ملخص
تصاعدت المعارك في غرب كردفان بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" وسط تضارب بشأن السيطرة على بابنوسة.
حقق الجيش السوداني والقوات المساندة له، تقدماً ميدانياً جديداً في جنوب كردفان باستعادة مناطق مبسوط والموريب وبانت وخور الصباغ، التي ظلت تحت سيطرة قوات "الحركة الشعبية- شمال"، بقيادة عبدالعزيز الحلو، لأكثر من 14 عاماً، في خطوة عدت إنجازاً ميدانياً كبيراً ضمن توسيع الجيش عملياته بالولاية.
وأوضحت مصادر ميدانية، أن تحرير "مبسوط" تم بعملية عسكرية كبيرة ومعارك عنيفة مع قوات "الحركة الشعبية" المتحالفة مع "الدعم السريع"، تمكن خلالها الجيش بمشاركة سلاح الطيران وأسلحة ومتحركات أخرى، من اختراق خطوط الدفاع الأمامية للعدو في عمق مناطق سيطرته التي تعد من أقدم وأبرز معاقل "الحركة الشعبية" في جنوب كردفان.
وتعد منطقة "مبسوط"، الواقعة شمال شرقي مدينة أبو كرشولا، من النقاط الحيوية التي كانت تعتمد عليها "الحركة الشعبية" في إدارة عملياتها العسكرية وتأمين مسارات الإمداد بجنوب كردفان، فضلاً عن أنها تفتح الطريق أمام الجيش للتقدم نحو مناطق أخرى لا تزال تحت سيطرة الحركة.
وفي فبراير (شباط) الماضي، أعلنت "الحركة الشعبية- شمال" بقيادة عبدالعزيز الحلو، تحالفها مع "الدعم السريع"، بانضمامها إلى "تحالف السودان التأسيسي" (تأسيس) الذي تدشينه في العاصمة الكينية نيروبي، وبات يطلق على قواتهما اسم "قوات تأسيس" عند تنفيذ عمليات عسكرية مشتركة.
أزمات ونزوح
وتعاني ولاية جنوب كردفان، خصوصاً مدينتي الدلنج وكادوقلي المحاصرتين، من أوضاع إنسانية صعبة بسبب استمرار العمليات العسكرية المتكررة، مما زاد من وتيرة النزوح الجماعي للسكان نحو المناطق والقرى الآمنة في الأيام الأخيرة.
وتتصاعد المواجهات العسكرية منذ أكثر من أسبوع، بين الجيش و"الدعم السريع" وحليفتها "الحركة الشعبية" بصورة مطردة في جنوب كردفان، إثر شن الأخيرتين هجومين حامية "كرتالا" التابعة للجيش بالمنطقة، لقطع الطريق أمام تحركات الجيش لفك الحصار عن مدينتي كادوقلي والدلنج.
وقبل يومين استعادت قوات الجيش والمجموعات المساندة بلدتي الدامرة والتبسة، غربي مدينة العباسية كبرى مدن ولاية جنوب كردفان، من قبضة قوات "الحركة الشعبية – شمال"، بعد معارك عنيفة.
صراع بابنوسة
وفي سياق المعارك المتصاعدة في غرب كردفان، لا تزال الأنباء تتضارب بشأن حقيقة موقف السيطرة في مدينة بابنوسة، التي أعلنت "الدعم السريع" سيطرتها عليها واجتياح مقر الفرقة 22 مشاة، آخر معاقل الجيش بالولاية.
وأكد بيان للجيش، أمس، أن قواته أحبطت "بقوة وحسم" هجوماً كبيراً شنته "الدعم السريع" على بابنوسة.
في المقابل، وإزاء نفي الجيش السوداني لسقوط المدينة، بثت "الدعم السريع" مزيداً من الفيديوهات التي تظهر وجود قواتها داخل مقر فرقة الجيش. كما بثت قوات الدعم كلمة لقائد عملياتها، العقيد صالح الفوتي، يشرح فيها تفاصيل العملية العسكرية التي أفضت إلى بسط السيطرة على المدينة.
وهنأت حكومة إقليم دارفور التابعة لتحالف "تأسيس" بما سمته "عملية تحرير الفرقة 22، والجهود التي بذلت لتحقيق هذا الإنجاز". ودانت في الوقت نفسه "الخروق المتكررة للهدنة من قبل الطرف الآخر"، لا سيما الاعتداءات الأخيرة التي وقعت في منطقة كمو بولاية جنوب كردفان، والتي أودت بأكثر من 45 مدنياً، فضلاً عن الاعتداءات التي تعرضت لها قواتها في بابنوسة.
وفقدت الفرقة العسكرية 22 بمدينة بابنوسة التي ظلت محاصرة لأكثر من عام، عدة ألوية عسكرية تابعة لها خلال تصعيد "الدعم السريع" في الأسابيع الأخيرة هجماتها البرية على المدينة.
محاولة استعادة التوازن
في المقابل، كشفت مصادر عسكرية، أن قوات الجيش تعمل حالياً على استعادة التوازن والمبادرة وتثبيت نقاط ارتكازها بالمناطق التي فقدتها "الدعم السريع" وتمنع إعادة وتموضعها مجدداً، ولا تزال تنفذ عمليات هجومية خلف خطوط العدو وتقطع تواصلها بين غرب وجنوب كردفان.
وأشارت المصادر إلى أن الحشود الكبيرة لقوات "الدعم السريع" التي تجمعت في محيط بابنوسة باتت هدفاً مكشوفاً لسلاح الطيران ومسيرات الجيش من دون أن تمتلك الفرصة للمناورة التكتيكية.
وفي شمال كردفان أوضحت مصادر عسكرية أن قوات الجيش قصفت بالمدفعية الثقيلة، تجمعات للدعم السريع في شمال وشمال غربي مدينة الأبيض عاصمة الولاية.
تعقب الإمدادات
في محور الصحراء، أوضحت المصادر أن الطيران الحربي للجيش يواصل تعقبه خطوط إمداد "الدعم السريع"، وشن أمس الثلاثاء، غارات جوية على منطقة المثلث الحدودي بين السودان ومصر وليبيا، دمر خلالها عشرات العربات والشاحنات المحملة بالأسلحة والذخائر والعتاد الحربي والمؤن الغذائية.
وطالبت "شبكة أطباء السودان"، بفتح مسارات آمنة لإخراج الآلاف من المدنيين الذين لا يزالون محتجزين قسراً داخل الفاشر عاصمة شمال دارفور، في ظل أوضاع إنسانية صعبة تعيشها المدينة منذ أكتوبر الماضي، إلى جانب انقطاع وسائل التواصل والاتصالات.
واتهمت الشبكة، "الدعم السريع" بقتل أربعة أشخاص بينهم طفل بحي الدرجة بالمدينة، منوهة بأن استمرار تلك الانتهاكات يشكل تهديداً مباشراً لحياة المدنيين وينتهك كافة القوانين الدولية التي تراعي حمايتهم.
ودعا بيان للشبكة، المجتمع الدولي ومؤسساته الإنسانية إلى التدخل الفوري لإنقاذ المدنيين المحتجزين في المدينة، والضغط على قيادات القوات التي ظلت تطالب بالفدية لخروجهم من المدينة، ناهيك بفصل الأسر عن بعضها.
ولفت مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة في السودان (أوتشا)، إلى استمرار انعدام الأمن بالفاشر رغم تراجع القتال منذ استيلاء "الدعم السريع" عليها، كما لا تزال هناك صعوبة في وصول المنظمات الإنسانية إلى المدنيين داخل المدينة.
وأشار المكتب إلى استمرار وصول نحو 300 نازح يومياً إلى مدينة الدبة بالولاية الشمالية، وارتفاع أعداد النازحين إلى أكثر من 106 آلاف حتى أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فضلاً عن نزوح أكثر من 1600 شخص من منطقة "كرتالا" بجنوب كردفان بسبب تصاعد العنف والمواجهات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المقترح الأميركي
في السياق وصف مبارك الفاضل المهدي، رئيس حزب الأمة، ورئيس "تحالف التراضي الوطني"، الخطة الأميركية ذات المسارات الثلاثة بأنها نسخة مشتقة من بنود "اتفاق المنامة" الذي سبق وتم توقعيه بين عضو مجلس السيادة الانتقالي، نائب القائد العام للجيش، الفريق شمس الدين الكباشي وقائد ثاني "الدعم السريع"، عبدالرحيم حمدان دقلو في 20 يناير (كانون الثاني) من العام الماضي.
حول إمكانية موافقة الجيش على المقترح الأميركي، أوضح المهدي، أن خيارات الجيش وقائده البرهان باتت محدودة، خصوصاً بالنظر إلى تطورات الوضع العسكري الميداني، مضيفاً، "أرى أن خيار الجيش الوحيد للوصول إلى السلام هو أن يفاوض على بنود اتفاق المنامة وخطة الرباعية، ونحن نتفق مع الخطة الأميركية لأنها تتسق تماماً مع ما ظللنا ننادي به بضرورة تنفيذ اتفاق المنامة".
وأشار رئيس حزب الأمة، إلى أن "تحفظات قائد الجيش تتركز على نص البند السابع من اتفاق المنامة الخاص بإعادة بناء جيش قومي مهني، وترتبط بالجزئية الخاصة بإبعاد كل من قائد الجيش والدعم السريع، والحركة الإسلامية عن السلطة، على رغم من عدم ممانعته على إصلاح الجيش وضم الآخرين، وفق ما جاء في خطة الرباعية والمقترح الأميركي واتفاق المنامة".
ونص اتفاق المنامة، على بناء وتأسيس جيش واحد مهني وقومي، يتكون من جميع القوات العسكرية (القوات المسلحة، وقوات الدعم السريع، وحركات الكفاح المسلح)، ولا يكون له انتماء سياسي أو أيديولوجي، يراعي التنوع والتعدد، ويمثل جميع السودانيين في كافة مستوياته بعدالة، وينأى عن السياسة والنشاط الاقتصادي، وتفكيك نظام الـ30 من يونيو (حزيران) 1989 في كافة مؤسسات الدولة.
وكان مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى أفريقيا مسعد بولس، قد قدم مقترحاً لوقف الحرب في السودان شمل خريطة طريق من ثلاثة مسارات، عسكري وإنساني وسياسي، تتضمن وقف إطلاق النار بمراقبة دولية وفتح الباب أمام تدفق المساعدات، وعملية سياسية تقودها القوى المدنية من دون عناصر النظام القديم والإسلاميين، إلى جانب عملية إصلاح عسكري شامل وإعادة هيكلة تتضمن دمج المجموعات المسلحة وتفكيك المجموعات التي تقاتل مع الطرفين، وصولاً إلى جيش موحد ومهني يخضع للسلطة المدنية التي ستفرزها العملية السياسية.
أولوية أميركية
وفي إشارة إلى الأولوية القصوى للمسألة السودانية على أجندة الإدارة الأميركية، قال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، أمس الثلاثاء، إن الرئيس دونالد ترمب يتابع بنفسه ملف إنهاء الحرب في السودان.
وكان الرئيس ترمب أعلن الشهر الماضي، أنه سيعمل على وقف الحرب في السودان، بناء على طلب مباشر من ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، للتدخل والمساعدة في وقف المأساة الإنسانية وحل الصراع الدائر هناك.
كما جدد المدير العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أمس الثلاثاء، دعوته إلى وقف فوري لاستهداف مرافق خدمات الرعاية الصحية في السودان، مشيراً إلى استمرار الهجمات التي تحرم السكان من الخدمات الأساسية.
وفي تدوينة على منصة "إكس"، أكد غيبريسوس، رصد 198 هجوماً على مرافق الخدمات الصحية منذ اندلاع القتال بين الجيش السوداني و"الدعم السريع" في أبريل (نيسان) 2023، الذي أسفر عن مقتل 1735 شخصاً من العاملين الصحيين والمرضى وإصابة 438 آخرين.
وأشار المدير العام للمنظمة، إلى تقارير عن تحويل مستشفى مدينة النهود بولاية غرب كردفان إلى ثكنة عسكرية من قبل "الدعم السريع"، وسحب منظمة "أطباء بلا حدود"، لطاقمها من مستشفى زالنجي بوسط دارفور بعد مقتل أحد العاملين الصحيين.
وشدد غيبريسوس على أن الهجمات على مرافق الخدمات الصحية تعد انتهاكاً للقانون الإنساني الدولي ويجب أن تتوقف، مطالباً جميع أطراف النزاع بضمان حماية المرافق الطبية والمرضى والعاملين الصحيين.