Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انقلاب غينيا بيساو يضع "إيكواس" في دائرة الضوء

المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا تحاول إعادة المسار الديمقراطي لكن فشلها يعني نهاية تأثيرها في المنطقة

فرصة "إيكواس" لإعادة غينيا بيساو إلى النظام الدستوري ليست مجرد مبادرة إنقاذ بل اختبار شرعية (أ ف ب)

ملخص

نددت "إيكواس" بالانقلاب العسكري في غينيا بيساو مطالبة العسكريين بإعادة النظام الدستوري فوراً، وإطلاق سراح المحتجزين السياسيين، والسماح بإكمال عملية الانتخابات وإعلان النتائج بصورة شفافة، وقالت المنظمة في بيانها إن الانقلاب العسكري يشكل "انتهاكاً خطراً للنظام الدستوري، وتهديداً مباشراً لاستقرار البلاد والمنطقة بكاملها".

 بمجرد الاستيلاء على السلطة قبيل إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية، وبعد إقالة واعتقال الرئيس عمر سيسوكو أمبالو، وتعليق المسار الديمقراطي في غينيا بيساو، اتخذت المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (الإيكواس) قراراً بتجميد عضوية الدولة الواقعة على المحيط الأطلسي.

الإجراء جاء كرد فعل روتيني تتبناه "إيكواس" ضد أي تغير سياسي تصفه بغير الشرعي في الدول الأعضاء.

عبر خطوة وصفت بالجريئة، أعلن المجلس العسكري الذي استولى على السلطة في غينيا بيساو في الـ30 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي تعيين الجنرال هوراتا نتام رئيساً انتقالياً للبلاد بعد حل الأحزاب السياسية وتعليق العمل بالدستور، وقال هورتا نتام عقب أداء اليمين خلال مراسم في مقر هيئة الأركان "عينت للتو لأكون على رأس القيادة العليا".

وأشار مراقبون إلى أن تدابير أمنية مشددة اتخذت وقتها حول رئاسة الأركان، وفي وقت لاحق أعلن العسكريون إعادة فتح الحدود، وقال الجنرال لاسانا مانسالي المفتش العام للقوات المسلحة "كل الحدود فتحت الآن"، كدلالة على عودة الحياة الطبيعية للدولة بعد الإدانات التي واجهها الانقلاب.

وكان العسكريون بقيادة الجنرال نتام أعلنوا في الـ26 من نوفمبر الماضي سيطرتهم على السلطة، وتعليق العملية الانتخابية، في وقت كانت الدولة الواقعة في غرب أفريقيا تنتظر إعلان نتائج الاقتراع الرئاسي والتشريعي.

ونددت "إيكواس" في رد فعل فوري بالانقلاب مطالبة العسكريين بإعادة النظام الدستوري فوراً، وإطلاق سراح المحتجزين السياسيين، والسماح بإكمال عملية الانتخابات وإعلان النتائج بصورة شفافة، وقالت المنظمة في بيانها إن الانقلاب العسكري يشكل "انتهاكاً خطراً للنظام الدستوري، وتهديداً مباشراً لاستقرار البلاد والمنطقة بكاملها".

 12 انقلاباً عسكرياً

غينيا بيساو إحدى دول غرب أفريقيا تقع على ساحل المحيط الأطلسي الذي يحدها من الجهة الغربية، وشمالاً تجاورها السنغال، ودولة غينيا (الفرنسية) شرقاً وجنوباً، وتقدر مساحتها بنحو 36.125 كيلومتر مربع، وتمثل بيساو العاصمة السياسية وتسمى الدولة غينيا بيساو تمييزاً لها عن دولة غينيا المجاورة التي ظلت مستعمرة فرنسية في الماضي، بينما استقلت غينيا بيساو من الاستعمار البرتغالي عام 1974.

يقدر عدد سكانها بنحو مليوني نسمة وفق تقدير عام 2024، يتوزعون في حوالي 20 مجموعة عرقية أفريقية تتقدمها قوميات البالانتا والفولاني، إلى جانب قبائل أخرى كالديولا والياجاغو واللاندوما والتالو، إضافة إلى أقليات ذات أصول أوروبية ولبنانية ويهودية.

وتمثل البرتغالية اللغة الرسمية للدولة، إلى جانب لغات أفريقية أخرى منها البولار وماندينغو، وفي حين يشكل المسلمون حوالي 46 في المئة تبلغ نسبة المسيحيين 19 في المئة جلهم على المذهب الكاثوليكي، مع بعض المعتقدات الأفريقية الوثنية.

