Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بايدن فتح النار على "أوبك+" فارتدت عليه

انتقادات تطال الإدارة الأميركية عقب بيان سعودي يؤكد اقتراح واشنطن تأجيل قرار المنظمة شهراً واحداً

الرئيس الأميركي جو بايدن بعيد عقده مؤتمراً صحافياً في جدة في يوليو 2022 (أ ف ب)

بعد أيام من تصعيد متعدد الأقطاب في واشنطن تجاه السعودية، جددت وزارة الخارجية السعودية، رفضها لوصف قرار دول "أوبك+" بأنه بني على دوافع سياسية تستهدف الولايات المتحدة. وقالت في بيان شديد اللهجة، الخميس 13 أكتوبر (تشرين الأول) إن "مخرجات اجتماعات أوبك بلس يتم تبنيها من خلال التوافق الجماعي من الدول الأعضاء ولا تنفرد فيه دولة من دون باقي الدول الأعضاء".

وفيما أكد البيان أن تخفيض الإنتاج اتخذ من "منظور اقتصادي بحت"، إلا أنه تضمن أيضاً تأكيداً لما جرى تداوله حول مقترحات أميركية لتأجيل اتخاذ قرار "أوبك+" شهراً واحداً، وذكر أن الحكومة السعودية أوضحت "من خلال تشاورها المستمر مع الإدارة الأميركية أن جميع التحليلات الاقتصادية تشير إلى أن تأجيل اتخاذ القرار لمدة شهر بحسب ما تم اقتراحه سيكون له تبعات اقتصادية سلبية".

"يسعى إلى مصلحة حزبه لا أميركا"

وما إن شاركت الخارجية السعودية نسخة من بيانها باللغة الإنجليزية، حتى تناقل سياسيون ونشطاء أميركيون على مواقع التواصل الاجتماعي التصريحات السعودية كدلالة على تقديم بايدن مصالح حزبه على مصالح المستهلك الأميركي، واصفين مساعي إدارته للضغط على الرياض لتغيير قرار المنظمة النفطية، بأنها لا تهدف إلا لتحقيق مكاسب سياسية قبل الانتخابات النصفية التي تعقد في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، ويسعى من خلالها الحزب الديمقراطي إلى المحافظة على أغلبيته في الكونغرس.

وفتح السيناتور توم كوتون النيران على سياسات الرئيس الأميركي، قائلاً إنه "طلب من السعودية تأجيل خفض الإنتاج فقط لمساعدة حزبه في الانتخابات النصفية"، وهو ما كرره مواطنه ديفيد شيفر وهو سيناتور جمهوري سابق، قال في حسابه على "تويتر" إن "بايدن لم يطلب من السعوديين الحفاظ على إنتاج النفط عند مستوياته الحالية، بل طلب منهم الانتظار شهراً قبل تخفيضها. هو لا يحاول إنقاذ أوكرانيا من روسيا أو حتى الأميركيين من ارتفاع أسعار الوقود، ولكنه يحاول إنقاذ حزبه من الناخبين".

 

وجاء قرار "أوبك+" الذي من شأنه زيادة متاعب الرئيس بايدن الاقتصادية، في الوقت الذي تظهر فيه استطلاعات الرأي تراجع شعبيته إلى أدنى مستوياتها منذ تسلمه الرئاسة، إذ أظهر استطلاع لـ"رويترز" بالتعاون مع شركة "إبسوس"، الثلاثاء الماضي، أن 40 في المئة فقط من الأميركيين يوافقون على أداء الرئيس، مقابل 55 في المئة يعارضون أداءه. ويعكس تراجع نسب تأييد بايدن وسط ارتفاع حاد في مستويات التضخم وأسعار الطاقة والمواد الغذائية، مخاوف الديمقراطيين من خسارتهم انتخابات التجديد النصفي في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) التي ستكون لها الكلمة الفصل في هوية الحزب الذي سيسيطر على الأغلبية في الكونغرس.

في المقابل، هاجم المتحدث باسم مجلس الأمن القومي جون كيربي بيان الخارجية السعودية، واعتبره محاولة "للالتفاف على الرغم من وضوح الحقائق"، مجدداً الاتهامات الأميركية لقرار "أوبك+" بأنه "يعزز الإيرادات الروسية ويقلل من فاعلية العقوبات ضد موسكو". وزعم كيربي أن السعودية دفعت دول "أوبك+" نحو خفض الإنتاج على الرغم من أن "أكثر من عضو اختلف" مع هذه المساعي، من دون أن يسمي هذه الدول.

من جانبها، قالت جوان كامينغز وهي دبلوماسية أميركية سابقة عملت في عدد من دول الشرق الأوسط منها السعودية، إن العلاقة بين الرياض وواشنطن "لطالما كانت مهمة لكلا البلدين منذ عقود، ولذلك فمن غير المرجح أن يؤدي تبادل التصريحات إلى تغيير جذري في الأولويات التي ربطت بينهما".

وأضافت كامينغز في حديثها لـ"اندبندنت عربية"، "بينما تعكس نبرة الرسائل التوترات الأخرى، إلا أننا قد نشهد إعادة تقييم للأولويات. دبلوماسياً، ينبغي أن تكون إعادة التقييم مدروسة ومثمرة، حتى تحقق مكاسب لشعبي البلدين.

السعودية وجدل الانتخابات النصفية

ويكشف استطلاع جديد لصحيفة "واشنطن بوست" بالتعاون مع "أيه بي سي نيوز" عن أن أهم قضيتين لدى الناخبين المسجلين هما الاقتصاد والتضخم، في حين تميل الأغلبية إلى إظهار ثقة أكبر بالجمهوريين في تعاملهم مع هذه القضيتين. وقال 54 في المئة من الناخبين المسجلين في الانتخابات المقبلة إنهم يثقون بأداء الجمهوريين في الشؤون الاقتصادية، مقابل 37 في المئة لصالح الديمقراطيين.

وفيما تزيد نتائج هذا الاستطلاع الضغوط على الحزب الديمقراطي وتهدد حظوظه في الرهان الانتخابي المقبل، فإنها تشير أيضاً إلى حاجة بايدن إلى احتواء التضخم وتخفيف آثار ارتفاع أسعار الطاقة على المستهلك الأميركي، وهو ما يبرر مساعي إدارته المكثفة في الأشهر الماضية، للتقارب مع السعودية كأحد أكبر مصدري النفط في العالم، واستعادة توازن العلاقة معها، بعد شد وجذب إثر التغيرات التي طرأت على سياسات واشنطن حيال مبيعات السلاح والاتفاق النووي وحرب اليمن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وهكذا شوهدت الإدارة الديمقراطية في الصيف الماضي تمد يد المصالحة مع السعودية، وتدفع لأسابيع بتصريحات إيجابية عنها ممهدة بذلك لزيارة بايدن إلى مدينة جدة في يوليو (تموز) الماضي. التي التقى خلالها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان. وعلى الرغم من أن إدارة بايدن حاولت التأكيد على أن رحلة الرئيس للسعودية لم تكن من أجل النفط فقط، وأن هدفه منها مناقشة قضايا أمنية تهم دول المنطقة كلها فإن ملف الطاقة كان طاغياً على التحليلات التي أعقبت الزيارة.

وما إن مرت ثلاثة أشهر اتسمت بالهدوء بين الرياض وواشنطن، وتزامن معها تبني "أوبك+" زيادات طفيفة في إنتاجها النفطي، حتى عاد التوتر إلى العلاقة مجدداً بعد خفض حصص الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً، الأمر الذي عكس الاهتمام الذي توليه الإدارة الأميركية بأسعار النفط. وأكد أن ملف الطاقة لم يكن على الهامش أثناء إصلاحها العلاقة مع الرياض، بل كان أولوية في محادثات البلدين، وتجسد هذا الاهتمام في الزيارات المتكررة إلى السعودية التي أجراها منسق شؤون الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي بريت ماكغورك ومستشار أمن الطاقة آموس هوكستين اللذان التقيا ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الشهر الماضي، لبحث أمن الطاقة إلى جانب ملفات أخرى.

وأشارت "وول ستريت جورنال"، هذا الأسبوع، إلى انخراط عدد من المسؤولين الأميركيين في الفترة الماضية، في محادثات مكثفة لإقناع السعودية بتأجيل خطط "أوبك+". وقالت الصحيفة، إن مسؤولي البيت الأبيض أجروا عدة مكالمات مع ولي العهد السعودي، كما تحدثت وزيرة الخزانة جانيت يلين مع نظيرها السعودي، إلا أن هذه المساعي باءت بالفشل بعد قرار "أوبك+"، الذي صدم مسؤولين أميركيين، إذ قالوا إنهم فوجئوا بحجم خفض الإنتاج بعد أن اعتقدوا أنه لن يتجاوز المليون برميل في اليوم.

ووسط فورة التصريحات بين الطرفين. يقول علي الشهابي الكاتب في الشؤون السعودية – الأميركية، إن الخلافات الحالية نتيجة لـ"سوء فهم أساسي" نشأ بعد زيارة بايدن إلى الرياض في يوليو (تموز) الماضي. وذكر الشهابي في حديث لصحيفة "اندبندنت"، أن "ما لم تتعهده السعودية وما لم تتوقع من الأميركيين أن ينتظروه"، هو أن تترك الرياض أسعار النفط الذي يعد مصدر دخلها الرئيس، عرضة للانهيار.

"التعاون العسكري لن يتوقف"

وبعد أيام من تصعيد البيت الأبيض وعدد من أعضاء الكونغرس ضد السعودية، جاء بيان الخارجية السعودية رافضاً وصف قرار "أوبك+" بأنه بمثابة انحياز سعودي في "صراعات دولية"، في إشارة إلى الأزمة الأوكرانية، وتصريحات نواب أميركيين في مقدمتهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ بوب مينينديز الذي اتهم السعودية بأنها تسهم في تمويل الحرب الروسية من خلال "أوبك+"، وهو ما رفضته السعودية، معتبرة "محاولة طمس الحقائق في ما يتعلق بموقفها من الأزمة الأوكرانية أمراً مؤسفاً".

