Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

طور جديد من غياب الأمن في سلاسل التوريد

أميركا الحصينة ليست أكثر أماناً

الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترمب تُقصي الولايات المتحدة من الدفع الاقتصادي الذي توفره سلاسل الإمداد العالمية (مات ميرفي/ فورين أفيرز)

خلال بضعة أشهر فقط أعادت إدارة ترمب كتابة قواعد السياسة التجارية الأميركية، فقد فرضت رسوماً جمركية شاملة على كل الدول تقريباً تبدأ من 10 في المئة وتصل إلى 50 في المئة، وأدت الرسوم المفروضة على مجموعة واسعة من السلع مثل الفولاذ والألومنيوم والسيارات وقطع غيارها، إلى رفع الحواجز التجارية إلى مستويات أعلى، وبمتوسط معدل فعلي يبلغ نحو 18 في المئة، أصبحت ضرائب الواردات الأميركية اليوم في أعلى مستوياتها منذ ما يقارب القرن.

وقال الرئيس الأميركي دونالد ترمب في أغسطس (آب) الماضي مستشهداً برئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان: "تهزمك الصين بالتجارة وتهزمك روسيا بالحرب"، ويرى ترمب في الحماية التجارية جواباً على التحديين معاً، فهو يعتبر عائدات الرسوم الجمركية وسيلة للربح على مستوى السوق، ويعتبر الزيادة في الإنتاج المحلي للمعدات العسكرية والمعادن والمواد والتقنيات الداخلة فيها، طريقاً للهيمنة في ساحة المعركة، ومن المرجح أن تحقق الرسوم بعض الأهداف المرجوة، إذ ستغير بصورة جوهرية موقع الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي وتفصلها جزئياً في الأقل عن سلاسل الإمداد العالمية، وستصنع شركات السلع الاستهلاكية مزيداً من منتجاتها داخل الولايات المتحدة للاستفادة من حصة من سوقها الاستهلاكية التي لا تزال الأكبر في العالم، كما سيوسع موردو الفولاذ والألومنيوم والمعادن وغيرها من المواد الإستراتيجية عملياتهم داخل الولايات المتحدة، للاستفادة من ارتفاع الأسعار المحلية.

لكن الضرر الذي ستتسبب به هذه الرسوم أكبر بكثير من فوائدها، فعلى مدى الـ 50 عاماً الماضية كان اندماج الولايات المتحدة في سلاسل الإمداد العالمية محركاً للنمو الاقتصادي، أما الانفصال عن هذه السلاسل فسيرفع الكُلف ويخفض الجودة ويحد من النمو والقدرة التنافسية، ولن يكون القطاع الدفاعي الأميركي بمنأى عن آثار ارتفاع الأسعار وفقدان الموردين وتراجع الأسواق الخارجية، فتصنيع الأسلحة والمعدات العسكرية وبناء مصانع جديدة داخل الولايات المتحدة سيصبح أكثر كلفة، وقد يختار حلفاء واشنطن الساعون إلى تعزيز صناعاتهم الدفاعية والفاقدون الثقة بالتجارة مع الولايات المتحدة، إنفاقاً أقل على الأسلحة الأميركية، والأخطر أن الشركات الأميركية تواجه هذه التهديدات لنماذج أعمالها في الوقت نفسه الذي تحتاج واشنطن، وهي تستعد لعصر تقوده الطائرات المسيّرة والذكاء الاصطناعي في الحروب، إلى ابتكاراتها أكثر من أي وقت مضى.

يحمل التعاون مع شركاء موثوقين في مجال سلاسل الإمداد مزايا لا يمكن الاستغناء عنها، وكلما حاولت واشنطن العمل بمفردها أصبح من السهل على الأصدقاء والأعداء على حد سواء التفوق على الولايات المتحدة، اليوم في التجارة وغداً ربما في الحرب.

