ملخص
الحركة التي تخطط لتأسيس مستوطنة يهودية جديدة في المنطقة لم ترضخ لأوامر الجيش وباشرت بالتوقيع على عريضة تطالب أعضاء "الكابينت" الإسرائيلي بإقرار الاستيطان في المنطقة ودعت الحكومة الإسرائيلية إلى اتخاذ خطوات قانونية تتيح لهم الاستقرار في المنطقة بصورة قانونية، كخطوة ضرورية لتعزيز السيادة الإسرائيلية.
بعد ساعات من سقوط نظام بشار الأسد في سوريا نهاية العام الماضي، أعلنت إسرائيل انهيار اتفاق فصل القوات الموقعة مع دمشق عام 1974، مما دفع الجيش الإسرائيلي للتوغل داخل المنطقة العازلة والقنيطرة وجبل الشيخ، بذريعة إنشاء منطقة عازلة.
لكن الجيش حينها لم يتحرك وحده، بل تبعته حركة استيطانية جديدة تطلق على نفسها "طلائع الباشان" جلها من المستوطنين الشباب الذين يؤمنون ويتشبثون بفكرة أن سوريا جزء من أرض "إسرائيل الكبرى"، فبعدما أحدثوا فتحة في السياج الحدودي باستخدام مناشير كهربائية قبل أيام، نجح 13 مستوطناً منهم في التسلل إلى قرية "بريقة" نحو قرية بئر عجم داخل ريف القنيطرة بالجنوب السوري، في محاولة لإقامة مستوطنة ضمن المنطقة التي انتشر فيها الجيش منذ نحو عام، لكن الجيش تمكن من ملاحقتهم وإعادتهم إلى إسرائيل وتسليمهم إلى الشرطة للتحقيق معهم.
إلا أن الحركة التي تخطط لتأسيس مستوطنة يهودية جديدة داخل المنطقة، لم ترضخ لأوامر الجيش وباشرت التوقيع على عريضة تطالب أعضاء "الكابنيت" الإسرائيلي بإقرار الاستيطان في المنطقة ودعت الحكومة الإسرائيلية إلى اتخاذ خطوات قانونية تتيح لهم الاستقرار داخل المنطقة بصورة قانونية، كخطوة ضرورية لتعزيز السيادة الإسرائيلية.
وما إن لاقت العريضة صدى واسعاً بين المستوطنين، حتى باشرت الحركة في عقد مؤتمرها الأول لـ"طلائع باشان" داخل مدينة القدس، شارك فيه عدد من الشخصيات اليمينية الإسرائيلية والدينية المؤيدة للاستيطان في سوريا، ومن بينهم النائب السابق في الكنيست موشيه فيغلين.
وتبلغ مساحة المنطقة العازلة التي أسسها اتفاق فصل القوات عام 1974 نحو 235 كيلومتراً مربعاً، وتمتد قرابة 75 كيلومتراً من قمة جبل الشيخ شمال الجولان إلى جنوبه، بعرض يراوح ما بين مئات الأمتار و14 كيلومتراً، وينص على سيطرة إسرائيل على غرب الخط باستثناء القنيطرة، مقابل سيطرة سوريا على شرقه، فيما تبقى المنطقة الفاصلة منطقة عازلة تديرها قوات الأمم المتحدة.
ووفقاً لإحصائية أعدها ونشرها "المركز العربي لدراسات سوريا المعاصرة" خلال العام الحالي، فإن المساحة الكلية التي تخضع للسيطرة أو النفوذ الإسرائيلي المباشر تجاوزت 460 كيلومتراً مربعاً، إضافة إلى احتلال جميع قمم جبل الشيخ وبناء 10 مواقع عسكرية كبيرة فيها، إذ فرض الجيش الإسرائيلي منذ الأسبوع الأول لانهيار اتفاق فصل القوات السيطرة على 303 كيلومترات مربعة إضافية، وأعلن أنه سيبقي وجوده العسكري داخل منطقة تحكم بعمق 15 كيلومتراً، مع "منطقة نفوذ" أوسع تصل إلى 60 كيلومتراً داخل سوريا.
وبحسب البيانات الرسمية السورية، نفذت إسرائيل منذ ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي وحتى الـ20 من نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الحالي، أكثر من 1000 غارة جوية، إضافة إلى أكثر من 400 عملية توغل برية عابرة للحدود نحو المحافظات الجنوبية، بعدما دمرت مطارات سوريا وقواعدها العسكرية، وقضت على 85 في المئة من قدراته الدفاعية.
حجر الأساس
الجيش الإسرائيلي وصف الحادثة التي قامت بها الحركة الاستيطانية الجديدة بأنها "انتهاك خطر يشكل مخالفة جنائية ويعرض المدنيين والجنود للخطر"، مؤكداً خلال الوقت نفسه أهمية وجوده المستمر داخل المنطقة العازلة، وهو ذاته ما تعهد به رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال زيارته المنطقة العازلة منتصف نوفمبر الماضي، بأن "هضبة الجولان ستبقى إلى الأبد جزءاً لا يتجزأ من إسرائيل".
في المقابل قال بيان للأمم المتحدة أواخر الشهر الماضي، إن "الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية في الجولان السوري المحتل تشكل انتهاكاً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة"، وعلى رغم فشل الحركة باقتحامين سابقين أعلن أفرادها الناشطين في منطقة السامرة (القسم الشمالي من الضفة الغربية)، أن هدفهم وضع حجر الأساس لأول مستوطنة يهودية عبر السياج، تحمل اسم "نيفيه هاباشان".
وبحسب صحيفة "معاريف" الإسرائيلية، هنأت الحركة الاستيطانية المعروفة باسم "أوري الشمالية" حركة "طلائع باشان" على خطوتهم، مشيرة إلى أن عائلات وأطفالاً شاركوا في مراسم رمزية تضمنت غرس الزهور وإنشاء ركن تذكاري باسم أحد الجنود الإسرائيليين القتلى، ويروج ناشطو الحركة أن "أرض باشان ميراث الأجداد، ومساحات خالية تدعو للعودة والاستيطان"، داعين الحكومة الإسرائيلية إلى "إبعاد العدو من المنطقة والسماح للطلائع بالاستقرار فيها".
وبحسب ما جاء في الكتب المقدسة اليهودية، فإن "الباشان" اسم توراتي يشير إلى منطقة تقع شرق نهر الأردن وتمتد إلى هضبة الجولان، وتشمل مناطق حوران والجولان واللجاة، وهي مناطق تقع جنوب سوريا تعرف في الرواية الدينية اليهودية كأرض خصبة أعطاها الله لبني إسرائيل، وأطلق الجيش الإسرائيلي اسم "سهم باشان" المستوحى من التوراة على العملية العسكرية التي شنها على سوريا فور سقوط الأسد ودمر خلالها معظم القدرات العسكرية لجيش النظام السابق.
خرائط وتطبيقات
وكشف موقع مجلة "972+" الإسرائيلية خلال وقت سابق أن منتسبي الحركة على تطبيق "واتساب" ينشرون خرائط لسوريا، ويحاولون تحديد أفضل المناطق للاستيطان وذلك بمساعدة من حركة "أوري تسافون"، التي تأسست العام الماضي للترويج للاستيطان جنوب لبنان، وقال مؤسس الحركة آموس عزاريا لمجلة إسرائيلية "لقد طالبنا الحكومة بالاستيلاء على أكبر قدر ممكن من الأراضي السورية لأن المتمردين في سوريا لا يختلفون عن ’حماس‘".
وبحسب تصريحات زعيمة منظمة "نحالا" الاستيطانية دانيلا فاس، فإن الحركة تتطلع إلى الاستيطان في غزة وفي لبنان وفي كامل هضبة الجولان بما في ذلك الجانب السوري، وفي كامل جبل الشيخ، وأرفقت في منشورها الذي كتبته عبر صفحتها على "ميتا-فيسبوك" خريطة توراتية بعنوان "حدود أبراهام"، تظهر فيها إسرائيل على كامل مساحة لبنان ومعظم سوريا والعراق قائلة "الاستيطان هو الحل الوحيد الذي سيحقق الاستقرار والأمن الإقليمي لدولة إسرائيل".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل قلل كبير الباحثين في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي يوحنان تسوريف خلال مقابلة مع إحدى القنوات التلفزيونية، من قدرة وتأثير التحركات الاستيطانية الجديدة على المجتمع الإسرائيلي، مشيراً إلى أن الدعم المادي واللوجيستي الذي قد تتلقاه تلك التحركات من أحزاب الائتلاف الحاكم لا تؤثر بالضرورة في القرارات الاستراتيجية للحكومة الإسرائيلية، موضحاً أن غالبية الإسرائيليين، خلال المرحلة الحالية من التصعيد، يدعمون الترتيبات الأمنية والتوصل إلى اتفاق سلام مع سوريا.
ووفقاً لتحليلات تسوريف فإن الجيش بعد العملية الأخيرة في قرية بيت جن داخل ريف دمشق سيتجه إلى الاغتيالات الجوية، بعيداً من التوغلات البرية لتجنب خسائر إضافية".
توتر عسكري
وفق قراءة المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية عاموس هرئيل فإن تل أبيب حريصة على عدم الانجرار إلى حرب شاملة، والإبقاء على مستوى من التوتر العسكري داخل ساحات متعددة خصوصاً في لبنان وسوريا، مشيراً إلى أن عدم تلقي إسرائيل رداً مماثلاً بالوتيرة أو الحجم نفسيهما، يمنحها هامشاً واسعاً للتحرك العسكري.
وقدر هرئيل أن هذا السلوك يخدم بصورة مباشرة الخطاب الأمني للائتلاف اليميني الحاكم، الذي يوظف هذه العمليات لتأكيد قدرته على "الردع" وإبقاء الجبهات تحت السيطرة.
في المقابل ركزت تحليلات موقع "واي نت" الإسرائيلي على نية تل أبيب رسم معادلة جديدة في الساحة السورية عبر تثبيت الردع، والتأكيد أن سوريا لا تزال ساحة رخوة وغير مستقرة وأن أي اتفاق أو تفاهم سياسي معها خلال هذه المرحلة غير ممكن.
وبينما تتشبث المؤسسة العسكرية الإسرائيلية بالوضع الراهن لضمان حرية الحركة الأمنية، أشارت بعض الأوساط البحثية، مثل" معهد متفيم"، إلى أن السياسة الإسرائيلية في الساحة السورية "تعاني غياب رؤية استراتيجية شاملة، إذ تكتفي بالتمسك بالوضع القائم دون الانخراط في صياغة تصور بعيد المدى لإعادة ترتيب المشهد".
ويرى محللون أن التحركات الاستيطانية كـ"طلائع باشان" و"أوري تسافون" التي تسارع لاستغلال حالة التوتر عند الحدود الشمالية وهشاشة الداخل السوري والتغيرات الإقليمية، تسعى لفرض معادلة استيطانية جديدة مرشحة للاستمرار وربما التوسع خلال الأسابيع المقبلة، خصوصاً في ظل استمرار التصعيد داخل الضفة الغربية وغزة ولبنان، الذي لا يمكن فصله بأية حال من الأحوال عن الحسابات السياسية الأخرى في إسرائيل.