Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المراهقون... الفئة المنسية في البلدان العربية

يمثلون قوة فتية لكنهم يعانون التهميش القاتل للطموح والمخدرات والهجرة وزواج القاصرات أبرز طرق هروبهم من واقعهم المأزوم

يمثل المراهقون نحو نصف السكان في المنطقة العربية (أ ف ب)

قوة ضاربة وجيش عتيد، لكنها أيضاً سد منيع وعالم من الغموض يصنعه سكانه، ويبقي عليه زواره. الجميع يتظاهر بأنهم أشخاص عاديون شأنهم شأن غيرهم، لكن الجميع أيضاً يعلم أنهم أشخاص مختلفون، وإن تأرجح الاختلاف بين التميز والتفوق والمهارة من جهة، والخيبة والفشل والصداع الذي لا يهدأ من جهة أخرى.

"صداع في الرأس"، و"شوكة في الحلق"، أبرز الأوجاع المعبرة عن أزمة "في بيتنا مراهق" المزمنة. هذه وغيرها كثير من عبارات الألم وشكاوى عدم القدرة على الفهم والتعامل والتفاهم تارة، والسيطرة والهيمنة والقمع تارات في كل بيت فيه مراهق. هذه الفئة العمرية المطموسة في التعريفات، المتجاهلة في السياسات، الواضحة وضوح الشمس في كل بيت وشارع وقرية ومدينة هي الحاضر الغائب، وبكل تأكيد الحقيقة الوحيدة المؤكدة في المستقبل.

مستقبل العالم يمثله 1.5 مليار شخص في العالم. هؤلاء من تتراوح أعمارهم، بحسب الأمم المتحدة، بين عشرة و25 سنة. أما المراهقون المتراوحة أعمارهم بين عشرة و19 سنة فيشكلون الجيل الأكبر عدداً من المراهقين في تاريخ البشرية.

العقد الثاني المحوري

العقد الثاني من العمر هو فترة التحول الكبرى والمرحلة المحورية في الحياة. تقول "يونيسف" إنه في هذا العمر، يبدأ الأولاد والبنات في التفاعل مع العالم بطرق جديدة. يخوضون مغامرات، ويتعلمون مهارات، ويمرون بمشاعر غير مألوفة لهم. يتجاوزون مرحلة الأسرة، ويخرجون إلى عالم الأقران. يبحثون عن طرق ليتميزوا بها. ويتأرجحون بين الرغبة في الانتماء والمغامرة بعدم الانتماء. معضلتهم الكبرى أنهم يريدون أن يصنعوا فرقاً في عالمهم، لكن عالمهم يقف لهم بالمرصاد.

ويكفي أن ثلاثة بين كل أربعة في الفئة العمرية من 15 إلى 24 سنة في 90 دولة غير قادرين على اكتساب المهارات اللازمة للتوظيف، حيث لا التعليم مناسب، ولا المجال لائق لتنمية المهارات.

الأنظمة التعليمية خذلت غالبية الأطفال والمراهقين في العالم! مدير قسم التعليم في "يونيسف" روبرت جنكينز يقول إن أنظمة التعليم جعلت من الأطفال والمراهقين "غير متعلمين، وبلا إلهام، ويفتقرون إلى المهارات".

نصف العرب مراهقون

تمثل هذه الفئة العمرية الحرجة نحو نصف السكان في المنطقة العربية، التي هي موطن لأعلى معدلات البطالة بين الشباب في العالم. المراهقون والمراهقات العرب في موقف صعب. فهم لا يحملون فقط الجعبة المميزة لمراهقي العالم من تغير الهرمونات والتشتت بين مرحلتي الطفولة والشباب وافتقاد المساندة المطلوبة من البيت والمدرسة والمجتمع، لكنهم ملاصقون لهموم أوطانهم الآخذة في التفاقم ومشكلات مجتمعاتهم التي يسير بعضها من سيئ إلى أسوأ.

أسوأ ما يمكن أن يتعرض له الشخص أن يمضي سنوات طفولته ومراهقته في مخيم للنازحين أو اللاجئين. المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقول إن ما يزيد على نصف اللاجئين في العالم من الأطفال والمراهقين. ويقضي كثيرون طفولتهم بأكملها بعيداً من بيوتهم، وأحياناً منفصلين عن أسرهم. وفي هذه المرحلة العمرية وفي حالات الصراع المسلح والنزوح، يتعرض الأطفال والمراهقون والشباب لمختلف أشكال الإساءة والانفصال عن الأهل والإهمال والعنف والاستغلال والاتجار والتجنيد العسكري.

 

نصيب المنطقة العربية هو الأوفر في عمليات النزوح واللجوء، حيث 36 في المئة من النازحين داخلياً في العالم بسبب الصراعات عرب. أعدادهم تقدر بنحو 17.1 مليون شخص، 28 في المئة منهم أطفال ومراهقون وشباب. وبينهم من ولد في مخيم، ولم يعرف سوى اللجوء أو النزوح أسلوب حياة.

ملخص حياة المراهقين العرب في حالات النزوح واللجوء صحة نفسية عليلة وظروف معيشة استثنائية وحال طوارئ تتحول أسلوب حياة، إضافة إلى حزمة "صداع" المراهقين المعروفة.

تلخيص أوضاع المراهقين والمراهقات في الدول العربية أشبه بمحاولة إدخال فيل وزرافة ونملة ونحلة في زجاجة من دون أن تدوس قدم أحدها على الآخر، ما يزيد على 60 في المئة من الـ453 مليون مواطن عربي تقل أعمارهم عن 25 سنة. وهذا يعني تشكيلة اجتماعية وثقافية ومعيشية ونفسية وتعليمية لا يمكن حصرها في "صداع" واحد أو حتى "استثمار" قابل للاستنساخ، ليس بين الدول العربية وبعضها فحسب، بل في الدولة ذاتها.

جيش مصر الجرار

في دولة كمصر، هناك ما يزيد على 18 ونصف مليون مراهق ومراهقة تتراوح أعمارهم بين عشرة و18 سنة يمثلون طيفاً من الفئات الاجتماعية والطبقات الاقتصادية المختلفة، ناهيك بدرجات من التعليم أو الأمية، والرفاه أو الحرمان، والوعي أو قلته والفرص أو شحها، والأمل أو اليأس.

يأس الأهل في كل زمان ومكان من الوصول لمرحلة الكفاءة في التعامل مع المراهق في البيت، لكن مراهق اليوم في مصر يختلف شكلاً وموضوعاً وكياناً وتكويناً عن المراهق في أي وقت مضى. كان المراهقون في مصر حتى سبعينيات القرن الماضي يحصلون على نوعية تعليم شبه موحدة في مدارس شبه متطابقة، وينتمون إلى أسر لا تخرج عادة عن التصنيف الطبقي الكلاسيكي: الأغنياء ومتوسطو ومتواضعو الحال. حتى من تسربوا أو حرموا من التعليم فسماتهم كانت متقاربة، ونوعيات مشكلاتهم كانت متشابهة.

لكن تسلل العصر الرقمي وتفاقم الأعداد وهبوب رياح متتالية من الأحداث والحوادث السياسية، ومن ثم الاقتصادية والاجتماعية أنهت سمات التشابه والتقارب. ولم تكتف بتوصيف المراهقين والمراهقات صداعاً في كل بيت سرعان ما سيزول بوصولهم مرحلة الشباب، بل غابوا تماماً عن بؤرة الاهتمام، وحتى "الصداع" الناجم عنهم، لم يعد يشغل كثيرين.

حجم الصداع الناجم عما يزيد على عقد كامل من الأحداث السياسية العاصفة التي بدأت في يناير (كانون الثاني) عام 2011، وما نجم عنها من مشكلات اقتصادية ضخمة واجتماعية رهيبة لم تترك مجالاً للانشغال بالمراهقين. وحتى حين بدأت الأوضاع تهدأ قليلاً، كان الوباء يدق الأبواب، وهو الدق الذي استمر عامين هما الأصعب على هذه الفئة العمرية.

مختفون وسط الملايين

مراهقو مصر ومراهقاتها مختفون وسط الملايين الهادرة في الشوارع والبيوت، لكن الاختفاء لا يعني الاندماج، لا سيما للفئة العمرية منهم الواقعة بين 13 و19 سنة. هؤلاء ليسوا أطفالاً كغيرهم من الأصغر سناً، كما أنهم ليسوا كباراً بحكم التصنيفات الأممية. هؤلاء نشأوا في زمن الصخب السياسي والألم الاقتصادي ورفع الغطاء عن كم مذهل من الاحتقانات والصدامات والارتطامات.

مراهقو مصر اليوم فتحوا عيونهم على ما يسمى أحداث الربيع العربي، ورياح التغيير في مصر. سنوات نشأتهم الأولى هيمنت عليها مشاعر التوتر العام. وحين هدأ التوتر نسبياً بعد أحداث يونيو (حزيران) عام 2013، حل الاستقطاب محل التوتر، وهو ما انعكس على سنوات التكوين الأولى.

سنوات ما بعد التكوين الأولى لم تكن أفضل حالاً. مشكلات التعليم المتوارثة المتواترة المتفاقمة تدق بكل عنف على رؤوس المراهقين والمراهقات. فعلى الرغم من التوجه المصري الرسمي لتطوير التعليم من ألفه إلى يائه، سواء من حيث محتوى المناهج وجعلها أكثر مواكبة ومواءمة للعصر أو طريقة التدريس على أمل أن تنأى بنفسها عن عقيدة الحفظ من دون فهم وسكب المعلومات من دون شرط المعرفة، فإن الاختلاف الشديد في أنواع التعليم ومناهجه خلف خليطاً من المراهقين المصريين أبعد ما يكون عن التناغم أو التقارب أو حتى قبول الاختلاف بين بعضهم بعضاً.

التعليم ليس للجميع

فبين نظام تعليم دولي لا يمت بصلة إلى المجتمع، وخاص يدرس المناهج المصرية بلغات أجنبية وخليط بين هذا وذاك وحكومي وديني، ينتمي مراهقو مصر إلى خلفيات تعليمية شديدة الاختلاف وأحياناً التنافر.

تشير ورقة بحثية عنوانها "مسيرة التعليم في مصر من الكتاتيب إلى المدارس الدولية" (2019) للباحثة في العلوم السياسية رضوى منتصر الفقي إلى أن اختلاف أنظمة التعليم في مصر أدى إلى ضعف تماسك أفراد المجتمع، وعدم قدرة البعض من خريجي المدارس على التأقلم مع النسيج المجتمعي. طلاب المدارس الدولية وبعض المدارس الخاصة ينظرون بعين الغرباء إلى الثقافة العربية والإسلامية، وهو ما يخلق لديهم شعوراً بالاغتراب في داخل مجتمعهم.

إلا أن الاغتراب وعدم القدرة على الاندماج والتأثير السلبي في الشخصية المصرية يراه البعض متجسداً في المراهقين من طلاب وطالبات المدارس الدينية وغيرها من المدارس ذات التوجهات الدينية الواضحة والتي تهيمن عليها تيارات دينية "متشددة".

وعلى الرغم من خضوع أغلب المدارس المنتمية أو المتصلة بجماعة الإخوان المسلمين لسيطرة الدولة إدارياً في أعقاب أحداث 2013، فإن هيمنة الفكر الديني الذي يصفه البعض بـ"المتطرف" أو "المتشدد" ما زال سائداً، ليس فقط في تلك المدارس، لكن في غيرها عبر معلمين ومعلمات تأثروا بموجة تديين المجتمع المصرية العارمة منذ سبعينيات القرن الماضي. يشار إلى أنه قبل سبع سنوات ظهر اتجاه رسمي لتنقيح وإعادة النظر في ملف التعليم الديني وكذلك المحتوى الديني في المناهج بشكل عام، وهو الاتجاه الذي فتر وضعف.

لكن المراهقين المشتتين بين تعليم ذي محتوى أجنبي ومناهج قائمة على إعمال العقل والفكر النقدي، وبين مناهج غارقة في التديين ديني وهوامش إعمال العقل فيها شبه منعدمة، وما بينهما من طلاب وطالبات في أشكال مختلفة من التعليم الحكومي والخاص تجمعهم الشبكة العنكبوتية التي هل الملاذ والملجأ.

في عالم آخر

وبينما "العالم الخارجي" غارق في التحذير من أضرار الاستخدام المفرط للإنترنت، وإدمان منصات التواصل الاجتماعي، وآثار المحتوى الجنسي غير اللائق، ومخاطر الإغراق في عوالم افتراضية، وحتمية تنظيم استخدام الإنترنت ووضع قواعد تتأرجح بين الإتاحة المشروطة والمنع الزؤام، إذ بالمراهقين والمراهقات في عالم آخر متاخم لهذا العالم الخارجي، لكن لا يتقاطع معه.

يقول أدهم سلمان (17 سنة) (طالب مرحلة ثانوية في مدرسة خاصة)، "العالم الخارجي منشغل بما نفعل ولا نفعل على الإنترنت، وكل منا يحمل جهازاً واحداً في الأقل متصلاً بالإنترنت. يشغلون أنفسهم كثيراً بما ينبغي وما لا ينبغي أن نفعله، بينما ما ينبغي وما لا ينبغي أن يفعلوه هم لا يطرأ على بالهم أصلاً".

 

ضمير "هم" وعبارة "العالم الخارجي" يعودان إلى مكونات المجتمع المحيط بالمراهقين: الأهل والمدرسة والمعلم والدولة والقانون وآخرون. يقول سلمان إن "أغلب هؤلاء ليست لديهم أدنى فكرة عما نعيشه، آمالنا، أحلامنا، مخاوفنا، رغباتنا، قدراتنا، اختياراتنا، كلها غائبة عن فكرهم وتخطيطهم".

آمال عديدة لمراهقين تبدلت في أثناء عامين من إغلاقات الوباء. العلاقة التي تجذرت وتأصلت مع الإنترنت ومنصاتها وتطبيقاتها غيرت كثيراً من التوجهات والمواقف. قصص كثيرة تنضح بها البيوت المصرية. ليلى (18 سنة) كانت تحلم وتخطط للالتحاق بكلية الطب، وأثناء الدراسة "أون لاين" من البيت قررت أن تلتحق بكلية الإعلام وتتخصص في الإعلام الجديد. مازن (19 سنة) اتخذ قرار التحول من الدراسة الجامعية أو إرجائها بضعة أعوام واحتراف الألعاب الإلكترونية. ونماذج التحول كثيرة.

لكن الاختيار في التحول رفاهية. وهناك من المراهقين والمراهقات من شهدت حياتهم تحولات كبرى كذلك نتيجة عامي الوباء، ولكن في اتجاهات أخرى.

زواج المراهقات

زواج المراهقات، المصنفات أطفالاً في عرف القانون، شهد انتعاشاً ملحوظاً. وبحسب الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن 117 ألف طفلة في الفئة العمرية من عشرة إلى 17 سنة متزوجات أو سبق لهن الزواج، كما تجري نحو 118 ألف حالة زواج سنوياً بين مراهقات.

خروج المراهقات، أو بالأحرى دفع الأهل لهن، للخروج من دائرة الفقر عبر الزواج يؤدي إلى مزيد من الفقر. فنسبة الطلاق بين المراهقات مرتفعة ومآسي عودتهن بأربعة أو خمسة أطفال إلى بيت الأهل "عادية" لفرط حدوثها.

أما ما يحدث بين المراهقين الذكور، الذي اشتدت حدته بسبب آثار الوباء الاقتصادية على الأسر المصرية واستمرارها بسبب تداعيات حرب روسيا في أوكرانيا، فهو الزج بالمراهقين من الذكور في سوق العمل. وبحسب المسح القومي لعمل الأطفال في مصر، يقدر عدد الأطفال العاملين بين سن 12 و17 سنة بنحو 1.6 مليون طفل ومراهق، يمثلون نحو 9.3 في المئة من مجموع الأطفال، بمعنى آخر، فإن طفلاً بين كل عشرة أطفال في مصر (فئة المراهقين) يعمل، وأغلب الظن أن العدد الحقيقي أكبر بمراحل.

مراهقو مصر قوى ضاربة. وعلى الرغم من ذلك فهم قوة مهمشة. وإذا كانت كلاسيكية التعامل الرسمي معهم باعتبارهم أطفالاً، وهم ليسوا كذلك، واستمرارية تعامل أهلهم معهم باعتبارهم صداعاً يزول بانتقالهم لمرحلة الشباب، وميوعة كيانهم في المجتمع حيث هم أطفال وصداع وقت الحقوق، لكن مشروع زوجات وعاملين وقت الواجبات جميعها يتكالب على رؤوس هذه القوة الكبيرة المهمشة.

صداع في الجزائر

قوة أخرى ضاربة مهمشة تحمل وصمة "الصداع" في الجزائر. ففي ظل نقص آليات وإمكانات التعامل مع المراهقين باختلاف مشكلاتهم وطموحاتهم، تتفاقم معاناة الجميع. فزواج القاصرات ما زال مشكلة عامة، إضافة إلى افتقاد مؤسسات الرعاية الشبابية التي توفر أماكن لممارسة الرياضة أو فضاءات تساعد في التحول الاجتماعي لهذه الفئة العمرية، لا سيما لسكان المناطق النائية حيث شح أدوات التعبير عن الأفكار والقدرة على ممارسة الهوايات.

يقول محمد (15 سنة) من ولاية الجلفة (350 كيلومتراً من العاصمة) إنه لا يمكنه ممارسة رياضته المفضلة السباحة، لأن المدينة التي يقطن فيها لا تحوي مسبحاً.

 

ويشير الباحث في العلوم الإنسانية والاجتماعية مراد مرداسي إلى أن الجزائر ما زالت متأخرة نوعاً ما في مجالي "الاتصالات الاجتماعية والمؤسسية لدى المراهقين والعمل المؤسساتي ما يساعد في توفير أماكن لتبادل المعلومات وتوسيع دوائر المعارف واكتساب خبرات ومهارات عن الأدوار الاجتماعية المختلفة". ويرى أن التواصل مع المراهقين يعد بمثابة تأمين ودفاع ضد حالات التقسيم الاجتماعي، وهذا ينطبق بشكل خاص على الفتيات.

ويلفت الانتباه إلى المشكلات الكثيرة التي تواجه المراهقين والمراهقات مثل البطالة ونقص الترفيه، إضافة إلى من يعانون أمراضاً مزمنة ويصعب إيجاد أنظمة علاجية مستدامة لهم.

سترة المراهقات

من جهة أخرى، يشهد زواج القاصرات انتشاراً واسعاً في الجزائر، ويسميه البعض "سترة المراهقات". نسبة كبيرة من الأسر باتت مضطرة إلى تزويج بناتها في سن مبكرة، بسبب الظروف الاجتماعية القاهرة هرباً من براثن الفقر. فتيحة (17 سنة) اضطر والدها إلى تزويجها مبكراً، لأن ظروفه المادية لا تسمح له بإعالة أسرته المكونة من تسعة أفراد.

كما تواجه الحكومة الجزائرية صعوبة في التعامل مع تزايد استخدام المراهقين للإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" و"تويتر" و"إنستغرام"، حيث باتت تؤثر بشكل واضح في بناء الشخصية والعادات والسلوكيات، على الرغم من تشديد الرقابة على مضامينها ومستخدميها.

يتحدث مراد (53 سنة)، وهو أب لعائلة من ستة أفراد، عن حجم المعاناة التي يواجهها في تربية ابنته التي أدمنت تطبيق "تيك توك"، وأصبحت تقلد بعض المشاهير في لباسهم وحركاتهم، ما اضطره إلى عرضها على طبيب نفسي.

وتكشف إحصاءات رسمية أن الجزائر تعد من الدول الأكثر تعاطياً مع الإنترنت واستخداماً لـ"فيسبوك". ويبلغ عدد مقاهي الإنترنت نحو 16 ألف مقهى. وتمثل الشريحة العمرية بين 15 و19 سنة الفئة الأكثر استخداماً للإنترنت بنسبة 72 في المئة من مجموع المتصلين بالإنترنت في الجزائر، حيث حياة افتراضية بعيدة عن أرض الواقع.

النرجيلة متنفس في لبنان

بعيداً أيضاً من أرض الواقع، لكن في لبنان، ينغمس المراهقون والمراهقات في أشكال الترفيه المختلفة من دون رقابة، ويغرقون في الهواتف الذكية والألعاب الإلكترونية وغيرها من المنصات الافتراضية.

محمد (15 سنة) يعتبر ألعاب الإنترنت والنرجيلة "متنفسه الوحيد" في ظل أزمات لبنان المتواترة. يقول إن أصدقاءه يلتقون يومياً في مقاهي الإنترنت التي تستقطب "حالتنا المحبطة".

المراهقون في لبنان يعيشون هذه السنوات من أعمارهم وهم يفتشون عن معنى لما بعدها. يعرفون أنها صاحبة التأثير الأكبر على المستقبل الذي يتطلعون إليه، وما يحمله من آفاق تعليمية وعملية، لكن الأوضاع من حولهم تقف لهم بالمرصاد. فالأزمة اللبنانية ألقت بثقلها وما رافقها من مآسٍ اقتصادية ومالية واجتماعية ومعيشية وتربوية بشكل قاس على المراهقين، شتتت أحلامهم وأصابتهم بكثير من اليأس.

انعكاسات الأزمة الاقتصادية

توضح أستاذة علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية ومؤسسة الشبكة الدولية لدراسة المجتمعات العربية ومنسقتها العامة، ماريز يونس، أن "الشباب هم الفئة الاجتماعية الأكثر قدرة على تحقيق التنمية بأي بلد في العالم من خلال إمكاناتهم وطاقتهم الواسعة"، مؤكدة أنه "من الضروري الاستثمار بإمكانات الشباب من خلال وضع استراتيجية وطنية من أجل تحقيق التنمية المطلوبة".

 

واعتبرت أنه "في ظل انهيار الدولة، كما الحال في لبنان، وغياب مؤسساتها وفعالياتها وتعطيلها من قبل السلطة القائمة، بدأت تظهر مشكلات متنوعة للشباب على أكثر من صعيد، سواء على مستوى فرص العمل أو التعليم أو القضايا الاجتماعية، ما أدى إلى انخراط البعض في أنشطة خطرة. وبحسب المراقبين الاجتماعيين فإن أكثر فئة شاركت في (انتفاضة تشرين) في عام 2019 كانت من الشباب. وتم التعويل عليهم بخاصة في مساعيهم لتحقيق التغيير".

وتضيف، "لكن عندما فشلت تلك المساعي والأهداف المنشودة رأينا أن الإحباط واليأس ضربا هذه الفئة، ما أدى إلى عديد من المشكلات أبرزها مثلاً اللجوء إلى المواد المخدرة".

الهروب أنواع

وتتعدد أساليب الهروب لهذه الفئة العمرية في لبنان. تقول يونس، "الهروب الأشهر يكون عبر المواد المخدرة، ثم تأتي الهجرة. والشباب هم الأكثر عرضة للإحباط. وهناك إقبال كبير للحصول على جوازات السفر نتيجة فقدان الأمل. وهناك الهروب بإدمان ألعاب الإنترنت. وهنا يعيش المراهقون حياتين واحدة واقعية والأخرى افتراضية".

