ملخص
تنتمي هؤلاء النساء إلى فئة ديموغرافية أغفلت على نطاق واسع، فبينما يركز العالم على مواطنيه الذين يعانون من السمنة والذين يزيد عددهم على مليار نسمة، لا يزال هناك أشخاص في الطرف الآخر نحيفون، وغالباً ما يكون ذلك مؤلماً وغير مريح لهم.
تعاني عميلات مدربة الوزن البريطانية بيلا بارنز من النحافة المفرطة، وتتحدث واصفة مظهرهن "أتعاقد مع عميلات من اللواتي يرتدين سروالاً ضيقاً مزوداً بحشوات للأرداف، وأخريات يرتدين ثلاثة أزواج من السراويل في الصيف فقط لتبدو أكبر حجماً".
إذ تنتمي هؤلاء النساء إلى فئة ديموغرافية أغفلت على نطاق واسع، فبينما يركز العالم على مواطنيه الذين يعانون من السمنة والذين يزيد عددهم على مليار نسمة، لا يزال هناك أشخاص في الطرف الآخر نحيفين، وغالباً ما يكون ذلك مؤلماً وغير مريح لهم.
لكن، يوجد كثيرون يصفون هذه الفئة من الأشخاص بالمحظوظين، وهو ما تؤكده الكاتبة البالغة من العمر 54 سنة كاترين هاردت على أنها واحدة من هؤلاء الأشخاص المحظوظين، إذ يبلغ وزنها 55 كيلوغراماً وطولها 170 سنتيمتراً، ما يعني أن مؤشر كتلة جسمها لا يتجاوز 17.
تقول الكاتبة "كنت نحيفة طوال حياتي، ففي المدرسة كان الناس يسخرون مني لكوني طويلة ونحيفة، لكن النحافة كانت مفيدة أيضاً، إذ في العشرينيات من عمري كنتُ ممثلة طموحة، وعُيّنت بديلة لغوينيث بالترو في فيلم آمال عظيمة، وفرح قسم الملابس كثيراً عندما اكتشفوا أنني أستطيع ارتداء أزياء غوينيث الصغيرة بسهولة، وبعدها التقيتُ بها وكنا متشابهتين جداً، شقراوتان طويلتان ونحيفتان، لكنني لم أتبع حمية غذائية قط في حياتي، ولا أشعر بالجوع أبداً".
لم تُدرس بشكل كاف
غالباً ما يتناول الأشخاص النحيفون بطبيعتهم كميات طعام تعادل ما يتناوله أقرانهم، ولا يمارسون الرياضة بكثافة، ومع ذلك يقل مؤشر كتلة الجسم لديهم عن 18.5، وأحياناً يصل إلى 14 أي ما يعادل 72 رطلاً أو ما يعادل 33 كيلوغراماً لشخص طوله 1.5 متر ولا يكتسبون الوزن بسهولة.
ويصف مؤلفو بحث نُشر أخيراً في المجلة السنوية للتغذية هذه الحالة بأنها لغز حقيقي، ويقولون "إن النحافة البنيوية تتحدى المعرفة الأساسية الراسخة حول توازن الطاقة والتمثيل الغذائي، كذلك فإنها لم تُدرس بشكل كافٍ، إذ لم تُجرَ سوى أقل من 50 دراسة سريرية على الأشخاص النحيفين بطبيعتهم، مقارنةً بآلاف الدراسات التي تناولت زيادة الوزن غير المرغوب فيها".
وأجرى فريق دولي من العلماء بقيادة البروفيسور جون سبيكمان من كلية العلوم البيولوجية بجامعة أبردين ومعهد شنتشن للتكنولوجيا المتقدمة في الصين، دراسة هي الأولى التي تُجري اختبار موضوعي لكمية الطعام التي يتناولها الأشخاص النحيفون جداً ومدى نشاطهم، بدلاً من دراسة جيناتهم أو الإبلاغ عما يدّعونه.
وكانت النتائج، كما صرّح سبيكمان لصحيفة "التليغراف" مفاجأة كبيرة، إذ يقول "التفسير التقليدي لنقص الوزن الصحي هو أن الشخص يستطيع تناول ما يشاء ثم حرقه بطريقة ما، لذا توقعنا أن نجد ذلك بالضبط، مستويات عالية من تناول الطعام، مصحوبة بمستويات عالية من النشاط البدني"، لكنه يضيف "يبدو أن كل هذا كان مجرد خرافة".
وقال إنه يشتبه في أن السبب الرئيسي هو أن الأشخاص النحيفين يحملون جينات تُعرف بالنحافة، وأضاف، "وجدنا عدة طفرات جينية شائعة تزايدت في المجموعة شديدة النحافة مقارنةً بالمجموعة ذات الوزن الطبيعي"، وقد لا ترتبط هذه الجينات بانخفاض الشهية فحسب، بل قد تُسبب أيضاً انخفاض كتلة العضلات ودهون الجسم، ويضيف "إن انخفاض مستويات نشاطهم الإجمالي قد يكون بسبب قلة العضلات التي تعني التعب بسرعة".
الأثر الاجتماعي
ومثل معظم النحيفات اللواتي يبذلن جهداً بسيطاً، لم تراقب هاردت استهلاكها من السعرات الحرارية بوعي ولا يتذبذب وزنها، فلم تكتسب وزناً إلا مرة واحدة، وعن هذا تقول "قبل سنوات اكتسبتُ خمس كيلوغرامات أثناء خضوعي لعملية تلقيح صناعي فاشلة، بعد ذلك بوقت قصير انتهت علاقتي وتبعتها وفاة والدي المفاجئة، وتسببت الصدمة في فقدان الوزن ولم أستعده أبداً"، وتابعت "الوزن ببساطة بالنسبة لي ليس مشكلة، أنا مرتاحة للغاية في جسدي الآن، ولو اكتسبتُ 10 أرطال لما شعرتُ بالراحة، لكنني لا أعتقد أن ذلك سيحدث على الأرجح".
في السياق ذاته لم تكن بارنز مدربة زيادة الوزن، تُصنّف رسمياً ضمن فئة النحافة الطبيعية، لكنها تعرضت للكثير من السخرية من النحافة بشكل مباشر، فقد علّق أفراد عائلتها على وزنها لكنهم تجاهلوا محنتها، تقول "شعرتُ أنني لا أستطيع التحدث عن ذلك أبداً، كان الناس يقولون: هذه ليست مشكلة حقيقية، أو فقط خففوا من وزني".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكما هي الحال مع السمنة، يواجه الأشخاص النحيفون بطبيعتهم وصمة عار اجتماعية، فقد يشعر الرجال النحيفون بأنهم نحيفون جداً لدرجة لا تُرضي مُثُل الرجولة المثالية، وغالباً ما تشكو النساء النحيفات من افتقارهن للمنحنيات. لذا قد يشتبه الناس في أنهم يُخفون اضطرابات الأكل.
وعن هذا يقول جينز لوند باحث ما بعد الدكتوراه في أبحاث التمثيل الغذائي في مركز "مؤسسة نوفو نورديسك" لأبحاث التمثيل الغذائي الأساسية بجامعة كوبنهاغن "إنهم يتلقون تعليقات من أشخاص عشوائيين في الشارع، إذ يشعر هؤلاء الأشخاص بأنهم لا يستطيعون الذهاب إلى الحمام بعد عشاء عائلي لأنهم يخشون أن ينظر إليهم الناس كما لو كانوا ذاهبين للتقيؤ، كما لو كانوا يُعانون من الشره المرضي".
ضوء أحمر
وعليه تشير الحقائق إلى أن النحافة لها آثار صحية، وعلى رغم ندرة الدراسات تشتبه ميلينا بايلي الباحثة الفسيولوجية في مختبر أبحاث الاستقلاب (AME2P) بجامعة كليرمون أوفيرن في فرنسا، في أن النساء النحيفات، بخاصة مع تقدمهن في السن، قد يتعرضن لخطر أكبر للإصابة بهشاشة العظام، وهو ضعف خطير في العظام، كذلك فإن انخفاض كتلة العضلات قد يجعل المهام اليومية، مثل فتح البرطمانات أو حمل البقالة، أكثر صعوبة.
ويقول جوليان فيرني، الباحث الفسيولوجي في مختبر الأيض في كليرمون أوفيرن والمؤلف المشارك في ورقة المراجعة السنوية للتغذية، إن هذا قد يعني احتياطيات أقل من البروتين أثناء المرض.
إضافة إلى اختلافات تكوين الجسم، يعتقد الباحثون أن الأجسام النحيفة بطبيعتها تُهدر السعرات الحرارية، فعلى سبيل المثال تشير بعض الدراسات إلى أنه على رغم أن الأشخاص النحيفين يمارسون الرياضة بشكل أقل، إلا أنهم يتحركون أكثر.
وتُظهر الأبحاث أن 74 في المئة من الأشخاص النحيفين جداً لديهم أقارب ذوو قوام مماثل، وبينما يُحدد الباحثون المتغيرات الجينية، يُدركون أن العديد منها بأسماء مثل (FTO) و(MC4R) و(FAIM2) يُشارك أيضاً في العمليات التي تُؤدي إلى السمنة، وعلى رغم أنهم لا يفهمون التفاصيل بعد، إلا أن العلماء يشتبهون في أن الأشخاص النحيفين البنيويين قد تكون لديهم أنماط نشاط فريدة في الجينات المرتبطة بإنتاج الطاقة.
الجين الوراثي
أحد هذه الجينات التي لفتت انتباه الباحثين هو جين (ALK) "كيناز الليمفوما اللاهوائية"، فعندما حذف العلماء هذا الجين من الفئران، أصبحت مقاومة لزيادة الوزن عند إطعامها أنظمة غذائية غنية بالدهون، حتى في سلالات الفئران المعرضة وراثياً للسمنة، إذ يبدو أن جين (ALK) يعمل في الدماغ، الذي يرسل بدوره إشارات تؤثر في معدل حرق الخلايا الدهنية للطاقة.
إن جين (ALK) هو المتغير الذي يُسهّل مقاومة زيادة الوزن، مهما كان النظام الغذائي الذي يتبعه الشخص، فهو يُساعد النحيفين على الحفاظ على رشاقتهم، مما قد يفتح آفاقاً جديدة في علاجات السمنة، وقد يلعب هذا الجين دوراً في مقاومة زيادة الوزن لدى الأشخاص النحيفين الأصحاء من الناحية الأيضية، ويوجد هذا الجين في منطقة ما تحت المهاد، وهي المنطقة الدماغية المسؤولة عن التحكم في الشهية وكيفية تحكم الشخص في الدهون، ويُنتج جين (ALK) بروتيناً يُسمى كيناز الليمفوما اللاهوائية، وهو مسؤول عن نمو الخلايا، كما يرتبط هذا الجين ببعض أنواع السرطان، ويُعرف بأنه مُحفِّز لنمو الأورام.