ليس من المعتاد أن يعلن رئيس أميركي استعداده للترشح لولاية ثانية وهو لا يزال في عامه الرئاسي الأول، لكن يبدو أن الحاجة إلى إثبات الذات في مواجهة عواصف واشنطن وسياسييها دفعت جو بايدن، الرئيس الأكبر سناً في تاريخ الولايات المتحدة، إلى الإفصاح مبكراً عن رغبته في خوض غمار انتخابات 2024، مرة أولى خلال مقابلة صحافية العام الماضي مع شبكة "أي بي سي"، وثانية في مؤتمر صحافي الشهر الماضي في بروكسل.
التكهنات حول أسباب حرص الرئيس الأميركي الـ 46 على الإفصاح عن رهانه الانتخابي مبكراً تجددت الأسبوع الماضي بعدما ذكر موقع "ذا هيل" نقلاً عن مصادر مطلعة، بأن بايدن أبلغ الرئيس السابق باراك أوباما بأنه يرغب في خوض السباق الرئاسي.
ويرى نشطاء بأن عمر بايدن (79 عاماً)، إضافة إلى عوامل أخرى مثل أدائه الرئاسي ورغبته في ألا يستهان به خلال سنواته الرئاسية الباقية، من الأسباب التي دفعته إلى مثل هذه الخطوة غير الضرورية حالياً، إذ عادة ما يعلن المرشحون الرئاسيون نيتهم في فترة متأخرة.
عمر الرئيس
التشكيك في قدرة شخص في عمر الرئيس بايدن على الخدمة لولايتين لم يعد خفياً، بينما يتداول خصومه هفواته المتزايدة، ناهيك عن كونه أكبر رئيس أميركي سناً، وسيكسر إذا نافس على ولاية ثانية رقماً قياسياً جديداً، بصفته أول ثمانيني يمثل حزباً رئيساً في الانتخابات الرئاسية الأميركية.
ويقول المحلل السياسي إد كيلغور في مقالة بمجلة نيويورك، إن منطق اكتفاء بايدن بولاية واحدة قوي إلى درجة أن الشكوك حول إمكان حدوث ذلك ستستمر في شق طريقها إلى الدوائر السياسية ما لم يكشف بوضوح عن أنه سينافس في انتخابات 2024.
تحدي ترمب
وعن حظوظ بايدن في حال ترشحه لولاية ثانية، أقر كيلغور بقدرة الرئيس على استغلال انتصاره الرئاسي عام 2020 لمصلحته من خلال التأكيد بأنه حقق هدفي ترشحه قبل عامين، وهما إخراج ترمب من البيت الأبيض والتمهيد لنقل الراية إلى جيل جديد من القيادات الديمقراطية.
وإلحاق الهزيمة بترمب مجدداً هو دافع بايدن المعلن حتى الآن لخوض السباق الرئاسي المقبل، ففي مقابلة مع شبكة "أي بي سي" العام الماضي أجاب الرئيس الديمقراطي على سؤال عما إذا كان سيترشح ضد ترمب، وقال ضاحكاً إذا كان الرئيس السابق هو المرشح الجمهوري فإنه سيفعل.
ومع ذلك، فإن انخراط بايدن في مواجهة جديدة مع ترمب لا تخلو من تحديات أهمها تلاشي بعض الامتيازات التي تمتع بها الرئيس الديمقراطي عام 2020، إذ يعاني اليوم تراجع الدعم والحماسة بين الديمقراطيين والناخبين المستقلين ذوي الميول الديمقراطية، وتدني نسب تأييده في أوساط الناخبين الشباب الذين كان لهم دور محوري في فوزه.