وتوضح يونس أنهم أكثر ميلاً للحياة الافتراضية، إذ يكون لديهم فضاء خاص لا يستطيعون التخلي عنه. وينفقون المال لشراء الألعاب الجديدة، التي تقوم بدور تقوية أواصر علاقاتهم ببعضهم بعضاً ما يخلق مساحة اجتماعية لا وجود لها في الواقع. وتقول، "مساحاتنا في لبنان أصبحت مغلقة، فكل طرف لديه فضاؤه الخاص الذي يضيق على المراهقين. أبناء هذه الفئة العمرية يرفضون الخضوع لمراقبة السلطة، ولو كانت سلطة الأهل، بالتالي هذا الفضاء العالمي الذي جرى بناؤه على هواه يحقق أحلامه ولو كانت افتراضية لا تمت إلى الواقع بصلة. وهذا أمر خطير، لا سيما أنهم يعتبرون الواقع الافتراضي أجمل من الواقع".

وعن التفاوت في نوعية التعليم، تشير يونس إلى أنه "مع غياب الطبقة الوسطى بسبب الأزمة الاقتصادية نرى أن المراهقين، سواء في المدارس أو الجامعات الخاصة أو العامة يعيشون أزمة في التعليم. فالجامعة اللبنانية على سبيل المثال تحتضر، والجانب الأكبر من المراهقين يواجهون صعوبات مادية في الالتحاق بالمؤسسات التعليمية الخاصة في ظل "دولرة (من الدولار) القطاع". تواتر المشكلات وتفاقمها من دون هوادة يدفع أعداداً متزايدة إلى مزيد من الهروب سواء بالمواد المخدرة أو عبر إدمان الإنترنت ومنصاتها.

التدخين مهرب في المغرب

بعد المسافة بين لبنان والمغرب لا يعني اختلاف وسائل الهروب. تفيد إحصاءات المجلس الاقتصادي والاجتماعي في المغرب (مؤسسة رسمية) بأن نصف مليون قاصر دون سن 18 سنة يدخنون. وبين الطلاب المتراوحة أعمارهم بين 13 و17 سنة تصل نسبة المدخنين إلى 7.9 في المئة، وأن 63 في المئة منهم بدأوا رحلة التدخين قبل بلوغ سن الـ14 سنة.

ووفق التقارير الرسمية، فإن تسعة في المئة ممن خضعوا لدراسة عن معاقرة المخدرات استهلكوا القنب الهندي مرة واحدة في الأقل في حياتهم، و64 في المئة بدأوا في استهلاكه قبل بلوغ الـ14 سنة، كما طرق 13 في المئة من الأشخاص باب الكحول، وخمسة في المئة قالوا إنهم استهلكوا مؤثرات عقلية.

وفي سياق الإدمان، فإن الانغماس في الشبكة العنكبوتية ومنصاتها لدرجة الإدمان طال أعداداً كبيرة من مراهقي ومراهقات المغرب. 40 في المئة من المراهقين بين 13 و19 سنة يستخدمون الإنترنت بشكل مبالغ فيه، ونحو ثمانية في المئة في وضعية إدمان.

تعداد سكان المغرب يبلغ نحو 36.8 مليون نسمة. وعلى الرغم من عدم وجود أرقام رسمية، فإن "يونيسف" تشير إلى أن ثلث سكان المغرب من الأطفال الذين تقل أعمارهم عن 17 سنة.

القرية والمدينة

هذا العدد الكبير من المراهقين يعكس تفاوتات عديدة في الإمكانات، ومن ثم الفرص. تتفاوت الفرص في المغرب بين القرية والمدينة. في الأخيرة، تتعدد الفرص السانحة لتطوير وانفتاح شخصية المراهق عكس القرية حيث تقل أو تنعدم.

ويمكن لمس هذه الفوارق بين مراهقي المدينة والقرية في التعليم، إذ إن العرض التعليمي والتربوي في المدينة متنوع بين الحكومي والخاص، إضافة إلى كونه أكثر جاذبية.

هذا التفاوت الكبير يؤدي إلى نتائج سلبية كثيرة، ليس أقلها أن المراهق في القرى سرعان ما يقرر مغادرة الدراسة، بسبب بعد المؤسسات التعليمية أو الحالة الاقتصادية للأسرة، بينما يكمل مراهق المدينة مساره التعليمي بشكل أكثر يسراً.

 

زواج المراهقات شكل آخر من أشكال الظلم الذي يساوي بين المراهقات العرب. في المغرب، تقض الظاهرة مضجع الهيئات الحقوقية وكذلك المسؤولين. صار زواج المراهقات يشكل سبعة في المئة من مجموع حالات الزواج، وفق تصريحات لوزير العدل عبد اللطيف وهبي.

وعلى الرغم من ارتباط زواج المراهقات بالقرى بشكل أكبر حيث العادات والتقاليد تبارك زواج الصغيرات، فإن الأرقام الرسمية تكشف مفاجأة. أكبر عدد حالات زواج الفتيات تحت سن 18 سنة في مدينة الدار البيضاء.

وفي عام 2020 تلقت المحاكم المغربية نحو 20 ألف طلب لتزويج الفتيات القاصرات، تمت الموافقة على نحو 13 ألفاً منها. ووفق القانون المغربي فإن زواج الفتاة يكون بدءاً من سن الـ18 سنة، لكن أذن القانون للقاضي بالترخيص للفتاة بين 15 و18 سنة بالزواج بعد نيل ترخيص لأسباب محددة، مما دفع هيئات حقوقية إلى طلب إلغاء هذا الترخيص والمنع الكلي لزواج الفتيات دون 18 سنة.

تجربة مراهق

وعودة إلى مشكلات المراهقين "العادية" مقارنة بزواج القاصرات المجحف. يقول مراد (17 سنة) (طالب في المرحلة الثانوية) "إن المراهق يجد نفسه من دون حاضن أو رعاية من أسرته أو المؤسسة التعليمية، ولا يجد ذاته سوى وسط مراهقين مثله يفهمهم ويفهمونه".

وأضاف أنه لا يرى من والديه وإخوته الأكبر سناً سوى نصائح، إما عن دراسته والاجتهاد فيها أو في شأن صحته أو الأصدقاء الذين يتعين عليه مصاحبتهم، لافتاً إلى أنه في المدرسة أيضاً لا أحد يأبه لمشاعره وآماله وآلامه كمراهق.

ووفق مراد فإن "كثيراً من المراهقين باتت لهم لغتهم الخاصة وعالمهم الخاص، ولديهم إشارات خاصة بهم لا يقتحمها الكبار"، مضيفاً أن "والديه في البيت أحياناً كثيرة لا يفهمون طريقة كلامه، ولا يقبلون طريقة ملبسه، ويرفضون تسريحة شعره، على الرغم من أنها أسلوب للعيش بالنسبة إلى المراهقين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الباحث في علم الاجتماع رشيد الجرموني يقول إن السياسات الحكومية الموجهة إلى المراهقين "لا تتجاوز تعميم التعليم، وذلك على الرغم من التفاوتات بين والمدن والقرى ومعاناة الأخيرة من العزلة والهشاشة والتسرب المدرسي القرى بشكل أكبر".

ويرى الجرموني أن فئة المراهقين لا يتم الاهتمام بها نفسياً، فهم يعيشون تحولات نفسية كبيرة بدليل ثلاثة مؤشرات رئيسة: الأول نسبة المدخنين وسط المراهقين (7.9 في المئة من الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و17 سنة مدخنون)، موضحاً أن التدخين في هذه السن يشكل عائقاً أمام الإدماج المهني والدراسي وفي الحياة العامة لهذا المراهق الذي يصبح مثل قنبلة موقوتة.

والمؤشر الثاني هو عدم الاهتمام بالجانب الصحي للمراهق بمفهومه العام، أي الصحة البدنية والنفسية والاقتصادية. فالمراهق يخوض مشكلات وتوترات عدة مع الأسرة وفي المدرسة، ما قد يدفعه إلى إدمان الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي. وتبلغ نسبة المراهقين الناشطين على منصات التواصل الاجتماعي نحو 93.1 في المئة من مراهقي المغرب.

والمؤشر الثالث، وفق الجرموني، يكمن في ضعف تأهيل المراهقين. والدليل أن أرقام مندوبية التخطيط تؤكد أن 1.5 مليون مراهق وشاب ليس لديهم مؤهل، ولا يدرسون ولا يعملون. ويعتبر الجرموني ذلك دليلاً على فشل السياسات الحكومية في تدبير احتياجات المراهقين التي تتجاوز قدرات الأسر المغربية.

السياسة ومراهقو السودان

احتياجات المراهقين ليست مادية فقط. وفي دول تتوافر الخيرات لكن أوضاعها السياسية تلقي بظلال اقتصادية واجتماعية ونفسية وخيمة، لا سيما على المراهقين. السودان يتمتع بخيرات متنوعة تتمثل في أراض زراعية خصبة وثروة حيوانية ومعدنية تؤهل السودانيين لمستوى معيشي جيد، إلا أن الوضع السياسي المتردي والحروب المستمرة خلق طبقتين بينهما فجوة كبيرة. وانعكس ذلك على المراهقين الذين لا تجمع بين أغلبهم ظروف معيشية أو مستويات تعليمية متشابهة، حيث إما ثراء بالغ وإما فقر شديد.

 

الفقر الشديد جعل زواج القاصرات هاجساً للمراهقات المنتميات إلى أسر متواضعة الحال. وتشير دراسة إلى أن 34 في المئة من السودانيات تزوجن دون سن الـ18، وهو ما يرجع لأسباب اقتصادية بحتة، كما ينتشر العنف الأسري بين المراهقات ليصل أحياناً إلى القتل، مع وجود عادات وتقاليد تجعل الفتاة في سن المراهقة غير قادرة على فعل شيء سوى الانصياع.

أما المراهقون الذكور، فيلقي الفقر بآثاره عبر حرمان من التعليم الجامعي مع انخراط في أعمال هامشية مدى الحياة، كما ينتشر إدمان المواد المخدرة بين الفئة العمرية أقل من 20 سنة.

المراهقة مرآة الواقع

في هذا السياق. يقول استشاري الطب النفسي والعصبي على بلدو، "أزمة المراهقة في السودان مرآة تعكس الواقع. فالمراهقة والمراهق باتا يدفعان فاتورة الإخفاقات السياسية والأمنية والاقتصادية والمعيشية والفكرية، ما أدى إلى حدوث أزمة مراهقة، يدفع ثمنها أكثر من 65 في المئة من التعداد، وتعاني معهم أسرهم".

وعن أبرز مشكلات المراهقين، يوضح بلدو، "الخوف من المستقبل والتردد في اتخاذ القرارات والتخبط الفكري والجنوح إلى الأفكار الغريبة والمتطرفة والارتماء في حضن الأفكار الإرهابية والجماعات المتشددة، هرباً من الخواء الروحي الذي يؤدي إلى الشعور بعدم الراحة والتوازن، هذا الشعور يدفع المراهق إلى سلك طرق غريبة وخطرة كنوع من الدفاع الذاتي للوصول إلى التوازن الداخلي وتخيل وجود هدف يسعى إلى تحقيقه في ظل واقع أصبح بلا هدف أو صدقية".

وبدلاً من أن تكون الأسر عاملاً من عوامل الحل، فإنها كثيراً ما تشكل مشكلة إضافية للمراهق. يشير بلدو إلى "المشكلات الأسرية والنزاعات بين الآباء والأمهات والتي تظهر جلية في حجم قضايا الطلاق في المحاكم، هذا من شأنه أن يرفع وتيرة العنف لدى المراهق، ويعزز ثقافته في المجتمع، ناهيك بالألعاب الإلكترونية المليئة بالعنف والعنف المضاد بكل أشكاله البدنية واللفظية".

السلطة والسوشيال ميديا

ولا تقف منصات التواصل الاجتماعي بعيدة، بل بالغة القرب من مشكلات المراهقين في السودان، شأنهم شأن بقية المراهقين في العالم العربي. يقول بلدو إن رغبة المراهق في التحرر وارتداء الملابس غير المقبولة اجتماعياً كنوع من أنواع رفض الواقع تغذيها الـ"سوشيال ميديا". وأدى ذلك إلى وضع المراهقين في حال صدام متواصل مع السلطة أياً كان نوعها، سواء أكانت سلطة الأهل أو الحكومة، كما تتسلل ظواهر غريبة تغذيها منصات التواصل الاجتماعي، مثل الإلحاد، واعتناق ديانات غير معروفة، وإدمان المخدرات، والانغماس في الإدمان الرقمي، وإدمان الهاتف المحمول، والثقافة السطحية، وعدم الإيمان بالأشياء في ظل انهيار المنظومة المجتمعية وتردي القيم، هذا الانهيار ترك مراهقين ومراهقات يعانون صحة نفسية عليلة في شكل توتر واكتئاب وغيرهما.

"روشتة" إنقاذ المراهقين في السودان يصف بلدو بنودها كالتالي: إعادة تشكيل الشخصية، وبناء الأسرة، وإشاعة السلم الاجتماعي، وقبول الآخر، والوصول إلى حال من الاستقرار الأمني والسياسي والاجتماعي بعيداً عما أصاب السودان في السنوات الأخيرة، تحديداً بعد "ثورة" عام 2018.

الخروج من أجل الثورة

الخروج من أجل الثورة أو التعبير عن الغضب أمر شائك في داخل أسرة المراهق وخارجها. سارة (20 سنة) واجهت مشكلات أسرية كبيرة تمثلت في تعرضها للضرب المبرح بسبب إصرارها على المشاركة في تظاهرات سلمية. تقول، "كثير من الأسر في السودان تعتبر الفتيات عالة وعورة".

وفي هذا السياق تقول، "الأسر السودانية لا ترى الفتاة سوى مجرد عالة عليها وعورة. وعائلاتنا كانت تمنعني وصديقاتي من المشاركة في التظاهرات ليس خوفاً علينا، لكن لأننا إناث. المجتمع بشكل عام أبوي ذكوري لا يرانا سوى كائنات محدودة الفكر والقدرات".

وعن احتمال عودتها لأسرتها تقول سارة التي تعيش كلاجئة في هولندا منذ عام، "لا، لا أستطيع العودة".

 

سارة لم تجد من يتبنى قدراتها وأفكارها ومواهبها. وهي ليست وحدها، بل هي معاناة عامة بين المراهقين في السودان. تقول الباحثة الاجتماعية، نادية سليمان، "المراهقون السودانيون مبدعون وقادرون على أن يكونوا شباباً ناجحين على الرغم من قلة الإمكانات، لكن الدولة لا ترغب في تفجير تلك الطاقات، بل تتم محاربتهم مما يولد مشكلات نفسية تدفعهم إلى ترك البلاد لشعورهم بالهزيمة. ويكمن الحل في الاحتواء والحوار والتجاوب مع المطالب، لا سيما أن السودان مجتمع فتي".

مجتمع عربي فتي آخر هو العراق. إحصاءات وزارة التخطيط تشير إلى أن نسبة كبار السن (65 سنة)، وما فوق هي الأقل بين الفئات العمرية بنسبة 3.1 في المئة فقط. أما فئة الناشطين اقتصادياً، وتشمل السكان في سن العمل من 15 إلى 64 سنة، فتشكل 56.5 في المئة من مجموع السكان، تليها فئة صغار السن حتى 14 سنة، وتشكل 40.4 في المئة من مجموع سكان العراق الذي تجاوز 40 مليون نسمة.

أحلام ضائعة

المجتمع الفتي قادر –نظرياً- على النهوض بالاقتصاد حال توافر فرص العمل وسبل العيش التي تسمح للشباب بالحصول على فرص تعليم وعمل جيدة، وهي حقوق أساسية، لكن نسبة كبيرة من المراهقين في العراق يعانون ضياع الحلم بسبب ظروف عائلاتهم الاقتصادية الصعبة، إضافة إلى التشتت الأسري. والأدهى من ذلك أن كثيرين يعملون ساعات طويلة في ظروف لا تناسب أعمارهم. والبعض منخرط في تعاطي المواد المخدرة.

وتشير المعلومات الواردة من المديرية العامة لشؤون المخدرات والمؤثرات العقلية التابعة لوزارة الداخلية العراقية إلى أن أعداد المقبوض عليهم بجرائم تعاطي المخدرات، عام 2021، بلغت 287 من المراهقين والمراهقات و6699 في العشرينيات. والمخدرات ليست المأساة الوحيدة، فزواج المراهقات منتشر أيضاً.

"كانت في المحكمة تحاول تزويج ابنتها التي لا يتجاوز عمرها 14 سنة، وبعد رفض القاضي الأمر، لأن القانون العراقي يمنع تزويج القاصرات، بدأت والدة الفتاة في الصراخ قائلة: عليَّ أن أسدد مبلغ عشرة ملايين دينار (نحو 6816 دولاراً أميركياً)".

يقول المحامي المتخصص في قضايا الأحوال الشخصية، محمد جمعة، "إجبار الفتيات المراهقات على الزواج من قبل ذويهن هو لأسباب اقتصادية بحتة، وهو نوع من أنواع الاتجار بالبشر المسكوت عنه في المجتمع العراقي. وبما أن القانون العراقي يمنع تزويج القاصرات يلجأ ذوو الفتاة لتزويجها خارج المحكمة. وغالباً تتعرض الفتاة للعنف من الزوج. فالزواج في هذه الحالات لا يكون بغرض تكوين أسرة وينقصه التكافؤ، وغالباً يكون غرض أسرة الفتاة هو سداد الديون والخروج من الأزمات الاقتصادية".

ويشير جمعة كذلك إلى زيادة نسب الانتحار، لا سيما بين الفتيات، وكذلك هروبهن من بيوتهن بسبب العنف. يقول، "أغلب حالات العنف ضد المراهقات لا يصل إلى المحكمة، لأن القانون العراقي لا يوفر حماية للضحية، ولا يوجد مركز لإيواء ضحايا العنف الأسري".

وتشير منظمات نسوية إلى أن أعداداً ليست قليلة من المراهقات يعملن في الملاهي الليلية، ويتعرضن للاعتداء الجنسي، وتتم المتاجرة بهن. ويوضح محمد جمعة أنه على الرغم من تجريم عمل القاصرات فإن غياب الرقابة يدفع البعض إلى تشغيلهن. وبعضهن يهرب من العمل، ويتم إيداعهن في مركز مخصص لضحايا الاتجار في البشر.

ويرى جمعة أن أحد أهم الحلول يكمن في تشريع قانون يجرم العنف الأسري، ويحمي المراهقات من أول محطات تعرضهن للعنف على يد الأب أو الأخ.

الرياضة متنفس

حل آخر يكمن في إتاحة إمكانات ممارسة الرياضة للمراهقين والمراهقات. وترى رئيسة نادي "فتاة أيش" الرياضي وبطلة العراق والعرب في الدراجات سابقاً رشا رفعت، أن المراهقات في العراق يجدن صعوبة في ممارسة الرياضة والانضمام لأندية، فكل الأحلام مشروطة بموافقة الأهل.

 

"الأهل هم الداعم الأول، ودائماً يقترحون هوايات جديدة لأمارسها"، هذا ما تقوله مريم أحمد (16 سنة) التي تجد الوقت والإمكانات وموافقة الأهل التي تسمح لها بممارسة الهوايات مثل التصوير، وتعلم وصفات طبخ جديدة، وجمع المعلومات حول العناية بالبشرة، وممارسة اليوغا.

أما أحمد سلام (16 سنة) فوجد في تعلم الموسيقى وسيلة للحصول على الشعور بالأمان والسلام والتهذيب. يقول، "أنظم وقتي بين الدراسة والموسيقى. فالوقت دائماً متاح، ونحن من نتحكم فيه".

المراهق الفلسطيني 

صعوبة التحكم في الوقت تبدو مشكلة بسيطة أمام صعوبة التحكم في تفاصيل الحياة اليومية وسلامة المراهق حين يخرج من بيته أو حتى في داخله. الصعوبات الاجتماعية والاقتصادية والفقر وبطالة الشباب والتوترات المستمرة بين الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية وعنف المستوطنين والتهديد بالهدم والاعتقال، جميعها ظروف خلقت حالة استثنائية للمراهقين الفلسطينيين.

المجتمع الفلسطيني، كما هو متوقع، فتيّ. بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني تشير إلى أن نسبة الشباب في فلسطين في الفئة العمرية (15 - 29 سنة) تشكل 30 في المئة من إجمالي السكان المقدر عددهم بنحو 5.23 مليون نسمة، وبين هذه الفئة 37 في المئة في الفئة العمرية (15 - 19 سنة).

الوضع السياسي والأزمة الاقتصادية الحادة في فلسطين ضمن قائمة من العوامل التي دفعت عديداً من المراهقين إلى العمل وكسب المال. وعلى الرغم من عدم توافر أرقام دقيقة حول عمالة الأطفال في فلسطين، فإن الجهاز المركزي للإحصاء أشار إلى أن نسبة الأطفال العاملين في الفئة العمرية (10 - 17 سنة) خلال 2021 بلغت نحو ثلاثة في المئة.

 

وعلى الرغم من أحلام وتطلعات المراهقين والمراهقات ليكونوا أطباء ومهندسين ومخترعين فإن الفقر والبطالة والتوترات السياسية المتزايدة دفعت بتطلعاتهم نحو المجهول، لا سيما أن الأوضاع السياسية هي من تتحكم في مستقبلهم.

يقول مصعب (14 سنة)، "كانت تطلعاتي أن أصبح مهندس حاسبات، لكن تكدس الخريجين والبطالة المتفشية بين حملة الشهادات الجامعية بالآلاف جعلني أعيد التفكير ملياً في طموحاتي. واليوم أريد أن أصبح ميكانيكياً للسيارات الكهربائية، فهذه المهنة على الرغم من معارضة أسرتي لها بشكل مطلق فإنها ستؤمن لي راتباً جيداً، لا سيما أن الطلب على السيارات في تزايد مستمر".

أما أيسر (16 سنة)، الذي يعمل في مطعم شعبي في الضفة الغربية، فيقول، "أريد الاستمتاع في العطلة الصيفية والخروج مع أصدقائي للتنزه والسباحة ولعب البولينغ، لكن ظروف عائلتي الاقتصادية الصعبة لن تسمح لي بذلك، والعمل في المطعم سيوفر لي مالاً يساعدني في الحصول على قدر من الترفيه من دون أن أرهق عائلتي. والشهادة الجامعية ستكون بالغة التكلفة بالنسبة إلينا، وعليَّ تأمين تلك الأموال قريباً إن أردت الالتحاق بالجامعة".

خطة استراتيجية

في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس، يسود شعور عام في المجتمع الفلسطيني أن عمل المراهقين أمر طبيعي، بل وربما ضروري لصقل شخصيتهم وتمكينهم من الاعتماد على أنفسهم. البعض ينادي بضرورة تبني الحكومة الفلسطينية خطة استراتيجية ووطنية للاستثمار في هذه الشريحة المهمة والحساسة التي تعاني التهميش والإهمال، وذلك عبر توفير أندية رياضية ومراكز ثقافية وفنية مجانية.

يحكي أحد الآباء عن تجربته مع أحد أبنائه المراهقين قائلاً، "في المرحلة الابتدائية كان طفلاً هادئاً يتجاوب بشكل إيجابي مع الأسرة، ولدى انتقاله للمرحلة الإعدادية تغير بشكل جذري وأصبح حاد الطباع وكثير التذمر والتوتر. المراهقون يحتاجون إلى حاضنة إيجابية مثمرة خارج أسوار العائلة التقليدية، تعلمهم الاستثمار في قدراتهم ومواهبهم بدلاً من هدرها في أمور تافهة قد تكون خطرة على مستقبلهم، لا سيما مع الانفتاح التكنولوجي الكبير الذي يعيشه المراهقون".

"يونيسف" تقول إن تمويل أنظمة حماية الأطفال (دون 18 سنة) في فلسطين غير كاف لتلبية الاحتياجات، إذ لا تزال الحكومة الفلسطينية تعتمد بشكل كبير على المساعدات الدولية لتوفير الخدمات الأساسية.

المخدرات "جريمة منظمة"

على المستوى الوطني، يعد انتشار المخدرات من أخطر التحديات لاستهدافها المراهقين والشباب بين 10 و20 سنة. ويقول مدير إدارة مكافحة المخدرات في الشرطة الفلسطينية عبد الله عليوي إنه بناءً على دراسة علمية، فإن أعداد متعاطي المواد المخدرة تزيد على 26 ألف شخص في القدس الشرقية والضفة وغزة.

ووفقاً لمركز العمل التنموي (معاً)، ارتفعت حالات ضبط المواد المخدرة من قبل أجهزة الأمن الفلسطينية في السنوات الأخيرة، ما يعد مؤشراً إلى تنامي هذه الظاهرة ووجود أرضية خصبة لوصولها إلى مستوى "الجريمة المنظمة"، خصوصاً في المناطق التي لا تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية.

المتخصص في علم الإجرام، وليد حداد. يقول إن "التعامل مع السموم مدخل أساسي لعالم الإجرام والعنف، إذ يلحق متعاطي السموم الضرر بعائلته وبيئته. وعندما يفقد السيطرة على نفسه يبدأ العمل في صفوف عصابات الإجرام والمخدرات" وهو ينصح الأهل بـ"تفعيل السلطة الوالدية بديلاً من تبني نظريات تعتمد على مفاهيم الاستقلال والفردية".

 

في المقابل، لفت تقرير صادر عن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى أن حقوق الشباب في الأراضي الفلسطينية تتعرض للانتهاك على طول الخط، مثل الحق في الحياة والعمل والأمن ومستوى معيشي مناسب والحرية الشخصية والسكن وحرية الرأي والتعبير وحرية الحركة والتنقل والرعاية الصحية، وغيرها من الحقوق الأساسية.

وبحسب تقديرات صندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن فئة كبيرة من الشباب والمراهقين في فلسطين عرضة لأخطار الضعف والتهميش والاستبعاد ونقص الحقوق والخدمات، بدءاً مـن البطالـة والفقـر وقلـة فـرص العمـل وضعـف المشـاركة المدنيـة والسياسـية، ووصولاً إلى مسـتويات عـدة مـن عـدم المسـاواة والاسـتبعاد، لا سـيما بين المراهقين المنتمـين إلى فئـات ضعيفـة أو مهمشـة.

المراهقون والمراهقات العرب في الهم سواء، لكنهم أيضاً في الأمل سواء. دول يحظى سكانها بمستوى معيشي جيد، وأخرى تعاني الأمرين، وثالثة بين بينين، وعلى الرغم من ذلك يتحدث مراهقوها لغة أحلام وإحباطات متطابقة. محتواها مختلف لكن غايتها واحدة. كل منهم يحمل حلماً واحداً في الأقل غاية مناه أن يحققه، وأسوأ كوابيسه أن يستيقظ في عالم لا يسمح له بأن يحمل حلمه على الرغم من أنف الوباء والصراعات والأوضاع الاقتصادية الصعبة والتوترات السياسية سمة العقد، إضافة لحزمة "الصداع" الملاصقة لفئته العمرية. غريب الأطوار، غاضب، منفصل على الأهل، غارق في شاشاته، يرتدي ملابس غريبة، يعارض أكثر مما يوافق لكنه في نهاية المطاف يحلم بغد أفضل له ولمن حوله.

هذه القوة العربية الفتية، باختلاف طبقاتها وفئاتها ومشكلاتها وطموحاتها، تعاني تهميشاً، ربما يكون غير مقصود، لكنه قاتل للطموح مثبط للهمم.

مرحلة مختلفة من الحياة

وفي السعودية وعلى مختلف الأجيال، لا تزال مرحلة المراهقة تتميز بفورة الشباب وحيويته وكثرة الأسئلة والمقارنات والنفسية المضطربة، مما يجعل المراهق سبباً في تعب أسرته حتى تصل إلى طريقة للتفاهم معه واحتوائه.

ويشير الباحث السعودي المتخصص  في الشأن الاجتماعي، عبدالرحمن الشهيب، إلى أن المراهقة "لا تعني الانحراف بأي حال من الأحوال، لكنها مرحلة مختلفة من الحياة، إذ تفرض مع تغيراتها الجسدية والنفسية ضغوطاً جديدة على الأهل لا يدركون معها كيفية التعامل مع المراهقة، خصوصاً أن هذا التعامل معها تعقده كذلك جوانب التداخل الثقافي الذي تفرضه وسائل التواصل الاجتماعي".

ويضيف، "المراهق لا يحظى بالاهتمام في السعودية، فلذلك يقولون للفتى ’خلك رجال’ وللفتاة ’خليك مرة’ أي امرأة ناضجة، إذ يؤدي حرق المراحل في الحياة السعودية إلى خلق مشكلات في الشخصية من الصعب معالجتها، والإصرار على ظهور الناس بصورة واحدة تسمى الصح وما خالفها خطأ، وهو الذي يجعل الناس يختارون الحلول الآمنة، فيغتالون شخصياتهم في المراحل الأولى من الحياة، لكن هذه الشخصيات لا تغادرهم فيعودون إلى ممارستها في سن متأخرة، مما يشكل حالاً مرضية تستحق الوقوف عندها"، مطالباً بالاستثمار الحقيقي للمراهقين من الصغر، وتفهم جوانبهم المختلفة حتى نستثمر فيهم خير استثمار.

وقالت الاختصاصية النفسية أريج الجهني، "يجب عدم جمع المراهقين في صفة واحدة، فلكل مراهق حال خاصة كما أن لكل إنسان حال خاصة عبارة عن مزيج من استعداد فطري وتربية وظروف حياتية وإمكانات اقتصادية ومستوى تعليمي وخلافه".

 

وتنصح الجهني بأنه حتى لا يصبح المراهق صداعاً لأسرته فإنه عندما يدرك الوالدان انعزال أي من الأبناء وعدم انسجامه مع الأسرة والمجتمع والتغير في الحال المزاجية بشكل مستمر "فلا بد من التدخل الباكر والذهاب إلى الاختصاصي النفسي والاجتماعي للبحث عن الأسباب، ومن ثم وضع الخطط العلاجية المناسبة، وعادة ما تستخدم الاختصاصية الاجتماعية العلاج السلوكي المعرفي (CBT) كخط علاج أول مع المراهقين للتعرف على تشوه أفكارهم ومعتقداتهم عن أنفسهم وعن البيئة المحيطة بهم، ومن ثم البدء في تغيير تلك الأفكار السلبية والمعتقدات بغرس الأفكار الإيجابية والمعتقدات الصحيحة، والنجاح في تطبيق مهارات جديدة لمعرفة واقعهم بصورة صحيحة عبر جلسات عدة ، وهناك من يحتاج إلى مشاركة الطبيب النفسي إلى جانب الاختصاصي الاجتماعي والتعمق في عملية العلاج حتى نحقق الهدف العلاجي ليتمتع المراهق بحال توازن بين أسرته ومجتمعه".