التنازل عن المزايا

في مقالة رأي نُشرت في صحيفة "نيويورك تايمز" خلال أغسطس (آب) الماضي، وصف ممثل التجارة الخارجية الأميركية جيمسون غرير هدف إدارة ترمب من فرض الرسوم الجمركية والسعي إلى إبرام صفقات استثمارية مع جهات أجنبية بأنه لا يقل أهمية عن إرساء "الأساس لنظام تجاري عالمي جديد"، ووفق رؤية إدارة ترمب لهذه المسألة فستعيد الرسوم الجمركية إطلاق التصنيع داخل الولايات المتحدة وتوفر وظائف جديدة، وستحول العجز التجاري إلى فائض وستقلل اعتماد واشنطن على الخصوم في السلع الإستراتيجية والسلع الاستهلاكية على السواء، وتعتقد الإدارة أن هذه الخطوات ستعيد عكس الاتجاهات السلبية التي شهدتها البلاد خلال عقود من السياسات التجارية الليبرالية التي تصفها بأنها غير منصفة، مثل فقدان الوظائف في قطاع التصنيع وارتفاع معدلات العجز وتنامي الاعتماد على أطراف خارجية، لكن الأرقام الأولى تظهر أن الرسوم تؤثر بالفعل، وإن بطريقة غير مطمئنة، فبحسب مؤشر مديري المشتريات الصادر عن معهد إدارة الإمدادات فقد ظلّ قطاع التصنيع في الولايات المتحدة ينكمش طوال الأشهر الستة الماضية، كما خسر 78 ألف وظيفة منذ بداية العام، وفي الوقت نفسه يرتفع معدل التضخم، فقد شهد شهرا يوليو (تموز) وأغسطس قفزات ملاحظة بعدما بدأت السلع المستوردة، الخاضعة الآن لرسوم جمركية، تصل إلى الأسواق بأسعار أعلى، وارتفعت أيضاً كلفة السلع الأميركية لأن المصنعين يدفعون أسعاراً أعلى للمواد الأجنبية المستخدمة في إنتاجهم، إذ تُعد نحو 45 في المئة من الواردات مواد أولية تدخل في الصناعات الأميركية، ونتيجة ارتفاع الأسعار وزيادة حال عدم اليقين الاقتصادي، تراجع إنفاق المستهلكين ذوي الدخل المنخفض خلال الأشهر الأخيرة، وقد انخفض العجز التجاري للسلع بين الربعين الأول والثاني من هذا العام، ويرجع ذلك أساساً لانخفاض الواردات، خصوصاً من الصين، أما الصادرات فقد استقرت تقريباً، وهو ما يُعد أحد العوامل التي أسهمت في ضعف أداء سوق العمل.

أما بقية العالم فقد استجابت بتوسيع تجارتها إذ بدأت الشركات الأجنبية تعيد توجيه سلعها وسلاسل إمدادها بعيداً من الولايات المتحدة، كما بات المفاوضون التجاريون يتجهون ليس فقط إلى واشنطن، بل إلى عواصم أخرى بحثاً عن صفقات جديدة، فالاتحاد الأوروبي يسعى إلى عقد اتفاقات مع الهند وإندونيسيا، ويمضي قدماً في مفاوضات مع تكتل "ميركوسور" في أميركا الجنوبية، ويجري محادثات تجارية مع الصين وينظر في الانضمام إلى الاتفاق الشامل والتقدمي للشراكة عبر المحيط الهادئ، وهو اتفاق تجارة حرة أُبرم عام 2018 ويضم 12 دولة تمثل مجتمعة نحو 15 في المئة من الاقتصاد العالمي، كما تتفاوض البرازيل والصين والهند والمملكة المتحدة على اتفاقات تجارية جديدة مع شركاء متعددين.

ولا يزال من الباكر تحديد الأثر النهائي لهذه التحركات في الاقتصاد الأميركي، فقد تنتعش الاستثمارات عندما تستقر معدلات الرسوم الجمركية ويزول قدر من حال عدم اليقين، ومع تنفيذ اليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي الالتزامات الواردة في الاتفاقات التي وقعتها مع إدارة ترمب، قد تجد كثير من الشركات أن الأسعار المرتفعة في سوق أميركية محمية تمثل فرصة مربحة، وهو ما قد يدفعها إلى توسيع عملياتها داخل الولايات المتحدة.

سيظل العالم ينظر إلى التجارة مع الولايات المتحدة بعين الحذر

 

ومع ذلك تشكل الرسوم الجمركية أيضاً عقبات كبيرة أمام النمو الاقتصادي الأميركي، فالرسوم المفروضة على الصلب والألومنيوم والخشب وأنابيب النحاس ومواد البناء والآلات المختلفة ترفع كُلف الانطلاق بالنسبة إلى الشركات التي تسعى إلى إعادة التصنيع داخل الولايات المتحدة، وتؤدي هذه الكُلف المرتفعة إلى جعل إنشاء مصانع جديدة وخطوط تجميع داخل الولايات المتحدة أكثر صعوبة، كما تعقّد قدرة الحكومات المحلية على توسيع شبكات الكهرباء اللازمة لخدمة تلك المنشآت، وقد تدفع هذه الكُلف بعض المستثمرين الأجانب إلى العزوف عن الدخول إلى السوق الأميركية، وتحد من أثر الاستثمارات التي تصل بالفعل، وبما أن أسعار السلع الأميركية سترتفع فإن قدرتها التنافسية ستتراجع في الأسواق الخارجية التي تضم مليارات المستهلكين، وإضافة إلى ذلك سيجد الموردون العاملون داخل الولايات المتحدة أنفسهم في موقع أضعف أيضاً، فمن بين ما يقارب تريليوني دولار من السلع التي تصدرها الشركات الأميركية كل عام، يُشكل نحو ثلثيها مدخلات تدخل في سلاسل الإمداد العالمية أو في منتجات تُصنع في دول أخرى، ومع ارتفاع أسعار هذه المدخلات سيتجه المصنعون الأجانب إلى البحث عن بدائل، وحتى لو لم ترد إلا قلة من الدول بالمثل على الرسوم الأميركية، ووافقت دول أخرى على اتفاقات تخفف الحواجز التجارية أمام المصدرين الأميركيين، سيظل العالم حذراً من التجارة مع الولايات المتحدة، ولن تتخلى البلدان الأخرى بالكامل عن المستهلك الأميركي ذي الشهية الواسعة الذي يقترب إنفاقه السنوي من 20 تريليون دولار، ويشكل نحو 70 في المئة من الاقتصاد الأميركي.

لكن هذه البلدان قد تقرر التعامل مع السوق الأميركية بطريقة مختلفة عن باقي دول العالم، فلأعوام تعاملت الشركات مع السوق الصينية بوصفها حالاً خاصة، تُصنع فيها البضائع للمستهلكين الصينيين داخل الصين مع الاحتفاظ بعمليات مستقلة ومنوعة مخصصة للأسواق الأخرى، وقد تتبع الشركات النهج نفسه في الولايات المتحدة، فتلبي الطلب الأميركي من داخل الأراضي الأميركية بينما تنقل الإنتاج المخصص لأسواق العالم الأخرى إلى خارج الولايات المتحدة، مما يقلص المزايا الاقتصادية التي كانت الولايات المتحدة تجنيها من السياسات الحمائية.

الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترمب تُقصي الولايات المتحدة من الدفع الاقتصادي الذي توفره سلاسل الإمداد العالمية، فعلى مدى الـ 50 عاماً الماضية توسّع الإنتاج عبر الحدود بصورة هائلة مما دفع عجلة الازدهار في الاقتصادات الناشئة والمتقدمة على السواء، وإن كان قد أسهم في تفاقم مظاهر اللامساواة داخل الولايات المتحدة وبلدان أخرى، وقد ارتفع حجم التجارة العالمية في السلع من تريليوني دولار عام 1980 إلى 24 تريليون دولار اليوم، ويمثل نحو 55 في المئة من هذا الرقم مدخلات تُستخدم في تصنيع منتجات أخرى، وقد استعرض المؤرخ التجاري دوغلاس إيروين ما يقارب 12 دراسة، فوجد أن الاقتصادات التي انفتحت خلال تلك الفترة حققت نمواً أسرع بكثير من الاقتصادات المغلقة، ويرجع ذلك بدرجة كبيرة إلى اندماجها في سلاسل الإمداد.

تعزز سلاسل الإمداد الدولية الطاقة الإنتاجية عبر توسيع نطاقها، وتنشط الابتكار من خلال إتاحة مستويات أعلى من التخصص، وحتى الولايات المتحدة، على اتساع اقتصادها وحيويته، لا تستطيع إعادة إنتاج هذه المزايا بمفردها، وإذا لم تتمكن الشركات الأميركية من شراء المكونات من موردين أجانب بكلفة معقولة، وتنفيذ جزء من عملياتها في دول أخرى، فستجد صعوبة في تصنيع منتجات تضاهي منافسيها في الخارج من حيث الجودة والكلفة والسرعة، لأن هؤلاء المنافسين لا يزالون مندمجين بصورة وثيقة في سلاسل الإمداد العالمية.

الدفاع في عصر العولمة

لن يكون قطاع الصناعات الدفاعية الأميركي بمنأى عن هذه الآثار، فعلى امتداد الحقبة التي تلت الحرب العالمية الثانية كانت الشركات الأميركية أكبر مصدر لمعدات الدفاع في العالم، إذ تستحوذ على أكثر من ثلث السوق العالمية، وهي أشهر المزودين بالتقنيات العسكرية المتقدمة مثل الصواريخ الموجهة والطائرات الشبحية وأنظمة الاستطلاع والسفن العاملة بالطاقة النووية، وعلى مدى عقود اشترت أوروبا نحو 40 في المئة من معداتها العسكرية من الولايات المتحدة، أما إسرائيل والسعودية فتعتمدان على الولايات المتحدة في نسبة أكبر من مشترياتهما من السلاح، وتعتمد اليابان وكوريا الجنوبية على الشركات الأميركية في أنظمة الصواريخ والمقاتلات وغيرها من المعدات العسكرية، وعندما تشتري حكومة ما معدات جديدة من شركة أميركية فإنها تلتزم أيضاً بدفع كُلف الصيانة وقطع الغيار وتحديث الأنظمة لدى الشركة نفسها لأعوام تالية، وقد حصلت الشركات الدفاعية الأميركية على هذه العقود المربحة ليس فقط بسبب جودة منتجاتها وتطورها، بل أيضاً لأن الحكومة الأميركية توافق على هذه المبيعات في إطار تحالفاتها الأمنية واتفاقاتها الدفاعية حول العالم.

لم تضطر قاعدة الصناعات الدفاعية الأميركية في أي وقت إلى العمل بمعزل عن بقية العالم، فقد اعتمدت الشركات الدفاعية، وكذلك الجيش الأميركي نفسه، على مصادر إمداد عالمية دائماً ولا سيما في أوقات الحرب، وخلال الحرب العالمية الثانية استوردت الولايات المتحدة كميات كبيرة من النيكل والنحاس والتنغستن والمنغنيز وغيرها من المعادن والمواد التي غذت آلة الحرب التي قادتها إلى النصر، وأثناء الحرب الكورية وفّر المصنعون الموجودون في اليابان للجنود الأميركيين على الجانب الآخر من بحر اليابان دبابات مُعاد تأهيلها وقاذفات قنابل ومدفعية، ومع كل صراع مرت به الولايات المتحدة استمد الجيش الأميركي قوته من قدرة البلاد على الوصول إلى الإمدادات القادمة من مختلف أنحاء العالم، وتنظيمها وتعبئتها لخدمة مجهودها العسكري.

لقد أدى توسع سلاسل الإمداد الدولية إلى زيادة سرعة الابتكار وخفض كُلف الإنتاج في قطاع الصناعات الدفاعية، وتستلزم الاستفادة من هذه المزايا عقوداً من العمل، فبناء سلسلة إمداد ليس بالأمر البسيط مثل توقيع عقد وحسب، وتكفل الاتفاقات القانونية تحقيق التوافق والموثوقية والجودة، لكن سلاسل الإمداد الخاصة بالمنتجات الدفاعية المتقدمة تشبه في العادة شراكات طويلة الأمد تشترك فيها الشركات الأميركية وشركات أجنبية في مشاريع مشتركة وبحث وتطوير مشترك، ويقيم الموردون والمصنعون علاقات عمل وثيقة بينما يتعاملون مع الأطر التنظيمية وبروتوكولات الأمن والجوانب الجيوسياسية معاً.

 

لقد قامت الحكومة الأميركية بلعب دور أساس في بناء مثل هذه السلاسل، فوزارة الدفاع تشرف على عمليات الموافقة الخاصة بالموردين المكلّفين بتوفير مكونات محورية، كما هو الحال في الشراكة بين شركة "نورثروب غرومان" الدفاعية الأميركية و"ميتسوبيشي هيفي إندستريز" اليابانية لتصميم أنظمة دفاعية مضادة للصواريخ الفرط صوتية، وتُنشئ الاتفاقات الدبلوماسية والمعاهدات مشاريع دفاعية مشتركة مثل "اتفاق أوكوس" الموقع عام 2021 بين أستراليا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة، والذي يتضمن خططاً لتصميم وتصنيع فئة جديدة من الغواصات الهجومية العاملة بالطاقة النووية، كما تتيح الاتفاقات التقنية التي تضع معايير مشتركة وتسهل قابلية التشغيل البيني وتبادل التكنولوجيا للشركات في دول عدة تصنيع أجزاء ومكونات وأنظمة لبعضها بعضاً، وبعد أعوام من بناء الحكومة الأميركية مثل هذه الشراكات باتت الشركات الدفاعية الأميركية تعتمد على موردين أجانب في المواد الأساس، وغالباً في المكونات المتقدمة للمعدات العسكرية أيضاً.

يجعل الاعتماد على مصادر توريد عابرة للحدود الصناعات الدفاعية أكثر مرونة، فعندما تعمل الشركات الأميركية مع موردين دوليين متعددين فإنها تقلل تعرضها للمشكلات التي قد تظهر في أية منطقة جغرافية محددة، أما تركز الإنتاج داخل الولايات المتحدة فيخلق مواطن ضعف اختبرتها الولايات المتحدة بنفسها، فمثلاً عندما أدى "إعصار ماريا" إلى إغلاق مصانع في بورتوريكو عام 2017، واجه البر الرئيس الأميركي نقصاً حاداً في المستلزمات الطبية، كما أدى حصر تصنيع قذائف المدفعية من عيار 155 مليمتراً في مصنع واحد في سكرانتون بولاية بنسلفانيا إلى فجوات خطرة في القدرات الدفاعية الأميركية عام 2022، وذلك عندما سارع الجيش الأميركي إلى تزويد أوكرانيا بالسلاح بعد الغزو الروسي، وفي الوقت نفسه إعادة ملء مخزوناته الداخلية، (ومنذ ذلك الحين قدّم الجيش طلبات إنتاج في مواقع عدة داخل الولايات المتحدة وكندا).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لقد أدى انتشار التقنيات ذات الاستخدام المزدوج إلى جعل الشركات المنتجة للمكونات الدفاعية الأساس تعمل على نطاق لا يمكن لمصنعين محدودي الإنتاج بلوغه، فاليوم تشغل أشباه الموصلات كلاً من الهواتف الذكية والصواريخ، وتشغل البطاريات المستخدمة في الحواسيب المحمولة والسيارات الكهربائية الطائرات المسيّرة، ويستخدم الذكاء الاصطناعي الذي يُعد به الطلاب واجباتهم المدرسية في توجيه الأسلحة غير المأهولة، وتُوجه الأقمار الاصطناعية حركة المرور المدنية وتحركات القوات على حد سواء، وتُعد الشركات التي تنتج هذه السلع شركات ضخمة، وقد مكنها من النمو اعتمادها على مشتريات المستخدمين العاديين إضافة إلى عملائها في القطاع الدفاعي، وهي تجني أرباحاً كبيرة من التطبيقات التجارية، وهي أرباح تمول البحوث والتطوير التي تسرّع الابتكار الدفاعي، مما يصب بدوره في مصلحة وزارة الدفاع الأميركية.