ولم تذهب المرشحة الجمهورية السابقة لانتخابات الكونغرس داليا العقيدي بعيداً، إذ تقول إن بايدن أراد التذكير بأنه الشخص الوحيد الذي كان قادراً على التغلب على ترمب، ولاحتمال دخول الأخير السباق الرئاسي فإن بايدن يعتقد أنه القادر على الفوز مرة أخرى، بغض النظر عن سنّه وما يمكن أن يؤثر في حاله الصحية بعد ثلاثة أعوام.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشارت العقيدي في حديثها إلى "اندبندنت عربية" إلى أنه من المبكر جداً الحديث عن مرشح جديد مع وجود جو بايدن في البيت الأبيض، كون هذه القضية ستؤدي الى خلافات داخل الحزب الديمقراطي"، لافتة إلى عدم وجود شخصية ديمقراطية بارزة يتم تسليط الضوء عليها، إلا أنها تتوقع أن تكون الخريطة الانتخابية لـ 2024 أكثر وضوحاً بعد الانتخابات النصفية.
وأضافت، "وضع بايدن مع حزبه الديمقراطي أصبح مختلاً جداً نظراً إلى أدائه السيء خلال العام الأول من دخوله البيت الأبيض، والانخفاض المستمر لشعبيته بين الأميركيين، إضافة إلى فضيحة الانسحاب الفوضوي من أفغانستان وما سيخلفه الغزو الروسي لأوكرانيا من تداعيات".
"بطة عرجاء"
يحب الأميركيون تصنيف أعظم ساكني البيت الأبيض من وقت لآخر. القائمة تبدأ غالباً من أبراهام لينكولن وجورج واشنطن وفرانكلين روزفلت، ولا تنتهي عند جون كينيدي ورونالد ريغان. إلا أن بايدن، بحسب كيلغور، لا يسير على الطريق المؤدي إلى الاعتراف به كأحد أعظم الرؤساء الأميركيين، نظراً إلى عامه الأول المخيب لآمال الديمقراطيين.
وبالنظر إلى أسلوبه الرئاسي المبتعد نسبياً من الأضواء، فمن المحتمل أن يستهان ببايدن ويتحول إلى "بطة عرجاء" إذا ظن الجميع بأنه سيغادر البيت الأبيض بحلول 2024.
ويُطلق مصطلح "البطة العرجاء" على الرئيس المنتهية ولايته بينما ينتظر انتهاء فترة حكمه، ويعبر عن النفوذ المتناقص للسياسي خلال هذه الفترة التي يكتفي الرؤساء فيها باتخاذ قرارات ذات تأثير محدود، مثل إصدار أوامر تنفيذية بالعفو الرئاسي كما فعل ترمب قبل ساعات من مغادرته منصبه.
حماية هاريس
السيناريو المحتمل الآخر هو أن يتظاهر بايدن، مدفوعاً بشعور الامتنان لنائبه نظير مساعدتها له في الفوز، بأنه سيترشح لهزيمة الجمهوريين مرة أخرى ثم يفسح الطريق في مرحلة متأخرة لكامالا هاريس لتمثل الحزب الديمقراطي في الانتخابات المقبلة، مما سيسهل عليها التخطيط لحملتها وتحييد المنافسين بهدوء وبمنأى عن الاستهداف الإعلامي.
وفيما يرى كيلغور بأن هاريس مهيأة أيديولوجياً بشكل جيد لتوحيد الديمقراطيين إذا ترشحت بمباركة بايدن لتكون خليفته، إلا أن ذلك لا يحجب مشكلات شعبيتها، ويظهر استطلاع لموقع "فايف ثيرتي ايت" الأميركي المتخصص في استطلاعات الرأي العامة، انخفاض نسبة تأييد هاريس وتسجيل نسبة عدم رضا عليها بلغت 58.1 في المئة.
من جانبها، تستبعد العقيدي ترشح هاريس للرئاسة قائلة إن "البيت الأبيض يدرك تماماً مدى إخفاق كامالا هاريس الذي ينتقدها الديمقراطيون أنفسهم، وبالتالي فاحتمالات موافقة حزبها على مصادقة ترشحها للرئاسة عام 2024 تكاد تكون معدومة".
وأضافت، "الانتقادات التي توجه لها من قبل وسائل الإعلام الأميركية كافة التي تميل الى الديمقراطيين لها تأثير كبير في مستقبلها السياسي، إذا كان لها مستقبل على الساحة الأميركية بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة".