ملخص
لا توجد أرقام رسمية للصحافيين كافة الذين لقوا حتفهم خلال تغطية النزاعات والحروب، لكن الأعداد تتجاوز الألف، وكان آخرهم مريم أبو دقة وأربعة من زملائها، هم أحمد أبو عزيز وحسام المصري ومحمد سلامة ومعاذ أبو طه.
بمقتل مصورة "اندبندنت عربية" مريم أبو دقة وزملائها في قطاع غزة يرتفع عداد الصحافيين الذين قضوا خلال تغطية الحروب، لكن غزة ليست الوحيدة التي كانت مقبرة لـ"جنود الحقيقة"، إذ سبق أن قضى مئات من هؤلاء في تغطية نزاعات الشرق الأوسط الملتهب أو أفغانستان أو فيتنام.
ومن أبرز هؤلاء الصحافيين الذين قتلوا خلال تغطيتهم الحروب نجد الأميركية ماري كولفن، التي قضت خلال حصار قوات النظام السوري السابق لمدينة حمص في فبراير (شباط) من عام 2012.
ومسيرة كولفن كانت لافتة في الواقع، إذ فقدت عينها اليسرى في أبريل (نيسان) 2001 خلال انفجار قنبلة أطلقها الجيش السريلانكي، وهي الحادثة التي تسببت لها في اضطرابات لم تثنها لاحقاً عن العودة لمزاولة عملها ونشاطها، وذلك إبان أحداث ما يعرف بـ"الربيع العربي".
والتقت آنذاك بالعقيد الليبي الراحل معمر القذافي، إذ جازفت بالسفر إلى طرابلس، متجاهلة احتدام المعارك بين قواته و"الثوار"، وإثر ذلك انتقلت إلى سوريا على رغم أن النظام كان يفرض قيوداً صارمة على دخول الصحافيين الأجانب.
وبحسب ما كشفت عنه آنذاك فإنها دخلت على دراجة نارية، وفي الـ21 من فبراير 2012 ظهرت كولفن على الشاشات تتحدث عن "قصف قاس، وهجمات للقناصة من فوق المباني"، لافتة إلى أن "حمص أسوأ صراع تواجهه على الإطلاق"، وذلك قبل أن تقتل في قصف للطيران السوري.
مخاطرة وجودية
وكولفن وأبو دقة ليستا الوحيدتين اللتين تقضيان خلال تغطية نزاعات أو حروب، إذ قتل أخيراً أنس الشريف في قطاع غزة، مما أحدث صدمة عالمية، كما قتل على مر التاريخ مئات من الصحافيين.
ولا توجد أرقام رسمية للصحافيين كافة الذين لقوا حتفهم خلال تغطية النزاعات والحروب، لكن الأعداد تتجاوز الألف، وكان آخرهم مريم أبو دقة و4 من زملائها، هم أحمد أبو عزيز وحسام المصري ومحمد سلامة ومعاذ أبو طه.
وواصلت مريم أبو دقة أداء مهمتها بشجاعة على رغم مغادرة ابنها لقطاع غزة، لكنها أصرت على البقاء لتنقل بكاميرتها ورسائلها الصوتية والمصورة ما لم ينقل إلى العالم عن "الصراع المجنون" في غزة الآن.
وعد الباحث في علوم الإعلام والاتصال علي أحمد أن "أخلاقيات المهنة تدفع الصحافي إلى أن يشهد لا أن يغيب، وأن يحفظ حق الناس في نقل الصورة والمعرفة، لأنه في النهاية حضور الشاهد يمنع اكتمال الجريمة الثانية، وهي طمس الحقيقة".
وتابع أحمد في حديث خاص مع "اندبندنت عربية" بأن "الواقع في غزة اليوم يتميز بثلاثة عناصر متداخلة، أولاً غلق إسرائيل الميدان أمام معظم الصحافة الدولية، فيتحمل الصحافيون المحليون وحدهم عبء الشهادة المستمرة، ثانياً تصاعد الأخطار مع ضرب مناطق عرفت كتجمعات إعلامية أو محيط منشآت طبية مكتظة بالمدنيين".
