ملخص
لم تعد معايير الجمال محكومة بنموذج واحد، بل باتت مرآة لانعكاسات أوسع تعكس قبولاً اجتماعياً متزايداً للاختلاف، وإدراكاً متنامياً بأن الجمال الحقيقي يتجلّى في التنوع ذاته.
قبل نحو عقدين، كانت عمليات التجميل تُناقش في الخفاء وتُعد رفاهية محصورة بنجوم هوليوود وأثرياء العالم. أما اليوم، فقد تحوّلت إلى جزء من الثقافة العامة، تُتناول علناً، وتُحجز مواعيدها بشكل روتيني، بل توثّق على وسائل التواصل الاجتماعي من دون مواربة.
في طليعة هذا التحول تبرز شخصيات مؤثرة، لعل أبرزها كيم كارداشيان، التي تجاوز تأثيرها حدود الشكل إلى صياغة مفاهيم جديدة للجمال العصري. فمن تقنيات النحت غير الجراحي إلى العلاجات التجميلية المبتكرة، لعبت دوراً محورياً في إعادة تشكيل الذوق العام، وتوجيه مسار صناعة التجميل عالمياً.
لم يقتصر تأثيرها على الصور في المرايا، بل امتد إلى قوائم الانتظار في العيادات، ومحتوى المنصات الرقمية، والنقاشات العامة حول معايير الجمال وحدوده.
من النحافة إلى الانحناءات
في التسعينيات وأوائل الألفية، فرضت النحافة المفرطة نفسها كمعيار للجمال، مدفوعة بصور عارضات الأزياء مثل كيت موس والنجمات العالميات أمثال مادونا، في ما سُمّي حينها بـ"الهيكل العظمي الأنيق"، حيث اعتُبرت النحافة رمزاً للأناقة والموضة. غير أن بداية العقد الأول من الألفية شهدت تحولاً لافتاً، مع صعود نجمات مثل جينيفر لوبيز اللاتي أعدن تعريف الجمال بأن الانحناءات يمكن أن تكون جذابة ومحبوبة. وقد رُصد "تأثير جاي لو" في تزايد الطلب على عمليات تكبير المؤخرة، ما يعكس تحوّلاً ثقافياً واسع النطاق في نظرة المجتمع إلى الجسد الأنثوي ومعاييره الجمالية.
تأثير كارداشيان في إعادة تشكيل الجمال
شهد العقد الثاني من الألفية صعود عائلة كارداشيان بوصفها رمزاً مؤثراً في صناعة الجمال، وعلى رأسها كيم كارداشيان التي رسخت مفهوم الجمال القائم على الانحناءات. وقد ارتبط ظهورها الإعلامي بارتفاع ملحوظ في الطلب على عملية "رفع المؤخرة البرازيلية"، إذ سجّلت محركات البحث زيادة بنسبة 34 في المئة في الاستفسارات المتعلقة بـ"تعزيز المؤخرة" بعد ظهورها في فبراير (شباط) 2014. ولم يكن تأثير العائلة محصوراً بكيم وحدها، فقد أسهمت شقيقتها كايلي جينر أيضاً في ترسيخ معايير جديدة، لا سيما بعد اعترافها، وهي في السابعة عشرة من عمرها، بإجراء حقن لتكبير شفتيها في مايو (أيار) 2015، ما أدى إلى ارتفاع عمليات البحث عن "حقن الشفاه" على "غوغل" بنسبة تجاوزت 700 في المئة.
تنوّع الجمال وتمكين الأجسام المختلفة
مع دخول العقد الثالث من الألفية، بدأت معايير الجمال تتحوّل تدريجاً نحو مفاهيم أكثر تنوعاً وشمولاً، مدفوعة بحركات اجتماعية مثل "إيجابية الجسم" وقبول الاختلافات الجسدية من حيث الشكل والحجم. وتقدّم عارضة الأزياء الأميركية آشلي غراهام نموذجاً بارزاً لهذا التوجه، بعدما أصبحت وجهاً مألوفاً على أغلفة المجلات العالمية، مؤكدة أن الجمال لا يقتصر على مقاسات محددة.
في الوقت ذاته، كان للمشاهير تأثير ملموس في توسيع طيف الجمال، إذ أسهمت المغنية جينيفر لوبيز في ترسيخ صورة الانحناءات الطبيعية بوصفها معياراً مرغوباً، في حين مثّلت بيونسيه صوتاً مؤثراً في تمكين المرأة السوداء وتعزيز صورة الجسد الطبيعي عبر موسيقاها ورسائلها الفنية.
أما ميغان ماركل، فقد أثّرت بمظهرها البسيط والمتزن في توجهات جمالية أكثر دقة وواقعية، حيث أفاد أطباء تجميل في بريطانيا والولايات المتحدة بأن عدداً متزايداً من النساء يُقبلن على إجراءات مستوحاة من ملامحها، بما يعكس انجذاباً نحو تحسينات "طبيعية" وابتعاداً عن المبالغة.
ومن رموز المبالغة الجمالية في التسعينيات، تُعد باميلا أندرسون مثالاً لمرحلة مختلفة، إذ مثّلت حينها رمزاً لتضخيم معايير الجمال، خصوصاً مع رواج تكبير الثدي في مسلسل "باي واتش". لكنها أخيراً اتخذت خطوة عكسية بإزالة الزرعات، في ما اعتُبر دليلاً على التحوّل نحو مفهوم التناسب والحياد الجسدي بدلاً من المثالية المتصنّعة.
في المجمل، لم تعد معايير الجمال محكومة بنموذج واحد، بل باتت مرآة لانعكاسات أوسع تعكس قبولاً اجتماعياً متزايداً للاختلاف، وإدراكاً متنامياً بأن الجمال الحقيقي يتجلّى في التنوع ذاته.
حين تتحوّل النجومية إلى مرآة للجمال العربي
في العالم العربي، وعلى رغم التأثير الواسع للنجمات العالميات، برزت هيفاء وهبي كأيقونة جمالية شكّلت ذائقة شريحة واسعة من النساء خلال العقدين الأخيرين. ملامحها المصقولة- من الشفاه الممتلئة والعيون الواسعة إلى البشرة الملساء- أصبحت نموذجاً يُحتذى، وأفرزت موجة من "النسخ المستنسخة" في مظهرها، عززها تصاعد الإقبال على عمليات التجميل مثل تصغير الأنف، تكبير الشفاه، نحت الوجه، وحقن "الفيلر" و"البوتوكس".
تقارير طبية لعام 2023 أظهرت أن الإجراءات التجميلية المرتبطة بهذا النمط كانت من بين الأكثر طلباً في العيادات العربية. لكن التأثير تجاوز المظهر ليطاول البعد النفسي والاجتماعي، إذ ربطت كثيرات بين الشكل "المثالي" والقبول المجتمعي أو النفوذ، ما دفع حتى المراهقات إلى عتبات عيادات التجميل.
وعلى رغم أن هيفاء وهبي أسهمت، بوعي أو من دونه، في إعادة صياغة صورة المرأة العربية الجريئة واللافتة، إلا أن هذا التأثير يثير تساؤلات حول مفهوم الجمال في عصر الفلاتر والتعديلات، وحدود الدور الذي تلعبه الشهرة في توجيه الخيارات الفردية داخل مجتمعات تخوض تحولات ثقافية مستمرة.
كيف تحوّل الجمال إلى مشروع شخصي؟
مع بداية العقد الثاني من الألفية، مثّل قوام كيم كارداشيان نقطة تحوّل في مفاهيم الجمال، إذ أزاح النموذج النحيف المفرط لمصلحة جسد منحوت بخصر دقيق وتناسق بارز. تزامن صعود كارداشيان مع تحوّل عالمي في الذوق العام، انعكس بوضوح في تزايد الطلب على الإجراءات التجميلية التي تمنح ملامح محددة ومصقولة.
لكن لم يكن مظهرها وحده هو المؤثر، بل أيضاً انفتاحها على مشاركة تفاصيل علاجاتها التجميلية- من "البوتوكس" و"الفيلر" إلى البلازما الغنية بالصفائح الدموية وتقنيات "المورفيوس 8"– ما ساعد في إزالة الوصمة الاجتماعية عن الطب التجميلي، وتحويله إلى ظاهرة علنية ومتبناة من فئات واسعة. انتشار تقنيات مثل "حقن سمك السلمون" و"فيلا شيب" في منطقة الخليج والمملكة العربية السعودية ارتبط مباشرة بإشارات كارداشيان لهذه الإجراءات في برامجها ومنصاتها الاجتماعية.
أرقام سعودية
في موازاة ذلك، لعب مؤثرو التجميل على مواقع التواصل دوراً محورياً في تعزيز هذا التوجه، إذ باتوا يقدّمون تجاربهم كأدلة شخصية، مدعومة بتوصيات تجارية وروابط للعيادات، ما أثار في المقابل جدلاً حول مصداقيتهم ودوافعهم المادية. وعلى رغم ذلك، تبقى تأثيراتهم ملموسة، خصوصاً لدى الفئات العمرية الأصغر، التي باتت ترى في التجميل أداة تحسين لا ترفاً نخبوياً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي السعودية، تظهر الأرقام هذا التحول بوضوح؛ إذ بلغت قيمة سوق التجميل نحو 789.9 مليون دولار أميركي في عام 2023، مع توقعات بتجاوز 1.8 مليار دولار بحلول عام 2032.
وتشير الإحصاءات إلى أن النساء يشكلن أكثر من 86 في المئة من المرضى، مدفوعين بانتشار واسع لمنصات التواصل، التي يستخدمها قرابة 79 في المئة من السكان.
اليوم، لم يعد الجمال حكراً على الجينات أو حكراً على فئة معينة، بل تحوّل إلى مشروع شخصي واستثمار في الذات. وبفضل نجمات مثل كيم كارداشيان، أصبحت الإجراءات التجميلية جزءاً من الخطاب العام، يتقاطع فيه الطموح الجسدي مع مفاهيم النجاح والقبول الاجتماعي.