ملخص
عد مراقبون تقدم الجيش في محور جنوب كردفان تحولاً مهماً يعكس تمدد رقعة العمليات العسكرية، وتراجع الحركة الشعبية - شمال في هذه الولاية.
دعا مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك، اليوم الخميس، أطراف النزاع في السودان إلى وقف القتال فوراً في المناطق الجنوبية، مبدياً خشيته من موجة جديدة من الفظائع بعد مجازر الفاشر.
وقال تورك في بيان، "لا يمكننا أن نبقى صامتين أمام هذه الكارثة الجديدة"، مضيفاً "ينبغي أن تتوقف هذه المعارك فوراً، وأن تصل المساعدات الضرورية للأشخاص المهددين بالجوع".
واشتدّت المعارك في الأسبوع الجاري في إقليم كردفان الغني بالنفط جنوب السودان ويحاول الجيش صدّ هجمات قوات "الدعم السريع" عن محور استراتيجي يصل دارفور بالعاصمة الخرطوم.
ومنذ بسطت قوات "الدعم السريع" سيطرتها على مدينة بارا في شمال كردفان في الـ25 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أحصت المفوضية "مقتل 269 مدنياً في الأقل بسبب الغارات الجويّة والقصف والإعدامات الميدانية"، بحسب البيان.
وقال تورك "إنه أمر صادم حقاً أن نرى التاريخ يتكرر في كردفان بعد وقت قليل من الأحداث المروّعة التي جرت في الفاشر"، وأضاف "لا ينبغي أن نسمح بتكرار ما جرى في الفاشر"، حيث ارتكبت قوات "الدعم السريع" أعمالاً مروّعة في آخر أكتوبر بعد سيطرتها على المدينة.
واتهم تورك كل أطراف النزاع بعرقلة وصول المساعدات.
الوضع الميداني
في وقت شهدت ولايتا غرب كردفان وجنوبها اليومين الماضيين معارك ضارية بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" تمكنت خلالها الأخيرة من بسط سيطرتها الكاملة على مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان، بينما استعاد الجيش السيطرة على ثمان مناطق في ولاية جنوب كردفان، كانت تحت سيطرة الحركة الشعبية - شمال بقيادة عبدالعزيز الحلو منذ 2011.
وساد هدوء حذر أمس الأربعاء جبهات القتال المختلفة في إقليم كردفان، الذي بات ساحة معركة كبرى منذ سقوط الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور في يد "الدعم السريع" أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
لكن مراقبين عسكريين يتوقعون انتقال المعارك خلال الفترة المقبلة إلى منطقة هجليج بولاية غرب كردفان الغنية بالنفط (تبعد 200 كيلومتر من بابنوسة)، التي تضم مقر اللواء 90 التابع للجيش، وذلك باستهدافها من "الدعم السريع" من أجل السيطرة عليها لتكمل قبضتها على هذه الولاية.
وكانت مسيرة تتبع لـ"الدعم السريع" استهدفت في الـ13 من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي حقل هجليج أسفر عن مقتل أحد المهندسين وإصابة آخرين، كما تضرر مطار المنطقة جزئياً، وتدمرت المخازن بالكامل.
ويعد هذا الحقل النفطي، الذي يقع قرب الحدود مع جنوب السودان، مصدراً رئيساً لإمدادات الخام إلى مصفاة الخرطوم، فضلاً عن دعم اقتصاد السودان، من خلال التصدير عبر ميناء بورتسودان.
ويسيطر الجيش على القاعدة العسكرية في هجليج، فيما تحكم "الدعم السريع" قبضتها على محلية المجلد وتوجد في آخر مناطق شمال هجليج، مما يعكس استمرار التحديات الأمنية على القطاع النفطي في ولاية غرب كردفان.
أحداث بابنوسة
وفي شأن أحداث سقوط بابنوسة، أكدت تقارير ميدانية أن المدينة شهدت خلال شهر نوفمبر الماضي هجمات مكثفة من قوات "الدعم السريع" التي تحاصرها منذ مطلع عام 2024، وذلك عبر قصف مدفعي يومي تجاوز في بعض الأيام 760 قذيفة، إلى جانب تحليق مستمر للمسيرات مدعومة بأنظمة تشويش حديثة، بينما اعتمد الجيش على تكتيكات الكمائن ومناورة الدخول في مناطق السيطرة النيرانية لمنع أية محاولة اختراق.
وبينت تلك التقارير أن تكتيكات وخطط الجيش أحبطت جميع محاولات التسلل التي ظلت تقوم بها "الدعم السريع" من حين لآخر بهدف السيطرة على الفرقة 22 مشاة، لكنها فقدت مجموعات كبيرة من قواتها، فضلاً عن تعرض المدنيين لسقوط مستمر نتيجة القصف المتكرر على الأحياء القريبة من محاور الاشتباك.
وأشارت التقارير إلى أنه في يومي الـ29 والـ30 من نوفمبر الماضي، دخلت المعركة مرحلة جديدة من التصعيد، إذ تعرضت الفرقة لقصف مدفعي مكثف بالتزامن مع هجمات مسيرات وانخراط دبابات ومدرعات في العملية، موضحة أنه في ضوء الضغط الشديد واستهداف مصادر المياه، أخلت قيادة الفرقة 22 مشاة الأسر والكوادر غير القتالية إلى مواقع آمنة خارج المنطقة، مع الإبقاء على وحدات دفاع متقدمة لتأمين الانسحاب ونقل العتاد والمركبات القتالية.
وأوضحت التقارير أنه في الأول من ديسمبر (كانون الأول) الجاري تمكنت "الدعم السريع" من التقدم نحو مدخل اللواء 89 عقب استهداف مكثف للدفاعات عبر سرب من المسيرات الانتحارية والمدفعية الموجهة، مما أدى إلى مقتل عدد من الجنود المتمركزين في المواقع الأمامية، فيما تسبب القصف المتواصل في انسحاب بعض الوحدات من خطوطها بعد تدمير الخنادق فوق عدد من الجنود.
وبحسب تلك التقارير، فإن انسحاب قيادة الفرقة 22 مشاة جرى على ثلاث دفعات متتالية، غير أن الدفعة الأخيرة تعرضت لكمين من قوات "الدعم السريع" أثناء خروجها.
تقدم الجيش
في المقابل، عد مراقبون تقدم الجيش في محور جنوب كردفان تحولاً مهماً يعكس تمدد رقعة العمليات العسكرية وتراجع الحركة الشعبية - شمال في هذه الولاية.
وسيطر الجيش خلال اليومين الماضيين على عدد من المناطق في محليتي العباسية وأبو جبيهة في شرق الولاية هي: تبسة، والدامرة، والشاواية، والجبيلات، والسنادرة، وجوليا، والموريب، وهي مواقع ذات تضاريس معقدة، مما أكسب العملية أهمية عسكرية.
وجاء هجوم الجيش على المناطق الشرقية لولاية جنوب كردفان ضمن خطة تهدف إلى استعادة كامل إقليم كردفان من قبضة "الدعم السريع"، والانطلاق نحو إقليم دارفور.
ويسيطر الجيش على غالب ولاية جنوب كردفان، في وقت تحاصر الحركة الشعبية - شمال كلاً من كادوقلي عاصمة الولاية والدلنج ثانية كبرى مدن الولاية، حيث اشتد الحصار على المدينتين بعد تحالف الحركة مع "الدعم السريع" منذ فبراير (شباط) الماضي، في حين تسيطر الأخيرة على محلية القوز في شمال الولاية.
وخلال الأيام الماضية كثفت قوات الحركة الشعبية و"الدعم السريع" القصف على مدينتي كادوقلي والدلنج بالطيران المسير والمدافع، وشنت حملة لتجنيد الشباب قسرياً في صفوفها من مناطق شرق الولاية.
تفاقم أوضاع بابنوسة
في الأثناء، أبدت شبكة أطباء السودان قلقها من تفاقم الأوضاع الإنسانية في مدينة بابنوسة بولاية غرب كردفان، إذ لا يزال مصير عشرات الأسر والأطفال مجهولاً في ظل الاشتباكات المتجددة بين الجيش وقوات "الدعم السريع".
وأشارت الشبكة في بيان إلى أن هذه الاشتباكات تزيد من الأخطار التي تواجه المدنيين، خصوصاً النساء والأطفال الذين احتموا في وقت سابق بمباني الفرقة 22 مشاة بعد اجتياح قوات "الدعم السريع" للمدينة قبل أكثر من عام.
وأشار إلى انتشار مقاطع مصورة نشرت من عناصر يتبعون "الدعم السريع"، تظهر عدداً كبيراً من النساء والأطفال داخل مباني الفرقة خلال الفترة التي سيطرت فيها الأخيرة على المدينة، وقد بدا عليهم وضع إنساني بالغ الصعوبة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وطالب البيان بضرورة ضمان سلامة هؤلاء المدنيين ونقلهم إلى مناطق آمنة بعيداً من خطوط القتال، مع تأكيد عدم احتجازهم أو مساءلتهم على أساس انتماء ذويهم لأية جهة، فضلاً عن المطالبة بفتح ممرات آمنة لإجلائهم وتوفير مساعدات إنسانية عاجلة.
ودعا البيان المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته تجاه المدنيين في بابنوسة، وتقديم الدعم الإنساني اللازم، والضغط على قيادات "الدعم السريع" لإبعاد المدنيين من مناطق الاشتباكات وتأمين الرعاية لهم.
وأعلنت "الدعم السريع" الإثنين الماضي تنفيذ عملية عسكرية قالت إنها أدت إلى السيطرة على الفرقة 22 في بابنوسة وفرض السيطرة الكاملة على المدينة، مؤكدة أنها حيدت ما وصفته بالتهديدات العسكرية التي كانت تستهدف المدنيين في عدد من المناطق.
وتعد بابنوسة من المدن ذات الأهمية الاستراتيجية في الإقليم لوقوعها على خط السكة الحديد الرابط بين كردفان ودارفور، وهو ما جعلها ساحة اشتباكات متكررة بين الطرفين.
اكتظاظ سجون الفاشر
في محور دارفور، أفادت تقارير بارتكاب قوات "الدعم السريع" الموجودة في مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور انتهاكات وجرائم حرب تتمثل في القتل والاغتصاب والتعذيب والتجويع والابتزاز المالي، مع استمرار عمليات دفن الضحايا في مقابر جماعية، وهو ما يعكس صورة قاتمة للوضع الإنساني داخل المدينة في ظل صعوبة الاتصالات وإغلاق المنطقة أمام المنظمات الدولية.
وبحسب تلك التقارير المسنودة لشهود عيان، فإن قوات "الدعم السريع" اعتقلت معظم المدنيين داخل الفاشر باستثناء نسبة محدودة من كبار السن والنساء والأطفال، إذ يجري اعتقال المحتجزين في مواقع تشمل جامعة الفاشر، والمقر السكني الذي يتبع لرئيس السلطة الإقليمية لحكومة دارفور في حقبة النظام السابق.
وبينت التقارير أن بعض المعتقلين نقلوا إلى جامع الدرجة الأولى الكبير قرب المستشفى السعودي، كما حولت "الدعم السريع" مقر (بعثة يوناميد) السابق الواقع أقصى الجهة الجنوبية والغربية من الفاشر، إلى مقر احتجاز، وكذلك مباني هيئة الأبحاث الواقعة في الناحية الجنوبية الغربية لحي الدرجة الأولى، لافتة إلى أن هذه المواقع تستخدم كمراكز احتجاز كبيرة تضم مدنيين من مختلف الفئات من دون إجراءات قانونية.
وأكدت تلك التقارير أن "الدعم السريع" نقلت بعض المعتقلين المدنيين من الفئات العمرية دون الـ60 إلى سجون مختلفة، من منشآت مدنية إلى مرافق احتجاز مكتظة، أبرزها سجن شالا الذي يضم ما لا يقل عن 3 آلاف محتجز في ظروف قاسية، فضلاً عن أكثر من 500 معتقلة غالبيتهن وجهت إليهن تهمة الاستنفار مع الجيش لتبرير احتجازهن.
وارتكبت "الدعم السريع"، فور استيلائها على الفاشر في الـ26 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية، جرائم مروعة تضمنت القتل الجماعي، والقتل على أساس الهوية، والاغتصاب والتهجير القسري.