Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

واشنطن وبكين تضبطان استراتيجيتيهما على توقيت "معركة تايوان"

ما هي احتمالات الصراع في بحر الصين الجنوبي وهل تكرر أميركا سيناريو "حرب الأفيون" البريطانية؟

جندي صيني يراقب مناروات بحرية بالقرب من تايوان (أ.ب)  

ملخص

تتوقع #وكالة_الاستخبارات_المركزية_الأميركية أن تندلع "معركة تايوان" مع #الصين عام 2027، بينما يرى تيار في #البنتاغون أن بكين ستستغل عام الانتخابات الرئاسية في 2024

في السادس والعشرين من شهر فبراير (شباط) المنصرم، وعبر البرنامج التلفزيوني الأميركي الشهير Face the Nation "واجه الأمة"، تحدث مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وليام بيرنز، بما يفيد أن الرئيس الصيني، شي جينبينغ، قد أصدر تعليماته لجيش بلاده بالتأهب لغزو تايوان بحلول عام 2027، على رغم الشكوك التي تنتابه حالياً بشأن قدرته على القيام بذلك، نظراً لتجربة روسيا في حربها مع أوكرانيا.

بيرنز، في المقابلة عينها، شدد على ضرورة أن تأخذ الولايات المتحدة رغبة الرئيس الصيني في السيطرة على تايوان "بجدية بالغة" حتى وإن لم يكن الصراع العسكري هو النتيجة الحتمية لذلك.

هل قرر شي جينبينغ إعلان الخيار العسكري بالفعل لإنهاء أزمة تايوان؟

يعود بيرنز وينفي أن جينبينغ قرر شن الغزو في 2027 أو أي عام آخر.

وبالعودة إلى أواخر شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، سنجد أن الجنرال رفيع القدر في القوات الجوية الأميركية، مايك مينيهان، كان قد أرسل مذكرة إلى مرؤوسيه تشير إلى أن بلاده ستدخل في حرب مع الصين في غضون عامين.

كانت رؤية مينيهان تقوم على أن الصين سوف تستغل الارتباك الذي سيحدث في الداخل الأميركي بحلول موعد الانتخابات الرئاسية في 2024، لفرض سيطرتها على تايوان.

يعن للقارئ أن يتساءل، ماذا وراء تلك التصريحات التي تمضي في طريق واحد، أي الدخول في مواجهة عسكرية مع الصين جراء أزمة تايوان المتصاعدة بين واشنطن وبكين منذ عام 1979 بنوع خاص، عندما اعترف الرئيس جيمي كارتر رسمياً بحكومة بكين وقطع العلاقات المباشرة مع تايوان، ورداً على ذلك، أقر الكونغرس قانون العلاقات مع تايوان، مما وضع معياراً لاستمرار العلاقة بين البلدين؟

هل الحرب واجبة الوجود؟

الذين استمعوا إلى تصريحات بيرنز ومينيهان يتساءلون هل واشنطن تدفع بكين دفعاً في طريق المواجهة العسكرية، وأن هذه التصريحات لا تتجاوز السيناريوهات القائمة في ذهن الأميركيين فقط، ومن دون وجود مخططات صينية حقيقية للحرب، أم أن سياسات الصين جهة تايوان تقود حكماً في نهاية المطاف إلى تلك المواجهة العسكرية، مهما تأخر الموعد، وسواء كان ذلك في 2024 أو 2027؟

المؤكد أن العودة لرؤية الصين لتايوان هي الفيصل في الأمر، إذ ترى بكين أن تايوان الديمقراطية جزءاً من أراضيها، وفي عهد الرئيس بينغ كثفت بكين ضغوطاتها العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية على تايوان، لأن حكومتها المنتخبة حالياً تعتبر الجزيرة دولة ذات سيادة وليست جزءاً من "الصين الواحدة".

في هذا السياق، بدا الصيف الماضي أن صداماً عسكرياً سيقع لا محال بسبب إصرار رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي على زيارة تايوان، ضاربة بعرض الحائط الاعتراضات الصينية، وربما أنه لولا حكمة صينية تقليدية ومقدرة على ضبط النفس، لكانت الحرب الأميركية الصينية قد اشتعلت.

 تزداد الأزمة وتتعمق بين الصين وأميركا يوماً تلو الآخر، سيما في ظل تزايد الروابط بين تايوان وأميركا، وبعد تعهد رئيسة  تايوان "تساي إنغ ون"، بتعزيز الروابط العسكرية مع الولايات المتحدة، وذلك للحد مما أطلقت عليه "التوسع الاستبدادي" في إشارة إلى رغبة الصين ضم تايوان.

لا تنفك الصين تعرب عن معارضتها الشديدة لأي اتصال رسمي أو عسكري بين الولايات المتحدة وتايوان، وتدعو إلى وقف تدخلاتها في شؤون تايبيه، وكذا وقف ما تراه إثارة للتوتر في مضيق تايوان.

لكن على الجانب الآخر من الأطلسي ترفض واشنطن أي تدخل عسكري من جانب الصين في تايوان، وقد صدرت تصريحات عدة، بعضها جاء على لسان الرئيس بايدن، تفيد بأن واشنطن لن تقف صامتة أمام أي تدخل عسكري صيني.

أكثر من ذلك فإن بيرنز نفسه في اللقاء الأخير، ألمح إلى مثل تلك المساندة العسكرية من جانب واشنطن لتايبيه بالقول، إن دعم الولايات المتحدة والحلفاء الأوروبيين لأوكرانيا في أعقاب الحرب الروسية ضدها، قد يكون بمثابة رادع محتمل للمسؤولين الصينيين في الوقت الحالي، لكنه قال كذلك إن أخطار هجوم محتمل على تايوان ستكون أكثر قوة؟

جهوزية واشنطن لحرب تايوان

لا تبدو التصريحات الأميركية الأخيرة منطلقة من فراغ، بل ربما هي ردود فعل على التدريبات العسكرية الصينية، والطلعات الجوية شبه اليومية من طياري الصين فوق أجواء تايوان، ما يعني أن هناك على الجانب الآخر من الكرة الأرضية، من يقوم برسم مخططات عسكرية فعلية للتدخل في تايوان عاجلاً أو آجلاً.

في هذا السياق ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، في 24 فبراير (شباط) الماضي، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، وإن لم تشر إلى أسمائهم، أن الولايات المتحدة تخطط لزيادة كبيرة في عدد العسكريين الأميركيين الذين يرسلون بانتظام إلى تايوان لتدريب القوات التايوانية.

الصحيفة الأميركية قالت، إن الجيش الأميركي سيرسل خلال الأشهر المقبلة ما بين 100 و200 جندي إلى الجزيرة للتدريب على استخدام الأسلحة الأميركية والمناورات، في حين لا يتجاوز عددهم حالياً 30 جندياً.

الأمر لا يتوقف عند هذا، بل يتجاوزه إلى حقيقة قيام قوات الحرس الوطني الأميركي بتدريب فرقة من الجيش التايواني في ميشيغان.

وما بين تصريحات جنرال القوات الجوية مينيهان، وما ذكره مدير وكالة الاستخبارات المركزية بيرنز، جاءت نائبة وزير الدفاع الأميركي، كاتلين هيكس، لتغرد قبل أيام بالقول "إن على بلادها  التركيز على الكفاءة القتالية" لردع ما سمته "العدوان الصيني"، على الولايات المتحدة وحلفائها ومصالحها، وهزيمته إذا تطلب الأمر.

ما الذي تعنيه عبارة "هزيمة العدوان الصيني"؟

الجواب ربما نجده طي تصريحات الرئيسة التايوانية "تساي إنغ ون" التي أعلنت في 27 من الشهر الماضي، بعد اجتماعها مع برلمانيين أميركيين، أن تايوان سوف تعزز علاقاتها العسكرية مع الولايات المتحدة.

وشددت على أن "تايوان ستتعاون بنشاط أكبر مع الولايات المتحدة" ومن أسمتهم الشركاء الديمقراطيين لمواجهة التحديات الدولية، مثل "التوسع الاستبدادي وتغير المناخ".

لا مجال لتفسير آخر، فالتوسع بحسب رئيسة تايوان الموسوم بالاستبداد، يقصد به الصين حكماً، وهي عينها التي تسهم في تقدير كثيرين حول العالم، بأكبر نسبة في تلويث المناخ حول الكرة الأرضية.

المثير جداً في تصريحات "تساي إنغ ون"، هو أنها لم تحدد ما ستشمله هذه التبادلات المستقبلية، لكنها شددت على أن الوقت قد حان "لاستكشاف مزيد من إمكانات التعاون" بين الجزيرة والولايات المتحدة.

تحمل لفظة التعاون معاني واسعة وممتدة الأطراف، من عند التعاون الاقتصادي، وصولاً إلى الاستعداد العسكري لقطع الطريق على الصين التي تتطلع لإعادة تايوان إلى أراضيها، مهما كلف الأمر، وهو ما أكده الرئيس الصيني جينبينغ أكثر من مرة، وإن فضل الأساليب الدبلوماسية أول الأمر.

ويبقى السؤال، هل سيطول صبر الصين الاستراتيجي على تايوان، أم أن هناك سيناريوهات تضعها بكين لإنهاء المشهد التايواني؟

غزو تايوان والحرب الروسية الأوكرانية

هل من رابط ما بين الغزو الصيني المحتمل لتايوان، وبين الأزمة الروسية الأوكرانية؟

استراتيجياً تتقاطع الخطوط وتتشابك الخيوط بين الأزمتين، فالصين لا تود لروسيا أن تهزم، حتى لا تجد نفسها في مواجهة منفردة مع الولايات المتحدة، بل تسعى للتوصل إلى حل سلمي للأزمة، ولهذا قدمت رؤية من نقاط عدة أخيراً لإيجاد حل، تستند فيها إلى ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، ولم تضف إليها شيئاً مثيراً بعينه، وكأنها بذلك كانت تدفع الاتهامات التي تقول بأنها تساند موسكو.

من جانب آخر، ليس من مصلحة الصين أن تتسع رقعة الصراع العسكري، لأنها بذلك بصورة أو بأخرى، وعند مستوى سياسي وعسكري معين، ستجد نفسها مدفوعة دفعاً للشراكة مع روسيا في مواجهة أميركا، مما سيعطل مسيرتها الاقتصادية والعسكرية.

الذين لديهم علم من كتاب العسكرية الصينية، يدركون أنها تفضل تاريخياً تحديد مكان وزمان معركتها، لا أن يفرضا عليها فرضاً من قبل طرف آخر، بما يخدم مصالحه الاستراتيجية على المدى الطويل.

لكن على جانب آخر من التحليلات، هناك من يرى أن الفرصة قد تكون سانحة للصين، إذ تستغل انشغال واشنطن في دعم أوكرانيا، لتفتح جرحاً جديداً في خاصرة الولايات المتحدة عبر حلفائها في شرق آسيا.

ويتساءل البعض، هل يمكن أن يكون الغزو الصيني لتايوان "خطأ استراتيجياً"، كما الحال بالنسبة لروسيا في أوكرانيا؟

يقدم لنا رئيس هيئة أركان الجيش الأميركي الجنرال مارك ميلي، جواباً من جهة أميركا، إذ حذر "من تكرار الصين سيناريو روسيا، معتبراً أنه سيكون غير حكيم، بل خطأ جيوسياسياً، خطأ استراتيجياً".

طريقة تفكير ميلي، تبدو قريبة جداً من عقلية مدير وكالة الاستخبارات المركزية وليام بيرنز، إذ يصف الرئيس الصيني جينبينغ بأنه "فاعل عقلاني"، على حد قوله، مضيفاً "أعتقد أنه يقيم الأمور على أساس الكلفة والفوائد والمخاطر، وأعتقد أنه سيخلص إلى أن هجوماً على تايوان في المستقبل القريب يحمل قدراً مفرطاً من المخاطر، وسينتهي بفشل استراتيجي للجيش الصيني".

الصينيون والقدرة على غزو تايوان

هل الصينيون قادرون بالفعل على غزو تايوان بسهولة، أم أن الأمر فيه كثير من المصاعب والعقبات التي تجعلهم يفكرون مراراً  قبل الإقدام على مثل هذه المغامرة العسكرية الكبيرة والخطيرة في الوقت عينه؟

في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) المنصرم، نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريراً مطولاً للباحث الأميركي "إيان إيستون"، من معهد "بروجيكت 2049"، حلل فيه وثائق داخلية للجيش الصيني توضح بالتفصيل العمليات المخطط لها، وتوصل في نهاية تحليله إلى أن الغزو الذي يخطط له الحزب الشيوعي الصيني "لا مفر منه".

بحسب ما أوردته "لوموند" فإن هناك حالاً من الهوس العسكري تسيطر على أذهان الصينيين، ولذلك يحشدون ما بين 300 ألف ومليون جندي، لاجتياح تايوان خلال أسبوعين عبر ثلاث مراحل... ماذا عن تلك المراحل؟

باختصار غير مخل، تبدأ المرحلة الأولى من خلال الحصار والقصف، بعد هجمات إلكترونية تستهدف الإنترنت والاتصالات الحكومية التايوانية، أما المرحلتان الثانية والثالثة فهما إنزال القوات البرمائية، ومن ثم احتلال الجزر القريبة من الساحل الصيني، وتنتهي بتعميم القتال في الجزيرة، من عند الجزر القريبة من البر الصيني، وتتوج باحتلال العاصمة وبقية البلاد.

هل هذا السيناريو صحيح بالمطلق؟

المعروف أن الحرب على الورق، تختلف كثيراً عن الحرب في الواقع، والجيش الصيني لم يخض معارك منذ قتاله ضد الفيتناميين عام 1979.

هنا يعود الجنرال ميلي ليكشف جانباً آخر من خطط الصين العسكرية، إذ يؤكد أنه يمكن للجيش الصيني بسهولة مهاجمة تايوان بالقنابل والصواريخ، إلا أن السيطرة الفعلية على الجزيرة الجبلية المكتظة بالسكان ستكون مهمة عسكرية صعبة للغاية، معتبراً أن الصينيين "سيلعبون لعبة خطيرة للغاية بعبور المضايق وغزو جزيرة تايوان، كما أنهم ليست لديهم الخبرة والخلفية للقيام بذلك".

هل ميلي على صواب؟

يدرك جنرالات جيش التحرير الشعبي نقاط ضعفهم التشغيلية، مثل أوجه القصور اللوجستية في نقل مئات الآلاف من الرجال عبر المضيق، وصعوبة مشاركة قيادة المنطقة الشرقية في المعركة من دون تنبه تايبيه، بخاصة أن "الضباط الصينيين ليست لديهم معلومات استخباراتية كافية عن تايوان".

أضف إلى ذلك أن المناخ والجغرافيا الجبلية للجزيرة يشكلان عقبات رئيسة، بسبب قلة الشواطئ التي يمكن الإنزال عليها بقوة كبيرة كافية للسيطرة على تايبيه بسرعة، هذا بجانب عوامل المد والجزر والأمطار والضباب في تايوان، الأمر الذي يضع الصين أمام توقيتين بعينهما في العام، من أواخر مارس (آذار) إلى أواخر إبريل (نيسان)، ومن أواخر سبتمبر (أيلول) إلى أواخر أكتوبر (تشرين الأول) من كل عام.

هل أميركا جاهزة لحرب الصين؟

بالرجوع إلى أول استراتيجية أميركية للأمن القومي للبلاد، وضعت في عهد الرئيس جو بايدن، نجد أن هناك ما يلفت الانتباه، في شأن ترتيب الدول التي تمثل التحدي الأكبر والأخطر لسيطرة أميركا وهيمنتها على العالم.

تقول الاستراتيجية إن روسيا في الوقت الحالي هي العقبة المقلقة، لكن الصين بنوع خاص هي التي ستشكل التحدي الرئيس للولايات المتحدة خلال العقود المقبلة وحتى منتصف القرن الحادي والعشرين.

يدرك جنرالات البنتاغون الأغراض الماورائية للعسكرية الصينية الساعية للهيمنة على المحيطين الهادئ والهندي، ومن ورائهما بسط نفوذها عبر نظام عالمي جديد.

في هذا السياق تمضي واشنطن بين الفينة والأخرى في إجراء اختبارات تقيس بها مدى جهوزية الصين للتحدي والتصدي عسكرياً.

في هذا السياق، نفذت سفينة حربية تابعة للبحرية الأميركية أول عملية لاختبار حرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فقد مضى الطراد "يو أس أس تشانسلور سفيل"، عبر بحر الصين الجنوبي، واكتفت الصين بالتنديد بمروره من دون موافقة حكومتها، ومن غير أن تقدم على أي فعل عسكري، كان سيقابل ولا شك بردود فعل من الجانب الأميركي.

على رغم ذلك، علت في الأيام القليلة الماضية أصوات  خبراء عسكريين أميركيين بارزين، حذروا من أن الولايات المتحدة غير جاهزة لخوض حرب باتت احتمالاتها تتزايد مع الصين دفاعاً عن تايوان، لا سيما جراء افتقارها إلى الصواريخ  بعيدة المدى اللازمة لحماية القوات حول الجزيرة، وفق تقرير نشرته صحيفة "التايمز" البريطانية.

وبمزيد من التفصيل، فإن "التايمز" كانت تستند في رؤيتها إلى تقرير أصدره منتدى المحيط الهادئ، وهو معهد متخصص في أبحاث السياسة الاستراتيجية الأميركية، خلص إلى أنه على رغم تلك التوقعات فإن واشنطن لم تجر تقييماً للتداعيات الاستراتيجية التي ستترتب على سقوط تايوان بيد بكين.

كما أشار تقرير المعهد، الذي نشر تحت عنوان "العالم بعد سقوط تايوان"، إلى أن استيلاء الجيش الصيني على تايوان سيكون له تأثير مدمر في مصداقية الولايات المتحدة في العالم، بغض النظر عن تدخلها لحماية تايبيه من عدمه.

لا تبدو القراءات التي وضعها الخبير الأميركي السابقة الإشارة إليه، "إيان ستون"، مريحة، بل مزعجة وكارثية للجانب الأميركي.

واشنطن ليس أمامها سوى سيناريو من اثنين، فإما أن تكرر سيناريو أوكرانيا، وغالباً هذا لن يفلح لاختلاف الطبيعة الجغرافية والديموغرافية بين تايوان وأوكرانيا، وعدم مقدرة الأولى على الصمود كما الحال في الثانية.

أما السيناريو الثاني، ففيه ستحاول واشنطن الدفاع عن تايوان في محاولة منها للذود عن حضورها وتحالفاتها العالمية، ولتعزيز ثقة شركائها بها، ولنزع الاتهامات الموجهة إليها بوصفها شريكاً غير موثوق، ودائم الخذلان لأصدقائه.

لكن مثل هذا التدخل، الذي غالباً ما سيكون من خلال تحالف من دول حلف شمال الأطلسي، سيشكل معارك ضارية مع الجيش الصيني على الأرض، وربما يعرض منطقة آسيا برمتها لانفجارات لا أحد يعلم أبعادها، إذ لن تكون اليابان بعيدة، والكوريتان مستعدتان للصراع بقوة.

