ملخص
قدمت فرقة "جوقة المسرح" السعودية عرضها المسرحي "مزاد عاطفي" في مسابقة المونودراما ضمن مهرجان "شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي"، وحصلت ممثلته أفنان الخضر على جائزة لجنة التحكيم الخاصة عن أدائها التمثيلي.
في عرض المونودراما "مزاد عاطفي" لفرقة "جوقة المسرح" السعودية ربما تتشابه الحكاية مع غيرها من الحكايات، التي تكون المرأة فيها ضحية للعادات والتقاليد ونظرة المجتمع القاصرة إليها. تتكرر الحكايات في عالمنا العربي وتتشابه، لكن المهم هنا كيف نصوغ هذه الحكاية أو تلك، درامياً، ونقدمها عبر لغة مسرحية تجدد طاقتها وتجعل منها أصلاً لا صورة مستنسخة.
فرقة "جوقة المسرح" كما جاء في التعريف بها، تأسست في الرياض عام 2021 بقيادة المخرج تركي باعيسى وقدمت حتى الآن أكثر من 20 مسرحية تجاوزت عروضها 120 ليلة، وتنوعت ما بين المسارح التقليدية والفضاءات العامة مثل الشوارع والساحات والأسواق. وعلى رغم حداثة مسيرتها فقد حققت أكثر من 20 جائزة محلية ودولية، إلى جانب مشاركات أوروبية وعربية عززت حضورها داخل المشهد المسرحي، وارتبط نجاحها برؤية السعودية 2030 وما وفرته من دعم مؤسسي عبر جمعية "هاوي" التابعة لبرنامج جودة الحياة، وهيئة المسرح والفنون الأدائية التابعة لوزارة الثقافة.
اتهام بالجنون
من النص من كتابة علي القرشي، وفاز من قبل بالمركز الثاني في مسابقة التأليف المسرحي من تنظيم هيئة المسرح والفنون الأدائية السعودية عام 2024، يحكي قصة فتاة تزوجت رجلاً لمدة 10 أعوام، لم تستطع خلالها الإنجاب بعد محاولات عدة مع الأطباء لينتهي الأمر بهجر زوجها لها نفسياً وجسدياً وانصرافه عنها تماماً، مستبدلاً بها مكتبته التي يمضي بها غالب أوقاته حد أنها كرهت الكتب والمكتبة، فضلاً عن كراهيتها للزوج وصدمتها فيه لتصر على طلب الطلاق في النهاية، وسط اتهامها من قبل الأهل وجيران الحي بالجنون، فكيف لامرأة تثور على وضعها وتطلب الطلاق في وسط محافظ، يرفض فكرة وجود امرأة مطلقة أياً كانت أسباب الطلاق.
تلتقي الفتاة برجل آخر وتنشأ بينهما قصة حب تظن أنه ملاذها الأخير، وبخاصة أن الطريقة التي تعامل بها المطلقة في مجتمعاتنا العربية تمثل ضغطاً نفسياً رهيباً على المرأة، ويرصد الجميع حركاتها وسكناتها مما يدفعها إلى البحث عن ملاذ آمن تمثل هنا في الزواج مرة أخرى، تخوض تجربة الزواج مجدداً على أمل تعويض ما فاتها وممارسة حقها في الحياة وتحقيق ذاتها ككاتبة، لكنها تكتشف بمرور الوقت أن الزوج رجل مخادع وأناني، وليس من أولئك الذين تأمن لهم امرأة تبحث عن ذاتها. روت له حكايتها التي ترغب في تضمينها رواية بعنوان" مزاد عاطفي" شجعها على المضي في الكتابة، لكنها فوجئت به يسرق أوراق الرواية ويصدرها باسمه، وكأنه استكثر عليها أن تكون كاتبة متحققة، أو كأنه يرفض حتى في لا وعيه أن تتفوق عليه لتكتمل مأساتها وغربتها.
المرأة الضحيةصرخ
هذه هي الحكاية التي قد نصادفها كثيراً، بصورة أو بأخرى، حكاية تكون الأنثى فيها هي الضحية وهي المتهمة دائماً وسط مجتمع لا يرحم ولا ينتصر سوى للرجل، لكن الأنثى هنا تثور على هذه الأوضاع المزرية بعدما امتلكت وعياً بذاتها وبقدرتها على تحديد مصيرها، والانعتاق من وطأة التقاليد المجتمعية البالية التي تضعها دائماً في مكانة أدنى، وترفض أن يكون لها رأي أو موقف.
العرض شارك أخيراً في مسابقة المونودراما بمهرجان شرم الشيخ الدولي للمسرح الشبابي، تنفيذ وتصميم الإضاءة والمعالجة الدرامية والإخراج (تركي باعيسى) وبطولة أفنان الخضر التي توجت بجائزة لجنة التحكيم الخاصة في الأداء التمثيلي، وهي الجائزة التي تقدم باسم بلدية ظفار العمانية.
استحقت أفنان الخضر جائزتها عن جدارة، فعلى رغم أنها المرة الأولى لها في تقديم المونودراما بدت ممتلكة لأدواتها وواعية بطبيعة الشخصية التي تقدمها وعارفة بأزمتها ودوافعها، ومؤمنة بالقضية التي يعالجها النص، والأهم من ذلك كله الجرأة التي امتلكتها في مواجهة الجمهور، بل والنزول إلى صالة العرض والدخول في حوار معه وهي جرأة تحتاج إلى أعوام من الخبرة، لكن الممثلة اختزلتها بوعيها وإيمانها بقضيتها، وكذلك بقدرتها على تجسيدها عبر أداءات متنوعة ما بين الحزن والفرح والدهشة وخيبة الأمل، وما بين التراجيديا والكوميديا والقدرة على تقمص الشخصيات المستدعاة، سواء نسائية أو رجالية، والخروج من شخصية والدخول في أخرى بنعومة ويسر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أدرك المخرج تركي باعيسى ما يمكن أن تحدثه المونودراما من ملل، إذا هي سارت على نغمة واحدة وإذا لم تنوع الممثلة في أداءاتها، فحرص على رسم خطوط حركة تناسب الحالة التي تُجسد من ناحية، ومن ناحية أخرى تستغل الفضاء المسرحي بصورة جيدة، سواء في العمق أو في جانبي المسرح وحتى صالة الجمهور، وهو ما منح العرض حيوية وطزاجة وأدى إلى تجاوب الجمهور معه.
صاغ المخرج فضاءه بصورة جيدة، يمين ويسار الخشبة مكتبتان، وفي العمق منصة تستخدمها الممثلة سواء للتحدث إلى الجمهور أو لتبديل ملابسها بالوقوف خلفها، وتقوم بإدارة هذه المكتبة أو تلك لتحدث نقلة مكانية في سهولة ويسر من دون أن يتأثر إيقاع العرض، وبخاصة أن عنصر الإضاءة (تصميم المخرج) استجاب بصورة منضبطة للتحولات المكانية والزمانية والتعبير عن الحالة، وكذلك عنصر الموسيقى (إعداد نواف عبدالهادي) الذي أسهم في تعميق الحالة ومنحها القدرة على التأثير في وعي المشاهد.
استجابة الجمهور
في أحد مشاهد العرض، تهبط الممثلة إلى صالة الجمهور لتشاركه قصتها، لكن العتمة تسود المكان، إذ تختفي الإضاءة تماماً، فتذكر أن المخرج بما أنه رجل هو الآخر يريد التعتيم عليها ومنعها من سرد قصتها، وتستخدم إضاءة ذاتية (كشاف محمول) وكأنها تقول إن هناك حلولاً بيد المرأة متى أغرقوها في الظلام، وتدعو الجمهور إلى مطالبة المخرج بالإضاءة عليها وتمكينها من إكمال سرديتها في إضاءة أكثر بروزاً، فيستجيب المخرج تحت إلحاح الممثلة وجمهورها، وهو مشهد في ظني ليس مجانياً أو خارجاً عن السياق الدرامي للعرض، بل إنه يؤكده في دلالة على ما تعانيه المرأة من إقصاء واضطهاد، ورغبة الرجل في إزاحتها، وما استجابة الجمهور لدعوتها إلا دليل على توحده معها ووقوفه إلى صفها، لتحقق نصرها في النهاية.
عرض "مزاد عاطفي" امتاز بوعيه في التفرقة بين الخطاب الإنشائي المباشر والخشن، وبين التعبير عن هذا الخطاب بالصورة والحركة والإيماءة والضوء والأداء التمثيلي الذي جاء على درجة طيبة من النضج، على رغم حداثة صاحبته بهذا اللون الصعب من التمثيل الذي لا يمنح مفاتيحه سوى لممثل موهوب، يمتلك حضوراً ويجيد المخرج توظيف قدراته.