Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إيران وسيناريوهات ما بعد عودة العقوبات الدولية

طهران في مفترق طرق إذ تحدد توجهاتها سياسات النظام واستراتيجيات المعارضة للتعامل مع الضغوط الخارجية

مخاوف من احتمال إدراج الملف الإيراني تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة (أ ف ب)

ملخص

أي حرب تشنها إسرائيل والولايات المتحدة ضد إيران لن تُسقط النظام ما لم تُرافق بإنزال بري لقوات أو عناصر محلية على الأرض تعمل لمصلحة إسرائيل والولايات المتحدة، لا يقل عددها عن 50 ألف شخص.

في الـ 26 من سبتمبر (أيلول) 2025، اقترحت كل من الصين وروسيا على مجلس الأمن الدولي تأجيل عودة العقوبات الأممية على إيران لمدة ستة أشهر، إلا أن المقترح لم يحصل على الأصوات الكافية، ما أدى إلى رفضه، وفشل مساعي موسكو وبكين في الحيلولة دون استئناف العقوبات على طهران.

وبناءً عليه، عادت العقوبات اعتباراً من الأحد 28 سبتمبر 2025، لتشمل تجميد الأصول الخارجية لإيران، ووقف التعاملات التسليحية معها، وفرض عقوبات على تطوير برنامجها للصواريخ الباليستية.

الأخطر من ذلك هو احتمال إدراج الملف الإيراني تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو ما يعني أن مجلس الأمن يعتبر الدولة الإيرانية تهديداً للسلم والأمن الدوليين، ويخول له فرض عقوبات إلزامية، بل والسماح باستخدام القوة العسكرية ضدها، ومثل هذه الخطوة، حتى وإن لم تؤدِ إلى حرب مباشرة، قد تشجع القوى المعادية لإيران على شن هجمات عسكرية ضدها.

يُعد المجتمع الإيراني مجتمعاً فريداً من نوعه مقارنةً بجيرانه، إذ لا يختلف فقط عن المجتمعات الغربية ثقافياً ولغوياً وسياسياً ودينياً، بل يختلف أيضاً عن مجتمعات الشرق الأوسط، على رغم بعض الروابط الثقافية والدينية التي تجمعه بالعرب وشعوب المنطقة، وتُضفي الجغرافيا السياسية لإيران مزيداً من التمايز على موقعها ودورها، هذا التفرد أسهم في نشوء نظام سياسي فريد يُعرف بـ "نظام ولاية الفقيه المطلقة"، وفق الدستور الإيراني.

تحولات اجتماعية عميقة

على مدى عقود، شهد المجتمع الإيراني تحولات اجتماعية وثقافية عميقة، كانت بمعظمها رد فعل على السياسات القمعية للسلطة الدينية الحاكمة منذ عام 1979، وأضفت الانتفاضات الشعبية التي اندلعت في أعوام 2017 و2019 و2022 بُعداً سياسياً واضحاً على هذه التحولات، وأسهمت في إضعاف قبضة النظام على المجالات الاجتماعية والثقافية، التي طالما تمسك بها بعنف.

وتُعد انتفاضة مهسا أميني عام 2022 أبرز هذه المحطات، حيث أجبرت التضحيات النسائية النظام على التراجع في ملف كان يعتبره من الثوابت وهو فرض الحجاب، واليوم، يصعب على زائر طهران ومدنها الكبرى تمييزها عن مدن مثل باريس أو لندن أو دبي من حيث مظهر النساء وسلوك المجتمع.

حتى وإن لم تنشب حرب شاملة، فإن العقوبات القاسية قد تكون أكثر فتكاً من الحرب نفسها، كما حصل في العراق خلال تسعينيات القرن الماضي، من حيث المجاعة والدمار الاجتماعي، هذا قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية "عمياء"، في ظل غياب تنظيمات قادرة على توجيه الاحتجاجات أو تمثيل فئات المجتمع المختلفة.

التباين القومي والسياسي داخل إيران

على رغم أن بعض القوميات، مثل الأتراك الأذريين، لا تزال تعلّق آمالاً على الرئيس مسعود بزشكيان المنتمي إلى القومية التركية الأذرية، إلا أن قوميات أخرى كالأكراد والبلوش، تتخذ مواقف معادية للسلطة المركزية، كذلك فإن الفرس أنفسهم منقسمون في ولاءاتهم السياسية، وعلى رغم نضوج المجتمع الإيراني مقارنةً بمرحلة ثورتي الدستور (1906) والثورة الإسلامية (1979)، إلا أن غياب التوافق بين القوميات والفئات الاجتماعية والممثلين السياسيين يُعد أحد أسباب فشل انتفاضة مهسا أميني على رغم زخمها الثوري وكذلك عدم انسجامها ضد السلطة الحاكمة.

النظام الإيراني يرى في المطالب الأميركية- التي تشمل وقف التخصيب النووي، ونقل اليورانيوم المخصب إلى الخارج، وتحديد القوة الصاروخية، وإنهاء دعم القوى التابعة له في الإقليم ضرباً لاستراتيجيته القائمة على "الاقتدار الإقليمي"، ولهذا، يفضل النظام تحمّل العقوبات القاسية على أن يُخدش صورته في المنطقة، بل يرى في ما يحدث مؤامرة تشبه السيناريو الليبي، حيث لم تُجنّب التنازلات النووية نظام القذافي من السقوط تحت القصف الغربي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تصريحات بعض المسؤولين والبرلمانيين الإيرانيين حول احتمال لجوء طهران إلى خيار التسلح النووي وإنتاج قنبلة نووية، تشير إلى هذا المسار كخيار محتمل لمواجهة الضغوط الأميركية، أو في حال وقوع صدام عسكري مع إسرائيل. ومن جهة أخرى، فإن غياب الاستجابة الشعبية لدعوات إسرائيل للخروج ضد النظام، وكذلك اعتقاد النظام بأن الإيرانيين باتوا معتادين على العقوبات، شجّع الحكومة على التشدد في مواقفها، لكن هذا التصور يحمل في طيّاته أخطاراً كبيرة، إذ قد تؤدي الضغوط الغربية والإسرائيلية إلى انفجار داخلي يهدد وجود النظام ذاته.

حتى لو استبعدنا خيار التسلح النووي، فإن موقف القيادة العليا في طهران يستند إلى قراءة تاريخية ورمزية عميقة. المرشد الإيراني يرى في وضعه تشابهاً مع موقف الحسين بن علي في واقعة الطف، ويضع نفسه في مقام القائد الذي "يقاوم حتى آخر قطرة دم"، ووفق هذا التصور، أمام النظام خياران قاسيان، إما التسليم مع احتمال التعرض للتصفية الجسدية أو السياسية، أو المقاومة حتى النهاية.

يبدو أن القيادة تميل إلى الخيار الثاني، مع الحرص على شراء الوقت أو انتظار انفراجة محتملة، وفق المثل الفارسي "من هذا العمود إلى ذلك العمود يحدث الفرج"، وهذه العقلية التي يمكن وصفها باللعب على حافة الهاوية، ظهرت في مواقف سابقة للقيادة خلال أزمات صعبة، وتفسر جزئياً تشدّدها واستعدادها لتحمّل تكاليف عالية بدلاً من القبول بما تعتبره إذلالاً أو تهديداً لوجودها.

في موازاة هذا، بدأ النظام منذ فترة بالتحوّل تدريجاً عن الخطاب الإسلامي الصرف، والاتجاه نحو خطاب قومي إيراني (فارسي)، مستعيناً برموز من الحقبة ما قبل الإسلامية، كذلك سمح بانفتاح اجتماعي وثقافي جزئي، وفتح المجال لبعض أصوات المعارضة الإصلاحية واليسارية داخل وخارج البلاد، ووصلت الأمور إلى حد المطالبة بـاستفتاء شعبي حول طبيعة نظام الحكم، أيضاً ورد في بيان رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي (الخاضع للإقامة الجبرية)، وبيان 17 شخصية سياسية وأكاديمية مؤثرة دعوا فيه للانتقال السلمي إلى جمهورية ديمقراطية علمانية.

تبع ذلك بيان لما تُعرف بـ"جبهة الإصلاحات"، لكنه اكتفى بالدعوة لإصلاحات هيكلية ضمن إطار النظام القائم، من دون المطالبة بتغييره.

المعارضة... انقسام في الرؤى وتشظٍ في الأهداف

النظام اليوم يتمتع بشعبية تتراوح بين 20 و30 في المئة، ويستغل ضعف الاستجابة الشعبية لنداءات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي دعا فيها الشعب الإيراني للخروج أثناء حرب يونيو (حزيران) مع إسرائيل، ليقدّم نفسه كـ"التيار الرابع" في المشهد السياسي، منافساً لثلاث قوى معارضة رئيسية هي العلمانيون الجمهوريون، والملكيون، ومجاهدي خلق.

على عكس ما حدث عام 1979، حين اتحدت أغلب فئات المجتمع ضد الشاه، لا نشهد اليوم إجماعاً مماثلاً، فبعض القوى تسعى لإصلاح النظام، وأخرى تسعى لتغييره بطرق سلمية، بينما تسعى فئات ثالثة لإسقاطه بأي وسيلة، هذا الانقسام يعقّد فرص التغيير الحقيقي.

العامل الخارجي اليوم يبدو أكثر تأثيراً مما كان عليه خلال الثورة الإسلامية، وقد كان هذا العامل حاضراً في كل تحوّل جذري شهدته إيران منذ مطلع القرن الـ20 من ثورة الدستور، إلى نفي الشاه رضا بهلوي، إلى حركة تأميم النفط بقيادة مصدق، وصولاً إلى ثورة 1979.

وبناءً على ما سبق، يمكن القول إن أي حرب تشنها إسرائيل والولايات المتحدة ضد إيران لن تُسقط النظام ما لم تُرافق بإنزال بري لقوات أو عناصر محلية على الأرض تعمل لمصلحة إسرائيل والولايات المتحدة، لا يقل عددها عن 50 ألف شخص.

فعلى رغم رغبة قطاعات من الشعب الإيراني في التخلص من النظام، فإن هناك تياراً وطنياً مناهضاً للتدخل الأجنبي سيقاوم هذه المحاولات، حتى لو جاءت بمن تعتبرهم "حلفاء" مثل الملكيين، وإن نجحت مثل هذه المحاولات، فستواجه مقاومة قد لا تقلّ عن تلك التي شهدناها في العراق وأفغانستان، وهو ما تدركه واشنطن وتل أبيب جيداً، ولهذا تُفضّلان دعم التغيير الداخلي بدلاً من التدخل المباشر.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل