Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يفتح "اتفاق هجليج" مسار تفاوض بين الجيش السوداني و"الدعم السريع"؟

تحييد الحقل البترولي وانسحاب الطرفين وضمان انسياب النفط أبرز البنود وجوبا أثبتت أنها وسيط ناجح

تضم منطقة هجليج معظم احتياط النفط السوداني بنحو 75 بئراً نفطية (مواقع التواصل)

ملخص

أعلن وزير الإعلام بحكومة دولة جنوب السودان، أتينج ويك أتينج، أن الاتفاق الثلاثي يقضي بجعل منطقة هجليج محايدة، وتفادي وقوع الحرائق في آبار البترول، والسماح بانتشار قوات الجيش الشعبي في منطقة هجليج.

أثار الاتفاق الثلاثي الذي أعلنت عنه دولة جنوب السودان بين رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني عبدالفتاح البرهان ورئيس دولة جنوب السودان، الفريق سلفاكير وقائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي" بوساطة من رئيس دولة جنوب السودان، الفريق سلفاكير ميارديت، عديدا من الجدل والاستفهامات في شأن إمكانية توسيعه على نحو أشمل، وتساءل كثير من المراقبين والنشطاء، عن إمكانية توسيع الاتفاق الذي تم لحماية حقول النفط في هجليج، ليشمل أيضاً ضمان مسارات آمنة لتوصيل المساعدات الإنسانية، وصولاً إلى هدنة إنسانية ووقف إطلاق النار، وحماية أرواح المدنيين، فهل يفتح نجاح دولة جنوب السودان في كسر الجمود وتخطي حواجز الثقة والتقريب بين الجانبين في "اتفاق هجليج" الأفق لتفاوض مماثل حول وقف الحرب؟

ملامح الاتفاق

وأعلن وزير الإعلام بحكومة دولة جنوب السودان، أتينج ويك أتينج، أن الاتفاق الثلاثي يقضي بجعل منطقة هجليج محايدة، وتفادي وقوع الحرائق في آبار البترول، والسماح بانتشار قوات الجيش الشعبي في منطقة هجليج.

وفي صباح الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الجاري، تمكنت قوات تأسيس من دخول منطقة هجليج وبسط سيطرتها الكاملة على الحقول النفطية الاستراتيجية بولاية غرب كردفان، آخر معاقل ميليشيات الجيش في الولاية، عقب انسحاب قوات اللواء 90 للجيش السوداني بالمنطقة إلى داخل أراضي دولة جنوب السودان.

وتضم منطقة هجليج معظم احتياط النفط السوداني المؤكد، نحو 75 بئراً نفطية، كما توجد بها المنشآت الرئيسة لمعالجة ومحطة ضخ النفط الرئيسة في كل من السودان وجنوب السودان وخزانات للوقود الخام بسعة تزيد على 400 ألف برميل، ونحو 19 معسكراً لموظفي الشركات العاملة في مجال النفط المحلية منها والأجنبية، إضافة إلى محطة لتوليد الكهرباء تغذي حقول النفط كافة.

وتعتبر المنطقة بوابة رئيسة لولايات جنوب وشمال كردفان وشرق وجنوب دارفور، وأسهم وجود شركات النفط بالمنطقة في تسريع التنمية بها وتخفيف حدة البطالة في عدة مناطق مجاورة.

الباب موارباً

في السياق يقول المتخصص في التفاوض والقانون الدولي، أحمد المفتي "رغم أنه لا أحد يعلم في شأن تفاصيل ما حدث، وما إذا كان اتصالاً قد تم بين كل من البرهان وحميدتي، أو بين القادة العسكرين، لكن ما يهمنا هو قناعة الجميع بأنه قد تم اتفاق بين الأطراف الثلاثة في زمن قياسي وحقق فوائد جمة وأفضي إلو توقف القتال في هجليج، لضمان سلامة منشآت البترول، برقابة جمهورية جنوب السودان، وهو أمر وعمل جيد".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يعتقد المفتي، أن الاتفاق على أي جزئية يجعل الباب موارباً للاتفاق على بقية الأجزاء، بخاصة على ضوء عدم حدوث اكتساح عسكري يخرج الدعم السريع من كردفان ودارفور خلال المدة التي كانت يتوقع أن يتم فيها ذلك الاكتساح، مع تحسن الموقف العسكري الميداني لـ"الدعم السريع"، من دون الدخول في أي مغالطات، حول ذلك الأمر، إذ إن ذلك هو ما يشهد عليه دخوله لكل من الفاشر وبابنوسة وغيرهما، بل وضربه لمناطق أخرى تحت سيطرة الحكومة، وهذا الأمر يحزن المواطنين كثيراً.

وساطة الجنوب

يرى المتخصص في التفاوض، أن بروز دور جمهورية جنوب السودان كجزء من اتفاق هجليج وضامناً له، "يجعلنا لا نستبعد استعانة المجموعة الدولية الرباعية والمستشار الأميركي، مسعد بولس بها مستقبلاً، على رغم من أنهما قد يعتبران أن ذلك ربما يطعن في قدرتهما على الوصول إلى اتفاق سلام من دون الاستعانة بأي جهة أخرى.

وكان رئيس هيئة أركان جيش دفاع شعب جنوب السودان، الفريق أول ركن بول نانق مجوك، أعلن نهاية الأسبوع الماضي، أن قوات بلاده بدأت فعلياً في الانتشار داخل حقل هجليج النفطي بالسودان وحول محيطه، تنفيذاً لاتفاق ثلاثي بين قادة البلدين وقائد "الدعم السريع".

نص الاتفاق صراحة بحسب مجوك، على انسحاب الجيش السوداني بصورة تامة من منطقة هجليج، وخروج "الدعم السريع" أيضاً إلى خارج المحيط المباشر للحقل والمنشآت النفطية، على أن تتولى قوات جيش دفاع شعب جنوب السودان مسؤولية الحماية الكاملة للحقل وخطوط الأنابيب والمرافق الحيوية المرتبطة به.

تحييد وإلزام

يلزم الاتفاق الثلاثي كل الأطراف بضمان استمرار تدفق النفط من دون انقطاع، بحسب نانق، مع تأكيد عدم مشاركة جيش جنوب السودان بأي شكل في النزاع الدائر داخل الأراضي السودانية، واقتصار مهمتها بصورة محدودة ومحايدة وواضحة على حماية المنشآت النفطية لا غير.

أكد رئيس أركان جيش جوبا، شروع قوات "الدعم السريع" فعلياً في الانسحاب من المنطقة وفق الجدول الزمني المتفق عليه، ليبدأ دورهم في حماية الحقل من الخطر والتخريب، وذلك تنفيذاً لأهم بنود الاتفاق بتحييد حقل هجليج عن أي عمليات قتالية، وحماية المنشآت والبنية التحتية النفطية من التخريب أو التدمير، كونه يمثل شريان حياة اقتصادي لكل من السودان وجنوب السودان.

مسارات الضرورة

على نحو متصل يرى المدير العام لمنظمة سدرة الدولية، أول المبادرين لمقترح فصل المسار الإنساني، محمد جمال الدين، أن كثيراً من المراقبين يعتقدون أن اتفاق هجليج مهما كانت دوافعه وحدوده فهو يحمل دلالة مهمة يمكن البناء عليها، ليس بوصفه حلاً سياسياً أو عسكرياً، بل كمؤشر عملي على إمكانية فتح مسارات تفاهم أخرى، وعلى رأسها المسار الإنساني، لجهة كونه يثبت حقيقة أساسية، مفادها أن أطراف الصراع، على رغم من حدة الحرب، لا تزال قادرة على الوصول إلى تفاهمات جزئية محددة الأهداف عندما تتقاطع المصالح أو تفرض الضرورة نفسها.

يرى جمال الدين، أن قابلية التفاهم، حتى وإن كانت محدودة، فهي تكسر فكرة الاستحالة المطلقة التي كثيراً ما كانت تستخدم لتبرير تعطيل أي جهد إنساني، فضلاً عن أن المسار الإنساني بطبيعته أقل حساسية وأقل كلفة سياسية من المسارات الأخرى، لعدم تناوله قضايا السلطة والشرعية وتقاسم الحكم، أو إعادة هندسة الدولة، إنما يركز حصرياً على حماية المدنيين، وتأمين الغذاء والدواء، وفتح الممرات الإنسانية، وإبقاء شروط الحياة في حدها الأدنى، مما يجعل القبول به أسهل، حتى في ظل استمرار الصراع.

اختبار قانوني وأخلاقي

أشار مدير منظمة سدرة من مقرها في لاهاي، إلى أن تجربة هجليج تظهر أيضاً أن الترتيبات الفنية والتقنية يمكن أن تنجح في معزل عن التسويات الشاملة، وهو بالضبط ما يقوم عليه منطق فصل المسار الإنساني عن السياسي، ببدء إجراءات عملية محدودة وواضحة قابلة للرقابة، من دون انتظار (الحل الكبير) الذي قد يتأخر لسنوات، بينما يدفع المدنيون الثمن يومياً، لأن فتح مسار إنساني مستقل لا يعني مكافأة أي طرف أو منحه شرعية سياسية، بل يضع كل الأطراف أمام اختبار حقيقي، بتسهيل وصول المساعدات وحماية المدنيين، أو تحمل المسؤولية الأخلاقية والقانونية أمام الداخل والعالم.