وأضاف "ثالثاً تضاعف ظروف الحصار مثل الاتصالات المتقطعة، ونقص الوقود والكهرباء من هشاشة السلامة المهنية والاستجابة الإسعافي، مما يحول مهمة الاقتراب من الحدث إلى مخاطرة وجودية".
ليس تهوراً من الصحافيين
وبحسب منظمة "مراسلون بلا حدود" فإنه بين 2003 و2022 قتل 1668 صحافياً، فيما قضى نحو 200 آخرين في تغطية حرب غزة التي بدأت قبل نحو سنتين من الآن، وأثار مقتل مصورة "اندبندنت عربية" مريم أبو دقة، التي تشبثت برسالتها المهنية حتى النهاية، تنديداً دولياً واسعاً.
ومنذ عام 2005 تصاعدت وتيرة استهداف الصحافيين بصورة لافتة، خصوصاً إثر غزو العراق، إذ لا تزال الأذهان تشد صورة مقتل الصحافي طارق أيوب، في قصف أميركي لمكتبه في بغداد عندما كان يقوم بتغطية الحرب.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
واعتبر الباحث في علوم الإعلام والاتصال عبدالله سالم باخريصة أن "السياق في الواقع يختلف بالنسبة إلى المراسلين الحربيين، فهناك من الصحافيين ربما من يسعى إلى المجازفة، لكن في حال ما يحدث في غزة فإن الأمر مختلف تماماً".
وأوضح باخريصة في تصريح خاص أن "مقتل الصحافيين في أساسه في القطاع ناجم عن استهداف ممنهج من القوات الإسرائيلية، وليس تهوراً من الصحافيين أو مجازفة منهم، خصوصاً أن هؤلاء يحاولون قدر الإمكان التسلح بأدوات السلامة المهنية التي من شأنها أن تقيهم من الاستهدافات العابرة".
وشدد على أن "هؤلاء يحاولون الوصول إلى الحقيقة وبثها إلى العالم، وهذا حق مكفول، وفي تقديري هذا هو أساس العمل الصحافي، من خلال تقديم المعلومة وكشف المستور منها من دون التعدي على أي طرف بلا أدلة".
انعدام آليات التنفيذ
ومع تصاعد وتيرة استهداف الصحافيين سواء في غزة أم غيرها من الأماكن المشتعلة في العالم، تتصاعد التساؤلات حول مدى فاعلية القوانين الدولية التي جاءت لتأمين وتحصين هؤلاء.
وأبرز أحمد أن "القوانين الدولية لا تغيب عن حماية الصحافيين، إذ تؤكد المادة الـ79 من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقات جنيف أن الصحافيين مدنيون ما لم يشاركوا مباشرة في الأعمال العدائية"، مشيراً إلى أن "قرارات مجلس الأمن الدولي ولا سيما 1738 و2222 تلزم أطراف النزاع بالتحقيق والمساءلة، وتفترض أعراف القانون الإنساني حماية المراسل والعدول عن استهدافه".
واستدرك المتحدث بالقول إن "هذه النصوص تفقد مفعولها حين تنعدم آليات الإنفاذ وتتعطل التحقيقات المستقلة، خصوصاً مع إسرائيل، فتترسخ دوامة الإفلات من العقاب".
واستنتج أحمد أنه "بالتالي لا تغيب القوانين، بل يغيب إنفاذها: ولوقف دوامة استهداف الصحافيين في مناطق النزاعات وخصوصاً غزة يستلزم ذلك كسر دائرة الإفلات من العقاب، بما يضمن إجراء تحقيقات مستقلة ومساءلة قضائية، لا الاقتصار فقط على بيانات التنديد".