Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تعود طهران للمنطقة من البوابة التركية؟

إيران لم تنس دور أنقرة السلبي في محاصرة نفوذها الإقليمي وتنتظر من أي تعاون إجراءات عملية تصب في مصلحة أمنها القومي

تحاول طهران توظيف العودة التركية للتنسيق معها (رويترز)

ملخص

تحاول طهران توظيف العودة التركية للتنسيق معها والزيارة المرتقبة للرئيس رجب طيب أردوغان في تعزيز العلاقات الاقتصادية ورفع مستوى التبادل التجاري ليصل إلى 30 مليار دولار، وما يعنيه ذلك من ممر يساعد في التخفيف من آثار العقوبات الاقتصادية عليها.

يبدو أن الشغل الشاغل للقيادة والمسؤولين الإيرانيين هذه الأيام هو التأكيد على استعادة القوات المسلحة الإيرانية لعافيتها، وأنها على أتم الاستعداد لمواجهة أي اعتداء أو حرب قد تشن ضدها، وأن قدراتها الدفاعية والهجومية وصلت إلى مستويات متقدمة تفوق ما كانت عليه قبل الضربة الإسرائيلية – الأميركية التي حصلت في يونيو (حزيران) الماضي وأنها لن تتردد في توجيه ضربات قاسية وسريعة رداً على أي هجوم جديد.

وعلى رغم هذه التصريحات والمواقف، لم تستطِع طهران بقيادتها ومسؤوليها، التقليل من حجم المخاوف والقلق الذي تعيشه لما يمكن أن يرافق هذا الهجوم من تداعيات داخلية، قد تعيد للأذهان سيناريو الاضطرابات الداخلية وإمكان نشوب حرب داخلية، مما يفسر الإجراءات الأمنية الاستباقية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية والعسكرية في المناطق الحدودية المرشحة لتكون مسرحاً لمثل هذه الأحداث، سواء في سيستان بلوشستان جنوب شرقي إيران وكردستان في الغرب وأذربيجان في الشمال.

والزيارة التي قام بها أمين المجلس الأعلى للأمن القومي علي لاريجاني إلى العاصمة الباكستانية إسلام آباد، بعد زيارة الرئيس مسعود بزشكيان ووزير خارجيته ورئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، لا يمكن أن تكون مقتصرة على ما يعلن من أهداف تصب في إطار تعزيز العلاقات الثنائية والتعاون التجاري والاقتصادي لأن طهران تخشى في حال حدوث أي اضطراب أو هجوم عسكري إسرائيلي أو أميركي أن تشهد المناطق الحدودية المشتركة مع باكستان تحركاً مختلفاً هذه المرة من قبل الجماعات البلوشية انطلاقاً من الإقليم الباكستاني، وأن الرهان الإيراني على العلاقات التاريخية المتشعبة مع باكستان لقطع الطريق على مثل هذه التداعيات يشكل الدافع الأساس لتكرار هذه الزيارات وعلى أعلى المستويات، بخاصة في ظل تنامي التعاون والتنسيق بين القيادتين العسكرية في إسلام أباد وواشنطن.

ومن ناحية أخرى، فإن المناورات البرية التي أجرتها طهران خلال الأيام الأخيرة في غرب إيران على مقربة من الحدود مع إقليم كردستان، واستخدمت فيها منظومات صاروخية ودفاعية جديدة ومتطورة، والغموض بين نفي وتأكيد هجمات صاروخية قامت بها إيران ضد هذه المواقع خلال المناورات، تعني أن طهران تتخوف من تهديد حقيقي ودائم للعمق الإيراني الذي شكل تاريخياً مصدر قلق لها، بخاصة أن هذه المناورات تزامنت مع تسريبات عن وجود عناصر من مظليي الجيش الأميركي إلى جانب جماعات كردية- إيرانية معارضة من حزبي الكوملة وبجاك قرب الحدود الإيرانية داخل محافظة السليمانية، وعودة جهاز "الموساد" الإسرائيلي لتفعيل نشاطه في عاصمة الإقليم أربيل، مما يعني بالنسبة إلى إيران خرقاً واضحاً للاتفاق الذي سبق أن وقعته مع حكومة بغداد على إخلاء المناطق الحدودية من هذه الجماعات.

