ملخص
تعيش مدينة الأبيض منذ أكثر من أسبوع حالة من الاستعداد والترقب نتيجة القصف المدفعي والغارات المسيرة المتكررة التي ظلت تتعرض لها، وسط انتشار واسع للوحدات العسكرية والتعزيزات الأمنية المكثفة تحسباً لأي اختراقات جوية أو برية محتملة.
تواصلت المواجهات والمعارك الطاحنة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" في ولاية شمال كردفان، وسط تصعيد جوي لافت من الطرفين لغاراتهما الجوية والمسيرة وهجمات الكر والفر البرية على أكثر من أربع جبهات قتالية ساخنة على المحور نفسه.
وبينما كثف الطيران الحربي السوداني أمس غاراته الجوية مستهدفاً تجمعات وتحركات قوات "الدعم السريع" في مدينتي الخوي والنهود وشرق بارا، وهاجمت الأخيرة بسرب من المسيرات الانتحارية والاستراتيجية قوات الجيش في منطقتي رهيد النوبة، كما استهدفت طائرة مسيرة مدينة الأبيض عاصمة شمال كردفان لليوم الثالث على التوالي، تصدت لها الدفاعات الأرضية للجيش بنجاح.
استهداف متكرر
وتعيش مدينة الأبيض منذ أكثر من أسبوع حالة من الاستعداد والترقب نتيجة القصف المدفعي والغارات المسيرة المتكررة التي ظلت تتعرض لها، وسط انتشار واسع للوحدات العسكرية والتعزيزات الأمنية المكثفة تحسباً لأي اختراقات جوية أو برية محتملة.
وأوضحت مصادر ميدانية أن قتالاً شرساً ومعارك ضارية دارت أمس الأربعاء في أربع جبهات قتال نشطة بشمال كردفان في مناطق جبرة الشيخ وشرق بارا ورهيد النوبة، فضلاً عن كازقيل وأبو قعود على التخوم الغربية لعاصمة الولاية (الأبيض).
وأشارت المصادر إلى أن قوات "الدعم السريع" شنت أمس هجوماً عنيفاً مدعوماً بالمسيرات على مواقع الجيش والقوات المتحالفة معه في منطقة رهيد النوبة، بالتزامن مع هجومين آخرين شرق مدينة بارا، وفي منطقة عد السدر تمكنت قوات الجيش وحلفاؤه من التصدي لها واستعادة السيطرة الكاملة على المنطقة وتكبيد الميليشيات خسائر كبيرة في الأرواح والعتاد، كما استولت على شحنات من الأسلحة الثقيلة، وواصلت تقدمها نحو منطقة جبرة الشيخ.
تراجع وتمركز
وتمكن الجيش الخميس الماضي من استعادة مدينة بارا، شمال شرقي الأبيض بجانب مدن كازقيل والرياش، فيما تراجعت قوات "الدعم السريع" إلى نحو 25 كيلومتراً خارج بارا، وظلت مجموعات منها متمركزة وسط الفرقان والقرى الصغيرة في محيط المنطقة.
ومنذ مطلع سبتمبر الجاري، وسع الجيش عملياته الحربية في محور كردفان في أعقاب زيارة نائب القائد العام شمس الدين الكباشي إلى الخطوط الأمامية للقوات والفرق المقاتلة بشمال كردفان، مشدداً على عزم الجيش الوصول إلى شمال دارفور وفك الحصار عن مدينة الفاشر.
اشتباكات وقصف
في شمال دارفور شهدت مدينة الفاشر أمس الأربعاء اشتباكات محدودة بين الجيش والقوات المشتركة في مواجهة "الدعم السريع"، في محاور عدة من المدينة.
وأوضحت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر، في تحديث لها عن الأوضاع الأمنية والعسكرية بالفاشر أمس، أن قوات "الدعم السريع" واصلت قصفها المدفعي المكثف على الأحياء السكنية المأهولة بالمدنيين داخل المدينة على رغم انحسار الاشتباكات المباشرة بين الجانبين.
في المقابل قالت "الدعم السريع" على منصاتها بمواقع التواصل الاجتماعي، إنها بدأت بتضييق الخناق على مقر الفرقة السادسة مشاة للجيش داخل مدينة الفاشر باقترابها الشديد من محيط الفرقة، وسط ما وصفته ببداية انهيار خطوط الدفاع الأولى للفرقة، مشيرة إلى أن المواجهات باتت على بعد أمتار قليلة من مقر قيادة الفرقة.
عملية نوعية
وكانت الفرقة السادسة مشاة بالفاشر، قد أعلنت تنفيذ عملية عسكرية نوعية ناجحة مع القوات المشتركة وقوات العمل الخاص وقوة حماية المدنيين، في المحور الشمالي الغربي للمدينة، أسفرت عن الاستيلاء على ثلاث عربات مصفحة بكامل عتادها الحربي، وكمية من الوقود، وتدمير عربتين قتاليتين كما جرى خلالها تحرير المبنى والمخازن التي كانت تستخدمها الميليشيات لتخزين عتادها وتمركز قناصوها.
وكشفت الفرقة عن "تعرض الميليشيات الإرهابية لهزيمة قاسية في معاركها السابقة، بعد أن كثفت هجماتها وقصفها المدفعي على مدينة الفاشر منذ مطلع هذا الأسبوع، معتقدة بأن قواتنا ستتراجع أو تسلم لها المدينة"، وأشارت إلى أن عمليات التسلل الليلي التي قامت بها في محاولة لإخلاء جرحاها وقتلاها، باءت بالفشل وجرى دحرها بنجاح.
مأساة ونزوح
ويواجه نحو 300 ألف ممن تبقى من السكان المدنيون المحاصرون منذ نحو 18 شهراً أوضاعاً إنسانية بالغة الصعوبة تنعدم فيها السلع الغذائية والخدمات الأساسية كالكهرباء والاتصالات والمياه، إضافة إلى توقف عمل المستشفيات وشح الأدوية نتيجة المواجهات المستمرة والحصار الخانق الذي تضربه عليها وعلى ضواحيها قوات "الدعم السريع".
وتسببت المعارك والحصار في نزوح نحو 600 ألف من سكان المدينة إلى محلية طويلة والقرى المجاورة بحثاً عن الأمان والغذاء والرعاية الصحية، بينما فر آلاف آخرون نحو الحدود التشادية والليبية وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان عبر طرق وعرة وخطرة، في محاولة للنجاة بأنفسهم وأسرهم.
نصف مليون وفاة
وبحسب آخر تحديث، صدر أمس عن المنسقية العامة للنازحين بدارفور يواصل وباء الكوليرا انتشاره الواسع في دارفور، بتجاوز حصيلة الوفيات لنصف مليون وفاة مسجلاً 509 حالات وفاة تراكمية، بينما ارتفع عدد الإصابات إلى 12186 إصابة، وسجلت أمس 125 حالة إصابة جديدة وتسع وفيات.
وأوضح نازحون فارون من الفاشر أن قوات "الدعم السريع" ومجموعات مسلحة أخرى تنتشر على طول الطرق المؤدية إلى المحليات المجاورة، إذ يجبر المدنيون على تسليم أموالهم ومواشيهم وهواتفهم النقالة، فيما تتعرض النساء والفتيات للمضايقات وللعنف الجنسي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأشار النازحون إلى أن الفاشر أصبحت مدينة محطمة خالية من مظاهر الحياة، بينما يستنجد المواطنون العالقون بحكومتي الإقليم والمركز وضمير العالم لفك الحصار عن المدينة من دون جدوى.
ويحتدم الصراع على مدينة الفاشر منذ نحو عامين بوصفها آخر معاقل الجيش السوداني في إقليم دارفور، التي تسعى قوات "الدعم السريع" باستماتة في الاستيلاء عليها إلى إكمال سيطرتها على كل عواصم ولايات الإقليم، عقب سيطرتها على عواصم الولايات الأربع الأخرى بالإقليم (غرب وشرق وجنوب ووسط) دارفور، بينما يعمل الجيش مع حلفائه في القوات المشتركة للإبقاء على المدينة تحت سيطرته كونها تمثل عاصمة الإقليم برمته، بجانب ولاية شمال دارفور.
بولس في أديس أبابا
دولياً وصل المبعوث الأميركي الرئاسي مسعد بولس إلى العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، بغرض التنسيق في ملف الأزمة السودانية بين اللجنة الرباعية والاتحاد الأفريقي ومنظمة (إيغاد).
وأشارت مصادر دبلوماسية إلى أن لقاءات بولس، بقادة ومسؤولين في الاتحاد الأفريقي، ناقشت ربط قضية السودان بين الرباعية والاتحاد الأفريقي.
والجمعة الماضية أصدر وزراء خارجية مجموعة (الرباعية) بياناً مشتركاً تضمن مصفوفة زمنية لإقرار هدنة إنسانية لثلاثة أشهر تقود إلى وقف إطلاق النار وعملية انتقالية في السودان، متهماً التيارات الإسلامية بإشعال وتأجيج الحرب وإعاقة جهود السلام في السودان.
عام بلا مساعدات
أممياً جدد برنامج الغذاء العالمي تأكيده بتعذر إيصال أية مساعدات غذائية إلى مدينة الفاشر منذ أكثر من عام، بسبب الحصار المفروض عليها، وأدى إلى مفاقمة الأزمة الإنسانية في المدينة.
وأوضح البرنامج، في منشور على صفحته بمنصة "فيسبوك"، أن العائلات المحاصرة داخل الفاشر باتت تعتمد بصورة شبه كاملة على التحويلات النقدية، في ظل غياب المواد الغذائية الأساسية، مما يجعل الحاجة العاجلة إلى إدخال المساعدات الإنسانية إليها أكثر إلحاحاً.
وأكد حصوله على كل الموافقات اللازمة من مفوضية العون الإنساني الحكومية، غير أنه لا يزال ينتظر تأكيداً من قوات "الدعم السريع" للسماح بمرور قوافل الإغاثة الإنسانية ودخولها إلى المدينة.
وسبق أن حذرت منظمات أممية عدة من خطر مجاعة ماثلة تجتاح المدينة التي تشهد انهياراً شبه كامل في البنية التحتية والأسواق المحلية، وتضاعفت فيها أسعار السلع والمواد الغذائية فيها بنسبة قاربت 500 في المئة مقارنة بمدن البلاد الأخرى.
استنفار في الخرطوم
في الخرطوم أعلنت حكومة الولاية حالة الاستنفار الشامل للجهود الرسمية والشعبية والمنظمات في موجهة التفشي الواسع لحميات الضنك والملاريا، تتضمن تكثيف العمل التوعوي بالتزامن مع حملات الرش بأنواعه المختلفة لمكافحة نواقل الأمراض.
وقررت اللجنة العليا للطوارئ وإدارة الأزمة بالولاية الاستنفار للسيطرة على الحميات من خلال خطة تستهدف إشراك المواطنين وتوعيتهم بكيفية تفادي الإصابة بالمرض، وذلك بتجفيف مواقع توالد البعوض الناقل للمرض، مع ضرورة توفير الفحوص والعلاجات بالمستشفيات والمراكز الصحية.
وسجل مركز عمليات الطوارئ الصحية الاتحادي 1367 حالة إصابة بالكوليرا، بينها 52 حالة وفاة، و1523 إصابة وثلاث حالات وفاة بحمى الضنك، في خمس ولايات تشمل شمال دارفور ووسطها وشرقها وجنوب كردفان والنيل الأزرق، وفق أحدث تقارير الترصد والمعلومات.
واستعرض الاجتماع الأسبوعي لمركز الطوارئ موقف أنشطة تعزيز الصحة، وتدخلات إدارة صحة البيئة، والرقابة على الأغذية، والإمداد، والحجر الصحي، إضافة إلى آخر مستجدات الأمراض الوبائية في الولايات.
وسجلت الخرطوم وفق التقرير أعلى معدلات الإصابة بحمى الضنك، بينما جرى الإبلاغ عن 12 إصابة بالحصبة من دون وفيات في شمال دارفور، كما أشار التقرير إلى تسجيل 64 إصابة بالتهاب الكبد الوبائي من دون وفيات في ولاية الجزيرة.
عودة الحكومة
وضمن جهود اللجنة العليا لتهيئة بيئة العودة للولاية برئاسة عضو مجلس السيادة الانتقالي مساعد القائد العام للجيش الفريق إبراهيم جابر، أعلنت وزارة شؤون مجلس الوزراء تسلم وتهيئة المقار الحكومية البديلة للوزارات الاتحادية بولاية الخرطوم، تمهيداً لعودة مؤسسات الدولة تدريجاً للعاصمة بعد فترة طويلة من التعطل والغياب.
كشفت اللجنة عن الفراغ من عمليات حصر المنقولات الحكومية وتجهيزات بالمباني، وتحديد الحاجات العاجلة إلى الصيانة وإعادة التأهيل لضمان قدرة الوزارات على مباشرة مهماتها من مقارها البديلة الجديدة من دون أية عقبات إدارية.
جائزة إنسانية
إلى ذلك حصلت غرف الطوارئ بالسودان على جائزة "رافتو" العالمية لعام 2025، وذلك لعملها الشجاع خلال الحرب بين الجيش وقوات "الدعم السريع" على تقديم الخدمات الإنسانية بشجاعة وتفان من خلال الجهود الشعبية، وتفعيل الجهود التعاونية لتقديم المساعدات للمواطنين المحاصرين بين خطوط النيران، مما أسهم في حفظ حياة السودانيين خلال النزاع المسلح وفق الجائزة.
وتخصص جائزة من مؤسسة "رافتو" النرويجية التي تعود للمؤرخ النرويجي ثور ولف رافتو إلى الأفراد والمنظمات بصورة سنوية، تقديراً لجهودها في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان.
وسبق أن حصلت غرف الطوارئ خلال هذا العام على جائزة الاتحاد الأوروبي، لجهودها الإنسانية خلال حرب السودان.
وأوضح إيجاز صحافي لمؤسسة "رافتو" أن المتطوعين والمتطوعات في شبكات الاستجابة الإنسانية بالسودان تعرضوا إلى الاعتقال والتعذيب والضرب من طرفي الحرب، ولم يحصلوا على الحماية التي يجب أن تتوفر للعاملين في المجال الإنساني.