وأضافت، "باختصار المراهقة مرحلة ليست كلها شر، لكنها مليئة بالتناقض والصراعات الداخلية التي تحتاج إلى كثير من الاهتمام والاستماع من خبراء متخصصين".

وذكر المستشار التربوي علي الغامدي أن السعودية بدأت في خطوات الاستثمار في طاقات المراهقين، إذ ستفرض من العام الدراسي المقبل 40 ساعة تطوعية لإتمام المرحلة الثانوية، كشرط للحصول على وثيقة التخرج، موضحاً أن الاستثمار في المراهقين "سيعود بفائدة ثلاثية الأبعاد في حاضر حياة المراهق وخلال بقية عمره وما بعد تجاوزه مرحلة البلوغ، وللجيل المقبل من الأطفال، وسيؤدي إلى أرباح اقتصادية تتجاوز قيمتها ما ينفق عليها، أي أن هذا الاستثمار لن يحدث فرقاً مباشراً فقط في مستوى صحة الأولاد والبنات، بل سيحقق عوائد اقتصادية عالية حتى في الزمن البعيد".

الحرب مأساة مضاعفة

وفي اليمن الذي يصل عدد المراهقين فيه إلى 6.3 مليون من إجمال السكان البالغ 30 مليوناً، وفقاً لإحصاء صادر عن "يونيسف"، يعيش معظمهم في ظروف نفسية ومادية معقدة ضاعفتها الحرب التي استهدفت هذه الشريحة بشكل كبير وملحوظ.

وعلاوة على المشكلات الاجتماعية التي نشأ المراهق اليمني في خضم انفعالاتها وتأثيراتها الكبيرة، ومنها الفقر والجهل وتعاطي القات والتدخين، وامتدت أخيراً إلى تعاطي المخدرات، جاءت الحرب التي أشعلتها ميليشيات الحوثي العام 2014 لتدخل هذا القطاع في قلب الصراع الدامي، سواء كوقود لها من خلال تجنيدهم واستغلال العنفوان المتقد لديهم بتحميلهم أفكاراً طائفية قبل الزج بهم في جبهات القتال، أو كضحايا أجبرتهم الحرب على النزوح والتشرد والعمالة والابتعاد من التعليم، وبالتالي انعدام فرص التنشئة السليمة لجيل يبشر بمستقبل مجهول ومخيف.

 

هذه الحال وفقاً للاختصاصية الاجتماعية ورئيس مؤسسة الحنان للتنمية حنان الرداعي تعد بمستقبل مخيف لليمن، نتيجة الضرر النفسي والجسدي البالغ الذي أصاب معظم شريحة المراهقين في اليمن من الجنسين، خصوصاً خلال سنوات الحرب الأخيرة.

وترى الرداعي أن المراهقين اليوم "باتوا مشكلة حقيقية وعنصر قلق لهم لمستقبل مجتمعهم"، مضيفة "قبل 10 أعوام كان من الممكن اعتبارهم فئة واعدة، نظراً إلى إقبال معظمهم على التعلم والتنشئة الصحيحة التي يعيشون في كنفها من استقرار وهدوء نفسي ومجتمعي، أما اليوم فالحال اختلفت بسبب الحرب التي وإن طالت فهذا إنذار شديد الخطورة على مجتمع مهدد بالتشظي والتفكك".

وتتطرق الاختصاصية إلى الأسباب التي أسهمت في ما اعتبرته "تنشئة خاطئة تشترك فيها الأسرة وضعف التعليم في اليمن وإغفال التربية النفسية والأخلاقية من الأهل أو من المدارس، مما تسبب في انخراط كثير منهم ما بين الـ 14 والـ 20 وأقل من ذلك في جبهات القتال، بعد أن جرت تعبئتهم بالأفكار الطائفية الخطرة على المجتمع".

أما بالنسبة إلى الفتيات المراهقات، فقد "شهدت الحرب عودة زواج الصغيرات الأقل من 18 عاماً"، ومن أهم أسبابه "تخلص الأسرة من مسؤوليتها تجاه الفتاة ومصاريف معيشتها وتعليمها جراء الفقر وتدني دخل رب الأسرة والاختلال الاقتصادي والاجتماعي الفادح داخل المجتمع".

القات والتدخين

كما أن الفراغ ونقص الوعي الناتج من انهيار المنظومة التعليمية والإرشادية والتربوية بسبب الحرب أديا إلى لجوء قطاع واسع من الفتيات، كما هو الحال بنحو 88 في المئة من الشباب، لتعاطي القات والدخان، وهذا أيضاً ينذر بمستقبل مخيف ينتظر البلد، إذ ستغدو هؤلاء الفتيات أمهات أجياله المقبلة".

ويقول رئيس منظمة ميون لحقوق الإنسان عبده الحذيفي إن ميليشيات الحوثي عملت وفق خطط ممنهجة لجمع أكبر ممكن من المراهقين لمعسكرات التجنيد.

وفي إحصاء حصري لـ "اندبندنت عربية"، أكد الحذيفي أن عدد ضحايا التجنيد من المراهقين بين سني الـ 15 و22 عاماً الذين تمكنت المنظمة من رصدهم بلغ نحو 32500، وذلك خلال الفترة من الـ 21 من سبتمبر (أيلول) 2014 وحتى الـ 25 من يونيو (حزيران) 2022، توزعت على جميع المحافظات والمناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعة المسلحة.

ما ينبغي الالتفات إليه هو السمة المشتركة بين جماعة الحوثي وبقية الجماعات المتطرفة والإرهابية بالمنطقة في تفضيل استقطاب فئة المراهقين، "فمنذ نشأتها كحركة وشنها حروب التمرد الست على الدولة مطلع الألفية، تركز هذه الجماعة المسلحة بشكل ملحوظ على استقطاب المراهقين والتغرير بهم مثلها في ذلك مثل "القاعدة" و"داعش".

عقول سهلة التشكيل

وعن الأسباب التي تدفع الميليشيات المسلحة إلى استقطاب هذه الفئة تحديداً، يرى الحذيفي أنها كثيرة، "فمن جانب يسهل على قياداتها الطائفية تشكيل هذه العقول الطرية مستغلة الحماسة التي تعتري المراهقين في هذه السن الباكرة، كما يسهل تجنيدهم وتدريبهم في معسكراتها لإعدادهم أدوات للعنف وليقوموا بتنفيذ أي أعمال قتالية يتم تكليفهم بها حتى لو كانت انتحارية، طمعاً في الحصول على ما يصوره لهم المشرفون الطائفيون بأنه معد لهم في الجنة ولا يفصلهم عنه سوى الانتقال إلى الحياة الأخرى".

ووفقاً للحذيفي "يرتكب الحوثيون بذلك جرائم مركبة، إحداها في نفسية هؤلاء اليافعين التي تتأثر كثيراً وتنعكس على سلوكياتهم الحياتية"، وهنا يشار إلى أن من ينجو من هؤلاء الفتيان من سعير الحرب في جبهات القتال "يعود لأسرته محطماً لا يملك من المهارات الاجتماعية شيئاً أو حتى التواصل الطبيعي مع من هم في محيطه، فيقوم بتنفيذ جرائم في أفراد عائلته وأقاربه من دون أن يرمش له طرف"، مؤكداً أن إجمال عدد القتلى المراهقين يصل إلى 65 في المئة من إجمال القتلى البالغ 50 ألف نسمة.

المزيد من تحقيقات ومطولات