في ظل هذه الأجواء، تأتي زيارة مساعد وزير الخارجية السعودي للشؤون السياسية سعود بن محمد الساطي ووزير الخارجية التركي هاكان فيدان إلى طهران واللقاءات الموسعة التي عقداها مع المسؤولين الإيرانيين، وتمركز محادثات كلا الطرفين على الملفات التي تشكل ساحة تداخل في المصالح مع إيران في الإقليم، سواء في لبنان وسوريا والعراق أو اليمن، وصولاً إلى القوقاز وآسيا الوسطى.

وتسعى طهران من خلال هاتين الزيارتين لأهم لاعبين على المستوى الإقليمي، إلى إعادة ترميم نفوذها الإقليمي الذي خسرته بعد الضربة التي تعرض لها "حزب الله" في لبنان وسقوط النظام السوري. فالمحادثات التي أجراها الزائران السعودي والتركي، وعلى رغم الحديث عن تعزيز العلاقات الثنائية والاقتصادية والتجارية، كانت واضحة في بعدها الإقليمي من خلال مشاركة محمد رضا شيباني المندوب الخاص لوزير الخارجية الإيراني في الملفين السوري واللبناني فيها، وجلسة المتابعة الخاصة التي عقدها مع الزائر السعودي بعد انتهاء اللقاء مع عراقجي، في حين كان يضم الوفد المرافق لفيدان المسؤولين عن الملف السوري في الخارجية التركية وغيرها من الإدارات المعنية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الانفتاح التركي على طهران في هذه المرحلة، يبدو في تقدير الجهات الإيرانية، أنه نتيجة ما وصلت إليه الأمور بين أنقرة وتل أبيب من تصعيد ينذر بمواجهة بينهما وصراع على المصالح، بخاصة أن أنقرة تواجه حقيقة أن تل أبيب لن تقبل باستمرار النفوذ التركي في المشهد السوري، إضافة إلى قطع الطريق على مشاركتها في القوة الدولية لإدارة قطاع غزة في المرحلة الثانية من اتفاق السلام الذي أعلنه الرئيس ترمب، وهو مشروع سبق أن طرحته أنقرة في الشهر الأول بعد اندلاع معركة "طوفان الأقصى"، بالتالي قد تذهب إلى القيام بدور في تقريب وجهات النظر بين طهران والسلطة الجديدة في دمشق، كورقة في وجه الطموحات الإسرائيلية التي باتت تحاصر دورها في الشرق الأوسط.

في المقابل، تحاول طهران توظيف العودة التركية للتنسيق معها والزيارة المرتقبة للرئيس رجب طيب أردوغان في تعزيز العلاقات الاقتصادية ورفع مستوى التبادل التجاري ليصل إلى 30 مليار دولار، وما يعنيه ذلك من ممر يساعد في التخفيف من آثار العقوبات الاقتصادية عليها. لكنها أيضاً حققت إنجازاً جيو-اقتصادياً مع الجانب التركي بالاتفاق على فتح ممر بري جديد بين البلدين، يكون حلقة وصل لإيران في القوقاز وشمال أوروبا، ويكون بديلاً في المستقبل عن ممر زنكزور في الأراضي الأرمينية الذي تقطعه أذربيجان بممر ترمب المستحدث.

ومن ناحية أخرى، تبعث إيران رسالة واضحة ومباشرة إلى أنقرة بأنها لم تنسَ الدور السلبي الذي قامت به في محاصرة دورها الإقليمي، وما تعرضت له من خسارة على الساحة السورية أدت إلى إضعاف نفوذها وتراجعه. بالتالي فإن على تركيا أن تقابل أي تعاون إيراني معها خلال هذه المرحلة بإجراءات عملية تصب في مصلحة الأمن القومي الإيراني، سواء في كبح التعاون الأذربيجاني مع تل أبيب، أو في الدعم الذي تقدمه لجماعة بجاك الكردية المعارضة، بخاصة أن طهران المتهمة بدعم حزب العمال الكردستاني شجعت ورحبت بخطوة التسوية بين الحكومة التركية وهذا الحزب.

التضييق السياسي والضعط الجيوسياسي اللذان تتعرض لهما تركيا في الإقليم، يجعلان من التقارب مع طهران ومحاولة توظيف ما بقي من نفوذها مصلحة استراتيجية، والأمر نفسه بالنسبة إلى طهران التي تحاول استعادة دورها في المنطقة وترميم نفوذها بما يعزز موقفها في مواجهة الضغوط الأميركية والهجمة الإسرائيلية عليها وعلى حلفائها.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء