Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تقنين الدروس الخصوصية شهادة وفاة للمدارس المصرية؟

خطة حكومية تشمل تحصيل رسوم من المراكز ومتخصصون ينتقدون التصالح مع الظاهرة من أجل "البيزنس"

تتجه وزارة التربية والتعليم المصرية إلى منح تراخيص رسمية لمزاولة عمل مراكز الدروس الخصوصية بمعايير معينة (أ ف ب)

على مدى عقود كان القضاء على الدروس الخصوصية هدفاً معلناً للحكومات المصرية، حتى وإن كان من دون تطبيق على أرض الواقع، لكن تصريحاً لوزير التعليم المصري، رضا حجازي، غير من ذلك النهج التاريخي، حيث ذكر في لقاء مع أعضاء بمجلس النواب أن الحكومة تعتزم "تقنين ملف الدروس الخصوصية"، وأثارت تلك التصريحات المفاجئة جدلاً كبيراً في الشارع المصري.

وخلال السنوات الأخيرة الماضية اعتادت الحكومة المصرية انتقاد مراكز الدروس الخصوصية المعروفة باسم "السناتر"، حتى إنها شنت حملات لغلقها بين الحين والآخر، ودأب وزير التعليم السابق طارق شوقي خلال ولايته على مهاجمة الدروس الخصوصية دعماً للمدرسة. لكن يبدو أن خلفه رضا حجازي، الذي تولى مهام منصبه في تعديل وزاري خلال أغسطس (آب) الماضي، له رأي آخر يعد انقلاباً على سياسة أسلافه من الوزراء.

وخلال جلسة البرلمان المصري، الثلاثاء الماضي، كشف حجازي عن أن الحكومة تنوي منح تراخيص رسمية لمزاولة عمل مراكز الدروس الخصوصية "السناتر" بمعايير معينة، فضلاً عن منح المعلمين بهذه المراكز ترخيص مزاولة "لكي نضمن أن الطالب يوجد في بيئة تعليمية آمنة، وتحصل الدولة على حقها". وتقنين "بيزنس" الدروس الخصوصية، الذي تصل قيمته إلى 47 مليار جنيه سنوياً (2.4 مليار دولار)، لا تعرف عنها الدولة أو الوزارة شيئاً، وفق ما نقلته صحف محلية.

وقال وزير التعليم المصري إن مجموعات التقوية (حصص إضافية في المدرسة تقدم بعد انتهاء اليوم الدراسي لمن يرغب) باتت غير فعالة. موضحاً أن هناك اتجاهاً لإسنادها إلى شركة خاصة لإدارتها، وسيحصل فيها المدرس على أجره بعد انتهاء حصته. مشيراً إلى اتجاه آخر لتعديل اسم هذه الحصص إلى "مجموعات الدعم"، وأنها ستقدم خدمة تعليمية بجودة فائقة، وسيحصل المعلم على أجره منها فور انتهاء الحصة.

ترخيص مزاولة التدريس

تصريحات وزير التعليم استحوذت على اهتمام الرأي العام المصري عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك وسائل الإعلام التي عملت على استيضاح الأمر من متحدث الوزارة، شادي زلطة، الذي قال في تصريحات تلفزيونية، إنه مع بدء تنفيذ قرار تقنين أوضاع الدروس الخصوصية ومنح التراخيص لن يكون هناك أي مدرس داخل مراكز الدروس "السناتر" غير مرخص له بمزاولة مهنة التدريس. مضيفاً أن أي شخص لا ينتمي إلى مهنة التدريس "لن يحصل على ترخيص لمزاولة التدريس بمراكز الدروس الخصوصية".

وأكد زلطة أن الدروس الخصوصية تمثل ثقافة متجذرة تاريخياً داخل المجتمع المصري. مشيراً إلى أن تقنين "السناتر" الخاصة من قبل الحكومة من خلال منح رخصة للمعلم جاء للسيطرة على الظاهرة، التي أثرت بالسلب في المجتمع على مدى أعوام.

ولفت إلى رصد الوزارة ظواهر غريبة بمراكز الدروس الخصوصية، سواء في المواد التي يجري تدريسها أو المعلمين الممتهنين التدريس داخلها. مضيفاً أن تلك الظواهر "أرقت المجتمع على مدى عقود"، مشيراً إلى أن حوكمة المراكز تضعها تحت أعين ورقابة وزارة التعليم.

ردة عن سياسات الدولة

لكن المتخصص التربوي، مجدي حمزة، يرى أن تلك التصريحات تمثل "ردة عن سياسة الدولة"، والخطوات التي قام بها وزير التعليم السابق طارق شوقي على مدى السنوات الماضية، تكلفت ما يقرب من ثمانية مليارات جنيه (409.60 مليون دولار) لتطوير التعليم واستخدام الحاسب اللوحي "التابلت" بهدف القضاء أو محاربة الدروس الخصوصية، ومنح المدارس فرصة أكبر لتعليم الطلاب وتنشئتهم علمياً بشكل قوي مع إكسابهم مهارات متنوعة وفقاً لخطة تعليمية محكمة وضعتها الدولة، موضحاً أن تصريحات وزير التعليم الحالي بتقنين أوضاع الدروس الخصوصية تهدم هذه الاستراتيجية التي استمرت لسنوات وكبدت خزانة الدولة كثيراً من المليارات.

وأوضح حمزة لـ"اندبندنت عربية" أن هناك فرقاً بين منح رخصة للمعلمين لممارسة الدروس الخصوصية، أو منح الرخصة لأصحاب مراكز تلك الدروس (السناتر)، بما يعطي الفرصة لدخول عدد أكبر من غير المعلمين إلى المهنة بطرق ملتوية في السابق، من خلال رخصة شرعية منحها لهم الوزير. مضيفاً أن 80 في المئة من العاملين في مراكز الدروس الخصوصية ليسوا معلمين مدرسين وغير متخصصين في تعليم الطلاب، ولا يملكون الطرق التربوية في التعامل معهم، لكن الوزير بقراره الجديد سيجعلهم مدرسين وفق الرخصة الجديدة.

ووصف حمزة تقنين الدروس الخصوصية بـ"إباحة الاتجار في المخدرات والمافيا التي ستخرب عقول الطلاب في مصر". مشدداً على أن الدولة المصرية "أعلنت فشلها في مواجهة الدروس الخصوصية بهذا القرار، وأثبتت أن غير المتخصصين هم أقوى من وزارة التعليم والجهات المعنية".

وعن القيمة المادية المضافة الناتجة عن تقنين الدروس الخصوصية، قال حمزة إن مستقبل طلاب مصر والأجيال القادمة "لا يجب قياسه بالمال". موضحاً أن حديث وزير التعليم به "نظرة استثمارية بحتة وهي استغلال (بيزنس الدروس الخصوصية) المقدر بـ47 مليار جنيه (2.4 مليار دولار) لزيادة دخل وزارته بدلاً من التفكير في وضع خطة للارتقاء بالمعلم وبالعملية التعليمية المقدمة بالمدارس".

وأكد حمزة أن تصريحات وزير التعليم ضربت العملية التعليمية في مقتل، بـ"الاستغناء عن المدرسة، وغياب دورها العلمي والتربوي". مشيراً إلى أن الوزير في "اتجاه إعادة النظام القديم في التعليم المصري بالتكالب والصراع على الدرجات بدلاً من نظام التفكير والأسئلة الذكية".

حل واقعي

في المقابل وصف الأستاذ بكلية التربية جامعة عين شمس، حسن شحاتة، القرار بـ"الواقعي والحكيم"، مؤكداً أنه يخفف من أسعار الدروس الخصوصية في المراكز، بحيث يجري تحديد الرسوم بما يتفق مع قدرات الآباء والجهد المبذول في التدريس، ويوفر رقابة ومتابعة تربوية جادة على المراكز وأنشطتها.

وأضاف شحاتة، في تصريحات صحافية، أن ذلك "سيلغي مراكز (بير السلم) التي تسهم في انحراف الطلاب، كما تساعد في تحصيل حق الدولة من ضرائب من ممارسة هذا النشاط".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

فيما رأى المتخصص التربوي، عاصم حجازي، في تقنين مراكز الدروس الخصوصية "حلاً مؤقتاً تمهيداً لإلغائها تدريجياً". ودعا في تصريحات صحافية إلى إلزام جميع العاملين بها "اختبارات مهنية وتربوية للحصول على رخصة للتدريس، إضافة إلى خضوع المراكز لإشراف وزارة التعليم للتأكد من صلاحية المكان والمحتوى وطرق التدريس والمقابل المادي". واصفاً القضاء على الدروس الخصوصية حالياً بـ"المستحيل، لأن الظاهرة تجذرت في المجتمع وأصبحت بالغة التعقيد".

غضب أولياء الأمور

على صعيد أولياء الأمور، قالت داليا الحزاوي، مؤسس ائتلاف أولياء أمور مصر، إن القرار يمنح فرصة لاستحداث "تعليم مواز" معترف به بدلاً من المدرسة، مضيفة في تصريحات صحافية أنه كان من الأجدر الاهتمام بطرح أفكار "لعودة دور المدرسة الأساسي سريعاً، وحل المشاكل التي تعيق ذلك سواء عجز المعلمين أو كثافة الفصول".

وأوضحت الحزاوي أن هناك تخوفاً لدى أولياء الأمور من أن تقنين مراكز الدروس الخصوصية "سيزيد من ثمن الحصة على أولادهم، وهم بالكاد يستطيعون توفيره"، مضيفة أن إسناد مجموعات التقوية في المدارس إلى شركة خاصة لإدارتها "أثار تخوف أولياء الأمور من أن ذلك سيترتب عليه ارتفاع أسعار مجموعات التقوية"، مطالبة الوزارة بطمأنة أولياء الأمور أن الأسعار ستكون مناسبة.

تحذير برلماني

رفض تصريحات وزير التعليم انتقل إلى أروقة البرلمان، حيث حذر أعضاء مجلس النواب من خطورة الاتجاه إلى تقنين مراكز الدروس الخصوصية، مؤكدين أن التعامل معها باعتبارها أمراً واقعاً يلغي وظيفة المدرسة، ويشجع الطلاب على تركها لصالح الدروس الخصوصية.

النائب عبدالمنعم إمام، أمين سر لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب، قال في تصريحات تلفزيونية، إن حديث الوزير عن حوكمة مراكز الدروس الخصوصية "كان مفاجئاً للنواب"، موضحاً أن كلمة الوزير أمام البرلمان شملت توضيح أن مجموعات التقوية "غير فعالة"، وقرر أن يحول اسمها إلى "مجموعات دعم"، وستكون هناك شركة ستدير مجموعات التقوية وتتعاقد مع المدرسين الذين لديهم شهرة خارج المدارس، وستتم محاسبتهم بالحصة أو الساعة.

كذلك طالبت عضو لجنة التعليم بمجلس النواب جيهان البيومي بدراسة الأبعاد المتعلقة بمسألة تقنين مراكز الدروس الخصوصية، وتوقعت أن سلبيات القرار ستكون أكبر من إيجابياته، موضحة أن نواب البرلمان ينتظرون مزيداً من الجلسات واللقاءات الوشيكة مع وزير التربية والتعليم من أجل التطرق إلى هذا الملف.

وشددت، في تصريحات صحافية، على أن اعتبار مراكز الدروس الخصوصية أمراً واقعاً هي مسألة خطيرة، ولا يجب التصالح مع تلك الفكرة، إنما مكافحة انتشار تلك المراكز وليس تقنينها لأي غرض، نظراً إلى التأثير السلبي المباشر لذلك في فكرة المدارس "عصب العملية التعليمية" بحسب وصفها.

في السياق ذاته تقدمت عضو مجلس النواب، شيرين عليش، بطلب إحاطة موجه إلى رئيس الحكومة ووزير التعليم، بشأن عدم شرح أغلب المعلمين المناهج التعليمية داخل المدارس الحكومية بمحافظة الإسكندرية، والاعتماد على مجموعات الدروس الخصوصية.

وأكدت في طلب الإحاطة أن أولياء الأمور دفعوا مصروفات المدارس بشكل كامل من أجل أن يتعلم أبناؤهم داخل المدرسة، لكن في المقابل هناك تكرار لغياب المعلمين عن الحصص الدراسية، بجانب عدم شرح بعضهم داخل الفصول والاعتماد على الدروس الخصوصية مما يجبر الطلاب على تلك الدروس، وظهر ذلك في الأيام الأولى من العام الدراسي الجديد.

وأمام ردود الفعل الغاضبة خرج وزير التعليم بتصريحات جديدة أكد فيها أن تقنين مراكز الدروس الخصوصية "لا يعني الاستغناء عن دور المدرسة، التي ستبقى الأصل في العملية التعليمية، إنما هو تعامل واقعي مع مشكلة مزمنة، لتحقيق هدفين، أولهما توفير الحماية المطلوبة للطالب داخل هذه الكيانات وضمان وجود الطالب في أماكن تصلح لتجمع تعليمي حفاظاً على سلامتهم وجودة المحتوى التعليمي، بعيداً من الوسائل غير التربوية، وأيضاً أن تحصل الدولة على حقها من هذا النشاط"، وفق تصريحات لإحدى الصحف الحكومية.

تجريم الدروس الخصوصية

وكانت وزارة التعليم قد أعلنت العام الماضي عن إعداد مشروع قانون لتجريم الدروس الخصوصية، ينص على غرامة لا تقل عن خمسة آلاف جنيه (254 دولاراً)، ولا تتجاوز 50 ألف جنيه (2543 دولاراً)، لكل من أعطى درساً خصوصياً في مركز تعليمي أو في مكان مفتوح للجمهور بصفة عامة، لكنه لم يجد طريقه للإقرار النهائي حتى الآن، كما أعلنت مصلحة الضرائب، العام الماضي، فتح ملفات ضريبية لمراكز الدروس الخصوصية وتحصيل نسبة 10 في المئة من إيراداتها.

ووفق تقرير للبنك الدولي نشر مطلع الشهر الحالي يوجد حالياً أكثر من 24 مليون طالب في مراحل التعليم ما قبل الجامعي في مصر، نحو 90 في المئة منهم في المدارس الحكومية، ويوجد ما يقرب من نصف أولئك الطلاب في المرحلة الابتدائية.

وأشار التقرير إلى أن ما يقرب من مليون معلم يعملون في مجال التعليم، أكثر من 40 في المئة منهم يدرسون في المرحلة الابتدائية، ويضيف العاملون من غير المعلمين، بما في ذلك إدارة المدرسة والمشرفون وأطقم الصيانة، 500 ألف شخص آخر إلى النظام.

وتشكو المدارس الحكومية المصرية نقصاً في عدد المعلمين من جراء وقف التعيينات الجديدة، في وقت ترتفع أعداد طلاب المدارس الابتدائية باطراد، وأشار البنك الدولي إلى أن مصر بها أكبر عدد من الطلاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ويبلغ متوسط نسبة الطلاب إلى المعلمين في المدارس الابتدائية الحكومية حالياً 32، وتنخفض إلى 17 في المدارس الثانوية. ولا تحتوي النسبة المثالية بين الطلاب والمعلمين على عدد محدد ومقبول عالمياً، لكن يتفق عديد من الخبراء على أن النسبة المثالية بين الطلاب والمعلمين هي واحد إلى 18، وتمكن هذه النسبة المعلمين من تعزيز بيئة تعليمية إيجابية وتقديم مساعدة متخصصة، كما أن التحصيل لدى الطلاب يتحسن في الفصول الأصغر ومع النسب الأقل بين الطلاب إلى المعلمين.

المزيد من تحقيقات ومطولات