Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

إضرابات المعلمين تتحدى السلطة في إقليم كردستان

احتجاجات واسعة تطالب بإنهاء أزمة المرتبات وسط محاذير من توظيفها سياسياً

بدأ إضراب المعلمين في إقليم كردستان قبل 40 يوماً (مواقع التواصل)

ملخص

لم يتمكن نحو 700 ألف طالب أي 40 في المئة من طلبة إقليم كردستان من الالتحاق بالتعليم هذا العام بسبب الاحتجاجات

جاب الآلاف من المعلمين وموظفي القطاع العام المضربين عن العمل منذ 40 يوماً شوارع مدن عدة في إقليم كردستان احتجاجاً على أزمة المرتبات في تحد لتهديدات وزارية باتخاذ إجراءات عقابية ضد المضربين، فيما حذر نشطاء وسياسيون من استثمارها في الأزمة السياسية القائمة بين الحزبين الحاكمين.

وتواجه حكومة الإقليم منذ عام 2014، عجزاً في تأمين المرتبات جراء أزمة مالية مزمنة، على رغم إقرار حصتها أخيراً في الموازنة الاتحادية بسبب خلافات مع حكومة بغداد في ما يتعلق بالالتزامات المترتبة على الإقليم في ملف إنتاجه للنفط وإيراداته المحلية.

وأكد مسؤولون من الطرفين نهاية الأسبوع الماضي بعد اجتماع جمع وزيري المالية في الحكومتين مع اللجنة المالية النيابية الاتحادية عن تحقيق بعض التقدم في المفاوضات لحل أزمة مرتبات الإقليم، التي أفضت إلى الاتفاق على إعداد قاعدة بيانات الموظفين لتمويل مرتباتهم بعد استقطاعها من حصة الإقليم وتوطينها في مصارف حكومية. 

مساومة حقوق

ويعاني موظفو الإقليم من تأخر تلقي مرتباتهم، إذ استلموا قبل أيام راتب شهر يوليو (تموز) الماضي، وفق اتفاق مؤقت مدته ثلاثة أشهر دفعت بموجبه بغداد قرضاً يقدر بنحو 2.1 تريليون دينار (1.6 مليار دولار)، لحين توصل الحكومتين إلى اتفاق نهائي.

وعمت الاحتجاجات يوم أمس الأحد مدن السليمانية وحلبجة وكرميان والبلدات الواقعة تحت نفوذ حزب "الاتحاد الوطني" بزعامة بافل طالباني، مطالبة وزير التربية بتقديم "الاعتذار" وتلبية مطالبهم.

وقال سامان صادق أحد المشاركين في الاحتجاجات "لقد يئسنا من وعود الحكومة منذ عام 2014، فما زلنا لم نتسلم راتب أغسطس (آب)، ثم يأتي وزير التربية ليتعامل معنا بأسلوب الأمر لإنهاء الإضراب".

وأضاف صادق أن "الحكومة زادت الضرائب ورسوم الخدمات بنسب غير مسبوقة، ونحن نعاني أساساً من ارتفاع ملحوظ في الأسعار بشكل عام"، مؤكداً أنهم سيواصلون احتجاجاتهم وإضرابهم لحين تحقيق مطالبهم.

تهديد مبطن

,جاءت الاحتجاجات رداً على تصريح لوزير التربية آلان محمد سعيد يوم الخميس هدد فيه بتطبيق صلاحياته كافة، من خلال إصدار قرار وزاري لإنهاء الإضراب المستمر منذ انطلاق العام الدراسي الجديد في 13 سبتمبر (أيلول) الماضي، وشدد على "وجوب استئناف العملية التعليمية لأن مشكلة المرتبات أزمة عامة"، لافتاً إلى أن "الرواتب لن تضيع، لكن العلم سيضيع، وإذا ما استمرت الأزمة المالية واستمر معها الإضراب حتى 100 يوم فلن يكون ذلك حلاً".

من جانبه طمأن رئيس الإقليم نيجيرفان بارزاني في كلمة ألقاها خلال حفل تخرج لطلاب جامعيين، المحتجين "بمواصلة الجهود لحل الأزمة مع بغداد"، وقال إن "صمود  المواطنين بوجه الأزمات هو محل تقدير وثناء"، داعياً المضربين إلى "التفكير في المستقبل التعليمي لأبنائنا وعدم جعلهم ضحية للوضع القائم".

وصدر موقف مماثل من نجل عمه رئيس الحكومة مسرور بارزاني الذي برأ ساحة حكومته وعزاها إلى الخلاف مع بغداد قائلاً "بالإمكان أن تعوض المرتبات، لكن التعليم لا يمكن تعويضه، فعليه أدعو الجميع إلى عدم حرمان الأطفال من التعليم".

مطالب مشروطة

ووفقاً لاتحاد المعلمين فإن عدد الطلاب في الإقليم يقدر بنحو مليون و800 ألف طالب، ونتيجة للإضرابات في السليمانية لم يتمكن نحو 700 ألف طالب أي 40 في المئة منهم الالتحاق بالتعليم هذا العام، إذ اشترط نائب رئيس الاتحاد عبدالواحد محمد أن "تفي الحكومة بالتزاماتها، وتباشر فوراً بصرف راتب أغسطس من الإيرادات المحلية، وأن تعيد العمل بنظام الترقية، وكذلك تثبيت آلاف المعلمين الذين يحاضرون بالمجان"، مبيناً أن "عدم حل هذه المشكلات واستمرار التعويل على إطلاق بغداد للمبالغ سيكون من الصعب استئناف عملية التعليم".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعقب اجتماعه الشهري الذي عقده اليوم الإثنين، أكد اتحاد المعلمين في بيان أنه "سيرفع مذكرة إلى مجلس الوزراء تضم أربعة مطالب، منها صرف راتب أغسطس بأسرع وقت، ووضع مستحقات موظفي وزارة التربية في مقدمة قائمة المرتبات، وإعادة العمل بنظام الترقية، وكذلك حل مشكلة المعلمين إما عبر تثبيتهم أو إبرام عقود لهم"، موضحاً أن "تطبيق هذه المطالب سيشكل خطوة مهمة لاستمرار العملية التعليمية".

ورقة سياسية

ومنذ دخول الإقليم في أزمته المالية الحادة، فإن حكومته اضطرت إلى اتباع نظام "ادخار المرتبات" و"الاستقطاعات" لتصبح بموجبه مدينة لموظفيها بنحو 5.5 مليار دولار، إذ لم تتمكن لست سنوات من دفع مرتب 12 شهراً، بينما طبقت نظام الاستقطاع لمدة أربعة أشهر بنحو 20 في المئة، وعلقت العمل بنظام الترقية.

وعشية احتجاجات الأحد ساورت شكوك في أن يستغلها حزب "الاتحاد الوطني" كورقة في مفاوضات غير معلنة يجريها وفقاً لتسريبات إعلامية مع شريكه في الحكم الحزب "الديمقراطي" بزعامة مسعود بارزاني لإبرام اتفاق يهدف إلى إنهاء التوتر بين الطرفين ووضع مسار جديد لإدارة الملفات الخلافية في ما يتعلق بالتقطاعات سواء على صعيد الإقليم أو المتعلقة بالعلاقة مع بغداد والدول الإقليمية المحيطة.

وفي هذا السياق اتهمت وسائل إعلام تابعة لحزب بارزاني نظيرتها في حزب "الاتحاد" بشن حملة مساندة للاحتجاجات بعد تصريحات وزير التربية، وقالت إن "الإضرابات مخترقة حزبياً ويتم استغلالها لمكاسب سياسية، إذ تجري بضغط من مجموعة تابعة لحزبي "الاتحاد" و"العمال" الكردستانيين تحت اسم هيئة الدفاع عن المعلمين والموظفين، وتم تهديد بعض الراغبين بالعودة إلى العمل"، فيما نفت وسائل مقربة من "الاتحاد" التهمة مؤكدة على أن "الاحتجاجات وحرية التظاهر مكفولة قانوناً، وهناك محاولات لإضفاء طابع سياسي عليها".

صيغة الأمر

من جانبها ترى النائبة السابقة في برلمان الإقليم بيمان عزالدين، أن "المضربين والمحتجين طوال المدة الماضية كانوا أصحاب القرار، بعيداً من السلطة الحزبية، ولذلك كانوا بعيدين من الأنشطة النقابية في اتحاد المعلمين ونطاق نفوذ حزب الاتحاد الوطني، لكن الحزب الديمقراطي استخدم احتجاجات اليوم".

وتابعت عزالدين "إذا ما استخدم حزب الاتحاد ذات التوجه، الذي ربما سيكون قريباً، فإن المحتجين سيكونون مرة أخرى وحيدين وسيتعرضون في أي احتجاج، كما كان يجري في السابق إلى اعتقالات وقمع"، ودعت المعلمين وموظفي القطاع العام إلى توحيد الرأي، فعندما تنتهك حقوقهم من قطع للمرتبات وسوء في الخدمات، فإنه لن يشكل فرقاً إذا كان من يحاول ممارسة أسلوب الفرض والإجبار على إنهاء الإضراب الحزب الديمقراطي أو الاتحاد الوطني".

من جهته، حذر النائب السابق علي صالح على وسائل التواصل الاجتماعي من "أي قوة سياسية (في إشارة إلى حزب الاتحاد) تسعى إلى فرض القوة لإنهاء الإضرابات والاحتجاجات بموجب اتفاق سياسي مع الديمقراطي، لأنها ستخسر كثيراً من دون شك"، وأضاف أن "مطالب الشعب لا يجوز أن تخضع لصفقة سياسية".

وقال القيادي السابق في حزب "الاتحاد" ملا بختيار إن "هناك مثلاً شعبياً كردياً مفاده أن الجوع ينبت جذور التهور، ولحسن الحظ على رغم ذلك، لم نصل هذه المرحلة، بل ما زلنا في سياق النضال المدني"، وطالب المحتجين بالوقوف في وجه "أي محاولة لتحريف مسار تظاهراتهم وتجنب الخضوع لإملاءات حزبية، والالتزام بطابعها المدني السلمي".

ازدواجية التعامل

في السياق قال الباحث السياسي اوات رحمان إن "الاحتجاجات الأخيرة بدت أكثر تنظيماً وسلمية على رغم زخمها من دون تسجيل حوادث تذكر، وهذا يعطي تفسيرين، وهما إما السلطة في السليمانية ترى فيها وسيلة للكسب السياسي والشعبي، بخاصة أن الإقليم مقبل على عمليتين انتخابيتين، الأولى انتخابات مجالس المحافظات التي ستنطلق قبل نهاية العام الجاري، والثانية انتخاب برلمان الإقليم المقررة في فبراير (شباط) المقبل".

وختم رحمان حديثه قائلاً إن "التفسير الثاني هو أن السلطة تدرك مدى مستوى الاحتقان الشعبي جراء التدهور المعيشي، وهنا تحاول تجنب اتساع الفجوة القائمة بين المواطن والسلطة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير