بعد مرور نحو عامين على جائحة كورونا، كان العمال الأردنيون الأكثر تضرراً من بين كل القطاعات الأخرى، بفعل التبعات الاقتصادية التي خلّفها الوباء وقصور المعالجات والحلول الحكومية، فضلاً عن تراجع منظومة الحماية الاجتماعية، خصوصاً أولئك العاملين بنظام المياومة.
وخلال العامين المنصرمين، تكشفت انتهاكات كثيرة بحق العمال الأردنيين بصفتهم الحلقة الأضعف، كممارسة حقهم في الانتخابات النقابية، فيما غاب دور النقابات العمالية عن الساحة، واستفردت الحكومة بالقرار، وسط قلق رسمي وشعبي من ارتفاع عدد العاطلين من العمل في البلاد إلى نحو 400 ألف شخص، أي بنسبة تزيد على 23 في المئة.
ويبلغ حجم القوى العاملة في المملكة مليوناً و600 ألف، بنسبة 27 في المئة من المجموع العام للسكان.
تشريعات قاصرة
ويبرر مرصد العمال الأردني الانتهاكات العمالية بالمنظومة التشريعية القاصرة التي تحكم بيئة العمل في البلاد، خصوصاً التعديلات الجديدة التي طرأت على القوانين واعتُبرت من قبل كثيرين في غير صفّ العمال، كتعديلات قانون العمل التي طالت ثماني مواد وتراجعت عنها بعد ضغوط من مؤسسات المجتمع المدني، إلى جانب تلك المتعلقة بالقيود على تأسيس النقابات العمالية، وأخرى تخفض تكلفة التشغيل على أصحاب العمل على حساب الحمايات الاجتماعية التي توفرها تشريعات العمل الأردنية كقانون الضمان الاجتماعي، والذي تنوي الحكومة "العبث فيه" وفق وصف مراقبين، إذ تعتزم تخفيض اشتراكات الضمان الاجتماعي للمنخرطين الجدد في سوق العمل ولمدة عشر سنوات، وكذلك تخفيض نسب اشتراكات تأمين الشيخوخة بهدف التخفيف على القطاع الخاص في الأردن.
ووفقاً لمتخصصين، من شأن هذه التعديلات تخفيض الرواتب التقاعدية للعمال بنسب تتراوح من 10-17 في المئة بما يهدد أمنهم الاجتماعي.
وأضحت حقوق العمال الأردنيين في مهبّ الريح بعد الإعلان عن هذه التعديلات، إذ من شأنها انتهاك حقهم بتنظيم الاحتجاجات واختيار من يمثلهم.
وكانت الحكومة الأردنية رفعت الحد الأدنى للأجور إلى ما يقارب 366 دولاراً، لكن ثمة مطالبات برفعه إلى 500 دولار، في وقت تشير الإحصاءات الرسمية إلى أن أكثر من ثلث السكان في البلاد يُعتبرون فقراء.
عمال الزراعة بلا مظلة
وبعد 13 عاماً من الانتظار والمعاناة، صدر نظام خاص بعمال الزراعة لشمولهم بأحكام قانون العمل، إثر سنوات طويلة من استثنائهم من حقوقهم كالضمان الاجتماعي وأحكام ساعات العمل والعطلات.
لكن الفرحة لم تكتمل بسبب بلاغات الدفاع الخاصة بالتعامل مع جائحة كورونا، التي عطّلت هذه الحقوق بعد شهر من صدورها.
ويصف مدير أحد مكاتب الدراسات حمادة أبو نجمة النظام الجديد بأنه يشكّل نقلة نوعية وتاريخية في تطور الحقوق والحمايات للعمال في الأردن، وتنظيم العلاقة بين أصحاب العمل والعمال، لينهي حقبة زمنية طويلة من استثناء قطاع الزراعة من قانون العمل على الرغم من بعض الملاحظات عليه.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ماذا عن ذوي الاحتياجات الخاصة؟
وتنظر المؤسسات الحقوقية والعمالية بإيجابية إلى الخطوات التي اتخذتها الحكومة الأردنية تجاه تعزيز تشغيل الأشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة في المنشآت، بعد أن تم إصـدار نظام خاص في 2021 يلزم المنشآت تشغيل هؤلاء وفق نسبة محددة، والتأكد من عدم وجود أي شكل مـن أشكال التمييـز ضدهم.
العمل اللائق يتراجع
إلى جانب ذلك، تتراجع فرص حصول الأردنيين على "العمل اللائق"، إذ يعاني كثير من القطاعات كقطاع أطباء الإقامة، الذين يعمل معظمهم لأعوام من دون أجور ومن دون حماية اجتماعية مقابل الحصول على "البورد"، فضلاً عن حرمان الطبيبات منهن من إجازة الأمومة المنصوص عليها في القانون، الأمر الذي يسهم في هجرة الكفاءات إلى دول الاغتراب.
ويشير إحصاء إلى أن 34 في المئة مـن خريجي كليـة الطب فـي الجامعـة الأردنية يعملون فـي أوروبـا والولايات المتحدة الأميركية ودول الخليج العربي.
كما تعترض العاملين في قطاع الخدمات الصحية المساندة، كالتنظيفات وخدمات الطعام، انتهاكات عدة كالعمل من دون إجازات سنوية أو مرضية، وأجور تقل عن الحد الأدنى الرسمي والقانوني.
رقمنة الأجور
وبشكل عام، تعاني العاملات الأردنيات من ضعف في فرص وصولهن إلى الخدمات المالية مقارنةً بالرجال، بحسب تقرير لمنظمة العمل الدولية، التي تطالب برقمنة الأجور للعاملات الأردنيات حفظاً للحقوق.
فعلى سبيل المثال، شهد قطاع الألبسة آثاراً مدمّرة بسبب الجائحة، في الوقت الذي لا يزال نحو ثلثي العاملين فيه يتقاضون أجورهم الشهرية نقداً.
بينما يمنح دفع الأجور رقمياً الشركات فرصاً لتحسين الإنتاجية والكفاءة والشفافية، ويعزز القدرة المالية، خصوصاً للنساء.
ويفتقد معظم العاملين ممارسة حقهم في الانتخابات النقابية بسبب تشكيل الهيئات الإدارية بالتزكية، الأمر الذي زاد من عزوف غالبية النقابات العمالية عن قواعدها، وسيطرة الأشخاص والأفراد على مقاليد الأمور.
بدورها، تردّ الحكومة الأردنية أنها اتخذت سلسلة من الإجراءات لحماية حقوق العمال خلال كورونا، لا سيما أولئك العاملين في القطاع الخاص، مع عدم الإضرار بحقوق أرباب العمل.
وتتحدث عمان عن نيتها اتخاذ إجراءات إضافية كإدراج جميع العمال بمن فيهم المهاجرون في برامج الحماية، وتعزيز حملات التفتيش ومراعاة الاعتبارات الجندرية.