Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اندفاعة إيطالية صوب أفريقيا تحتمها ملفات الهجرة والطاقة

تشغل آلياتها الدبلوماسية من أجل تعزيز تقاربها مع دول القارة السمراء

أطلقت إيطاليا خطة ماتي تجاه قارة أفريقيا (رويترز)

ملخص

التحرك الإيطالي صوب أفريقيا يأتي في وقت ترسخ فيه روسيا حضوراً غير مسبوق في دول القارة، من خلال التحالف مع الأنظمة العسكرية المنبثقة عن الانقلابات

في وقت يتداعى فيه النفوذ الأوروبي والغربي بشكل عام في أفريقيا جراء تغيرات أفرزتها موجة من الانقلابات العسكرية، تشغل إيطاليا آلياتها الدبلوماسية من أجل تعزيز تقاربها مع دول القارة السمراء، وعينها على معالجة ملفات حساسة على غرار الهجرة غير النظامية وتأمين الاستثمارات في مجالات الطاقة وغير ذلك.

وقبل أيام زارت رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني ليبيا، حيث التقت القادة المتنافسين على السلطة هناك على غرار قائد الجيش المشير خليفة حفتر، ورئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي، ورئيس حكومة "الوحدة الوطنية" عبدالحميد الدبيبة.

وتوجت هذه الزيارة بتوقيع عديد من الاتفاقات في مجالات الصحة والتعليم وغيرهما، وهي زيارة تأتي وسط تحركات إيطالية مكثفة أيضاً صوب تونس المجاورة التي يتكدس فيها آلاف المهاجرين غير النظاميين.

وتعد لامبيدوزا أقرب جزيرة أوروبية إلى تونس، إذ تبعد عنها نحو 133 كيلومتراً، وهي الأقرب أيضاً إلى السواحل الليبية ومناطق أفريقية أخرى. وعلى رغم أن عدد سكانها قدر عام 2019 بـ6 آلاف نسمة، إلا أن هذه الجزيرة يصل إليها سنوياً عشرات الآلاف من المهاجرين، مما جعل السلطات تتحرك على وجه السرعة لاحتواء معضلة الهجرة غير النظامية.

وإلى جانب ليبيا وتونس تراهن إيطاليا على دول أخرى مثل مصر لترسيخ حضورها وتطوير سياساتها تجاه أفريقيا، إذ زارت في وقت سابق ميلوني القاهرة وهي زيارة علق عليها نائبها أنطونيو تاياني بالقول إنها "تأتي اقتناعاً من إيطاليا بالدور الحاسم الذي تلعبه مصر لإرساء استقرار القارة وأيضاً مكافحة الهجرة السرية".

بديل للقوى الدولية

التحرك الإيطالي صوب أفريقيا يأتي في وقت ترسخ فيه روسيا حضوراً غير مسبوق في دول القارة من خلال التحالف مع الأنظمة العسكرية المنبثقة عن انقلابات في النيجر وبوركينافاسو ومالي، وأيضاً مع جمهورية أفريقيا الوسطى.

وبات النفوذ الروسي في أفريقيا هاجساً يؤرق القوى الغربية، خصوصاً مع تزايد الحديث عن توجه لتشكيل ما يسمى "الفيلق الأفريقي"، الذي ستقوده موسكو من أجل مواجهة الجماعات المسلحة.

وقال الباحث السياسي الإيطالي دانيال روفينيتي إن "إيطاليا لها مصلحة في أن تصبح بديلاً للقوى الدولية في أفريقيا، ويتجلى ذلك في الاستعداد الذي تبديه الحكومة الحالية لدفع ما يسمى بخطة ماتي إلى الأمام".

وأوضح روفينيتي في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن "خطة ماتي تشكل نهجاً مختلفاً وأكثر تعاوناً في العلاقة مع البلدان الأفريقية، وهو ما يؤثر بشكل واضح في الاستثمارات الإيطالية أيضاً في هذه القارة".

لكن التحركات الإيطالية تحمل أبعاداً أخرى لا تقل أهمية عن تأمين الاستثمارات في أفريقيا، في ظل المخاوف من توسيع الصين هي الأخرى حضورها في القارة الغنية بثرواتها الطبيعية.

