ملخص
خطة ويتكوف–ديميترييف تُفضي إلى تقسيم أوكرانيا ومنح روسيا مكاسب استراتيجية واسعة، مع تجريد كييف من أمنها وإخراجها من حسابات القرار، فيما يعتمد بوتين على القوة والخداع مستفيداً من ضعف ترمب وغروره وسعيه لرمزية دولية. التعامل مع هذه الخطة كمسار سلام مشروع يمنح غزواً غير مبرر غطاءً دبلوماسياً، ويعيد إنتاج أخطاء الاسترضاء التاريخية، ويحول "السلام" إلى مكافأة للعدوان.
مرحباً بكم إلى خطة ويتكوف - ديميترييف ذات النقاط الـ 28: أكثر المؤامرات وقاحة وانعداماً للمبادئ لتقسيم دولة مستقلة أصغر حجماً، منذ أن حسمت معاهدة مولوتوف–ريبنتروب (وزيري خارجية ستالين وهتلر) مصير بولندا في أغسطس (آب) عام 1939.
وبالنسبة إلى الغرب - إذا كان هذا المصطلح لا يزال صالحاً للاستخدام في زمن ترمب - فإنه يمثل خيانة، ليس فقط لشعب أوكرانيا، بل لأوروبا، وللنظام الدولي، وللتحالف الأطلسي الذي حافظ على السلام في هذا الجزء من العالم طوال ثمانية عقود. والمفارقة القاسية، بطبيعة الحال، هي أنه، تماماً كما في تلك المعاهدة السابقة الموقعة بين ألمانيا النازية وروسيا السوفياتية، لن تحفظ هذه الخطة السلام في أوروبا طويلاً، ولن تشبِع الطموحات الإمبراطورية للطرف المشترك بين التجربتين التوسعيتين: روسيا.
وهذا وحده سبب كافٍ لرفضها. فقد جرت مفاوضات خطة ويتكوف–ديميترييف، شأن سابقتها سيئة الصيت، في السر، لأن الطغاة أيضاً يمكن أن يشعروا بالحرج. ولم يكُن للأوكرانيين ولا للأوروبيين أي دور فيها، ولن يكون، سوى أن يطلب منهم التوقيع عليها في مراسم تقام في قاعة مذهبة في الكرملين أو في البيت الأبيض (اللذين يزداد تشابههما أيضاً في طرازهما الباروكي الفخم).
أما "الضمانات الأمنية" المقدمة إلى أوكرانيا، فهي عديمة القيمة. فالبلاد على وشك أن تقطع أوصالها، وأن تجرّد عملياً من سلاحها. وسيحصل الروس على إقليم دونباس بأكمله من دون أن يخوضوا معركة واحدة من أجله، ويحصل الأميركيون على حقوق استغلال المعادن المربحة التي "تفاوضوا عليها" (أو التي انتُزعت بالإكراه من الرئيس زيلينسكي اليائس) في اتفاق سابق، على رغم أن الفكرة آنذاك كانت أن الأميركيين لن يتخلوا عن أوكرانيا لمصلحة الاحتلال الروسي.
والحدود الجديدة المقترحة بين أوكرانيا وروسيا (التي تعهدت الولايات المتحدة بالاعتراف الكامل بها) ستمنح بوتين أفضلية استراتيجية كبيرة في محاولته التالية - الحتمية - للاستيلاء على البلاد بأكملها وضمها إلى روسيا. إنه سلام، على نحو ما، لكنه موقت في أحسن الأحوال.
ودوافع بوتين كانت واضحة منذ البداية. فغزو أوكرانيا واستعادة النفوذ الروسي هما الهدفان الاستراتيجيان الرئيسان اللذان وضعهما، ويستخدم في سبيل تحقيقهما مزيجاً من الدبلوماسية تارة والقوة المسلحة طوراً آخر، وفق الحاجة التكتيكية. وبدا أنه قادر على التلاعب بترمب بسهولة عندما يخدم ذلك مصالحه. وصحيح أن جيش بوتين يفتقر ربما إلى الكفاءة وأن دبلوماسييه ليسوا أفضل حالاً، وخاطر كثيراً باقتصاده، لكنه كان بارعاً بما يكفي لخلق انطباع بأن قوة عظمى تتقدم بثبات نحو تحقيق النصر.
أما ترمب، الميّال دائماً إلى عقد الصفقات مع "الرجال الأقوياء"، فوقع في خداع بوتين، وهذا ليس عذراً يعفيه من المسؤولية. لكن فشله الذريع في السعي وراء المصالح الأميركية بعيدة المدى، ينبع من نقطة ضعف أخرى أشد خطورة، تتمثل في غرور مطلي بالذهب ومرصع بالألماس. نتحدث هنا عن "جائزة نوبل للسلام" التي فاز بها عدد من أسلافه من الرؤساء الأميركيين، أبرزهم باراك أوباما وجيمي كارتر وتيودور روزفلت. والسؤال الملح: إلى أي حد يتوق دونالد ترمب للانضمام إلى ذلك النادي الحصري؟
لا داعي لأن نكون جاحدين. فعلى رغم العيوب التي شابت خطة ترمب للسلام في غزة، قامت الأمم المتحدة بتبنيها، وهي تستحق أن تمنح فرصة. أما ما إذا كانت الحروب السبع أو الثماني الأخرى التي يزعم أنه "أنهى" صراعاتها قد حلّت فعلاً، فمسألة مختلفة تماماً (كما أن غزة بعيدة كل البعد من أن تكون "انتهت"، وإن كان لا يجب الاستهانة بجهوده في أفريقيا وآسيا).
تكمن المشكلة في خطة ويتكوف - ديميترييف (التي تحمل اسم مبعوثَي الرئيسين من رجال الأعمال) في أن منح ترمب "جائزة نوبل للسلام" على هذا "المسار السلمي" سيكون في الواقع مكافأة لحرب غير مبررة. وكما قال أحد الدبلوماسيين الأميركيين السابقين: لا تُمنح جوائز السلام مقابل سياسة الاسترضاء. ولو كان الأمر كذلك، وبالعودة للماضي مرة أخرى، لكان نيفيل تشامبرلن (رئيس الوزراء البريطاني الراحل الذي عُرف باسترضاء هتلر) - لا ونستون تشرشل - هو الشخصية الموقرة حول العالم (بما في ذلك وضع تمثال نصفي له في المكتب البيضاوي، على رغم أن الرئيس الحالي قد لا يدرك تماماً الدرس التاريخي الذي يرمز إليه ذلك).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
من هنا - وبصرف النظر عن أسباب أخرى كثيرة تتعلق بزعزعة دونالد ترمب للنظام العالمي القائم على القواعد، وعدم مبالاته بجرائم الحرب في غزة - فإن لجنة "جائزة نوبل" لا يمكنها، من منطلق الضمير، منح الرئيس الأميركي هذه الجائزة، لأن قيامها بذلك سيكون بمثابة منح حافز منحرف للديكتاتوريين، لبدء حروب غير مشروعة، أو الموافقة عليها، تنتهي بسلام غير متكافئ وغير عادل وغير مستقر.
وإذا ما عدنا للتشبيه التاريخي، فإن القضاة الراهنين في أوسلو ما كان ليخطر ببالهم أبداً منح "جائزة نوبل" بصورة مشتركة لفياتشيسلاف مولوتوف ويواكيم فون ريبنتروب، ناهيك عن جوزف ستالين أو أدولف هتلر، لغزوهما بولندا وتقسيمها، وإعلانهما ذلك "سلاماً" يضم بنود "عدم اعتداء"، كان من المفترض أن تضمن الأمن والاستقرار في أوروبا الشرقية. فلم تنخدع لجنة "نوبل" آنذاك، وينبغي ألا تنخدع الآن.
ومهما كان الوصف الذي يُعطى لإخضاع أوكرانيا، فهو ليس "سلاماً" بالمعنى الحقيقي للكلمة. فالسلام هو ما كان قائماً قبل غزو بوتين، وقبل أن يختطف جنوده 20 ألف طفل، وقبل أن تقضي قنابله على آلاف المدنيين، وقبل أن ترتكب قواته فظائع بالنيابة عنه.
يبقى أنه ما لم يضغط الأميركيون على فلاديمير بوتين للانسحاب الكامل من أوكرانيا، وما لم يسلموا الديكتاتور إلى محكمة جرائم الحرب في لاهاي، ينبغي على ترمب ألا يحلم حتى بالحصول على أية جائزة دبلوماسية. وعلى لجنة "نوبل" أن تقف في وجهه، حتى لو هدد بقصف النرويج.
© The Independent