجارية عبر الإنترنت.
والعمل في التسويق، وهو مجال يتطور باستمرار وبسرعة كبيرة، يحتاج إلى متابعة دائمة لتفقد الوسائل والطرق الأكثر جذباً والأنسب تبعاً للوسيلة نفسها والزمان والمكان المناسبين، إذ يظهر بين الحين والآخر تطبيق يأتي بطريقة جديدة في إنشاء المحتوى وعرضه، الأمر الذي يغير من خطة عمل المسوقين بشكل كامل.
تراجع وتقدم
وضح تقرير لمنصة "هوت سويت" (Hootsuite)، الخاصة بتقديم الخدمات الرقمية وإدارة شبكات التواصل الاجتماعي، الاتجاهات العالمية التي ستهيمن على التسويق عبر الإنترنت في عام 2023، إذ ترجح التوقعات نهاية تطبيق "كلوب هاوس" (Clubhouse) الخاص بالدردشة الصوتية، الذي قدم في فترة ما فكرة جديدة نسبياً، واستقبله المستخدمون كتطبيق جديد ومختلف في عالم التواصل الاجتماعي، لكن المنافسة احتدمت مع الوقت مع صعود تطبيقات أخرى قدمت مواصفات مختلفة حتى تنحى عن الساحة تقريباً.
من جهة أخرى، بدأ "لينكد أن" (LinkedIn) يطرح نفسه بشكل يتجاوز فيه الصورة الأولى التي تأطر فيها كمجرد تطبيق للعمل والوظائف ليتحول بشكل ملحوظ إلى منصة شخصية، حتى إن المستخدمين أنفسهم بدأوا يستخدمونه لنشر محتوى قريب مما اعتدنا عليه على "فيسبوك" كالصور الشخصية وسرد القصص والمنشورات العائلية والمواضيع الطويلة والشخصية أو الخاصة، ويدل هذا على تغير في الخوارزمية نفسها يرافقها مجموعة ميزات جديدة في محاولة لجذب الناس للبقاء على المنصة لفترة أطول.
واللافت في توقعات هذه السنة أيضاً، أن منصات التواصل الاجتماعي بدأت تستخدم بشكل أقوى في عمليات البحث نظراً إلى اعتمادها من قبل نسبة جيدة من الجيل الجديد، إذ وجد تقرير "هوت سويت" أن عدداً إضافياً من مستخدمي الإنترنت الذين تتراوح أعمارهم بين 16 و24 عاماً يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي كمحرك للبحث عن العلامات التجارية التي يريدون الشراء منها.
وعلاوة على ذلك، أشار الموقع بحسب بحث أجراه، إلى أن استخدام التسميات التوضيحية مع كلمات مفتاحية مناسبة keyword-optimized captions بدلاً من علامات التصنيف hashtags زاد من الوصول بنسبة 30 في المئة وضاعف نسبة التفاعل.
الشبكة الاجتماعية رقم واحد
من جهة أخرى، وبعد نجاح التوقعات الخاصة بعام 2022 التي رجحت بغالبيتها أن يصبح "تيك توك" أهم شبكة اجتماعية للتسويق، تذهب التوقعات اليوم محملة بثقة أكبر إلى عناوين عريضة ترجح سيطرة التطبيق الصيني على العالم الرقمي، وتوحي مجموعة من الميزات الجديدة التي طرحت عام 2022 أنه لا يسعى إلى أن يكون الشبكة الاجتماعية الأولى للمسوقين فحسب، بل يتوق في هذه المرحلة إلى احتلال المركز الأول على قائمة الشبكات الاجتماعية، فقد أصدر الموقع، المعروف بابتكاره شكل الفيديو الجديد وإلهامه بفكرة الفيديوهات القصيرة لعديد من المنصات الأخرى، العام الماضي ما لا يقل عن سبع ميزات مستوحاة مباشرة من قنوات التواصل الاجتماعية الأخرى، مثل ميزة الموسيقى المأخوذة من "سبوتيفاي" ومقاطع الفيديو ذات الـ10 دقائق من "يوتيوب" واستنساخ إعلانات بحث "غوغل" وغيرها.
وتشير هذه الخطوات التوسعية الجديدة إلى أن "تيك توك" يسعى بشكل جدي إلى يصبح تطبيقاً فائقاً (super app)، أي تطبيق شامل يتضمن وسائل التواصل الاجتماعي والمراسلة والخدمات والدفع وغيرها من النشاطات المستخدمة بكثرة على الإنترنت.
ويؤكد "تيك توك"، المستمر في حصد أعداد جديدة من المتابعين الذين وصل عددهم إلى 1.023 مليار مستخدم في الربع الثالث من 2022، أنه يحتل الرقم واحد باستمرار من حيث كل من الوقت المستغرق (يقضي المستخدمون 95 دقيقة يومياً على تيك توك) والشعور الإيجابي العام الذي يعكسه على المستخدمين (يستخدم 78.6 في المئة من مستخدمي الإنترنت التطبيق للبحث عن محتوى مضحك أو ترفيهي)، إضافة إلى أخبار تتحدث عن تحرك "تيك توك" خارج نطاق العالم الرقمي أيضاً.
"بي ريل" BeReal
كما ترجح التوقعات صعود تطبيق "بي ريل" (BeReal)، وهو تطبيق فرنسي أصدر أواخر عام 2019 وطرح نفسه على أنه حقيقي وبعيد عن التزييف ويحارب إدمان المواقع، واكتسبت فكرته المبتكرة شعبية واسعة وتفاعلاً كبيراً بين جيل الشباب واليافعين في أوائل 2022، ليحتل المركز الأول في فئة المنصات الاجتماعية على متجر أبل، وبلغ عدد مرات تنزيله ما يقارب 29.5 مليون مرة.
يقوم على مبدأ "مرة واحدة في اليوم"، إذ يطلب من المستخدمين مشاركة صورة غير مفلترة أو معدلة ولمجموعة مختارة من الأصدقاء، بحيث تصور ما يفعلونه في هذه اللحظة، لتعرض خلال نافذة مدتها دقيقتان، ويختلف توقيتها من يوم لآخر.
وعلى الرغم من أن التطبيق مصمم لمنافسة "إنستغرام"، فإنه لا يقدم أياً من ميزات الأخير، إذ يقف في وجه التزييف، فلا فلاتر ولا عمليات تحرير أو تعديلاً للصورة ولا عداد للمتابعين ولا إعلانات على الإطلاق، إضافة إلى أنه يحارب تأثيرات مواقع التواصل الاجتماعي السلبية وإدمانها.
ويعتقد مراقبون لعمل منصات التواصل الاجتماعي أن هذا ما يحتاج إليه شباب اليوم، لكنهم غير متأكدين من صدق توقعاتهم في ظل الإدمان الجارف والميل نحو الظهور بأجمل صورة ممكنة حتى لو كانت لا تشبه الحقيقة، وهذا ما لا يوفره "بي ريل" اليوم.
"ريلز" Reels "إنستغرام"
وبحسب التوقعات، يبدو أن "إنستغرام" سيستمر بوصفه المفضل لدى العلامات التجارية هذا العام أيضاً، إذ صرح 62 في المئة من مستخدمي التطبيق، بأنهم يستخدمونه للبحث عن العلامات التجارية والمنتجات، وبعده مباشرة يأتي "فيسبوك" بنسبة 55 في المئة.
ووفقاً للإحصاءات، فإن لدى "إنستغرام" 1.5 مليار مستخدم نشط يومياً وأكثر من مليارين شهرياً، ووصلت ميزة "ريلز "Reels إلى 220 مليون مستخدم بين يوليو (تموز) وأكتوبر (تشرين الأول) 2022، إذ يواصل "إنستغرام" الترويج للفيديوهات من خلال توصيات الخوارزمية الخاصة به، وتعطى الأولوية لميزة "ريلز" بشكل كبير.
وسيشهد عام 2023 استمرار هيمنة محتوى الفيديو وزيادة في استهلاك المقاطع القصيرة، ووفقاً لدراسة أجرتها شركة سيسكو Cisco المتخصصة في خدمات ومنتجات التكنولوجيا، فإن 82 في المئة من حركة المرور على الإنترنت على مستوى العالم ستكون عبارة عن محتوى فيديو، مع تحول مزيد من المستهلكين إلى مقاطع الفيديو القصيرة.