فجورجيا ميلوني، التي تسعى إلى ترسيخ نفسها وحزبها كقوة في المعادلة السياسية الأوروبية، تسعى إلى السيطرة على مسارات الهجرة غير النظامية، وذلك من خلال اتفاقات مع دول مثل تونس وليبيا اللتين باتتا الوجهتين المفضلتين للمهاجرين الطامحين في العبور إلى الضفة الأخرى من المتوسط.

وقادت ميلوني مساعي مكثفة الصيف الماضية مع تونس كللت بتوقيع مذكرة تفاهم بين البلد الواقع شمال أفريقيا والاتحاد الأوروبي للتعاون في مجالات التعليم والبحث العلمي والهجرة النظامية وغير النظامية وغير ذلك، لكن هذه المذكرة واجهت انتقادات حادة وظلت تراوح مكانها.

وقال روفينيتي إن "السيطرة على الهجرة تعتبر عنصراً ذا قيمة سياسية بالنسبة إلى ميلوني، لكنها بالتأكيد ليست العنصر الوحيد".

وأبرز المتحدث أن "هناك قيمة استراتيجية للتحركات الإيطالية في أفريقيا، فروسيا تخاطر باستخدام وجودها في ليبيا كعامل إضافي للتدخل في القارة".

ورأى أن "روسيا بدأت بتفجير الانقسامات في منطقة الساحل الأفريقي، وستكون هذه وسيلة لتفكيك الوحدة الغربية وخصوصاً الأوروبية في القارة، ومن هنا يمكن لموسكو أن تستفيد في أوكرانيا أيضاً".

واستنتج أنه "لذلك تتقاسم ميلوني الآن الدور مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية وحلف شمال الأطلسي (الناتو) للحد من النفوذ الروسي في القارة الأفريقية".

صفحة جديدة

الاهتمام الإيطالي بأفريقيا تزايد حتى قبل يوليو (تموز) الماضي، وهو شهر عرف انقلاباً في النيجر الغنية بثرواتها، وأنهى بشكل كبير حقبة كان لفرنسا اليد الطولى فيها في الساحل الأفريقي، وعبد طريق السيطرة الروسية على منطقة الساحل.

وعند تدشينها قمة ماتي في يناير (كانون الثاني) الماضي تعهدت رئيسة الوزراء الإيطالية، التي بنت حملتها الانتخابية في 2022 على وعود بالسيطرة على مسارات الهجرة غير النظامية منتقدة السياسات الغربية في القارة الأفريقية، بفتح "صفحة جديدة" في العلاقة بين روما والقارة السوداء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

قالت ميلوني في كلمتها إن "خطة ماتي تمثل شكلاً جديداً من الشراكة بين إيطاليا والقارة الأفريقية، إذ تقوم على المنفعة المتبادلة والشراكات المتساوية، وهي أقرب إلى نموذج الدولة المانحة والدولة المتلقية".

ولطالما واجهت السياسات الفرنسية تجاه أفريقيا انتقادات في شأن شكلها، إذ يعتبر كثيرون أنها سياسات تقوم على "الاستعلاء والهيمنة"، لذلك فإن التحدي الآن أمام إيطاليا هو تقديم بديل يرضي القارة وبخاصة ما بدا وكأنه جيل جديد يشكل رأياً عاماً جديداً.

وقوبلت الانقلابات العسكرية في دول غرب أفريقيا بترحيب شعبي في الأعوام الماضية، كون الجنرالات الذين قادوا هذه الانقلابات يتبنون خطابات تنتقد السياسات الغربية، وتستعين الانقلابات بروسيا بدلاً من فرنسا.

نقاط حدودية متقدمة

وتعد تونس واحدة من أهم الدول التي تعول رئيسة الوزراء الإيطالية على تعاونها في ملف الهجرة، وفي تكريس لهذا الرهان على هذا البلد زارت ميلوني تونس في الـ17 من أبريل (نيسان) الماضي في زيارة هي الرابعة لها خلال عام واحد.

وبعد ذلك بأيام زار وزير الثقافة الإيطالي جينارو سانجيوليانو تونس في زيارات مكوكية، يبدو أنها تستهدف تهدئة المخاوف في هذا البلد من وضع المهاجرين، إذ تشهد تونس سجالات لا تهدأ حول هؤلاء وسط حديث عن إمكان "توطينهم" بدفع من روما.

وقال الناشط السياسي التونسي المقيم في إيطاليا مجدي الكرباعي إن "هناك قراءة جيوسياسية للوضع في أفريقيا في ظل تراجع الوجود الفرنسي هناك، إيطاليا بدأت تجد موطئ قدم لها في القارة وخصوصاً شمالها بحكم توتر العلاقات بين باريس والجزائر وتونس وعدد من الدول الأخرى".

