Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا تزدهر الانقلابات العسكرية في أفريقيا؟

أنتجت حالة من عدم الاستقرار السياسي الشامل وانتشاراً للصراعات المسلحة

النيجر أحدث حلقة في سلسلة الانقلابات العسكرية بالقارة السمراء (أ ف ب)

ملخص

الانقلابات العسكرية وممارسات الحكم الديمقراطي الشكلي في أفريقيا أنتجا حالة من عدم الاستقرار السياسي الشامل في القارة وانتشاراً للصراعات المسلحة

إحصائياً يبدو عدد الانقلابات العسكرية في أفريقيا مضاعفاً لعدد دولها إذ جرى نحو 100 انقلاب عسكري في دول الاستقلال الوطني الأفريقي، خلال نصف القرن الماضي، بل إن بعض دول القارة السمراء لم تعرف طريقاً لتغيير السلطة فيها سوى عبر انقلاب.

وربما هذا ما جعل الاتحاد الأفريقي يتحرك على المستوى القاري في أوقات ارتفاع معدلات الانقلابات العسكرية أي خلال تسعينيات القرن الماضي وأيضاً خلال عام 2021، حينما شهدت القارة ربيعاً جديداً للانقلابات العسكرية إذ جرى خلال ثلاث سنوات سبعة انقلابات في منطقة وسط أفريقيا فقط انطلاقاً من مالي مروراً ببوركينا فاسو والسودان وغينيا.

قبل ذلك تبلورت جهود الاتحاد الأفريقي في تدشين "بروتوكول لومي" عام 2002، الذي وقعت عليه غالبية الدول الأفريقية وأتاح للاتحاد قدرة على اتخاذ إجراءات عقابية ضد السلطات الانقلابية، مثل تجميد أنشطة الدولة في الاتحاد والتواصل مع المحيطين الإقليمي والدولي في شأن حصار السلطات المنقلبة على الصعيد الاقتصادي، إذ أسهم "بروتوكول لومي" في انحصار الظاهرة لمدة 20 عاماً، ولكنها عادت من جديد وهو ما كان محلاً لنقاش مؤتمرين للاتحاد الأفريقي كان لي حظ حضور أحدهما، وذلك في كل من غانا وغينيا بيساو ضم الأول النخب الأكاديمية الأفريقية، أما الثاني فقد كان للنخب الحاكمة.

هذا المجهود من جانب الاتحاد الأفريقي يبدو أنه قد ذهب أدراج الرياح ولعل انقلاب النيجر، الأخير، هو دليل على عدم فاعلية أسلحة الحصار وإقرار العقوبات على المستويين الإقليمي والدولي.

مسؤولية أفريقية خالصة

في ظل هذا الواقع ربما يجدر بنا بحث أسباب انتشار الانقلابات العسكرية وهل هي مسؤولية أفريقية خالصة أم إن هناك دوافع لها علاقة بالسياسيات الدولية، وربما يكون من المهم أيضاً البحث في سؤال مسكوت عنه غالباً، وهو هل من دول كبرى مارست فعل التخطيط لانقلابات عسكرية أو تدخلت بشكل من شأنه إنتاج حالة عدم استقرار سياسي، حفاظاً على مصالحها خصوصاً تلك المتعلقة بالموارد.

المطلع على التفاعلات الأفريقية الراهنة يستطيع القول بارتياح، إن فقدان صدقية فكرة الديمقراطية كآلية حكم يمكن أن تحقق مطالب الأفارقة في عيش إنساني متضمناً تلبية حاجاته الاقتصادية والصحية والتعليمية أحد أهم أسباب الانقلابات العسكرية، ذلك أن الشعوب لم تجن مكاسب من مسألة تداول السلطة من طريق الانتخابات، إذ مارست دول الاستعمار التقليدي وأهمها فرنسا سياسيات الاحتواء للنخب الحاكمة الأفريقية، لضمان المصالح الجيوسياسية، واستنزاف الموارد عبر هندسة تتضمن الحفاظ على اللغة الفرنسية في مناطق هذا النفوذ من خلال روابط ثقافية فرنكوفونية، وكذلك ضمان تخرج النخب لعسكرية الأفريقية خصوصاً لدول الساحل الأفريقي من الأكاديميات العسكرية الفرنسية.