 شهدت غينيا بيساو أربعة انقلابات عسكرية ناجحة منذ استقلالها عن الاستعمار البرتغالي عام 1974، إلى جانب محاولات كثيرة للاستيلاء على السلطة، منها ثماني محاولات فاشلة بعضها كان للاغتيال، ويدرج الانقلاب العسكري الحالي باعتباره التغيير الخامس الناجح، وهو يمثل أبرز تحد لمجموعة دول غرب أفريقيا الاقتصادية في ظل ما تشهده المنظمة من تحديات ضمن التغيرات السياسية السائدة على المنطقة.

وعلى مستوى آخر، دان الاتحاد الأفريقي الانقلاب مكرراً مواقفه لحالات مشابهة برفض أي تغيير سياسي غير دستوري للحكم في الدول الأعضاء، وكإجراء روتيني تم تعليق عضوية غينيا بيساو في كل هياكل الاتحاد ووضعها خارج أي نشاط أو مشاركة صنع قرار داخل الاتحاد إلى حين إرجاع الوضع الدستوري وفق قانون الاتحاد.

مسالب إقليمية

 يمثل الانقلاب العسكري في غينيا بيساو عبئاً إضافياً لـ"إيكواس" التي تأسست عام 1975 بهدف تعزيز التكامل الاقتصادي بين الدول الأعضاء، وظلت المجموعة التي ضمت عند تأسيسها كلاً من نيجيريا والسنغال وساحل العاج وبنين وبوركينا فاسو، وكذلك الرأس الأخضر وغامبيا وغانا وغينيا وغينيا بيساو، مع ليبيريا ومالي والنيجر وسيراليون وتوغو، في نقص لعضويتها خلال الأعوام الأخيرة جراء عقوبات ظلت تفرضها على بعض الدول الأعضاء بسبب الانقلابات العسكرية.

 

 

وكانت كل من مالي وبوركينافاسو والنيجر أعلنت انسحابها أخيراً من المجموعة بعد إيقاف عضويتها، مكونة لنفسها اتحاداً كونفيدرالياً في يوليو (تموز) 2024، وتصاعدت خلافاتها مع "إيكواس" متهمة إياها بالارتهان لقوى خارجية لا تمثل تطلعات الشعوب الأفريقية.

وضمن المسالب الإقليمية التي تتبع الأحداث الجديدة في انقلاب غينيا بيساو وتكون الاتحاد الكونفيدرالي الجديد والمنافس لـ"إيكواس"، من المتوقع على المستوى الغيني أن تتكرر حلقات عدم الاستقرار، لدولة ظلت تعاني أصلاً مؤسسات حكومية هشة، وتدخلات عسكرية متكررة بلغت رقماً عالياً، وصعوبة في ترسيخ نظام سياسي مستقر على أسس ديمقراطية.

وتمثل الانقلابات العسكرية هزة لثقة المجتمعات الإقليمية والدولية التي تؤمل على الانتخابات كوسيلة لتداول السلطة، ويفتح عدم الاستقرار الباب لمزيد من العقبات على التنمية والاستقرار السياسي والاستثمار، مما يؤثر في الجوار الإقليمي في غرب أفريقيا.

ويأتي انقلاب بيساو كذلك في سياق موجة الانقلابات العسكرية في المنطقة مشجعاً لعدوى انقلابات ربما تحدث في دول أخرى.

كثير من التحليلات ترى أن المؤسسات الإقليمية وعلى رأسها "إيكواس" تجد صعوبة في التعامل مع هذه الموجة من أحداث الانقلابات، وتوصف غينيا بيساو في بعض التقارير الدولية المتخصصة بأنها نقطة عبور في شبكات تهريب المخدرات (الكوكايين)، وتخشى دوائر إقليمية أن يعيد الانقلاب فتح الباب أمام نشاط هذه الشبكات مما يوثر في الأمن بالساحل وغرب أفريقيا.

نجاحات وإخفاقات

وحققت "إيكواس" منذ تأسيسها بمدينة لاغوس في نيجيريا عام 1975 كثيراً من المكتسبات الاقتصادية والأمنية على مستوى الإقليم.

 ويشير الباحث في الشؤون الأفريقية زكرياء أقنوش إلى أن "إيكواس" ظهرت كواحدة من أفضل المؤسسات الاقتصادية الإقليمية نشاطاً وأداء في أفريقيا، حيث تمكنت من تحقيق حرية تنقل الأشخاص بين منطقتها وسجلت نحو 75 في المئة من التكامل التجاري، وأبرز ما أحرزته المنظمة على مدى 50 عاماً من تأسيسها، سجلها الحافل بمهمات حفظ السلام، مؤكداً أنه "منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي اعتمدت المنظمة على ثلاثة بروتوكولات رئيسة تتعلق بالأمن وحفظ السلام ومنع النزاعات في غرب أفريقيا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد سلسلة الانقلابات العسكرية التي حدثت في غرب أفريقيا ودول الساحل الأفريقي (مالي وبوركينا فاسو والنيجر) وأخيراً غينيا بيساو تواجِه المنظمة الآن تحدياً حقيقياً حول مدى فاعلية أدواتها التقليدية تجاه عضويتها ووحدة كيانها.

بعض التحليلات تشير إلى أن "إيكواس" قد تحتاج إلى تغيير سياساتها لتتعامل مع واقع أكثر تعقيداً من الماضي، فالانقلابات العسكرية التي سادت الأعوام الماضية جعلت المنظمة تواجه تحديات كبرى تشمل الأزمات الأمنية مثل الإرهاب وتنامي الجماعات المسلحة، والتحديات السياسية، والانقسامات الداخلية والاتهامات للمنظمة بالعمالة الخارجية وهو ما أدى ببعض الدول إلى الانسحاب من عضوية المنظمة.

 يقول كوملان أفوليت وهو متخصص في الشؤون الأفريقية وباحث في شؤون الساحل الأفريقي إن "المشهد الجيوسياسي في غرب أفريقيا يشهد تحولاً جذريّاً، وأدَّى عجز ’إيكواس‘ عن معالجة التحديات السياسية والأمنية في المنطقة بفاعلية إلى تراجع الثقة في رؤيتها، حيث فقد الكيان هيبته الأسطورية في نظر سكان غرب أفريقيا، وأدَّى سلوكها إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة".

ويضيف أفوليت "يبدو أن المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا تفتقر إلى نُضج عصرها، فالمنظمة التي كانت رمزاً للوحدة والاستقرار والتكامل الإقليمي، أصبحت الآن اتحاداً متعثراً، وكياناً لامباليّاً تُقوّضه مشكلات داخلية وخارجية، قد تؤدي إلى تفكُّك تامّ للمجموعة في الأعوام المقبلة".

ويشير الباحث في شؤون الساحل الأفريقي إلى أن "صعود تحالف دول الساحل، الذي يضم مالي والنيجر وبوركينا فاسو، بقيادة المجالس العسكرية، لا يمثل خطوة جريئة وحسب، بل يمثل أيضاً تحدياً أساساً لسلطة المجموعة يُضْعِف من قدراتها كونه يُعدّ نتيجة مباشرة للإحباطات الكامنة إزاء ما يُنْظَر إليه على أنه إخفاقات لـ’إيكواس‘.

دور محدود كالاتحاد الأفريقي

محمد صالح عمر، مدير المركز الأفريقي للأبحاث والدراسات السياسية يرى أن "’إيكواس‘ تلعب دوراً كبيراً في عدد من المشكلات التي تعرضت لها منطقة غرب أفريقيا، منها نزاعات وخلافات سياسية، وحتى حروب أهلية داخل عدد من الدول في منطقة غرب أفريقيا، إلا أن دورها يظل محدوداً في ما يخص العقوبات تجاه الانقلابات العسكرية على رغم محاولاتها المتكررة تجاه تلك الأحداث".

ويضيف عمر "يمكن أن تكون ’إيكواس‘ لعبت دوراً أكبر في حل الواسطات، أكبر من مجال فرض العقوبات وإعادة المسار السياسي الدستوري في بعض البلاد، هذا ما لمسته من خلال متابعاتي لدورها تجاه الدول التي حدثت فيها الانقلابات، ولدينا أمثلة منها مالي وبوركينا فاسو والنيجر".

ويرى عمر أنه يمكن أن يقال إن "إيكواس" في مجال فرض العقوبات وإعادة الدول إلى سياقها الديمقراطي والمدني لم تنجح إلى حد كبير، لأن دورها في المحافظة على التوازن والاستقرار في المنطقة يظل في النهاية محدوداً مثلها مثل الاتحاد الأفريقي الجسم الأكبر للمؤسسات الأفريقية"، مستشهداً بانتشار الجماعات المسلحة والمتطرفة في قلب أفريقيا على رغم جهودها.