هنا يتوقع إيستون، خسائر هائلة يفقد فيها الأميركيون وحلفاؤهم مئات الطيارين فوق غرب المحيط الهادئ، وإذا تمكن آلاف المشاة من البحرية الأميركية من الهبوط في تايوان، لكنهم سيضطرون إلى الاستسلام لاحقاً بعد أن يسقط منهم نحو 50 في المئة في الحرب.

هل رؤية إيستون رؤية متشائمة في ضوء التفاوت الواضح بين قدرات الصين وأميركا عسكرياً؟

من يسعى لتكرار حرب الأفيون؟

يحتاج الحديث عن المقاربات العسكرية بين مقدرات الصين والمقدرات الأميركية، عطفاً على الشرح الشافي الوافي لسيناريوهات الصدام العسكري، حال حدوثه بين بكين وواشنطن إلى حديث قائم بذاته، وهل ستكون موقعة ومعركة "ثيؤسيديديس" القرن الحادي والعشرين، كما كانت المعركة الأولى بين أسبرطة وأثينا قبل الميلاد.

ولعل الجزئية الواجب التوقف أمامها هنا، هي تلك التي تناولها بتحليل مطول المحلل السياسي الروسي الشهير، ألكسندر نازاروف، وفيها يقارن بين ما يجري اليوم من صراع بين الصينيين والأميركيين من جهة، وبين ما جرى بين الصينيين والبريطانيين من جهة ثانية في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وبالتحديد عام 1839، خلال ما عرف بحرب الأفيون.

في ذلك الوقت وجد البريطانيون، القوة الإمبراطورية الضاربة، أن الميزان التجاري يميل لصالح الصين، فما كان منهم إلا أن أغرقوها بتجارة الأفيون.

حين رفض الصينيون الأمر، حوصرت الصين من قبل الأسطول البريطاني، ودمر الجيش الصيني، ما أدخل الصينيين في حرب أهلية، ومعها انتشرت الأوبئة والمخدرات وغابت الصين عن العالم في انهيار كامل لمدة قرن ونصف من الزمان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هل يكرر التاريخ أحداثه مرة أخرى؟

المقاربة العسكرية بين الصين وأميركا خاسرة قطعاً لصالح الولايات المتحدة في حاضرات أيامنا، لكن حال مضت الصين من غير أي معوقات اقتصادية أو عسكرية خلال العقدين المقبلين،  ربما ستنقلب الموازين، بخاصة إذا نجحت مع روسيا، في تخليق قطبية عالمية مناوئة للولايات المتحدة، قطبية تأخذ في طريقها كثيراً من الكتل الجيوسياسية الصاعدة حول العالم، والغاضبة من الانفراد الأميركي بمقدرات العالم.

تدرك الولايات المتحدة أن صواريخ الصين النووية عاجزة عن إصابتها، سيما في ظل أنظمة الدفاع الصاروخية الأميركية، ولهذا تتهيأ واشنطن لأسوأ الاحتمالات النووية في صراعها مع الصين عبر خسارة محدودة، لكنها تنهي الآمال في قوة صينية مشاركة في السيطرة على شؤون العالم، الأمر الذي تتجلى فيه فلسفة "القرن الأميركي"، للمحافظين الجدد.

هل ما نراه من تصريحات جنرالات الولايات المتحدة، وكبار رجالات استخباراتها هو المقدمة فقط ورأس جبل الثلج الغاطس في قاع المحيط؟

شيء ما يتخلق في الرحم بين القوتين الكبيرتين، والمثير أن روسيا تعود إلى المنتصف بينهما... إنه زمن "التحولات الجذرية" على حد وصف مستشار ألمانيا أولاف شولتز... والبقية تأتي، إن حرباً أو سلاماً.

المزيد من تقارير