علاوة عن ربط اقتصادات هذه الدول بالفرنك الأفريقي المهيمن عليه البنك المركزي الفرنسي حتى إنه حينما تم فك هذا الارتباط عام 2020 كان هذا الفك في صالح الاقتصاد الفرنسي، ولعل من المفارقات التي يطرحها نموذج النيجر لافتة ذلك أن هذا البلد هو أحد أسوأ ثلاثة بلدان حول العالم في ما يخص التنمية البشرية بينما مواردها من اليورانيوم هي سبب رفاه المواطن الفرنسي الذي يستمتع بالطاقة المنتجة من اليورانيوم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الانعكاسات المباشرة لهذا النوع من السياسيات أسهم بشكل مباشر في إفقار الدول الأفريقية وإضعاف مؤسسة الدولة الوطنية فباتت مثلاً لا تسيطر على كامل التراب الوطني، الأمر الذي جعل كلاً من الظاهرة الإرهابية والجريمة المنظمة تتعملق في أفريقيا، وهو ما أنتج عجزاً عن صون الأمن الوطني ورفع لمستوى تهديدات الأمن الإنساني للمواطنين بما رفع من درجات الغضب ضد النخب الحاكمة على المستوى الشعبي وجعل أي سلطة انقلابية تبرر مشروعيتها بمزاعم حماية الأمن، ولعل بوركينا فاسو نموذج لهذه الحالة التي شهدت ارتفاعاً في أعداد الضحايا نتيجة العمليات الإرهابية.

في سياق مواز للصعيد الاقتصادي، فإنه على الصعيد السياسي تبدو مسألة الدفاع عن الديمقراطية من جانب الغرب كآلية حكم مجروحة، خصوصاً خلال العقدين الأخيرين، فتم الدفاع عن الشرعيات الدستورية طبقاً للمصالح الغربية وليس وفقاً للمحددات المبدئية ذلك أن فرنسا قد قبلت باستيلاء غير دستوري على السلطة في تشاد وتوريثاً للحكم في تشاد بانقلاب عسكري، لم تقبل نظير له في مالي وحشدت ضد الأخير العالم.

التنافس الدولي قد يكون من أسباب الانقلابات العسكرية أو التدخلات السياسية، حيث عاصرت بنفسي في الغابون إقدام باريس على التدخل في انتخابات الغابون عام 2020 على خلفية تعيين الرئيس بونغو مستشاراً صينياً، وهو ما ردت عليه باريس بالتواطؤ مع زوج أخت بونغو ليكون مرشحاً منافساً، وحينما لم يحالفه التوفيق، مارست ضغوطاً لتغيير نتائج الانتخابات بمزاعم أنها مزورة.

الأبعاد العرقية

وربما يكون من المهم هنا الإشارة إلى التقرير الذي أصدرته جامعة تكساس، والذي تشير فيه إلى أن باريس كانت وراء كثير من الانقلابات العسكرية والاغتيالات والانتخابات التي كانت تمولها مباشرة أو عبر شركاتها التي توغلت في الأوساط السياسية لدعم النخب الحاكمة وضمان ولائها، وبلغ عدد هذه التدخلات المتنوعة بأكثر من 20 بين 1961 و2018، أحدها كان في النيجر نفسها حين دبرت انقلاب محمد يوسفو ضد سلفه على خلفية مطالبة الأخير بتعديل اتفاقيات الشركات الفرنسية المستغلة لليورانيوم لتكون بعوائد أكثر عدالة لصالح نيامي.

الأبعاد العرقية في أفريقيا المتنوعة عرقياً وثقافياً وقبلياً ليست بعيدة من معطيات الانقلابات العسكرية، ذلك أن هذا المعطى في النيجر ليس ببعيد أيضاً، فالرئيس محمد بازوم هو من عرب النيجر الذين يمثلون أقلية عرقية فيما الغالبية هي من الهوسا، ومن هذه الزاوية مارس الرئيس السابق محمد يوسفو سلف بازوم ضغوطاً عليه في ما يخص اتجاهات قرارات بازوم، وذلك قبل عزله، ومن الواضح أن هذا النوع من الخلافات هو ما يفسر انقلاب النيجر الذي جرى في مرحلته الأولى في صفوف الحرس الرئاسي فقط.

شهوة السلطة ومدى جدارة النخب المدنية على مستوى الاحترافية السياسية خصوصاً في فترات الانتقال الناتجة من ثورات شعبية هي من أسباب الانقلابات، ولعل انقلاب أكتوبر (تشرين الأول) 2021 في السودان، أحد النماذج الممثلة لهذا المعطى، إذ إن تسليم السلطة للمدنيين الذي كان مقرراً في نوفمبر (تشرين الثاني) من العام نفسه قد أخلت به السلطة العسكرية التي قادت فترة انتقالية كان من المفترض أن تكون 18 شهراً طبقاً لوثيقة دستورية تمت رعايتها إقليمياً ودولياً وتم إشهارها في أغسطس (آب) 2019، لكن الخبرات الضعيفة للنخب المدنية السودانية وانقسامها على نفسها جعل توازنات القوى في المعادلات السياسية المتفاعلة ليست في صالحها، وهو ما استخدمه المكون العسكري كمبرر للانقلاب الذي تفاقمت تداعياته ليقود إلى حرب من المرجح امتدادها لفترة ليست بالقصيرة.

ولعل النموذج السوداني على وجه التحديد يقدم أكثر من معطى في مسألة الانقلابات العسكرية فإلي جانب شهوة السلطة، فإن الأسباب الأيديولوجية كانت حاضرة من جانب اليمين واليسار السوداني، فعلى المستوى الأول مارس كل من عبدالله خليل عام 1958، وحسن الترابي عام 1989 انقلابات بدوافع أيديولوجية، فالأول سلم الجيش السلطة ضد الحزب الاتحادي، والترابي هندس انقلاباً لصالح الإسلام السياسي المعنون سودانياً "الجبهة القومية الإسلامية"، بينما كان انقلاب هاشم العطا في مطلع سبعينيات القرن الماضي تجلياً للحزب الشيوعي السوداني الذي حاول أن يستولى على الحكم من طريق ضابط شيوعي بالقوات المسلحة السودانية.

وعلى رغم كل المعطيات المنطقية المؤدية للانقلابات العسكرية في القارة الأفريقية فلم تنجز السلطات العسكرية تاريخياً استقرار سياسياً ولا ازدهاراً اقتصادياً مستداماً، إذ اعتمدت على إسناد شعبي غالباً ما يملك سمات شعبوية في توسيع سلطاتها وهو ما يسفر غالباً عن اتساع لظاهرة الفساد في ضوء المشروعات التنموية التي تتم إقامتها والتوسع فيها في محاولة لتدشين شرعيات سياسية بديلة من الشرعيات الديمقراطية.

إجمالاً أنتجت الانقلابات العسكرية في أفريقيا وكذلك ممارسات الحكم الديمقراطي الشكلي، وكلاهما انعكاس لسياسيات دولية مجحفة حالة من عدم الاستقرار السياسي الشامل في القارة وانتشاراً للصراعات المسلحة وتعملقاً للظاهرة الإرهابية وهو الأمر الذي يتطلب مقاربات جديدة على المستوى الدولي في ما يتعلق باستغلال الموارد الاقتصادية الأفريقية حتى تتحول نحو بلورة شراكات عادلة بين الأطراف تتيح لدول القارة وشعوبها الاستفادة من عوائد الموارد وتطوير مستوى جودة الحياة فيها بما يضمن أن تكون القارة موطناً صالحاً لمواطنيها .

المزيد من تحلیل