يتابع "على رغم أن اتفاق هجليج لا يعد حلاً، ولا ينبغي تضخيمه سياسياً، لكنه يكشف نافذة ممكنة، تقول إن التفاهم الجزئي ممكن، وإن المسار الإنساني ليس فكرة مثالية أو طوباوية، بل خياراً عملياً قابلاً للتطبيق متى توفرت الإرادة والضغط الداخلي والدولي، مشيراً إلى أنه في حال تفعيل المسار الإنساني بجدية، فمن الممكن أن يصبح مدخلاً لخفض التوتر وبناء حد أدنى من الثقة العملية، من دون تحميله ما لا يحتمل من آمال سياسية".

يلفت مدير سدرة، إلى أن هناك تجارب دولية كثيرة في النزاعات الطويلة، تشير إلى أن أي اختراق سياسي حقيقي غالباً ما يبدأ بالتفاهمات الإنسانية، لذلك فإن الدفع باتجاه المسار الإنساني المستقل ليس قفزاً على الواقع، بل هو قراءة واقعية له، واستثمار لأي فرصة، مهما كانت محدودة، لإنقاذ الأرواح وفصل حياة الناس عن تعقيدات الحرب والسياسة.

ووصفت قوات "الدعم السريع" سيطرتها على حقول نفط هجليج الاستراتيجية بولاية غرب كردفان، بأنها تشكل نقطة محورية في مسار تحرير كامل تراب الوطن بما تمثله المنطقة من أهمية اقتصادية ظلت تشكل مورداً مهماً لحكومة بورتسودان في تمويل الحرب وتوسيع نطاقها وإطالة أمدها.

أكد بيان لـ"الدعم السريع"، التزامها بضمان تأمين وحماية المنشآت النفطية الحيوية بالمنطقة وتوفير الحماية اللازمة لجميع الفرق الهندسية والفنية والعاملين في المنشآت النفطية، بما يوفر البيئة الملائمة لهم لمتابعة أداء أعمالهم، ولضمان مصالح شعب جمهورية جنوب السودان الشقيق الذي يعتمد بصورة كبيرة على موارد النفط الذي يتدفق عبر الأراضي السودانية للأسواق العالمية.

جدد البيان، تأكيد التزام قوات "الدعم السريع" بالهدنة الإنسانية المعلنة من جانب قائدها مع احتفاظها التام في حق الدفاع عن النفس كحق أصيل تكفله القوانين الدولية.

تفاهمات ولكن

على الصعيد نفسه يرى المتخصص في العلاقات الدولية عبدالمنعم النزير، أنه من الصعب توصيف ما تم في شأن هجليج بأنه اتفاق للسلام بين الجيش و"الدعم السريع"، بقدر ما هو تفاهم محدود ذو صبغة اقتصادية لحماية هذا الحقل النفطي المهم، أما تدخل دولة جنوب السودان كطرف وسيط ثالث فقد فرضته مصلحته المباشرة في استمرار تصدير نفطه ومنع توقف تدفقه وليس وقف إطلاق النار أو إنهاء الحرب.

يلفت النزير، إلى أنه على رغم أن التفاهمات التي حدثت يمكن أن تندرج تحت إطار إدارة أزمة وليس حلاً للصراع، غير أنها تشير إلى إمكانية نجاح المفاوضات غير مباشرة بين الطرفين مستقبلاً، بخاصة بعد نجاح دولة جنوب السودان في كسر الجمود وحواجز الثقة بينهما، كما أن التفاهمات الجزئية غالباً ما تكون هي المدخل الذي يسبق المفاوضات الكبيرة، فضلاً عن أن قبول كل من الجيش و"الدعم السريع" بتفاهم هجليج يعني إقراراً غير مباشر منهما بصعوبة إمكانية الحسم العسكري المطلق، مما يفتح الباب أمام إمكانية توسيع التفاهم نحو القضايا والملفات الأخرى.

ويقع حقل هجليج في ولاية جنوب كردفان على الحدود مع جنوب السودان ويعد أكبر حقول النفط في البلاد، ويضم الحقل محطة ضح لنفط دولة جنوب السودان وخط الأنابيب الناقل لتصديره عبر ميناء بشائر شرقي السودان.

ويبلغ إنتاج حقل هجليج قبل الحرب نحو 80 ألف برميل تدنى بعدها الإنتاج إلى ما دون النصف بسبب الأعطال الفنية وتداعيات شح الموارد.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير