ملخص
إن سياسات التصعيد والمواجهة التي ينتهجها النظام الإيراني في الملف النووي والسياسات الإقليمية ودعم الجماعات المسلحة، عدا عن الخطابات الأيديولوجية مثل شعار "إزالة إسرائيل"، تقود إلى فرض عقوبات دولية مشددة. وهذه العقوبات تدفع الحكومة إلى فرض قيود مصرفية صارمة، مما ينعكس مباشرة على حياة المواطنين العاديين الذين يواجهون صعوبات في التعاملات المالية وتراجعاً في ثقة المواطنين بالنظام المصرفي وتدهوراً مستمراً في أوضاعهم المعيشية.
ويرى عدد من المقربين من المرشد علي خامنئي أن الانضمام إلى مثل هذه الاتفاقات يعني "تسليم المعلومات المالية للغرب".
في ظل الضغوط المتزايدة التي يرزح تحتها الاقتصاد الإيراني نتيجة العقوبات الدولية والأزمات المالية الداخلية والتي تعود في جانب كبير منها للسياسات الحربية والنووية للمرشد علي خامنئي، أصدر البنك المركزي الإيراني تعميماً جديداً يفرض قيوداً إضافية على النشاط الاقتصادي للمواطنين.
وبحسب التعليمات الجديدة، باتت جميع البنوك ملزمة تحديد "سقف سنوي لحركة الحسابات" لعملائها، وفي حال تجاوزت التعاملات هذا السقف، تبدأ إجراءات صارمة تطلب تقديم مستندات ووثائق تثبت مصادر الأموال.
ويأتي هذا القرار في وقت حساس، تزامناً مع تفعيل "آلية الزناد" ضد النظام الإيراني وإعلان عدد من الحكومات، من بينها تركيا، عن تجميد أصول إيرانية، مما ينذر بمزيد من التعقيد في العمليات المالية اليومية للمواطنين.
المعلومات المالية
وبموجب هذه اللوائح الجديدة، حدد الحد الأقصى لحركة الحسابات السنوية لموظفي الدخل الثابت في البنوك بـ20 مليار تومان (180 ألف دولار)، فيما حدد هذا السقف بـ5 مليارات تومان (45 ألف دولار) للأشخاص العاطلين من العمل. أما الكيانات القانونية غير النشطة، فلن يسمح لها بإجراء تعاملات مصرفية تتجاوز 500 مليون تومان (4.5 ألف دولار) سنوياً.
وبالنسبة إلى أصحاب الأعمال، ألزمت التوجيهات البنوك الفصل بين الحسابات التجارية وغير التجارية، وفرض سقفين مختلفين لحركة الأموال في كل منهما.
وفي حال تجاوز النشاط المصرفي للفرد 10 أضعاف المستوى المتوقع، يلزم البنك إبلاغ "وحدة مكافحة غسيل الأموال" في وزارة الاقتصاد، ولا يسمح برفع سقف النشاط إلا بعد الحصول على موافقة تلك الوحدة.
وفي الوقت نفسه، استثنيت عمليات بيع وشراء العقارات والسيارات والذهب من هذه القيود المباشرة، لكنها لا تزال خاضعة للرقابة عبر الأنظمة الإشرافية المعتمدة.
وحذر البنك المركزي الإيراني من أنه في حال لم يقدم العميل الوثائق المطلوبة خلال أسبوع، فستعلق خدماته المصرفية غير الحضورية، مع خفض الحد الأقصى للسحب اليومي من بطاقته المصرفية إلى 10 ملايين تومان.
وجاء صدور هذا التوجيه في اليوم ذاته الذي ناقش فيه مجمع تشخيص مصلحة النظام انضمام إيران إلى اتفاق مكافحة تمويل الإرهاب (CFT) . وأعلن المتحدث باسم المجمع أن مشروع القانون جرى إقراره بصورة مشروطة، إذ ستلتزم إيران بنوده فقط في إطار قوانينها المحلية، وكان اتفاق "باليرمو" قد أقر قبل أشهر عدة بالقيد ذاته.
وعلى رغم ذلك، يرى عدد من المقربين من المرشد علي خامنئي أن الانضمام إلى مثل هذه الاتفاقات يعني "تسليم المعلومات المالية للغرب". أما الصحف المحسوبة على التيار المتشدد، فاعتبرت إقرار هذا الاتفاق في ظل تفعيل "آلية الزناد الأوروبية" وشن إسرائيل هجمات عسكرية على إيران، غير مجدٍ.
من "آلية الزناد" إلى العقوبات الجديدة
ومع تفعيل "آلية الزناد"، أعيد فرض العقوبات الأممية على النظام الإيراني التي تستهدف بصورة مباشرة نظامه المصرفي والمالي. وفي تطور متزامن، أعلنت تركيا صباح اليوم الخميس عن تجميد أصول النظام الإيراني ضمن نظامها المصرفي، في خطوة تعكس تصاعد الضغوط وتشديد الحصار المفروض على طهران يوماً بعد يوم.
وبحسب محللين، فإن هذه الأوضاع تقيد قدرة البنك المركزي الإيراني على تأمين العملة الأجنبية والسيطرة على السيولة، فيما تعد التوجيهات الداخلية المقيدة محاولة للتكيف مع ظروف العقوبات ومنع خروج غير منضبط للأموال من البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي ظل هذه التغيرات، يجبر المواطنون العاديون الذين كانوا يستخدمون النظام المصرفي لشراء وبيع العقارات أو السيارات أو حتى للأنشطة التجارية الصغيرة، على التكيف مع شبكة من القوانين الجديدة، إذ قد تخضع أية معاملة كبيرة للمراجعة، وقد يؤدي عدم تقديم الوثائق المطلوبة إلى تقليص سقف السحب اليومي أو تعليق الخدمات المصرفية.
ويؤكد تجار ومتعاملون في السوق أن هذه القيود، بدلاً من أن تكافح غسيل الأموال، تعرقل الدورة المالية السليمة. وفي وقت تتراجع قيمة الريال الإيراني يومياً، ويبلغ سعر الدولار الأميركي 117600 تومان، يتجه المواطنون إلى شراء الذهب والعملات الأجنبية أو العقارات لحماية مدخراتهم، مما يجعل من تشديد الرقابة المصرفية عامل ضغط إضافياً قد يعوّق حتى العمليات المالية الاعتيادية.
جذر الأزمة: السياسات التصعيدية للنظام
وأكد خبراء محليون ودوليون مراراً أن جانباً كبيراً من الضغوط الاقتصادية التي تعانيها إيران اليوم هو نتيجة مباشرة لسياسات النظام الإيراني في الملفين الإقليمي والنووي. وهذه السياسات التي تدار تحت إشراف المرشد علي خامنئي، أدت إلى تفعيل "آلية الزناد" وعودة العقوبات الأممية، ودفعت دولاً مجاورة مثل تركيا إلى فرض عقوبات وتجميد أصول إيرانية.
وفي هذا السياق، اضطر البنك المركزي الإيراني إلى سن لوائح داخلية تقيد عملياً الحريات المالية للمواطنين، مما يحمل المواطنين العاديين الكلفة المباشرة لهذه السياسات، سواء من خلال التضخم المنفلت وانهيار قيمة العملة الوطنية، أو عبر قيود جديدة تطاول حتى التعاملات اليومية وتعرضها للتجميد.
ما تشهده إيران اليوم هو حلقة مغلقة، فسياسات التصعيد والمواجهة التي ينتهجها النظام الإيراني في الملف النووي والسياسات الإقليمية ودعم الجماعات المسلحة، إضافة إلى الخطابات الأيديولوجية مثل شعار "إزالة إسرائيل"، تقود إلى فرض عقوبات دولية مشددة. وهذه العقوبات تدفع الحكومة إلى فرض قيود مصرفية صارمة، مما ينعكس مباشرة على حياة المواطنين العاديين الذين يواجهون صعوبات في التعاملات المالية وتراجعاً في الثقة بالنظام المصرفي وتدهوراً مستمراً في أوضاعهم المعيشية.