العمل المنفرد

إن بناء سلاسل إمداد دولية يخلق بالفعل اعتماداً اقتصادياً على دول أخرى، وقد تكون هذه الاعتمادات خطرة في بعض الأحيان، ولهذا السبب تمتلك الولايات المتحدة مبررات قوية لاستبعاد خصومها من سلاسل الإمداد الحيوية للأمن القومي، فالقوة المنافسة يمكن أن تُحوّل اعتماد واشنطن على السلع التي توفرها شركاتها إلى سلاح ضدها، وقد فعلت الصين ذلك تحديداً إذ تُسيطر على مجموعة واسعة من المدخلات الدفاعية الأساس، ففي سياق الحرب التجارية مع الولايات المتحدة قيدت بكين صادرات الغاليوم والتنغستن والجرمانيوم والأنتيمون والغرافيت ومعادن أخرى تُستخدم في تصنيع الطائرات المسيّرة والذخيرة ومقاتلات "F-35" وصواريخ "توماهوك" ومناظير الرؤية الليلية، إضافة إلى تقييد صادرات المعادن النادرة والضرورية للسيارات الكهربائية وأنظمة الأسلحة المتطورة، كذلك حظرت بكين بيع المكونات إلى شركة "سكيديو" الأميركية لصناعة الطائرات المسيّرة ومقرها كاليفورنيا، بحجة توقيعها عقداً مع حكومة تايوان، لكن أيضاً بهدف تقويض منافس ناشئ للشركات الصينية.

لكن استبعاد الأصدقاء من سلاسل الإمداد، كما تفعل الرسوم الجمركية الشاملة التي فرضها ترمب، يضعف قدرة واشنطن على بسط نفوذها بدلاً من تعزيزه، فالرسوم الجمركية مثلاً ستجعل إنتاج المعدات الدفاعية أكثر كلفة، إذ إن كثيراً من المنتجات النهائية تصنّع بالفعل داخل الولايات المتحدة للامتثال للمتطلبات القانونية الصارمة المتعلقة بمصادر بعض المكونات المتخصصة، لكن المتعاقدين سيضطرون الآن إلى دفع أسعار محلية أعلى مقابل الفولاذ والألومنيوم والنحاس وأشباه الموصلات المصنعة محلياً، لأن الحماية الجمركية تتيح للمنتجين الأميركيين رفع الأسعار.

ستجعل الرسوم الجمركية أيضاً توسيع الصناعات المحلية أكثر صعوبة، ولنأخذ صناعة بناء السفن مثالاً، فأقل من واحد في المئة من السفن في العالم تُصنع في الولايات المتحدة، إذ إن كلفة بنائها هناك أعلى أساساً من كلفتها في الصين أو اليابان أو كوريا الجنوبية.

وتُقلل الرسوم الجمركية جاذبية الاستثمار في هذه الصناعة أكثر لأن أحواض بناء السفن الأميركية ستضطر إلى دفع ما يزيد بنحو 50 في المئة عما يدفعه منافسوها حول العالم في مقابل كميات الفولاذ والألومنيوم التي تدخل في بناء كل سفينة، وكي تكون شركات الدفاع الأميركية قادرة على الاستمرار من الناحية الاقتصادية فيجب أن يكون عملاؤها مضمونين، فصناعة الأسلحة والمعدات العسكرية تتطلب رأسمال كبير، كما تحتاج الشركات التي تنتج معدات وأنظمة متطورة إلى موازنات ضخمة للبحث والتطوير ومرافق تصنيع متخصصة وآلات متقدمة، وبسبب طول دورات الإنتاج فإن تلبية الطلبات قد تستغرق أعواماً، في حين لا تنتج هذه الشركات سوى عدد قليل من الوحدات. كان متعاقدو الدفاع الأميركيون قادرين تقليدياً على تحمل هذه الكُلف الأولية الضخمة بفضل امتلاكهم قاعدة عملاء مضمونة تُعد جزءاً أساساً من بنية التحالفات الأميركية، ففي عام 2024 اشترى الحلفاء الأجانب أسلحة ومعدات دفاعية بقيمة تزيد على 300 مليار دولار من الشركات الأميركية عبر عقود معتمدة من الحكومة الأميركية، مقارنة بـ 445 مليار دولار تلقتها من عقود وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، إذ يمثل العملاء الدوليون ما يقارب من 10 إلى 40 في المئة من إجمال مبيعات كبار متعاقدي الدفاع الأميركيين، بما في ذلك "لوكهيد مارتن" و"نورثروب غرومان" و "آر تي إكس".

 لم تضطر قاعدة الصناعة الدفاعية الأميركية قط إلى العمل بمفردها.

 

لكن هذا المصدر الموثوق سابقاً للطلب على المنتجات الدفاعية الأميركية قد يكون الآن مهدداً، وكثيراً ما أصر ترمب على أن حلفاء الولايات المتحدة يجب أن يعتمدوا في شكل أقل على الولايات المتحدة، ولم تُفض إعلاناته عن الرسوم الجمركية إلا إلى تعزيز هذه الرسالة، فانتقد الرئيس الأميركي الدول الأعضاء الآخرين في حلف شمال الأطلسي لاعتمادها على الإنفاق الدفاعي الأميركي، وطالب اليابان وكوريا الجنوبية بتحمل مزيد من الكُلف لقاء استضافة القوات والقواعد الأميركية في أراضيهما.

أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية والدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي كانت أعلنت عن زيادات كبيرة في موازناتها الدفاعية، والتزم كثير منها بإنفاق بعض هذه الأموال على مشتريات من شركات أميركية، لكن لا ضمان بأن تلتزم جميع هذه الدول بهذا التعهد، فكثير منها تمتلك طموحات لتوسيع قواعدها الصناعية الدفاعية وتروج لزيادة الإنفاق الدفاعي أمام الرأي العام بالقول إن هذه الأموال ستعزز الصناعة المحلية، وعلاوة على ذلك يزيد فرض رسوم جمركية أميركية على صادرات هذه البلدان من ترددها المتزايد في الاعتماد المفرط على إدارة أميركية متقلبة وتتعامل بمنطق الصفقات، فالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي طالما دافع عن ممارسات "شراء المنتجات الأوروبية"، دعا الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى أن يستبدلوا بصواريخ "باتريوت" ومقاتلات "إف-35" الأميركية الصنع صواريخ "إس إيه إم بي/ تي" الفرنسية الإيطالية ومقاتلات "رافال" الفرنسية، وقد بدأت بعض هذه الدول بالفعل بتنفيذ ذلك، فاختارت الدنمارك أخيراً نماذج أوروبية بدلاً من نماذج أميركية لترقية نظام الدفاع الجوي الخاص بها في مقابل 9 مليارات دولار، وألغت إسبانيا خططها لشراء مقاتلات "إف-35" الأميركية وفق موازنة مخصصة مقدارها 7 مليارات دولار، وتبحث الآن عن بدائل أوروبية، وعلاوة على ذلك تقتصر المشتريات الممولة من صندوق الاتحاد الأوروبي الدفاعي الجديد البالغة قيمته 176 مليار دولار على الشركات الأوروبية والشركات القائمة في البلدان التي تربطها اتفاقات أمنية رسمية بالاتحاد الأوروبي، وهي قائمة لا تشمل الولايات المتحدة.

وفي الوقت نفسه تعهد رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر بالاستفادة من فرصة "لا تتكرر إلا مرة واحدة في كل جيل" من خلال توجيه الاستثمارات الدفاعية إلى الوظائف المحلية والنمو الصناعي، وتعتزم اليابان دعم المنتجين المحليين للصواريخ الفرط صوتية والمسيّرات والمقاتلات من خلال زيادة الإنفاق، وتجري مفاوضات لإبرام اتفاق ينص على تبادل المعلومات السرية مع الاتحاد الأوروبي، وتُجري حواراً دفاعياً رسمياً يهدف إلى ربط الصناعة اليابانية بسلاسل الإمداد الدفاعية الأوروبية، وقد أعرب الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونغ عن أمله في أن تصبح صناعة الدفاع "أحد محركات النمو المستقبلية لكوريا".

قد يصعّب الإحباط من سياسات الرسوم الجمركية الأميركية في صفوف الرأي العام الأجنبي استمرار الحلفاء في الإنفاق بكثافة على المنتجات الدفاعية الأميركية، فقد أظهر استطلاع للرأي أجراه "مركز بيو للبحوث" بين يناير (كانون الثاني) وأبريل (نيسان) الماضيين انخفاضاً حاداً في النظرة الإيجابية إلى الولايات المتحدة، تراوح ما بين ثمان نقاط و32 نقطة مئوية في 15 بلداً من أصل 24 بلداً شملها الاستطلاع، وقد أدى الشعور بالخيانة بعد إعلان ترمب الرسوم الجمركية إلى مقاطعة البضائع الأميركية في كندا والهند وأوروبا، ومع رفض الناخبين شراء ويسكي بوربون من "كنتاكي" أو جينز "ليفايز"، فقد تضاعف الحكومات من بحثها عن بدائل لصواريخ "باتريوت" و"توماهوك" ومقاتلات "إف-35" ومروحيات "بلاك هوك".

هناك بالفعل أدلة على أن حلفاء وشركاء الولايات المتحدة يبتعدون منها، ويضع المستشار الألماني فريدريش ميرز هدف تحقيق استقلال عن الولايات المتحدة ضمن أولوياته الدفاعية، ويتركز الحديث في أوروبا بصورة متزايدة على "الاستقلالية الإستراتيجية" للقارة، أما الهند التي تواجه رسوماً جمركية أميركية مرتفعة في صورة خاصة، فقد أوقفت شراء الأسلحة الأميركية بدلاً من تلبية مطلب ترمب بالتخلي عن وارداتها من النفط الروسي، والبرازيل، وهي بلاد أخرى تواجه رسوماً جمركية بنسبة 50 في المئة على صادراتها، فقد امتنعت من المشاركة في التدريبات العسكرية مع الولايات المتحدة خلال سبتمبر (أيلول) الماضي لكنها عززت تمثيلها العسكري في سفارتها لدى بكين هذا العام ليتناسب مع تمثيلها في واشنطن، وتستفيد بكين بالفعل من استياء العالم من تكتيكات ترمب المتشددة، فقبل عام كانت الصين تواجه رد فعل عالمياً عنيفاً بسبب ممارساتها التجارية القسرية ودبلوماسيتها العدوانية، لكن خلال الأشهر القليلة الماضية اتخذ مسؤولون من البرازيل والهند واليابان وكوريا الجنوبية والاتحاد الأوروبي، حين شعروا بالصد أو الإهمال من قبل واشنطن، خطوات بدرجات متفاوتة من النجاح لإصلاح علاقاتهم المتوترة مع الصين.