من جانبه، اعتبر مدير مكتب الخليج وشبه الجزيرة العربية بوزارة الدفاع الأميركية سابقاً ديفيد دي روش، بيان الخارجية السعودية تأكيداً من الرياض على "استقلالية" قراراتها. وأشار روش إلى طلبات إدارة بايدن تأجيل خفض الإنتاج لمدة شهر. وقال إنه لا يعتقد أن "الرئيس أشار بصراحة إلى أن إدارته بحاجة للتأجيل للتأثير في الانتخابات، لكن طلباته بالتأكيد تشير إلى أنه سعى لتحقيق مكاسب سياسية غير مباشرة".

واستبعد دي روش في حديثه مع "اندبندنت عربية" أن يؤثر الخلاف الحالي بشكل كبير في التعاون العسكري بين البلدين، مشيراً إلى أن تصريح السيناتور مينينديز حول إيقاف جميع الأسلحة استثنى منها ما هو ضروري كصواريخ باتريوت، ولفت إلى أن التعاون العسكري بين البلدين استمر في عهد الإدارات الجمهورية والديمقراطية على مر التاريخ، حتى إدارة باراك أوباما التي كان بايدن الرجل الثاني في هرميتها.

وأشار المسؤول السابق إلى إيقاف إدارة بايدن بيع الأسلحة الهجومية للسعودية العام الماضي. وقال إن ذلك لم يمنع السعودية من الحصول على صواريخ "باتريوت"، مرجحاً أن ينحصر تأثير الخلاف الحالي على التعاون العسكري في قرارات رمزية، مثل إلغاء مجموعة العمل الأميركية– الخليجية التي تختص بتعزيز التعاون الدفاعي ضد التهديدات الإيرانية، من دون أن يؤثر على الجانب العسكري العملياتي.

ولدى سؤاله عن تهديدات إيقاف صفقات السلاح، قال وزير الدولة للشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير، إن "بيع الأسلحة الدفاعية يخدم مصالح كلاً من الولايات المتحدة والسعودية، ويسهم في أمن واستقرار الشرق الأوسط"، مشيراً إلى أن علاقة البلدين قوية منذ ثمانية عقود، وهما شريكان وثيقان في مكافحة التطرف والإرهاب والحفاظ على الاستقرار والأمن في المنطقة وحليفان وثيقان على الصعيد الاقتصادي".

الرياض وواشنطن إلى أين؟

لا تخلو قراءات الباحثين للخلافات الأخيرة بين الولايات المتحدة والسعودية من الإشارة إلى أن علاقة البلدين على مدى 80 عاماً نجت من صدمات أكثر شدة، من حظر النفط الشهير في السبعينيات، إلى أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، لذلك يبقى السؤال الملح هو عما إذا كان سيطول الخلاف الحالي في شأن إنتاج النفط، وهنا ترجح كارين إليوت هاوس، الناشرة السابقة لصحيفة "وول ستريت جورنال"، عدم التئام الصدع خلال رئاسة بايدن، مشيرة إلى أن الرئيس الأميركي أساء سابقاً إلى السعودية وقيادتها، مما عمق حالة من "عدم الثقة". وقالت هاوس في حوار مع صحيفة "اندبندنت"، إن الخلافات بين إدارة بايدن السعودية أعمق بكثير من أسعار النفط، مشيرة إلى أن "السبب الأساسي للتوتر الحالي هو فقدان الثقة في الولايات المتحدة".

ولكن، حين سئل الجبير في مقابلته الأخيرة مع "سي أن أن"، عما إذا كانت العلاقة بين واشنطن والرياض قد تحطمت، قال إن العلاقة بعيدة كل البعد من ذلك، مشيراً إلى أن يقرب من 80 ألف أميركي يقيمون في السعودية، وتجمع البلدين علاقات تجارية متينة. وذكر الوزير السعودي أن البلدين يعملان معاً لتحقيق مصالحهما المشتركة، وينسقان في ملفات مختلفة منها إحلال السلام في اليمن، والسلام بين العرب والإسرائيليين، وتحقيق الاستقرار في أفغانستان، إضافة إلى إعادة دمج العراق في المنظومة العربية.

في غضون ذلك، يعتقد الشهابي أن الهدوء سيعود إلى العلاقات السعودية – الأميركية. وقال "ستسود العقلانية في نهاية المطاف"، فبعيداً من توجهات الخطاب الحالي، فإن أميركا "من مصلحتها استمرار تدفق النفط من الخليج إلى حلفائها والاقتصاد العالمي" على حد قوله، مؤكداً أن الوجود الأميركي في المنطقة يمنحها أيضاً نفوذاً على دول مثل الصين التي تعتمد على شحنات النفط المقبلة من الخليج وعلى اليابان والهند وأوروبا كذلك، حتى إن كانت رسائل السياسيين الأميركيين مربكة قبل انتخابات التجديد النصفي.

المزيد من تقارير