ملخص
تحجز العشائر لنفسها حيزاً في النسيج الاجتماعي في سوريا حيث يقدر نسبتهم بين 60 إلى 70 في المئة من سوريين ينتمون إلى قبائل وعشائر، وكان لهم دور في مواجهة الحكم الديكتاتوري للنظام السابق عبر الوقوف بجانب الحراك الشعبي الذي اندلع في عام 2011 ومنذ بداية الثورة في مدينة درعا، جنوباً.
في ذات يوم من يوليو (تموز) الماضي هبت عشائر سورية نحو السويداء، جنوب البلاد، نصرة لأبناء البدو في المحافظة بعدما انخرطت مجموعات مسلحة تتبع لشيخ طائفة الموحدين الدروز، حكمت الهجري، ومجموعة من البدو باقتتال داخلي سرعان ما تحوّل لفتنة طائفية عكرت صفو نشوة النصر بنيل الحرية لأبناء بلد خرج لتوّه من حكم الأسدين الأب والابن.
الصمت السائد
يستذكر الشارع السوري تلك الفزعة العشائرية وما رافقها من أعمال عنف راح ضحيتها المئات من المدنيين بعدما اقتحمت مجموعة مسلحة عسكرية تتبع للجيش الإسرائيلي بلدة بيت جن في ريف دمشق في الـ 28 نوفمبر (تشرين الثاني) وقتلت 13 سورياً بقصف مدفعي بأعقاب توغل جنود لتنفيذ عملية اعتقال نتجت منها إصابة ست ضباط وجنود من قوات الجيش الإسرائيلي، ويطرحون تساؤلات عن الصمت السائد من قبل السلطات الجديدة التي تراهن على اتفاق أمني أخذ يتلاشى، واستغرابهم من عدم تحرك العشائر لصد هذا التوغل، وإيقافه عند حدوده.
في غضون ذلك، يحذر القائد العام للجهاز السري المستقل لمكافحة الإرهاب، أنس الشيخ المعروف باسم (أبو زهير الشامي) من تداعيات التصعيد العسكري في الجنوب السوري ولا سيما في بيت جن، وأعلن أن أي توغل قد يصل إلى معضمية الشام سيقابل بفزعة عشائرية وقوة شعبية لا تنصاع للشرع أو لأية جهة بحسب وصفه، وجاء في سياق حديثه "الشعب الذي حمل السلاح 14 عاماً مستعد لحمله 14 عاماً أخرى إذا فرض عليه القتال حتى لو تحولت سوريا إلى ما يشبه غزة".
ويقدم أنس الشيخ نفسه قائداً لما يسمى لواء مهام سرية في دمشق وجنوب سوريا، وأعلن سابقاً عن تشكيله جيشاً شبه فيدرالي، ولا يتبع للسلطات الانتقالية في البلاد، ويضم 150 ألف مقاتل هدفه منع تقسيم سوريا، وفض النزاعات الداخلية المسلحة ومكافحة "داعش" وحماية الأقليات والمجتمع المدني.
لا يوجد لدى العشائر جيش
بالأثناء تجول فريق من بعثة الأمم المتحدة في بلدة خان أرنبة في محافظة القنيطرة، والتقى مع الأهالي واستمع لشكواهم جراء الاختراقات والتوغلات الإسرائيلية المتكررة بالآونة الأخيرة، والتي باتت تؤرق الأهالي ولا سيما القاطنين في مناطق الشريط الحدودي مع الجولان المحتل، في وقت وثقت مؤسسة أطلقت على نفسها اسم "جولان" اختطاف 39 شخصاً من قبل القوات الإسرائيلية بينهم قاصرون خلال عمليات التوغل.
ولفت الانتباه أحد مسؤولي مؤسسة "جولان"، فادي الأصمعي إلى تكثيف الجهود الحقوقية بهدف كشف مصير المختطفين وضمان حقوقهم القانونية والإنسانية بالتعاون مع منظمة دولية مختصة بهذا الشأن.
ورداً على سؤال لماذا لم تتحرك العشائر بعد أحداث بيت جن في ريف دمشق يروي رئيس المجلس الأعلى للقبائل والعشائر السورية، الشيخ مضر الأسعد، بأن سوريا فيها جيش ووزارة دفاع والمديرية العامة للأمن العام، وبأن العشائر ليست ميليشيات ولا يمكن أن تأخذ دور وزارة الدفاع أو الحكومة السورية، والعشائر ملتزمة عسكرياً وسياسياً وأمنياً ولا يمكن أن تحيد عن قرار الحكومة السورية.
ويتابع الأسعد "العشائر لا يوجد لديها جيش ولا يوجد لديها سلاح، بل أسلحتها خفيفة ولا توجد لديها الخبرة العسكرية القتالية المنظمة، علاوة عن كونها لا تستطيع أن تلعب العشائر دور مواجهة إسرائيل".
وتحجز العشائر لنفسها حيزاً في النسيج الاجتماعي في سوريا حيث تقدر نسبتهم بين 60 إلى 70 في المئة من سوريين ينتمون إلى قبائل وعشائر، وكان لهم دور في مواجهة الحكم الديكتاتوري للنظام السابق عبر الوقوف بجانب الحراك الشعبي الذي اندلع في عام 2011 ومنذ بداية الثورة في مدينة درعا، جنوباً.
إزاء ذلك يشرح رئيس مجلس العشائر في سوريا، في حديثه لـ "اندبندنت عربية" بأن فزعة السويداء، كانت عفوية وغير مخطط لها، ونوعاً من النخوة والإقدام، بحسب وصفه، ولكن الجرائم التي ارتكبت بحق الأطفال والنساء وكبار السن من قبل جماعات مسلحة تتبع للشيخ الهجري في السويداء هو الذي دفع الأهالي بشكل عفوي وغير منظم لتلك الفزعة، وكان من المخطط لها أن تكون مختصرة. واعتبر هذه الفزعة حينها برد (الظلم) والوقوف مع المظلوم، وهي ليست من أجل أن تأخذ دور الحكومة ووزارة الدفاع، وهذا لم ولن يحصل أبداً.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، يرى المدير التنفيذي لمنظمة "سوريون من أجل العدالة والحقيقة" بسام الأحمد، في حديث خاص، أن الفزعات تحدث تحت أعين السلطات الانتقالية، وضد السكان والمناطق المدنيين الضعفاء والعزل من السلاح، ويقلل من توقعات انخراط العشائر بفزعة ضد الجيش الإسرائيلي لأن رد فعل تل أبيب سيكون صعباً. وأردف قائلاً "لم تتخذ الدولة إجراءات حماية للمناطق وتحمي شمال سوريا كما تحمي الدروز في السويداء أو العلويين في الساحل أو الكرد في الشمال الشرقي كما تحمي سكان إدلب".
يوم سقوط الأسد
وأطلقت تل أبيب عملية عسكرية جوية وبرية باسم "سهم باشان" في يوم سقوط الأسد في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024، كسرت فيه خطوط المنطقة العازلة المرسومة منذ عام 1974، وتوغلت في القنيطرة وجبل الشيخ تحت ذريعة إنشاء منطقة أمنية على حدودها الشمالية، فضلاً عن دخول سلاح الجو وتدمير 80 في المئة من قدرات الجيش السوري ومخزون الأسلحة الاستراتيجية لديه.
وسجّل "المرصد السوري لحقوق الإنسان" ومقره (لندن) وقوع 25 توغلاً إسرائيلياً منذ بداية الشهر الجاري، ومنذ سقوط النظام 370 توغلاً، ولم يخفِ مدير المرصد السوري، رامي عبد الرحمن مخاوفه من تمدد التوغلات إلى ما بعد بيت جن وأن تصل إلى أطراف العاصمة دمشق.
وأدانت نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة لسوريا نجاة رشدي، التوغل الإسرائيلي الأخير في الأراضي السورية بريف دمشق، وأكدت أن مثل هذه الأعمال تعد انتهاكاً جسيماً وغير مقبول لسيادة سوريا، ودعت إلى الوقف الفوري لمثل هذه الانتهاكات والالتزام الكامل باتفاق فض الاشتباك.
ويتوقع رئيس المجلس الأعلى للعشائر في سوريا، أن يكون للعشائر دور كبير جداً في الأيام المقبلة إذا لم تتوقف أعمال التوغل الإسرائيلي، وكذلك إذا لم ينته موضوع السويداء ومناطق الفرات والجزيرة.
ويضيف الأسعد "حماية الوطن ومكتسبات الثورة السورية ستقع على عاتق القبائل سواء كانت عربية أو كردية أو تركمانية أو مسيحية أو من كل الطوائف والقوميات بالمجتمع السوري الذين ساندوا الثورة السورية، ويساندون الحكومة الحالية أو أية حكومة مقبلة تكون من قبل الثوار، والعودة إلى الماضي يعني العودة إلى الديكتاتورية".
وبكل الأحوال يجزم الأسعد بأن العشائر لا تتلقى أوامرها من الحكومة، ولا تأخذ دورها، ويعتبر أنهم جزء من الشعب السوري بينما الحكومة هي مسؤولة عن حماية السوريين، ويرى أن القبائل لا تفكر إطلاقاً بتشكيل (جيش) لأنه ببساطة سيتحول إلى ميليشيات "ونحن نرفض ذلك وحتى قبل سقوط الأسد العشائر لم يكن لديهم جيش خاص بهم، على سبيل المثال أن تنشأ كل قبيلة كتيبة مسلحة خاصة بها، فكانت هناك كتائب تمثل أبناء القبائل كل كتيبة كانت تقاتل النظام تضم مقاتلين من كل الطوائف والقبائل، وليست حكراً على أبناء قبيلة واحدة".