ملخص
جراء الحصار التجاري تتزايد المخاوف من تحول حياة السكان العالقين في مناطق سيطرة "الدعم السريع" إلى جحيم والانزلاق لظروف جوع كارثية، بعد حرمانهم من الحصول على المواد الأساسية خصوصاً الدقيق والرز والبصل والزيوت، وكذلك توقف صادرات المواشي وحركة الأسواق.
على رغم من تفاقم الوضع الغذائي في السودان الذي بلغ درجة المجاعة، قامت السلطات في شمال البلاد بخطوة تصعيدية مفاجئة منعت فيها حركة وعبور السلع الغذائية والبضائع، إلى مناطق سيطرة قوات "الدعم السريع"، مما فاقم الأوضاع المعيشية لسكان ولايات دارفور الخمس وبعض المناطق في إقليم كردفان، فضلاً عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والأدوية بمعدلات كبيرة وبوتيرة سريعة، إضافة إلى التأثير بقطاع النقل وعرقلة الأعمال التجارية مع غرب السودان.
جراء هذه الأوضاع تتزايد المخاوف من تحول حياة السكان العالقين في مناطق سيطرة "الدعم السريع" إلى جحيم والانزلاق لظروف جوع كارثية، بعد حرمانهم من الحصول على المواد الأساسية بخاصة الدقيق والرز والبصل والزيوت، وكذلك توقف صادرات المواشي وحركة الأسواق.
تعقيدات وتهديد
إلى ذلك حدد القرار الصادر من سلطات الولاية الشمالية السلع المحظور حركتها من المواد الغذائية والبضائع بأنواعها.
وتوعد القرار المخالفين بعقوبات رادعة تصل إلى حد السجن لمدة لا تقل عن خمسة أعوام والغرامة نحو 10 ملايين جنيه سوداني (16.63 ألف دولار)، وفي حال عدم السداد السجن ستة أشهر، وكذلك الحجز ومصادرة السلع المضبوطة لمصلحة الولاية الشمالية.
وبات عبور السلع الغذائية والبضائع والأدوية المنقذة للحياة إلى ولايات دارفور الخمس وبعض المناطق في إقليم كردفان أكثر صعوبة وتعقيداً نظراً إلى سيطرة سلطات الولاية الشمالية على الطرق التي تربط بين غرب وشمال السودان.
بوادر أزمة
يقول المواطن السوداني محمد صالح الذي يسكن مدينة نيالا عاصمة ولاية جنوب دارفور، إن "هناك بوادر أزمة غذاء بدأت تظهر في الإقليم بسبب ندرة السلع واستغلال التجار الظروف الحالية لرفع الأسعار لأعلى معدل إلى جانب احتكار البضائع وتخزينها لإحداث ندرة في الأسواق، ومن ثم بيعها بمبالغ خيالية".
وأضاف المتحدث قائلاً، "لا ندري ماذا سيحدث بعد نفاد المواد الغذائية من المحال التجارية، صحيح هناك انفراج طفيف في توفر بعضها، لكن أسعارها تضاعفت بصورة غير مسبوقة، خصوصاً البصل والسكر والدقيق والرز والعدس والزيوت".
وأوضح صالح أن "قرار سلطات الولاية الشمالية أسهم في تقييد حركة التجارة وإضعاف النشاط وتوقف إمدادات السلع، مما أدى إلى تفاقم الأوضاع وعدم وصول المواد الغذائية لسكان ولايات دارفور الخمس".
تفاقم المعاناة
في السياق أشار التاجر الفاضل يعقوب الذي يعمل في سوق مدينة الضعين شرق دارفور إلى أن "منع وحظر حركة عبور السلع الغذائية والبضائع، إضافة إلى الأدوية المنقذة للحياة من شمال السودان إلى مناطق سيطرة ’الدعم السريع‘ يعد قراراً كارثياً لأنه يفتقر إلى عاملين أساسين، هما الجانبان الأخلاقي والإنساني، ويمضي في اتجاه محاولة التحكم والضغط الاقتصادي لتحقيق أهداف عسكرية".
ونوه التاجر بأن "هذا الإجراء يسهم في توقف التبادل التجاري بين مدن البلاد والوصول إلى الأسواق، ويلحق أضراراً وخسائر بالغة بآلاف المواطنين والتجار، ويفاقم مصاعب ومعاناة الفقراء وذوي الدخل المحدود".
ولفت يعقوب إلى "وجود أسواق استيراد بديلة من دول تشاد وليبيا وجنوب السودان، لكنها تقتصر على السجائر والوقود، فضلاً عن بعض المواد الغذائية، منها البسكويت والبن، وتنقل عبر سيارات صغيرة لا تغطي حاجة الإقليم".
وتابع التاجر السوداني، "أدخلت أصنافاً جديدة وغير معهودة من البضائع إلى الأسواق خصوصاً المعكرونة والرز، وهي مواد غذائية ثانوية في إقليم دارفور، إذ يعتمد السكان على الدقيق والسكر وملح الطعام في تجهيز الوجبات اليومية".
انعدام الدواء
بدوره يشير صاحب إحدى الصيدليات في مدينة الجنينة عاصمة ولاية غرب دارفور التجاني الناظر إلى أن "فترة أسبوع واحد من توقف التبادل التجاري بين شمال وغرب البلاد أسهمت في أزمة نقص حاد طاولت عشرات الأصناف من الأدوية، في وقت تتفشى فيه الأمراض بمناطق عدة في الإقليم، إذ استقبلت المستشفيات مئات الحالات في ظل انعدام الدواء".
ونوه الناظر بأن نفاد العلاجات طال أصنافاً ضرورية مثل المحاليل الوريدية والمسكنات والأنسولين، مما فاقم من معاناة المرضى، وبات المواطنون يائسين من زوال الأوجاع والأمراض ويخشون الموت في أي لحظة".
وأردف المتحدث قائلاً، "المرضى يمكن أن يتحملوا الألم وغياب الكوادر الطبية، لكن الأدوية تعد من أساسيات التعافي، واستمرار الأوضاع على هذه الحال يسهم في ارتفاع معدلات الوفيات بصورة غير مسبوقة".
رفض ومطالبات
على الصعيد نفسه، أعرب "حزب الأمة القومي" عن رفضه القرارات المتبادلة التي صدرت، أخيراً، لمنع وحظر حركة البضائع بين الولاية الشمالية والمناطق الواقعة تحت سيطرة قوات "الدعم السريع" في دارفور وكردفان.
وأشار الحزب في بيان إلى أن هذه القرارات تستهدف المواطنين بصورة مباشرة وتفرض حصاراً اقتصادياً متعمداً على سكان غرب السودان، بخاصة ولايات كردفان التي لا تمتلك منافذ بديلة لتأمين السلع الأساسية.
وأكد الحزب أن هذه الإجراءات تعكس استخدام أطراف الحرب للاقتصاد كسلاح سياسي وعسكري، مما يزيد معاناة المدنيين الذين يعيشون ظروفاً إنسانية بالغة القسوة في ظل غياب أي جهود لتوفير بدائل أو حلول تخفف من آثارها.
وأشار البيان إلى أن "الولاية الشمالية باتت منذ اندلاع الحرب شرياناً اقتصادياً رئيساً يربط البلاد بالتجارة من مصر وميناء بورتسودان"، لافتاً إلى أن القرارات الأخيرة تعطل حركة التجارة، وتعمق حال الشلل الاقتصادي، وتفاقم الأوضاع المعيشية في أنحاء البلاد كافة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ودعا حزب الأمة القومي الأطراف المعنية إلى إلغاء هذه القرارات فوراً وفتح حركة التجارة بين ولايات السودان كافة من دون قيود لتخفيف معاناة المواطنين، كما طالب المنظمات الإنسانية والإغاثية إلى مراقبة هذه الانتهاكات الاقتصادية التي تستخدم كسلاح ضد المدنيين والضغط من أجل وقف تحويل قوت الناس ومعيشتهم إلى أدوات للصراع".
سياسة حصار
على نحو متصل، أوضح الباحث الاقتصادي صديق جمال أن "الخطوة متسرعة وغير مدروسة وتمس سكان ولايات دارفور الخمس وبعض مناطق إقليم كردفان في معيشتهم وأعمالهم الرئيسة، مما ينذر بكارثة إنسانية ومعيشية خصوصاً في ظل أزمة الغذاء والدواء".
وأضاف الباحث الاقتصادي، أن "قرار السلطات في شمال السودان يمثل سياسة حصار مكشوفة القصد منها وضع المدنيين أمام خياري الجوع والخوف، في وقت ينادي فيه العالم بفتح الممرات الإنسانية وإعلان هدنة تسمح بوصول الغذاء والدواء للمتضررين".
واعتبر، جمال أن "القرار سيضر بالتجار والمواطنين أكثر منه بالاقتصاد السوداني، باعتبار أن الحرب الطويلة جعلت حركة السلع بين شمال وغرب السودان، على رغم أهميتها الاقتصادية، تعاني صعوبات كبيرة في الوصول إلى الأسواق والتصدير، مما أضعف أثر منتجات تلك الأقاليم في الاقتصاد الوطني".
توقف النقل
في غضون ذلك تأثر قطاع النقل بصورة كبيرة نتيجة القرار، إذ تعطلت حركة الشاحنات والتجارة من شمال السودان إلى ولايات دارفور الخمس وبعض مناطق إقليم كردفان.
يوضح هاشم موسى، وهو سائق إحدى الشاحنات، أن الأوضاع تسير نحو الأسوأ، خصوصاً بعد إرجاع شاحنات عدة محملة بالسلع الغذائية والبضائع أثناء توجهها إلى مدن الضعين ومليط والنهود التي يسيطر عليها "الدعم السريع".
وأضاف، موسى أن "تداعيات القرار باتت كارثية على أصحاب الشاحنات والمركبات، إذ توقف عملهم بصورة رسمية، مما أدى إلى تعطل حركة نقل إمدادات البضائع والسلع الضرورية من الولاية الشمالية إلى أقاليم كردفان ودارفور".
الدعم يمنع المحاصيل والمعادن
وفي نوفمبر (تشرين الثاني) العام الماضي منعت قوات "الدعم السريع" عبور المحاصيل الزراعية والمعادن الاستراتيجية وسلع أخرى، وكذلك المواشي، إلى مناطق سيطرة الجيش السوداني.
وحدد القرار الصادر من المجلس الاستشاري لقوات "الدعم السريع" السلع المحظور حركتها من الذهب والصمغ العربي بأنواعه وزيوت الطعام والسمسم والدخان والذرة الرفيعة والكركديه والويكة (البامية المجففة) والتمباك (مضغة للكيف) إلى جانب المواشي على أنواعها من أبقار وماعز وضأن، وتوعد القرار المخالفين بعقوبات رادعة تصل حد الحجز ومصادرة السلع المضبوطة لمصلحة تلك القوات.