وأردف الكرباعي في تصريح خاص أن "إيطاليا لها مقاربة أخرى لسياساتها، وهي أنها تريد تقديم الدعم لشمال أفريقيا خصوصاً أنها ليس لها سياسة استعمارية ولا تاريخ استعماري كما فرنسا".

ولفت إلى أن "إيطاليا تريد أن تقول للأفارقة إن تقدم أوروبا من تقدم دول أفريقيا، لكن في النهاية هي سياسة استعمارية جديدة، وهو ما تسميه اليوم ميلوني خطة ماتي لدعم الدول الأفريقية، وأقيمت بقمة في روما من أجل تكريس هذا البرنامج، وسيضخ مبلغ نحو 5 مليارات يورو للقيام بمشاريع تنموية في دول أفريقية، لاسيما شمال القارة بالنظر إلى ملف الهجرة".

وشدد الكرباعي على أن "الحكومة الإيطالية تسعى إلى أن تكون دول شمال أفريقيا نقاطاً حدودية متقدمة لمواجهة المهاجرين، وأن يركز أكبر عدد ممكن من المهاجرين في هذه الدول، بذلك تكون ميلوني التزمت بواحد من أبرز وعودها، وهو جعل دول شمال أفريقيا نقاطاً لتجميع المهاجرين".

وخلص الكرباعي إلى أن "خطط ميلوني تروق للشعب الإيطالي الذي بات يعادي المهاجرين، والثلاثي الحاكم الآن في البلاد هي أحزاب يمينية رافضة للمهاجرين، ولهذا السبب هي وجدت شعبية كبيرة والرأي العام الإيطالي قابل لأفكار ميلوني".

الهجرة والاستثمارات

وتولي إيطاليا أهمية قصوى للاستثمار في مجال الطاقة خصوصاً بعد اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، حينها قال الرئيس التنفيذي للعمليات بقطاع الموارد الطبيعية بشركة "إيني" الإيطالية جويدو بروسكو، إن "شمال أفريقيا، أي مصر وليبيا والجزائر ستصبح المورد الأبرز للغاز إلى إيطاليا".

وقال بروسكو خلال تصريحات سابقة بثتها وكالة "رويترز"، إن "أفريقيا قارة تحتاج إلى كثير من الاستثمارات في التنقيب التقليدي وقطاع الإنتاج".

ومنذ سنوات تضخ إيطاليا مليارات الدولارات من خلال شركة "إيني" التي تعد قطباً من أقطاب الطاقة العالمية للتنقيب واستخراج الغاز الطبيعي في دول أفريقية عدة، لكن توترات أمنية خاصة في دول مثل ليبيا قد تعرقل مساعي روما إلى تعزيز استثماراتها في هذا المجال.

واعتبر الدبلوماسي الليبي السابق عثمان البدري أن "العلاقة بين إيطاليا ودول جنوب حوض البحر الأبيض المتوسط وخصوصاً ليبيا وتونس، هي علاقة ذات خصوصية أولاً نتيجة المواقع الجيوسياسية، حيث تؤرق السلطات الإيطالية مسألة الهجرة غير النظامية مع تدفق أعداد كبيرة من تونس وليبيا نحو أراضيها".

وبين البدري أن "إيطاليا هي بلد مقصد، وتونس وليبيا هما دولتا عبور بالنسبة إلى الهجرة غير النظامية، وبالتالي دائماً إيطاليا تتحرك في هذه المنطقة بسياسة خاصة وطبيعة خاصة بالنظر إلى تاريخ هذه العلاقات".

وشدد على أن "المنطقة مهمة بالنسبة إلى إيطاليا، بخاصة في ظل الاستثمارات المهمة في مجال الطاقة، إيطاليا لديها إمدادات كبيرة جداً من الغاز تأتيها من ليبيا لاسيما من غرب البلاد من خلال شركة إيني".

وأكد البدري أن "الوضع في ليبيا يهم إيطاليا بشكل كبير، ولا أعتقد أن إيطاليا ستواجه التمدد الروسي الذي هو أمر يهم الولايات المتحدة الأميركية، بينما روما يعنيها شيئين فقط: الهجرة غير النظامية والاستثمارات الاقتصادية، لذلك هي حريصة بشكل مهم على إرضاء تونس وليبيا".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير