ملخص
توقعت "وكالة الطاقة الدولية" أن ينمو الطلب الأميركي على النفط عام 2025 بمقدار 60 ألف برميل يومياً، ولكن مع ارتفاع الطلب الأميركي على النفط عدلت ذلك الرقم صعوداً إلى 90 ألف برميل يومياً، ثم أجرت أخيراً تعديلاً آخر ورفعته إلى 120 ألف برميل يومياً، ولكن الواقع يشير إلى أن نمو الطلب على النفط أعلى من ذلك بكثير، وربما بـ 50 ألف برميل يومياً في الأقل.
تتزعم "وكالة الطاقة الدولية" مجموعة من البنوك وبعض البيوت الاستشارية التي تتوقع حدوث فائض كبير في أسواق النفط حالًيا والعام المقبل، إذ تتوقع الوكالة أن تعاني أسواق النفط أكبر فائض في تاريخها خلال العام المقبل، على رغم أنه لا يوجد أصلاً مكان لتخزين هذا الفائض المزعوم.
ومشكلة الوكالة ومن حالفها أن الولايات المتحدة، أكبر منتج وأكبر مستهلك للنفط في العالم، تعاني شح في الإمدادات، وكذلك فإن الارتفاع في مخزونات النفط الصينية جرى لأسباب سياسية وإستراتيجية لا علاقة لها بقوى السوق، فعلى رغم ارتفاع مخزونات النفط الخام والمنتجات النفطية خلال الأسبوع الماضي لكن هذه المخزونات منخفضة بكل المقاييس، فمخزون النفط الخام والمقطرات قريب من أدنى مستوى له خلال الأعوام الخمسة الماضية، بينما مخزونات البنزين هي الأدنى منذ أكثر من عقد، ومخزونات منطقة كوشينغ، وهي منطقة تقاطع أنابيب نفط في أوكلاهوما ويسعّر خام غرب تكساس فيها، فارغة تقريباً وليس فيها إلا الكميات التي يجب أن تبقى في أسفل الخزانات كي تجري علميات الملء والتخزين بسهولة.
إنتاج النفط الصخري توقف عن النمو في وقت انخفض فيه عدد الحفارات إلى أدنى مستوى له منذ عام 2021، أما الطلب الأميركي على النفط فلا يزال قوياً وأعلى من توقعات "وكالة الطاقة الدولية" التي عدلت توقعاتها صعوداً مرتين، ففي البداية توقعت الوكالة أن ينمو الطلب الأميركي على النفط عام 2025 بمقدار 60 ألف برميل يومياً، ولكن مع ارتفاع الطلب الأميركي على النفط عدلت ذلك الرقم صعوداً إلى 90 ألف برميل يومياً، ثم أجرت أخيراً تعديلاً آخر ورفعته إلى 120 ألف برميل يومياً، ولكن الواقع يشير إلى أن نمو الطلب على النفط أعلى من ذلك بكثير، أي ربما بـ 50 ألف برميل يومياً في الأقل، إلا أن أهم موضوع تجاهلته وكالة الطاقة والمحللون ووسائل الإعلام هو أن كمية النفط التي استحوذت عليها الحكومة الأميركية وحبستها في المخزون الإستراتيجي منذ بداية العام تساوي تقريباً الزيادة في إنتاج النفط الخام الأميركي منذ بداية العام، ولكن الحقيقة أن الكمية المضافة للمخزون الإستراتيجي أكبر من زيادة هذا العام لسبب بسيط، وهو أن ما خزّن في المخزون الإستراتيجي هو نفط خام من النوع المتوسط الحامض، بينما معظم ما يجري إنتاجه من النوع الخفيف الحلو، والذي يحوي كمية لا بأس بها من المكثفات والغازات السائلة.
ومع إصرار إدارة ترمب على الاستمرار في بناء المخزون الإستراتيجي، في وقت توقف نمو إنتاج النفط الصخري وأي زيادة ستكون محدودة من "خليج أميركا" (خليج المكسيك)، فإن الفرق بين ما يجري حبسه في المخزون الإستراتيجي والزيادة في الإنتاج، إن وجِدت، سيزداد، وهذا يعني أن من يقول بأنه سيكون هناك فائض بسبب زيادة إنتاج النفط الأميركي مخطئ.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكما أوضحت في مقالات سابقة فإن هناك مبالغات في حجم الفائض عالمياً، بخاصة في ما يتعلق بكمية النفط على الماء، وهو النفط المنقول في السفن أو المخزون العائم، كما أن هناك كميات محسوبة مرتين، فمثلاً يجري حساب السوائل الغازية على أنها ضمن معروض النفط عندما تُباع في الأسواق الأميركية، وبعض الشركات تمزج هذه السوائل مع النفط الثقيل المستورد من كندا وتُصدر الكمية كلها على أنها نفط خام، وهذا يعني أن السوائل الغازية حُسبت مرتين، مرة على أنها سوائل غازية من ضمن المعروض النفطي، ومرة على أنها نفط خام.
وأيضاً يجري حساب صادرات النفط العراقي من الشمال عبر أنبوب النفط التركي على أنها إضافة صافية مع أن هذا النفط كان يهرّب إلى العراق وإيران، ثم تشحن هذه الكميات إلى الصين وغيرها، وكذلك فهناك مشكلة في طريقة حساب كميات النفط في البحار، ومثلاً عندما يجري نقل النفط الإيراني أو الروسي من ناقلة إلى أخرى في عرض البحر، فإنه أحياناً يُحسب مرتين بسبب وجود ناقلتين، وشرحتُ في مقالات سابقة كيف أن هناك مبالغة في أثر ارتفاع كميات النفط في عرض البحر، ومن ضمنها تخفيف سرعة السفن، والذي أصبح ظاهرة عالمية. ويعود خفض السرعة لعوامل سياسية واقتصادية عدة، ولكن الأهم هو الأسباب البيئية بسبب القوانين التي فرضتها منظمة الملاحة العالمية والتي تجبر السفن على خفض انبعاثات كميات ثاني أكسيد الكربون، وأفضل وأسرع عملية لخفض الانبعاثات هو خفض سرعة السفينة مما أدى إلى زيادة عدد السفن الموجودة في أعالي البحار، وأسهم في رفع الأجور اليومية للسفن، ويتجاهل بعض المحللين والصحافيين أثر توقف صادرات كازاخستان بعد ضرب مسيرات ميناء التصدير في روسيا، لدرجة أن "رويترز" عزت ارتفاع الأسعار أمس لعوامل لا ترفع الأسعار أصلاً.
وخلاصة الأمر أن هناك مبالغة في كمية الفائض والبيانات الأميركية تبين العكس، وما انخفاض أسعار النفط أخيراً إلا نتيجة طبيعية للأخبار التي تقول بأن الرئيس ترمب ينسق لإنهاء الحرب في أوكرانيا، وسنجد ارتفاعاً مفاجئاً في الأسعار بمجرد ظهور أي خبر يشير إلى فشل المحادثات.