وأشار مدير المركز الأفريقي للأبحاث والدراسات السياسية إلى أن "إيكواس" لا تزال بعيدة عن تحقيق الاستقرار في أفريقيا، بل "تكاد تكون عرب أفريقيا بؤرة الإرهاب الرئيسة في الكرة الأرضية بفضل العدد الكبير من الجماعات المسلحة بتحالفاتها وتشابكاتها مع كثير من الدول والجماعات المتطرفة".

 

 

من جهته يقول الباحث في الشأن الأفريقي منصور راشد "واضح من المتغيرات السياسية لغرب أفريقيا أن الأمور بدأت في هذه المنطقة تخرج من عباءة الغرب، وخاصة فرنسا ونيجيريا، لمصلحة المحور الروسي الجنوب أفريقي، والنتائج على هذه المتغيرات انعكست على ضعف تأثير ’إيكواس‘ تماماً ولم يبق لها تأثير اقتصادي أو سياسي، وتزايد عدد الدول التي تفك ارتباطها بالمجموعة، ومن ثم فقدان تأثيرها".

ويرى الباحث الأفريقي أن الأداء السلبي لـ"إيكواس" في تقديم الدعم لدول غرب أفريقيا مرده الأساس للبيروقراطية وتراجع الدعم الغربي للمنظمة، مشيراً إلى أن توجه القادة الجدد إلى غينيا بيساو لم يتضح بعد وإن كان لا يستبعد أن تكون هي الأخرى جزءاً من حركة التغيير في غرب أفريقيا.

ويضيف راشد "هناك حقيقة تقول إن القائد الفعلي وصاحب المصلحة في بقاء ’إيكواس‘ هي نيجيريا التي تعاني أزمة اقتصادية بسبب تراجع أسعار النفط ومشكلاتها الداخلية الأمنية، ومن ثم فإن التغيرات الحاصلة في غرب أفريقيا لها مسبباتها كأمر طبيعي".

العسكرة سمة غينية

الأستاذة الجامعية المتخصصة في الشؤون الأفريقية نجلاء مرعي تقول إن "عسكرة غينيا بيساو للسياسة ليست من مخلفات الفوضى التي أعقبت الاستعمار، بل سمة راسخة في الحكم نفسه، ومن المتوقع أن تؤثر في الاستقرار الإقليمي في غرب أفريقيا، وبخاصة أن المنطقة تعاني بالفعل تحديات أمنية وسياسية عدة، فقد يشجع هذا الانقلاب حركات معارضة أخرى في دول مجاورة على السعي إلى تغيير الأنظمة بالقوة".

وتضيف مرعي أن فرصة "إيكواس" لإعادة غينيا بيساو إلى النظام الدستوري ليست مجرد مبادرة إنقاذ، بل "اختبار شرعية"، لفرض قواعد الدستور والانتخابات في مواجهة الانقلابات المتكرّرة، ولإعادة الثقة بأن الانتقال الديمقراطي لا يزال خياراً قائماً، خصوصاً بعد انسحاب دول مثل النيجر ومالي وبوركينافاسو من نطاق التأثير، وأن أي فشل للمجموعة في غينيا بيساو يعني انتكاسة كبيرة لسمعتها كضامن للاستقرار في غرب أفريقيا، وتعتمد قدرة "إيكواس" على النجاح في غينيا بيساو على مدى استعداد العسكريين للتراجع، وعلى موازين القوى الداخلية بين الفاعلين السياسيين، وعلى وحدة موقف دول المنظمة نفسها.

وتعتقد المتحدثة أن "مستقبل غينيا بيساو لا يزال غير واضح"، لافتة إلى ثلاثة سيناريوهات محتملة لنتائج زيارة وفد "إيكواس" الأول وهو الاستجابة المحدودة من العسكريين عبر قبول نشر النتائج وبدء حوار مشروط، أما الثاني فهو مواجهة سياسية قد تتطور إلى عقوبات وعزلة، وربما طرد بيساو من هياكل المنظمة كما حصل مع النيجر، بينما يرتكز الثالث على انفراج جزئي يقبل خلاله الانقلابيون بتقصير الفترة الانتقالية، مع احتفاظهم بقدر من النفوذ داخل الحكومة.

وتوضح مرعي أن المؤشرات الحالية تُظهر أن بيساو قد تسلك أحد طريقين، إما العودة التدرجية للمسار الدستوري تحت ضغط إقليمي ودولي، أو تكرار سيناريو مالي وبوركينا والنيجر عبر الدخول في مواجهة مفتوحة مع المنظمة ورفض شروطها، بل قد يؤدي عدم التوصل إلى حل سياسي إلى تصاعد العنف والصراع بين الفصائل السياسية المختلفة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير