Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا انحاز بايدن للجمهوريين في ملف "جرائم واشنطن"؟

أوقف قانوناً أقره الديمقراطيون لتخفيف العقوبات ومراقبون: "غطاء سياسي لاتهامات محتملة بالتساهل مع الاعتداءات"

خلف الواجهات الرخامية المبهرة للمعالم الأثرية والفيدرالية العريقة في العاصمة الأميركية توصم المدينة بأنها موبوءة بالجريمة (أ ف ب)

ملخص

ماذا وراء المعدلات المزعجة للجريمة في #واشنطن، ولماذا امتدت من القتل والسطو والسرقات إلى #تجارة_البشر والدعارة؟

مع إعلان جو بايدن أنه لن يستخدم الفيتو الرئاسي ضد قرار أعده الجمهوريون في الكونغرس لعرقلة تنفيذ قانون أقره مجلس مدينة واشنطن في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي يعيد تعريف الأعمال الإجرامية ويعدل عقوباتها، سيصبح لدى الجمهوريين فرصة نادرة لتمرير القرار في الكونغرس بدعم من بعض الديمقراطيين الغاضبين من ارتفاع معدل الجريمة في العاصمة الأميركية إلى ضعف المعدل الوطني في البلاد.

فما سبب اصطفاف بايدن إلى جانب الجمهوريين؟ وماذا وراء المعدلات المزعجة للجريمة في واشنطن، ولماذا امتدت الجريمة من القتل والسطو والسرقات إلى تجارة البشر والدعارة؟

بلد المفارقات

تشتهر الولايات المتحدة بأنها بلد المفارقات، فهي موطن لأقوى جيش في العالم، وأكبر اقتصاد في العالم حتى الآن، كما أنها الدولة الأكثر تقدماً من الناحية التكنولوجية، ومع ذلك فإن الشيء الوحيد الذي يسيء إلى مظاهر القوة الأميركية هو مشكلة الجريمة في عديد من المدن، بما فيها مقاطعة كولومبيا المعروفة باسم العاصمة واشنطن، فخلف الواجهات الرخامية المبهرة للمعالم الأثرية والفيدرالية العريقة في عاصمة الأمة الأميركية، توصم المدينة بأنها موبوءة بالجريمة منذ أمد بعيد.

على رغم أن المدينة تعد آمنة لاستقبال 20 مليون سائح يتدفقون عليها سنوياً لاستكشاف مركز القوة العالمي، فإن عديداً من الزائرين يقلقون لأنهم يسمعون أخباراً عن ارتفاع معدل الجريمة الذي وصل إلى ضعف المعدل الوطني في البلاد وفقاً لموقع "سيتي 54"، كما تتبوأ العاصمة واشنطن المركز العشرين على قائمة أخطر المدن الأميركية وفقاً لإحصاءات مكتب التحقيقات الفيدرالي لعام 2021، وهي آخر البيانات المتاحة حتى الآن، إذ وصل إجمالي جرائم العنف لكل 100 ألف شخص 977 جريمة، بينما ارتفع إجمالي جرائم الملكية إلى 4246 لكل 100 ألف شخص، في مدينة يبلغ عدد سكانها 700 ألف شخص وتضم أكبر وكالات إنفاذ القانون الفيدرالية بما في ذلك مكتب التحقيقات الفيدرالي، فضلاً عن البيت الأبيض ومبنى الكابيتول.

جرائم متنوعة

وفقاً لبيانات حكومة مدينة العاصمة نفسها لعام 2022، فإن معظم الجرائم المرتكبة في واشنطن العاصمة هي جرائم ملكية، مثل سرقة الممتلكات والسطو وسرقة السيارات، بينما تشكل جرائم العنف 14.5 في المئة وهي تلك التي تشمل القتل والاعتداء الجنسي والجسدي والسرقة بالإكراه، إذ تعد السرقة هي الأكثر شيوعاً وتمثل ما يقرب من 50 في المئة من إجمالي جرائم العنف، في حين يشكل الاعتداء الجسدي 40 في المئة، بينما تمثل النسبة المتبقية وهي 10 في المئة جرائم قتل واعتداء جنسي.

بحسب صحيفة "واشنطن بوست" فإن الانتظام المقلق لعنف السلاح يعد مشكلة خطيرة في العاصمة، فعلى رغم الجهود التي بذلتها حكومة المدينة لمكافحة جرائم العنف، بما في ذلك إنشاء مكتب لمنع العنف باستخدام الأسلحة النارية، واستثمار ملايين الدولارات في المبادرات المجتمعية المتعلقة بالجريمة، واعتماد أشد قوانين الأسلحة صرامة في البلاد، ومصادرة الشرطة 2249 قطعة سلاح عام 2021، فإن واشنطن لا تزال غارقة في الأسلحة النارية، في ما يبدو أن حكومة المدينة والشرطة تخوضان معركة خاسرة مع استمرار المدينة حتى الآن الأقل أماناً، وعدم تمكنها من استعادة معدلات الجريمة التي سجلتها قبل وباء كورونا.

طالما تمت دراسة الأسباب الكامنة وراء الجريمة ومناقشتها في مدينة تقع تحت دائرة الضوء باستمرار، لكن يبدو أن عديداً من العوامل المختلفة تسهم في استمرارها وعلى رأسها الأمراض المجتمعية المعقدة، مثل الفقر وعدم المساواة العرقية وانتشار السلاح كسائر المدن الأميركية، والتي جعلت المعدل الإجمالي للوفيات بالأسلحة النارية أعلى 11.4 مرة في الولايات المتحدة مقارنة مع البلدان الأخرى ذات الدخل المرتفع، وفقاً لدراسة أجرتها جامعة "سان فرانسيسكو".

عاصمة الاتجار بالجنس

وفي حين أن الولايات المتحدة هي واحدة من أسوأ الدول في العالم من حيث الاتجار بالبشر، إذ يقدر الخبراء أن هناك أكثر من 199 ألف حادثة اتجار بالبشر تحدث سنوياً، تشكل قضايا الاتجار بالجنس 92 في المئة منها، لكن هناك مدناً معينة تكون فيها هذه الجريمة أكثر انتشاراً بسبب عوامل مثل عدد السكان والموقع والتباينات الاجتماعية في الدخل والثراء، وهي عوامل اجتمعت في واشنطن العاصمة وشمال فيرجينيا التي سجلت منذ عام 2018 أعلى معدلات الاتجار بالبشر والتي يشكل الاتجار بالجنس النسبة الأعظم منها، إذ ينطوي الاتجار بالجنس على تجنيد الأشخاص وإيوائهم لممارسة الجنس التجاري غير المشروع، وعادة ما تكون عملية التوظيف من خلال الإكراه أو الوسائل الاحتيالية على الضحايا وغالبيتهم من الفتيات والنساء، ويجد هؤلاء المهربون وسائل جديدة للمناورة بإجراءات محددة ويواصلون تنمية أعمالهم الشائنة لتصبح صناعة بمليارات الدولارات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفقاً لإحصاءات عام 2021، أرسل سكان العاصمة 175 إشارة اتجار بالبشر، 49 منها قادمة من ضحايا وناجين، فيما يصعب متابعة جرائم الاتجار الأخرى التي لا يتم الإبلاغ عنها، وبحسب تحليل لإحصاءات الاتجار بالبشر في العاصمة أجراه شارلي روبنسون، من مركز التحليل الإحصائي لمقاطعة كولومبيا، فإن معظم حالات الاتجار بالبشر في المنطقة تنطوي على الاتجار بالجنس، إذ يتم إغراء الضحايا من قبل المتاجرين بهم من خلال طرق مختلفة، بما في ذلك وسائل التواصل الاجتماعي، ويتم إجبارهم على صناعة الجنس التجاري.

في بعض الحالات استجاب الضحايا للإعلانات في الصحف للعمل في صالونات التدليك، لكن بدلاً من ذلك تم إجبارهم على القيام بأعمال جنسية إضافة إلى تقديم خدمات التدليك، كما يستقطب المتاجرون بالبشر زبائنهم المحتملين من خلال وسائل أخرى مثل بيوت الدعارة السكنية، أو عبر الشوارع، أو في نوادي التعري، أو الإعلان عبر الإنترنت من خلال مواقع الويب.

ضجة جديدة

لكن ضجة واسعة مثيرة للانقسام انفجرت في واشنطن خلال الأيام القليلة الماضية بعد أن أبلغ الرئيس بايدن الديمقراطيين في مجلس الشيوخ أنه لن يستخدم حق النقض (الفيتو الرئاسي) لعرقلة الجهود التي يقودها الحزب الجمهوري لإلغاء قانون الجريمة الجديد الذي أقره مجلس مدينة واشنطن الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، لأن القانون أعاد تعريف الأعمال الإجرامية وبعض عقوباتها، مثل تخفيف عقوبة سرقة السيارات من السجن لمدة 21 عاماً في القانون القديم إلى 18 عاماً بعد التعديل، وفي حال سرقة السيارة تحت تهديد السلاح من 40 عاماً إلى 30 عاماً.

ويعود السبب وراء هذه الضجة إلى أن الديمقراطيين ظلوا يدعمون مطالب السكان والمسؤولين في العاصمة لتحويل مدينتهم إلى ولاية تتمتع بالحكم الذاتي في شؤونها الداخلية، شأنها في ذلك شأن ست ولايات أخرى يقل عدد سكانها عن مليون نسمة مثل ديلاوير وفيرمونت ووايومنغ، على اعتبار أن سكان العاصمة لا يملكون حق التصويت في الكونغرس بمجلسيه بينما يدفعون الضرائب مثل باقي الأميركيين، وهو أمر عارضه الجمهوريون لأسباب عدة، منها أن موافقتهم ستضمن للديمقراطيين مقعدين إضافيين في مجلس الشيوخ ومقعداً أو أكثر في مجلس النواب.  

ويعتبر غالبية مجلس مدينة واشنطن أن الرئيس بايدن و31 من الأعضاء الديمقراطيين في مجلس النواب، تخلوا عن مواقفهم السابقة في دعم إنشاء ولاية لهم في العاصمة، وأنهم باصطفافهم إلى جانب الجمهوريين يتدخلون بشكل سافر ضد الديمقراطية كونهم يعملون ضد قرارات أعضاء منتخبين ديمقراطياً من دون وجه حق، بخاصة أن التنقيحات الرئيسة في القانون الجنائي المعدل للعاصمة هي نتاج عقد كامل من التعاون بين المدعين العامين ومحامي الدفاع والباحثين في مجال العدالة الجنائية لتحديث القانون القديم وإعادة هيكلة كيفية إصدار الأحكام على الجرائم.

انتصار للجمهوريين

وفي حين يؤكد الرئيس بايدن دعمه لأن تكون العاصمة ولاية، ويبرر قراره بأنه يدعم اعتراض عمدة المدينة الديمقراطية موريل باوزر على تخفيف الأحكام، فإن عديداً من المحللين ينظرون إلى قراره على أنه يحاول توفير بعض الغطاء السياسي لاتهامات محتملة ضده بأنه متساهل أو لين في مواجهة الجريمة قبل أن يعلن ترشحه المحتمل لإعادة انتخابه عام 2024.

ولأن بايدن يتمتع بسلطة الإبقاء على القانون القديم عبر استخدام حق الفيتو بينما من غير المحتمل أن يكون لدى أي من مجلسي الكونغرس هامش لتجاوز الفيتو الرئاسي، فسوف يؤدي ذلك إلى منح الجمهوريين الذين يسيطرون فقط على مجلس النواب، انتصاراً نادراً يمكنهم عند إقراره في مجلس الشيوخ، بداية الأسبوع المقبل، من إلغاء التعديلات التي أضيفت على القانون لأول مرة منذ أكثر من 30 عاماً، وهو أمر أصبح في حكم المؤكد في ظل تأييد السيناتور الديمقراطي جو مانشين إلغاء القانون، وغياب سيناتور ولاية بنسلفانيا الديمقراطي جون فيترمان بسبب مرضه، مما يجعل للجمهوريين الغالبية في المجلس، فضلاً عن إمكانية تشجيع أعضاء ديمقراطيين آخرين للتصويت بجانب الجمهوريين بعد الموقف الذي اتخذه بايدن.

عودة إلى نقطة الصفر

يتمتع الكونغرس بسلطة تشريعية فريدة على واشنطن العاصمة، وفقاً لدستور الولايات المتحدة وقانون الحكم المحلي لمقاطعة كولومبيا لعام 1973، والذي يمنح الكونغرس حق منع أي قوانين يتخذها مجلس العاصمة على رغم ندرة استخدامه.

وفي ما يشعر أنصار القانون الذي عدله مجلس مدينة واشنطن بالإحباط، ويرون أن هناك كثيراً من القراءات والسياقات الخاطئة للقانون، كونه يتضمن أيضاً أدوات إضافية للمدعين العامين أو القضاة لتعزيز العقوبات أو إضافة التهم لزيادة العقوبات، تظل نتيجة هذه المعركة السياسية مبهمة، فالقانون القديم لم يكن كافياً للحد من الجريمة في العاصمة الأميركية، بينما يبدو القانون الجديد متعثراً ومن المرجح أن ينتهي به المطاف إلى نقطة الصفر بعد عشر سنوات من المناقشات والجدل، لتبقى أهم مدينة سياسية في العالم مرتعاً للجريمة بمختلف أشكالها في انتظار جولة جديدة من النقاش.

المزيد من تقارير