Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سوق أم درمان تنهض من بين ركام الحرب وتستعيد نشاطها

يقول مراقبون إن حال ركود مسيطرة بسبب توقف الأعمال اليومية وعدم صرف رواتب العاملين في القطاعين العام والخاص

جعل التنوع الديني من سوق أم درمان إحدى أغنى الأسواق في السودان، إذ يعيش في الأحياء المجاورة لها أشخاص من مختلف الديانات (اندبندنت عربية - حسن حامد)

ملخص

عادت الحياة لتدب مجدداً في جسد سوق أم درمان المرهق كجسد السودان كله جراء الحرب المستمرة منذ أكثر من عامين، ففتحت محال تجارية عدة أبوابها للعمل وبخاصة محال الصاغة والذهب والحرف على أنواعها وشارعي الأناتيك والصياغ، إضافة إلى سوق الطيور وحركة بيع الأحذية والحقائب المصنوعة من جلود الحيوانات والقطع الأثرية والأجهزة الإلكترونية.

بعد مضي أكثر من 32 شهراً من الحرب استعادت مدينة أم درمان أحد معالمها التجارية وأعرق الأسواق الشعبية في السودان، وبدأت ملامح التعافي تظهر تدريجاً داخل سوق أم درمان الذي يتطلع إلى النهوض من تحت رماد الصراع المسلح على رغم الدمار والتخريب اللذين عطلا معظم مرافق الحياة الخدمية في عاصمة السودان القومية قديماً.

من مكاتب البريد جنوباً وحتى شارع الشنقيطي شرقاً، فتحت محال تجارية عدة أبوابها للعمل وبخاصة محال الصاغة والذهب والحرف على أنواعها، وشارعي الأناتيك والصياغ، إضافة إلى سوق الطيور وحركة بيع الأحذية والحقائب المصنوعة من جلود الحيوانات والقطع الأثرية والأجهزة الإلكترونية.

أنشطة تجارية

ضمن السياق، قال أحد تجار سوق أم درمان الفاتح العمرابي إن "60 في المئة من التجار فقدوا كل رؤوس أموالهم مما أدى إلى خروجهم عملياً من السوق، وكذلك بلغت خسائر البضائع نحو 20 مليون دولار وتخطت خسائر الأصول الثابتة نحو 5 ملايين دولار". وأضاف أن "السوق تشكل أكثر من 50 في المئة من الاقتصاد السوداني، كما كان يغطي 70 في المئة من حاجات المواطنين من الملابس والأجهزة الكهربائية والأنشطة التجارية في البلاد قبل الحرب، ويوفر فرص عمل لآلاف العمال في قطاعاته المختلفة".

وأوضح العمرابي أن "التجار وفروا البضائع كافة، لكن السوق تشهد حال ركود بسبب توقف الأعمال اليومية وعدم صرف رواتب العاملين في القطاعين العام والخاص لأكثر من عامين ونصف العام"، مطالباً السلطات "بتأمين السوق من عمليات النهب والسلب".

 

صمود وتفاؤل

بدوره أشار التاجر مهند بابكر إلى أن "غالبية المحال فتحت أبوابها للعمل والقدرة الشرائية جيدة على رغم ظروف الحرب، ودائماً الزبائن في رحلة بحث عن الأرخص والأوفر، ومع مرور الوقت تتحسن الأوضاع إلى الأفضل".

ونوه بأن "أصحاب المحال يعانون نقص التيار الكهربائي وعدم استقراره خلال ساعات اليوم، ومن ثم يجب على الدولة أن تبذل قصارى جهدها من خلال توظيف قدراتها وإمكاناتها لإعادة استقرار التيار الكهربائي وتوليد الطاقة بكميات تكفي حاجات السوق".

وأردف بابكر "نحن متفائلون بالعودة على رغم الخسائر الكبيرة التي تعرضنا لها منذ اندلاع الحرب، وتضررنا من النزوح عن مدينة أم درمان، لكن التجار صامدون بعد فتح المحال من المدخرات المالية الخاصة نتيجة غياب التمويل المصرفي، مخاطرين بما تبقى لهم من رؤوس أموال".

سوق العصافير

في سوق العصافير عاد أصحاب الدكاكين التي تفتح على شوارع ضيقة نسبياً إلى العمل من جديد. وتأسست سوق العصافير منذ ما يقارب أربعة عقود ونصف العقد، ولا تزال تحتل مكاناً صغيراً في مدينة أم درمان.

ويقول التاجر سعد سلطان "معلوم أن ظروف الحرب والأوضاع الاقتصادية الصعبة تتطلب الصرف على الحاجات الضرورية فحسب، لكن تربية العصافير تبدأ كهواية وتنتهي لدى أصحابها مهنة تدر مبالغ مالية، ومن ثم فإن الحياة لا يجب أن تتوقف مهما كانت الظروف". وأوضح أن "السوق تضم عدداً كبيراً من الأصناف وبخاصة الطيور التي كانت في الأحياء الآمنة داخل مدينة أم درمان، لكنها لا تلقى اهتماماً كبيراً من قبل المواطنين باستثناء فئات محددة".

وتابع سلطان أن "طيور الزينة مرغوبة خلال الوقت الحالي لتجميل حدائق المنازل وإزالة القبح الذي خلفته الحرب، خصوصاً الجنة والجوخ والنساج والهويدة، وهي الأجمل من ناحية الشكل والألوان".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خطوة إيجابية

ضمن سياق متصل، رأى الأكاديمي والمحلل الاقتصادي محمد الناير أن "عودة سوق أم درمان للعمل من جديد تعد خطوة إيجابية، وبخاصة بعد تحرير الجيش السوداني لولاية الخرطوم من قبضة قوات ’الدعم السريع‘، وفي ظل الاستقرار طبيعي أن تعود الأسواق للنشاط". وأضاف "معلوم أن مدينة أم درمان عموماً لم تتأثر كثيراً بتداعيات الحرب سوى منطقة وسط العاصمة الوطنية قديماً، ومن ثم فإن استئناف النشاط التجاري يسهم في عودة أسواق العاصمة بمدنها الثلاث الخرطوم وبحري وأم درمان للعمل، بعد أكثر من عامين ونصف العام، وهي مؤشرات تدعم الاقتصادي السوداني".

وتوقع المحلل الاقتصادي أن تمنح عودة الحكومة المركزية إلى الخرطوم قبل نهاية ديسمبر (كانون الأول) الجاري دفعة قوية للنشاط التجاري والاقتصادي بالعاصمة، خصوصاً بعد استئناف عمل البنوك والمصارف ووزارة المالية وكذلك عودة رجال الأعمال والشركات والأنشطة التجارية".

وتابع الناير أن "وجود الحكومة بالخرطوم سيسهم في زيادة تأمين الولاية ويسهل عودة المؤسسات العامة ويدفع بعودة الموظفين والأعمال اليومية، كما أن عمليات العودة المتواصلة ستعيد الحياة إلى القطاعين الصناعي والتجاري".

عقبات ومساندة

في سياق متصل، أوضح عضو الغرفة التجارية السابق بأسواق أم درمان عبدالرحمن دهب أن "استعادة السوق لنشاطه التجاري بكامل قوته الاقتصادية عملية طويلة ومعقدة، إذ يتطلب التعافي الكامل استقراراً مالياً وأمنياً وسكانياً بعودة غالبية المواطنين، مما يتيح عودة التجار المؤثرين لا سيما الأقباط الذين ينشطون في أعمال عدة مثل الشركات والمصانع، إلى جانب مؤسسات القطاع الخاص ومنها الصيدليات والعيادات، فضلاً عن تجار منطقة أم درمان القديمة من الهنود وبعض الجنسيات العربية".

ونوه بأن "عقبات التمويل من البنوك السودانية في ظل استمرار الحرب وتراجع الجنيه السوداني مقابل العملات الأجنبية، أسباب تحول دون التعافي الكامل لسوق أم درمان، وبخاصة أن القطاع الخاص غير الرسمي يحتاج إلى سيولة مستمرة وخطوط استيراد لاستعادة وظيفته في دورة الاقتصاد الكلي".

ودعا دهب الحكومة إلى مساندة التجار وتعويض خسائرهم عبر خفض أو تجميد الضرائب والجمارك لتسريع التعافي الاقتصادي بصورة كاملة".

 

تاريخ وعراقة

شكل سوق أم درمان قبل اندلاع الحرب خلال أبريل (نيسان) 2023 حالة فريدة، بسبب تداخل الأديان والحضارات فيه وانتشار الحرف على أنواعها، إذ يمتد تاريخه لقرنين من الزمن.

وجعل التنوع الديني من سوق أم درمان إحدى أغنى الأسواق في السودان، إذ يعيش في الأحياء المجاورة لها أشخاص من مختلف الديانات مثل اليهودية والمسيحية والإسلامية وحتى البوذية.

وسمح التداخل الثقافي والديني والتعايش السلمي بأن يكون سوق أم درمان إحدى أكثر الوجهات السياحية تميزاً على رغم تغير ملامحه، ويقصده الأجانب من أوروبا والولايات المتحدة كل عام بأعداد كبيرة، بحثاً عن القطع الأثرية والتراثية.

وتقع مكاتب البريد السوداني في سوق أم درمان مما أعطى السوق طابع الفخامة والأهمية، الذي أثر في حركة البيع والشراء فيها وجعلها أحد المعالم المعروفة، وسميت المنطقة المحيطة بالبريد بـ"البوستة".

اقرأ المزيد