دور الأصدقاء

هذه فترة خطرة بالنسبة إلى صناعة الدفاع الأميركية، فقد تفقد وصولها المميّز إلى الموردين العالميين وربما إلى المشترين العالميين أيضاً، وتُظهر المعارك الدائرة في ساحات القتال في أوكرانيا وممرات الشحن في البحر الأحمر أن مستقبل الحرب لا يقوم على حاملات الطائرات والدبابات والمدفعية بل على المسيّرات والروبوتات والذكاء الاصطناعي، ولا تنتج الولايات المتحدة هذه المعدات محلياً بكميات كافية بعد، ولا تمتلك آليات شراء مرنة تتيح اقتناءها سريعاً، وبدلاً من ذلك تعتمد البلاد على الصين، أكبر خصم لها، في الحصول على المواد الأولية والمكونات المادية للمسيّرات والروبوتات والجيل التالي من أنظمة الرادار، وعلى الصعيد التكنولوجي تخوض واشنطن منافسة على الهيمنة، وهي منافسة قد تخسرها أمام بكين.

ومع ارتفاع كُلف الإنتاج بسبب الرسوم الجمركية وتراجع جاذبية الاستثمار في الصناعات الأميركية سيغدو من الصعب على الولايات المتحدة أن تحقق في أنماط القتال الجديدة الميزة نفسها التي كانت تتمتع بها في أنماط القتال التقليدية، ولا تستطيع شركات الدفاع الأميركية ببساطة إعادة سلاسل الإمداد الخاصة بها إلى الداخل، فحتى الشركات التي تعمل بموجب عقود حكومية تحتاج إلى نطاق الإنتاج والأرباح التي تتيحها التجارة الدولية لضمان استدامة أعمالها، كما تحتاج هذه الشركات إلى الوصول لأحدث الابتكارات، وغالبيتها تأتي من الخارج، وقد أصبحت الصين بالفعل منافساً موازياً للولايات المتحدة في الأسلحة الفرط صوتية وأنظمة الدفاع الجوي المتكاملة والأدوات الإلكترونية والقدرات الفضائية، ولا تستطيع الولايات المتحدة بمفردها مجاراة الوتيرة والحجم اللذين حققتهما الصين، ولن يتحقق ذلك إلا إذا دمجت الجهود الأميركية الابتكار والمعرفة التقنية في الإنتاج لدى حلفائها، بما في ذلك اليابان وكوريا الجنوبية وبلدان أوروبا.

 

ثمة مجال لزيادة الإنتاج المحلي لضمان حصول الولايات المتحدة على المعدات التي تحتاج إليها للدفاع عن نفسها، وهناك أسباب وجيهة لتطهير سلسلة الإمداد الدفاعية الحيوية من أعداء الولايات المتحدة، لكن الرسوم الجمركية الشاملة تجعل هذه المهمات أكثر صعوبة لا أسهل، ولو تحولت واشنطن إلى فرض رسوم جمركية محددة الأهداف تركز فقط على الصناعات والمدخلات الإستراتيجية، فإنها ستشجع التصنيع الأكثر أهمية للأمن القومي من دون تكبد كُلف غير ضرورية، ومن خلال تقليص الرسوم الجمركية أو إلغائها بالنسبة إلى البلدان التي تثق بها، وإعطاء "التصنيع مع الأصدقاء" فرصة حقيقية في إطار إستراتيجية أوسع لتنشيط الصناعات الرئيسة، فيمكن لواشنطن أن تجني مكاسب من التنويع الجغرافي والوصول إلى أسواق وابتكارات جديدة.

يجب أن تتضمن هذه الإستراتيجية جزءاً يعتمد على الإعانات الأميركية، وهو أمر يكتسب أهمية خاصة في الصناعات التي فشلت فيها الأسواق مثل صناعة البطاريات، فقد أدت الإعانات الصينية إلى توسع طاقة تصنيع البطاريات إلى مستوى يفوق الطلب العالمي بكثير، وتصبح الإعانات أكثر أهمية أيضاً في الصناعات المعرضة للتلاعب مثل تكرير المعادن ومعالجتها، وتتمتع الصين بهيمنة كبيرة في هذه المجالات تمكنها من افتعال نقص عالمي أو إغراق الأسواق بما يكفي لدفع الشركات الأجنبية نحو الإفلاس، وقد حققت الحكومة الأميركية نجاحاً في استخدام الإعانات لجذب الاستثمارات الخاصة، فالقروض والمنح التي بلغت مليارات الدولارات وُجهت خلال الأعوام الأخيرة إلى شركات تصنيع أشباه الموصلات، وهو ما أسهم في توسيع الطاقة الإنتاجية الأميركية وتقليل اعتماد البلاد على التصنيع المركّز في تايوان، وفي اتفاق وُقع في يوليو (تموز) الماضي مع شركة "إم بي ماتيريالز" المتخصصة في المعادن النادرة، حددت الحكومة سعراً أدنى للمعادن المستخرجة محلياً والتزمت الشركة ببناء مصنع لإنتاج العناصر النادرة، وهو ما سيقلل اعتماد الولايات المتحدة على الصين عند بدء تشغيله عام 2028.

يجب أن تُوجه النفقات المستقبلية نحو تحفيز الإنتاج الحيوي وإنشاء شركات قابلة للاستمرار على المدى الطويل، ولا ينبغي أن يقتصر المستفيدون المحتملون من الإعانات على الشركات الأميركية أو العمليات الموجودة داخل الولايات المتحدة، بل يجب على واشنطن أن تستخدم الإعانات لتنويع الموردين في الصناعات الحيوية وتنويع المناطق التي ينتمون إليها مع تعزيز الوصول إلى التكنولوجيات والابتكارات من الدول الصديقة، وينبغي أن يبدأ تعزيز سلاسل الإمداد الدولية للمعادن الحيوية بجهد لإحياء شراكة أمن المعادن التي أُنشئت عام 2022 وتضم أكثر من 10 حلفاء وشركاء لتسهيل المشاريع الدولية في هذا القطاع وتوفير التمويل اللازم لها، كما ينبغي للكونغرس تمرير قانون أمن المعادن الحيوية لتوجيه الحكومة الأميركية إلى العمل مع الحلفاء في مجالات التعدين والتكرير والمعالجة وإعادة التدوير للمدخلات الدفاعية الحيوية، وبالمثل يجب على الولايات المتحدة حماية الاتفاقات القائمة مع الحلفاء مثل "اتفاق أوكوس" بهدف الإنتاج المشترك للأسلحة والمعدات الدفاعية، والسعي إلى عقد اتفاقات جديدة على النهج ذاته.

ولا ينبغي أن يكون فتح باب التمويل أمام الآخرين على حساب الشركات والمتعاقدين الأميركيين، فالدبلوماسية تبقى الأساس ويمكن لاتفاق أمني رسمي مع الاتحاد الأوروبي أن يجعل المتعاقدين الأميركيين مؤهلين للتنافس على العقود العامة الممولة من صندوق الدفاع الأوروبي الجديد، وبالمثل يمكن للاتفاقات مع حلفاء آخرين أن تتيح فرصاً مشابهة لمتعاقدي الدفاع الأميركيين، فيما تسمح الاتفاقات التقنية التي تضمن قابلية التشغيل البيني للمعدات بأن يحصل الموردون الأميركيون على عقود صيانة لدى جيوش أجنبية، وعلى عقود لتحديث المنصات مستقبلاً، وإن بناء قاعدة صناعية دفاعية أميركية وقواعد صناعية دفاعية لدى الحلفاء في الوقت نفسه، بما يجعلها مكملة لبعضها بدلاً من متنافسة، سيعزز القدرة على تنسيق الجيوش بصورة أفضل وسيعود أيضاً بمكاسب تجارية.

وأخيراً تحتاج الولايات المتحدة إلى سلاسل إمداد آمنة، وهو ما يتطلب منها تشجيع التصنيع عبر الحدود مع البلدان التي يمكنها الاعتماد عليها بدلاً من فرض الرسوم الشاملة التي ترفع الأسعار المحلية وتُبعد الشركاء الأجانب، فالعزل التجاري يقود إلى مزيد من التضخم وإبطاء الابتكار والنمو، ويجعل المصنعين الأميركيين أقل قدرة على المنافسة في الأسواق العالمية، وفي النهاية سيؤدي هذا المسار إلى إضعاف ثروة الولايات المتحدة، ولا تقل كُلف الحمائية الأمنية خطورة، إذ سيفقد موردو الدفاع الأميركيون كثيراً من مزاياهم التنافسية مع انهيار العقود الأجنبية وظهور منافسين أجانب يُنظر إليهم على أنهم خيارات جيوسياسية أكثر موثوقية، وليس تقلص صناعة الدفاع الأميركية مجرد ضربة اقتصادية بل إنه يقوض قدرة الولايات المتحدة على نشر جيش عالي الكفاءة وتجهيزه، وفي تصوّر إدارة ترمب القائم على التمني قد يبدو بناء "أميركا الحصينة" وسيلة لحماية ثروة البلاد وتعزيز دفاعاتها، لكن الواقع هو أن التخلي عن شركاء الولايات المتحدة سيُضعف مصادر قوتها.

 

مترجم عن "فورين أفيرز" نوفمبر (تشرين الثاني)/ ديسمبر (كانون الأول) 2025

شانون ك. أونيل هي نائبة الرئيس الأولى ومديرة الدراسات، ورئيسة كرسي موريس ر. غرينبرغ في مجلس العلاقات الخارجية، ومؤلفة كتاب "أسطورة العولمة: لماذا المناطق مهمة".

اقرأ المزيد

المزيد من آراء