ملخص
تصاعدت أعمال العنف في الضفة الغربية مع توثيق إعدام فلسطينيين على يد الجيش الإسرائيلي، وسط تحذيرات دولية من هجمات المستوطنين وتفاقم الانتهاكات، مما يكشف عن فشل خطط السلام ويؤكد الحاجة إلى محاسبة المسؤولين وضمان حماية المدنيين وفق القانون الدولي.
المشاهد التي تظهر قوات الأمن الإسرائيلية وهي تعدم فلسطينيين، وفيما يبدو بصورة فورية، تشكل إدانة حاسمة وتثير استنكاراً شديداً
في الفيديو القصير الذي عرض للمرة الأولى على قناة تلفزيونية مصرية، يخرج رجلان فلسطينيان أعزلان كما يبدو، من مبنى مدمر جزئياً رافعين أيديهما فوق رأسيهما، ثم يأمرهما عدد من عناصر من القوات بالانبطاح.
بعد ذلك، يطلق الجنود النار عليهما من مسافة قصيرة فيرديانهما قتيلين. حصل ذلك بعد ظهر يوم الخميس الماضي، خلال اقتحام الجيش الإسرائيلي وحرس الحدود لمدينة جنين في الضفة الغربية المحتلة.
ونشرت المجموعة الحقوقية الإسرائيلية "بتسيلم" اسمي الرجلين، وهما يوسف عصاعصة (39 سنة) ومنتصر بالله عبد الله (26 سنة)، مضيفة أنهما كانا يسلمان نفسيهما ولم يشكلا أي خطر ظاهرياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقد زعم الجيش الإسرائيلي من جهته أن الشخصين كانا "مطلوبين"، ومرتبطين "بشبكة إرهابية" لم يكشف عن اسمها.
وكتب الجيش "بعد خروج المشتبه بهما، أطلقت النيران تجاههما"، مضيفاً أن "الحادثة قيد التحقيق من القادة الميدانيين".
لكن عملية القتل السافرة، التي التقطتها عدسات الكاميرات، دفعت شركة البث العام الإسرائيلية "كان" إلى الإفادة بأن رئيس الأركان العامة الإسرائيلي إيال زامير حتى قد طلب "بتحقيق عاجل" في الحادثة.
كما أفادت "كان" أن الجنود قالوا إنهم كانوا ينفذون الأوامر، لذلك يبدو أنها ليست حادثة معزولة، ولا يرجح أنها كانت "خطأ" عملياتياً.
وهذا من أوضح الفيديوهات التي تبين تصاعد وتيرة العنف وتفشي انتهاكات القانون الدولي على يد القوات الإسرائيلية، وهو عنف عملت مجموعات حقوقية إسرائيلية وفلسطينية ودولية محترمة على توثيقه والتحذير منه منذ اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023.
أكثر من ألف شخص من بينهم عدد كبير من المواطنين الأجانب، لقوا حتفهم في الضفة الغربية على يد القوات الإسرائيلية أو المستوطنين الإسرائيليين خلال السنتين الماضيتين، بحسب الأمم المتحدة.
وقد بلغت حصيلة القتلى درجة من الارتفاع دفعت المجموعات الحقوقية إلى اعتبار السنتين الماضيتين أكثر الفترات دموية التي تعيشها المنطقة، منذ احتلال إسرائيل لهذه الأراضي للمرة الأولى في عام 1967، أي منذ ما يقارب 60 عاماً.
وسبق للقوات الإسرائيلية أن اقتحمت أربع مخيمات للاجئين، وأفرغتها من سكانها، وهي جنين ونور شمس وطولكرم والفارعة، فهجرت أكثر من 40 ألف شخص قسراً من منازلهم في فبراير (شباط) الماضي.
وقالت المديرة التنفيذية في "بتسيلم" يولي نوفاك إن عمليتي الإعدام الأخيرتين، كما في أعمال العنف والقتل الأخرى، تأتي "نتيجة عملية تسريع تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم وتخلي النظام الإسرائيلي التام عن إجراء الحماية لحياتهم".
وأضافت "ليس في إسرائيل أية آلية يمكنها وقف قتل الفلسطينيين أو محاكمة المسؤولين" (عن القتل)، وحثت المجتمع الدولي على التدخل.
وهذا فشل جديد، لم يرد في "خطة السلام" التي وضعها دونالد ترمب لغزة وحظيت بإشادة واسعة أي ذكر للضفة الغربية المحتلة، مع أن هذا المستوى الحاد من العنف يقع بالتزامن مع المقتلة في غزة، التي أسفر القصف الإسرائيلي غير المسبوق عليها عن مقتل نحو 70 ألف فلسطيني، وفق مسؤولي الصحة الفلسطينيين.
وحتى في غزة، التي جرى التصديق على اتفاق ترمب حولها في أكتوبر (تشرين الأول)، واعتبر أنه فجر سلام جديد للمنطقة، أفادت السلطات الصحية الفلسطينية هذا الأسبوع بمقتل أكثر من 340 فلسطينياً فيما تواصل إسرائيل قصف بعض أجزاء القطاع المحاصر واقتحامها.
وبما أن الضفة الغربية غير مذكورة في الاتفاق، تستمر الاقتحامات العسكرية فيها، وينتج منها - كما بين هذا الفيديو - عمليات إعدام ميدانية.
لكن العنف لا يقتصر على أعضاء القوات الأمنية وحدهم.
أصدرت المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وإيطاليا يوم الخميس الماضي بياناً مشتركاً يدق ناقوس الخطر، محذراً من التصاعد الضخم والقاتل في أعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون في حق الفلسطينيين، وهي أعمال كرر شهود العيان على مسامعي أنها تحدث تحت أنظار قوات الأمن.
يذكر أن إسرائيل استولت على الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة في حرب الأيام الستة عام 1967، وقد اعتبرت محكمة العدل الدولية احتلالها لهذه الأراضي غير قانوني ومخالف لحق الفلسطينيين بتقرير مصيرهم وإقامة دولتهم.
ومنذ ذلك الحين، أقامت إسرائيل مستوطنات على هذه الأراضي، ووسعتها لدرجة أن الضفة الغربية تؤوي حالياً أكثر من 500 ألف مستوطن إسرائيلي.
منذ الهجمات القاتلة التي شنتها "حماس" على جنوب إسرائيل يوم السابع من أكتوبر 2023، سلحت الدولة عدداً كبيراً من المستوطنين وجندتهم ضمن قوات أطلقت عليها اسم وحدات الدفاع الإقليمية، وهي قوات تقول المجموعات الحقوقية الدولية والإسرائيلية والفلسطينية إنها تصبح أكثر وقاحة وعنفاً كل يوم.
وقالت المملكة المتحدة وحلفاؤها يوم الخميس الماضي إن عدد الهجمات بلغ "مستويات جديدة"، فقد وقع 264 هجوماً في أكتوبر وفقاً لمكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية الذي اعتبر أن "هذا أكبر عدد من هجمات المستوطنين خلال شهر واحد، منذ بدأت الأمم المتحدة بتسجيل هذه الاعتداءات عام 2006".
وأضاف البيان "ندعو نحن، وزراء فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة، حكومة إسرائيل إلى الالتزام بواجباتها بموجب القانون الدولي وحماية السكان الفلسطينيين في الأراضي المحتلة".
فرضت المملكة المتحدة عقوبات على بعض المستوطنين.
قال متحدث باسم "بتسيلم" لـ"اندبندنت" سابقاً إن الجيش الإسرائيلي لا يكتفي بتأييد سلوك المستوطنين العنيف، بل إن المستوطنين أنفسهم لديهم قدرة على الوصول إلى أسلحة تعطيهم إياها الدولة، وهم "فعلياً جزء من الجيش الآن".
وأضاف المتحدث في ذلك الوقت أنهم "يتمتعون بحصانة تامة".
ومن أوضح الأمثلة على ذلك الحادثة التي وقعت في يوليو (تموز) في أم الخير، التابعة لمسافر يطا والواقعة جنوب الضفة الغربية المحتلة. صور الفيلم الوثائقي "لا أرض أخرى"، الحائز على جائزة الأوسكار، المحنة التي يعيشها سكان تلك المنطقة، إذ يتعرضون إلى هجمات متواصلة من المستوطنين.
وفي ذلك المكان، صور الناشط الفلسطيني عودة الهذالين، وعمره 31 سنة، الذي عمل على الوثائقي، عملية قتله شخصياً على يد المستوطن يانون ليفي الذي فرضت عليه المملكة المتحدة عقوبات.
على رغم وجود الفيديو وعدة شهود عيان فلسطينيين وأجانب، وضع ليفي قيد الإقامة الجبرية لفترة وجيزة قبل أن يطلق سراحه. ومنذ ذلك الوقت، التقطته الكاميرات عدة مرات وهو يواصل الاعتداء على العائلات في أم الخير.
لا يمكن أن يحل "السلام" بأعجوبة في فلسطين أو إسرائيل أو المنطقة إن كان من الممكن أن تستمر أعمال العنف الوحشية هذه من دون عقاب، بل وتتحول إلى أمور اعتيادية.
من أجل التوصل إلى اتفاق سلام فعلي لوقف إطلاق النار، يجب أن تتضمن أية صيغة لهذا الاتفاق الضفة الغربية المحتلة.
ويجب أن يحاسب المسؤولون عن انتهاكات القانون الدولي، لكي يسود السلام والأمن بطريقة عادلة للجميع.
© The Independent