Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل أصبح بايدن عاجزا عن قيادة أميركا؟

شبح الشيخوخة و"الزهايمر" يهدد الرئيس ومطالب بخضوعه لاختبار إدراكي ومخاوف من سعي الجمهوريين لعزله

اتخذ الجدل حول صحة الرئيس الأميركي جو بايدن منحى أكثر جدية وأشد خطورة (رويترز)

منذ فوزه بترشيح الحزب الديمقراطي لمنافسة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب لم يتوقف الجدل حول صحة جو بايدن الرئيس الديمقراطي الذي خبر السياسة الأميركية لعقود ونجح في إقناع الناخب الأميركي بخبرته ورؤيته السياسية الناتجة عن سنوات خدمته الطويلة. لكن هذه الخبرة لم تغمض عيون الناخبين عن كونه أكبر الرؤساء الأميركيين سناً عند استلامه مفاتيح المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض متجاوزاً الـ78 عاماً، وخصوصاً بعد تكرر ظهور علامات الشيخوخة عليه مع كل خطاب أو مؤتمر جماهيري، إلى الحد الذي دفع إلى التشكيك في سلامة قدراته العقلية مع تلعثمه المتكرر ونسيانه وخطأه في أسماء الدول والرؤساء، وأخيراً ترديده كلمات غير مفهومة وإتيانه إشارات وتصرفات غريبة خلال بعض الخطابات.

وبعيداً عن الفكاهة التي أثارتها بعض تصرفات بايدن وسيل التعليقات الساخرة التي أظهرتها تفاعلات المتابعين لبعض المقاطع المتداولة، أخيراً، ومن بينها مقطع يبدو فيه بايدن وكأنه "يصافح الهواء" عقب انتهائه من إلقاء خطاب، اتخذ الجدل حول صحة الرئيس الأميركي منحى أكثر جدية وأشد خطورة بعدما أظهرت نتائج استطلاعات الرأي الأخيرة أن الأميركيين غير متأكدين من اللياقة العقلية للرئيس لتولي المنصب. وقال الرئيس الأميركي السابق ترمب أمام تجمع حاشد لمؤيديه في ميشيغان، قبل عدة أيام، "بينما لا يمكننا فعل أي شيء حيال تدهور حالة جو بايدن الجسدية والعقلية، بمساعدة أصواتكم في نوفمبر (تشرين الثاني)، لدينا فرصة لوقف التدهور في بلدنا"، في دعوة للتصويت للجمهوريين في انتخابات التجديد النصفي بالكونغرس المنتظرة، وهو ما قد يمهد لإجراءات ضد الرئيس بشأن تسليم السلطة، بحسب مراقبين.

زلات بايدن وشبح الزهايمر

ركزت الحملة الانتخابية للرئيس الجمهوري السابق ترمب على اتهام بايدن بـ"الخرف" ودعاه منافسه أكثر من مرة إلى الخضوع لاختبار معرفي إدراكي لتقييم قواه العقلية، لكن التقرير الطبي الذي صدر مع انطلاق الانتخابات أوضح أن بايدن يتمتع بصحة جيدة تؤهله للقيام بعمله كرئيس، وأشار التقرير إلى معاناته من ارتفاع نسبة الكولسترول، فضلاً عن مشكلة صحية تعود لعام 1988 حينما أجريت له عملية جراحية بعدما انفجر أحد الأوعية الدموية في مخ بايدن. 

وبعد فوزه بالرئاسة، ظلت الانتقادات تلاحقه، وبخاصة منذ سقوطه عدة مرات خلال صعوده سلم الطائرة الرئاسية في مارس (آذار) من العام الماضي، بالتوازي مع نسيانه أسماء بعض أفراد عائلته وإدارته، بمن فيهم وزير دفاعه لويد أوستن.

وعلى الرغم من كون الحالة الصحية للرؤساء الأميركيين غالباً ما كانت محاطة بالسرية، لكن نتيجة تقدمه في السن والعلامات التي أظهرت ضعف حالته الصحية وسط مخاطر الإصابة بفيروس كورونا، أثار بعض المشرعين الأميركيين الجمهوريين القلق بشأن صحة الرئيس، وهو ما دعا طبيب البيت الأبيض كيفن أوكونر إلى نشر تقرير صحي مفصل في نوفمبر الماضي أكد أن بايدن يتمتع بـ"الصحة الجيدة" و"القدرة" على أداء وظيفته الرئاسية، وذلك عقب خضوعه لفحص طبي روتيني تطلب قيام بايدن بنقل سلطاته إلى نائبته كامالا هاريس لمدة ساعة و25 دقيقة خلال إجراء منظار القولون الذي تطلب تخديره.

ولا يتوقف روني جاكسون، طبيب البيت الأبيض السابق وعضو مجلس النواب الجمهوري، عن المطالبة بإخضاع بايدن لاختبارات صحية وعقلية لتأكيد لياقته وقدرته على القيام بمهام منصبه، مؤكداً أن حالة الرئيس الأميركي تعد "قضية أمن قومي"، وأنها لن تسعفه لاستكمال ولايته الرئاسية إلى نهايتها، وكتب جاكسون على "تويتر" في يوليو (تموز) الماضي ما يشير إلى اعتقاده أن بايدن ‏"سيستقيل أو سيقنعونه بالاستقالة من منصبه في وقت ما في المستقبل القريب لأسباب طبية أو ‏سيتعين عليهم استخدام التعديل 25 للتخلص من هذا الرجل"‏.

وقبل عدة أيام عاد ترمب لإثارة القلق بشأن صحة بايدن، قائلاً، "لا أعتقد أنه كان هناك وقت في تاريخ بلدنا شعرنا فيه أننا في هذا المستوى المتدني"، وأكد أنه في "أخطر فترة في الحياة يكون لدى الأميركيين رئيس لا يفهم ما يحدث وما يقوله ومكان وجوده"، معتبراً أن "ضعف بايدن" أدى إلى الوضع في أوكرانيا، وأن روسيا نظرت إلى الإخفاقات في انسحاب واشنطن من أفغانستان وقررت تنفيذ عملية عسكرية خاصة.

وظهرت نائبة الرئيس الأميركي وهو تحاول تصحيح زلة لسان بايدن حينما تحدث عن العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، مؤكداً أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ربما يتمكن من تطويق كييف، "لكنه لن يحصل أبداً على قلوب وأرواح الشعب الإيراني..."، حيث حاولت هاريس تذكيره بأنه يقصد الشعب الأوكراني، والأسبوع الماضي ظهرت زوجته جيل بايدن وهي تذكره بمصافحة الجمهور خلال مشاركة بالحفل الأول الذي استضافه البيض الأبيض بمناسبة عيد الفصح.

ويرى عمرو عبد العاطي، الباحث المتخصص في الشؤون الأميركية، أن مسألة صحة الرئيس بايدن العقلية والجسدية أصبحت مثار التساؤلات داخل الولايات المتحدة وخارجها، مع زلات لسانه وتلعثمه ونسيانه كثيراً من التفاصيل والأسماء وتعثره في المشي وسقوطه عدة مرات أمام الكاميرات، ما شكك في إصابته بمرض الزهايمر، وفقاً لوقائع عديدة موثقة، أبرزها عدم قدرته على قراءة أعداد الأميركيين الحاصلين على جرعات لقاح كورونا في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، ونسيانه الغرض من زيارته إلى ولاية تكساس لتفقد آثار الإعصار في فبراير (شباط) 2021، ونسيان اسم وزارة الدفاع "البنتاغون" ووزير الدفاع في مارس 2021، ونسيان بعض أسماء الولايات خلال حملته الانتخابية في 2020، وخطأه في ذكر اسم العاصمة القطرية الدوحة خلال حديثه عن المفاوضات بين واشنطن وحركة "طالبان"، وغيرها. 

مطالب باختبار عقلي للرئيس

قبيل خطاب حالة الاتحاد الذي ألقاه الرئيس الأميركي في مطلع مارس الماضي، أجرت شبكة "أيه بي سي" الإخبارية وصحيفة "واشنطن بوست" استطلاعاً أظهر أن غالبية الأميركيين 54 في المئة "لا يعتقدون أن الرئيس بايدن لديه القدرات العقلية التي يتطلَّبها منصب الرئاسة"، بينما يرى 40 في المئة أن لديه القدرة العقلية للقيام بمهامه الرئاسية، وكانت تلك النسبة عام 2020 قبل الانتخابات الرئاسية 51 في المئة مقابل 43 في المئة على الترتيب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتزعم طبيب البيت الأبيض السابق 40 نائباً جمهورياً للمطالبة بإجراء اختبار معرفي لبايدن بعد نشر نتائج استطلاعات للرأي تظهر قلق الأميركيين بشأن "الحالة المعرفية الحالية لبايدن"، وقال جاكسون، "كطبيب سابق لثلاثة رؤساء للولايات المتحدة، أعرف ما يتطلبه الأمر عقلياً وجسدياً لتنفيذ واجبات القائد العام ورئيس الدولة. لقد أثبت جو بايدن باستمرار لي وللعالم أن شيئاً ما ليس على ما يرام ويستحق الشعب الأميركي أن يكون لديه ثقة مطلقة في القدرة الإدراكية لرئيسه". وأضاف أن "الاختبار الإدراكي سيكون خطوة أولى مهمة" في طمأنة الأميركيين بأن الرئيس لائق للمنصب أو في تحديد وعلاج أعراض الضعف التي تتفق مع مجموعة متنوعة من الأمراض المعرفية، مثل مرض الزهايمر والأوعية الدموية أو مرض باركنسون أو التصلب المتعدد.

وذكر النواب الأميركيون في الخطاب الذي وقعه العشرات منهم في فبراير (شباط) الماضي، أنهم يعتقدون أنه بغض النظر عن الجنس أو العمر أو الحزب السياسي، يجب على جميع الرؤساء أن يحذوا حذو الرئيس السابق ترمب لتوثيق وإظهار القدرات العقلية السليمة، وتابعوا موجهين الحديث إلى بايدن "أثناء خضوعك للفحص البدني السنوي في 19 نوفمبر 2021، إما أنك لم تواجه اختباراً معرفياً أو تم حجب هذه النتائج عن الجمهور"، مضيفين أنه في حين أن الطبيب الحالي للرئيس برّأ بايدن جسدياً فإن المشرعين "يشعرون بالقلق بشأن قدراتك العقلية".

ويرى الباحث المتخصص في الشؤون الأميركية أن الهاجس المتنامي بشأن تدهور الحالة الصحية والعقلية للرئيس الأميركي عززت مساعي الجمهوريين من أجل تعزيز فرصهم الانتخابية في التجديد النصفي للكونغرس المقررة هذا العام، وكذلك الانتخابات الرئاسية 2024، فضلاً عن المطالبة باختبار قدرات الرئيس العقلية من أجل إحراجه سياسياً، وخفض الدعم لقراراته وتخريب شعبيته بصورة كبيرة، مما سيزيد معه فرص خسارة الديمقراطيين الاستحقاقات الانتخابية المقبلة نتيجة تدهور شعبية الرئيس بسبب القلق حول وضعه الصحي والقرارات الكارثية، وعلى رأسها الانسحاب الفوضوي من أفغانستان. واعتبر عبد العاطي أنه مع تزايد المطالب بإخضاع بايدن للاختبار الإدراكي سوف يعمل الديمقراطيون على دفعه للتراجع عن الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة.

مصير ولاية بايدن

يحدد التعديل 25 لدستور الولايات المتحدة الإجراءات الواجبة حال إعلان عدم قدرة الرئيس على القيام بواجباته، وبعد ذلك يتولى نائب الرئيس مهام الرئيس على الفور، لكن إذا اعترض الرئيس على مثل هذا الإعلان، يحل الكونغرس هذه المسألة، وتمت المصادقة على هذا التعديل في عام 1967، ويعول الجمهوريون على تفعيل هذه المادة الدستورية من أجل إطاحة بايدن، كما سبق أن أكد النائب الجمهوري روني جاكسون، لكن اللجوء إلى هذه الخطوة سيتطلب بداية إثبات أن الرئيس غير قادر على ممارسة مهامه.

وبحسب التعديل 25 للدستور الأميركي، على الرئيس أن يبلغ خطياً رئيسي مجلسي الشيوخ والنواب بأنه سينقل السلطة مؤقتاً إلى نائب الرئيس لأنه غير قادر على ممارسة مهام منصبه، أو أن يقوم نائب الرئيس وعدد من كبار المسؤولين بالإدارة الأميركية بإبلاغ قادة مجلسي الشيوخ والنواب بأن الرئيس غير قادر على أداء واجباته، وأن نائب الرئيس سيصبح رئيساً بالإنابة. وإضافة إلى قيام بايدن نفسه بتفعيل هذه المادة خلال جراحة القولون الأخيرة، فقد عيّن الرئيس رونالد ريغان نائبه جورج بوش الأب رئيساً بالنيابة لمدة 8 ساعات خلال خضوعه للتخدير الكامل لإزالة ورم سرطاني من أمعائه الغليظة عام 1985، ونقل جورج بوش الابن سلطاته إلى نائبه ديك تشيني عام 2007 خلال خضوعه لمنظار القولون. 

وبغض النظر عن تأثير الحالة الصحية لبايدن على فرص استكمال ولايته الحالية أو الفوز بولاية ثانية، ترى مريم نبيل الباحثة بجامعة أنديانا الأميركية، أن الجمهوريين سيواصلون مساعي استخدام كل أدواتهم لوضع الرئيس في حالة شبيهة بما تعرض لها الرئيس الجمهوري السابق ترمب خلال فترة تعرضه للمساءلة بالكونغرس ومحاولة سحب الثقة منه وعدم استكماله للفترة الرئاسية، وأضافت "مثلما سخّر الديمقراطيون الآلة الإعلامية بالكامل ضد ترمب، يقوم الجمهوريون بذلك، لكن لا يمكن الاستماع إلى أخبار الرئيس فقط من وسائل الإعلام الجمهورية".

وقللت الباحثة من مدى الارتباط بين حظوظ الرئيس الأميركي الانتخابية وسنه بالنظر إلى أن معظم الرؤساء الأميركيين كانوا قد تجاوزوا الـ60 على الأقل، حينما وصلوا للسلطة بمن فيهم ترمب الذي وصل إلى البيت الأبيض في سن الـ70، وتابعت في تصريح خاص، "أميركا دولة قائمة على المؤسسات واللامركزية وإدارة الرئيس تعتمد على الرئيس وفريقه بمن فيهم نائبه، والانقسام السياسي في الولايات المتحدة الآن ليس بسبب سن الرئيس، لكن بسبب وضوح الفارق بين الرئيس الديمقراطي والرئيس الجمهوري وانحيازات كل منهما لقطاعات معينة من الشعب الأميركي، ففي مقابل اهتمام باراك أوباما ومن بعده بايدن بالأقليات ظهر انحياز ترمب للبيض البروتستانت ضد الآخرين، فأصبح منصب الرئيس موصوماً في وسائل الإعلام بالانحياز الحزبي وكأن الرئيس حاكم للديمقراطيين وضد الجمهوريين، والعكس صحيح".

المزيد من تقارير