Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المسيرات والمرتزقة والتضليل ثالوث يرسم مستقبلا قاتما لأفريقيا

المجالس العسكرية الحاكمة تستعين بها لقلة كلفتها ولضمان الأمن والاستقرار

تزيد الفوضى في أفريقيا من حاجة الحكومات إلى معدات عسكرية متطورة مثل المسيرات (رويترز)

ملخص

لم يعد افتعال الحروب المدمرة على نطاق واسع أمراً مكلفاً، لا سيما في القارة السمراء التي تعاني كثيراً من المشكلات والاضطرابات، إذ وفرت المسيرات والمرتزقة والتضليل الإعلامي وسائل رخيصة نسبياً ولكنها ذات فاعلية كبيرة.

مع تصاعد استخدام الطائرات المسيرة والمرتزقة في الصراعات الدائرة في أفريقيا، برز عنصر ثالث يغذي النزاعات وهو الأخبار المضللة، مما يجعل هذا الثالوث يرسم مستقبلاً قاتماً للقارة السمراء التي تئن تحت وطأة حروب لا نهاية لها.

ولم تهدأ فوهات البنادق بعد في منطقة الساحل الأفريقي على رغم الانقلابات التي صعدت بحكام تعهدوا بنشر الأمن والاستقرار، حيث تستمر هجمات الجماعات المتمردة والمتشددة على غرار جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" المرتبطة بتنظيم "القاعدة" الإرهابي.
وفي مواجهة هذا الوضع، استعانت المجالس العسكرية الحاكمة في دول مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو بمسيرات تركية وروسية الصنع وبمرتزقة للتكفل بمهمة واضحة: ضبط الأمن والاستقرار.
وزادت وتيرة الأخبار المضللة في مثل هذه المناطق، مما يكرس حرباً من نوع آخر بين الجماعات المسلحة والأنظمة الحاكمة.

مسيرات وتضليل

وذكرت مجلة "منبر الدفاع الأفريقي"، التي تصدر عن القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم)، أن مرتزقة "فاغنر" الروس يقدمون نموذجاً لاستخدام التضليل والمسيرات والمرتزقة في الحروب الحالية وحروب المستقبل أيضاً في أفريقيا.
وينتشر بالفعل مرتزقة "فاغنر" في دول مثل جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي وغيرهما، حيث استجلبت حكومات هذه البلدان هؤلاء بهدف إنهاء حركات تمرد أو نشاط لجماعات متشددة.
وعد الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الأفريقية، الأمين درمس، أن "الدول الأكثر تضرراً من استخدام المرتزقة والمسيرات في أفريقيا هي السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى حيث هناك تأثير كبير لـ’فاغنر‘، ودول الساحل، حيث يتم استغلال هذه البلدان الآن بصورة سيئة جداً من خلال مقايضة السلاح والمرتزقة مقابل التنقيب عن المعادن ونفوذ آخر".
وأردف درمس أن "استخدام المسيرات جاء نتيجة لميزاتها إذ تضرب أهدافها بدقة عالية وتقلل من الخسائر البشرية، إضافة إلى قلة كلفتها، لذلك في ظل تطور الحروب أصبح استخدام المسيرات أمراً لافتاً جداً، وكل هذا الاستخدام هو من أجل استنزاف ثروات أفريقيا، إذ يتم اقتناء هذه المسيرات واستجلابها ضمن اتفاقات تسمح للدول التي تعرضها بالتنقيب والتعدين. واللجوء إلى هذا السلاح يهدف إلى فرض النفوذ باعتبار أن أفريقيا ليست مصنعة للمسيرات مما يجعل الدول الرائدة في صناعتها مؤهلة لبيعها إلى الدول الأفريقية بمقابل ما".
وشدد المتحدث، وهو أيضاً المنسق العام لـ"تنسيقية السودانيين في غرب أفريقيا"، على أن "هناك أيضاً استخداماً مكثفاً للسوشيال ميديا والتضليل الإعلامي والذكاء الاصطناعي، حيث أصبح ذلك يمثل سلاحاً كبيراً جداً، فكثر يستخدمون التضليل لتشويه الخصوم وبث الكراهية، خصوصاً أن المجتمعات غير ناضجة ولا تملك الآليات للتثبت من صدقية الأخبار وما يتم نشره".


الحرب اللاتماثلية

ووجدت دول مثل تركيا وروسيا في أفريقيا سوقاً مهمة للترويج لطائراتها المسيرة على غرار "بيرقدار" التي باتت تستخدم على نطاق واسع، وهذه المسيرات تلجأ إليها الدول والجماعات شبه العسكرية على اعتبار أنها لا تكلفها ملايين الدولارات كما هي الحال مع الطائرات المقاتلة.
ويرى الباحث السياسي والأمني نزار مقني أن "الأزمة الأمنية في أفريقيا باتت تختصر في ثالوث جديد يعبر عن جوهر ما يسمى الحرب اللاتماثلية: المسيرات والتضليل والمرتزقة".
وتابع مقني أن "هذه الأدوات الثلاث ليست مجرد تفاصيل تقنية، بل تعبير عن مرحلة جديدة تغير طبيعة النزاعات، إذ لم يعد التوازن يقاس بعدد الدبابات أو حجم الترسانات التقليدية، بل بقدرة طرف ضعيف على إحداث أثر استراتيجي عبر وسائل رخيصة وسريعة ومرنة، والنتيجة المباشرة لذلك هي إنتاج جغرافيا لا تماثلية بدورها: خرائط حدودها رخوة وموازينها متحركة وساحاتها مفتوحة على مفاجآت قد تأتي من السماء بطائرة مسيرة، أو من الأرض عبر مجموعة مرتزقة، أو من الفضاء الافتراضي بخبر مفبرك يهز مدينة كاملة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"ديمقراطية القوة"

وحول المسيرات قال إنها "دخلت سماء أفريقيا وكأنها إعلان عن ديمقراطية القوة، لكنها في حقيقتها فتحت أبواباً للفوضى أكثر مما فتحت فرصاً للتوازن، ولم يعد امتلاك سلاح جو حكراً على دولة قوية، يكفي أن تستورد حكومة هشة طائرات رخيصة من تركيا أو الصين أو إيران لتدخل معادلة جديدة، أو أن يمتلك فصيل متمرد أو جماعة إرهابية بضع طائرات تجارية معدلة ليربك جيشاً بأكمله. الطائرة الصغيرة تحولت إلى ما يشبه المسدس النووي في يد لاعب محدود، يغير معادلات على الأرض ويغري بالتوسع في الحرب لأنها لا تتطلب تضحية كبيرة".


تحول استراتيجي

وعلى رغم أن هذا الثالوث يخيم على حروب أفريقيا، فإن الحكومات لم تنجح بعد في إحداث اختراق كبير ميدانياً حيث لا تزال تكابد لاستعادة مساحات فقدتها لمصلحة الجماعات المسلحة، ولذلك لجأت تلك الحكومات إلى المرتزقة.
وفي نظر مقني فإن "المرتزقة هم الوجه الثاني لهذه الحرب اللاتماثلية... شركات أمنية خاصة وجماعات مأجورة تتحرك بين مالي وليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى كما لو أنها فرق موسيقية تنتقل من مسرح إلى آخر، والحكومات تستأجرها لتعوض ضعف جيوشها، والقوى الخارجية تستعملها كأذرع قذرة بلا بصمة واضحة، والنتيجة أن عمر النزاعات يطول والحدود تختلط والشرعية تصبح مسألة مال لا مسألة سيادة".
وأشار الباحث إلى أن "التضليل أيضاً يمثل السلاح الأكثر خفاءً والأشد خطراً، ففي لحظة واحدة يمكن لخبر كاذب أن يشعل حرباً أهلية، أو لفيديو مفبرك أن يبرر مجزرة. هذه ليست دعاية عابرة، بل جزء من ساحة قتال متكاملة. حين تختلط الحقائق بالأكاذيب تسقط ثقة الناس بالدولة، ويتحول الحوار إلى صراع روايات، ويقتل أي إمكان للتسوية قبل أن يولد. التضليل يزرع جغرافيا ذهنية لا تماثلية داخل المجتمعات، حيث يرى كل طرف خريطته الخاصة للواقع".
واستنتج مقني أن "بهذا الثالوث تصبح النزاعات أكثر اندفاعاً، أكثر غموضاً من جهة المسؤوليات، وأطول أمداً من جهة الزمن، السودان مثال حي: المسيرات هناك حولت الصراع إلى سماء مفتوحة على القصف المتبادل. إثيوبيا دفعت ثمناً مدنياً باهظاً حين استخدمت المسيرات في حرب تيغراي، أما منطقة الساحل فقد صارت ساحة لعناصر اللعبة الثلاثة: مرتزقة يتنقلون بين مالي وبوركينا فاسو، ومسيرات تستورد وتستخدم بصورة غير منظمة، وحملات تضليل تستهدف تمزيق النسيج الاجتماعي أكثر مما تستهدف العدو الخارجي".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير