Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تستطيع البرازيل إعادة عقارب الساعة إلى الوراء؟

فخ الحنين للماضي في أميركا اللاتينية وعودة لولا

كانت الحملة الانتخابية البرازيلية لعام 2022، في جزء كبير منها، عبارة عن نقاش عن الماضي (رويترز)

يقول تعبير محلي، إن "الإله برازيلي" خلال العقد الأول من هذا القرن، كانت هناك أسباب تدعو إلى الاعتقاد أنه قد يكون صحيحاً بالفعل. في عام 2001، صنف بنك "غولدمان ساكس" البرازيل - إلى جانب الصين والهند وروسيا - على أنها دول "البريكس"، أي الأسواق الناشئة التي من المفترض أن تغذي النمو العالمي لسنوات عديدة مقبلة. في حالة العملاق الأميركي الجنوبي، بدا التكهن دقيقاً، على الأقل لفترة من الوقت. بحلول نهاية العقد، تضاعفت قيمة سوق الأسهم البرازيلية خمس مرات. ولم تتراكم الثروة حصرياً لدى الطبقة العليا، حيث توسعت الطبقة الوسطى في البرازيل بنحو 30 مليون شخص، وضاقت الفجوة السيئة في البلاد بين الأغنياء والفقراء، ولو بقليل. امتلأت الطائرات بالمسافرين جواً لأول مرة، واختفت أجهزة الميكروويف وأجهزة التلفزيون على الرفوف. وحتى مع ازدهار الاقتصاد، انخفض معدل اجتثاث الأشجار في غابة الأمازون بشكل حاد، حيث استثمرت الحكومة في تطبيق إجراءات صارمة ضد الزراعة والتعدين غير المشروعين. علاوة على ذلك، بدا أن الاستعدادات لاستضافة كأس العالم 2014 وأولمبياد 2016 ستضمن للبرازيل طفرة طويلة في أعمال البناء ودوراً أبرز على المسرح العالمي.

اليوم، يتصدر الرجل الذي أشرف على معظم تلك الحقبة المبهجة كرئيس من 2003 إلى 2010، لويز إيناسيو لولا دا سيلفا، استطلاعات الرأي للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في أكتوبر 2022. وعلى الرغم من غياب أي توقعات بحدوث معجزة إلهية، فإن العديد من البرازيليين يأملون في أن ينجح زعيم نقابة عمال المعادن القديم - والذي يبلغ الآن 76 عاماً، بلحيته المميزة التي أصبحت شيباء بالكامل – في استعادة بعض السحر على الأقل. فبعد أكثر من عقد من الاضطرابات الاقتصادية وعدم الاستقرار السياسي، أصبحت البرازيل الآن أفقر بنسبة 20 في المئة على أساس الفرد مما كانت عليه خلال عام لولا الأخير في المنصب. تحت قيادة الرئيس اليميني جاير بولسونارو، الذي يرشح نفسه لإعادة انتخابه، فقدت البرازيل أكثر من 660 ألف شخص بسبب "كوفيد-19"، لتحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في نصف الكرة الأرضية الغربي، كما أصبحت ديمقراطيتها التي امتدت لأربعة عقود تحت ضغط شديد. وفي تراجع للتقدم المحرز خلال حقبة لولا في حماية الأمازون، زاد اجتثاث الغابات بشكل كبير، مما دفع بعض العلماء إلى التحذير من أن الأمازون، التي توصف عادة بـ"رئة العالم،" على وشك الانهيار.

من خلال قصة حياته التي تشبه رواية ملحمية والهيبة التي دفعت الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى وصفه "بالسياسي الأكثر شعبية على وجه الأرض،" قد يمتلك لولا الموهبة والخبرة اللازمتين لإعادة البرازيل إلى المسار الصحيح، لكن من الممكن أيضاً أن يقع البرازيليون في فخ كلاسيكي متكرر في الممارسة السياسية بأميركا اللاتينية، وهو الأمل في قدرة زعيم مسن قاد طفرة تصدير السلع منذ فترة طويلة، بطريقة ما، أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء. لقد حدث مراراً على مدار القرن الماضي، أن عاد إلى السلطة زعماء سبق وأن أشرفوا على فترات ازدهار غير عادي - مثل خوان بيرون في الأرجنتين في أواخر الأربعينيات وكارلوس أندريس بيريز خلال طفرة النفط في فنزويلا في السبعينيات وألفارو أوريبي في كولومبيا خلال العقد الأول من هذا القرن - أو ساعدوا في انتخاب أشخاص تابعين لهم، ولكن من دون استثناء تقريباً، انتهت جميع حالات العودة إلى السلطة بخيبة أمل أو بكارثة، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن العالم قد تغير وانخفضت أسعار الصادرات المهمة مثل النفط الخام وخام الحديد وفول الصويا.

تجتهد أميركا اللاتينية اليوم للخروج من فترة مضطربة بشكل خاص شهدت بعضاً من أعلى معدلات الوفيات في العالم بسبب "كوفيد-19"، وأسوأ معدلات القتل وعدم المساواة، وعقد ضائع من النمو الاقتصادي الباهت والاضطرابات الاجتماعية. بالنظر إلى حجم هذه التحديات، من المنصف أن نخشى تحول صعود لولا إلى رمز لما يسميه المفكر الفنزويلي مويسيس نعيم بـ"أيديولوجية اشتهاء الموتى،" وهو تفضيل تاريخي في أوقات الأزمات للحنين إلى الماضي والأفكار البالية بدلاً من القيادة الجديدة والسياسة الاستشرافية. مع تقدم الحملة الرئاسية لعام 2022 في البرازيل، يعاني فريق لولا من نقص كبير في الوجوه الجديدة، إذ يعتمد على لاعبين أساسيين من حقبته الماضية لتقديم المشورة له. ففي إحدى المقابلات، قال لمحاوره: "عليك أن تفهم أنه بدلاً من أن تسأل عما سأفعله، انظر فقط إلى ما فعلته"، لكن لكي يقترب لولا من تكرار سجله السابق، سيتعين عليه التغلب على سياق خارجي أكثر سلبية - والتوقعات الضخمة التي أغرقت في النهاية معظم الرؤساء الآخرين الذين حاولوا القيام بعودة مماثلة.

عودة عبر "تيك توك"

إدراكاً منه أن تقدمه في السن قد ينظر إليه كعائق في هذه الحملة الرئاسية، السادسة له (مع العلم أنه خسر الثلاثة الأولى)، فقد اعتنق لولا أخيراً إلى حد ما "تويتر" و"تيك توك"، حيث ينشر مقاطع فيديو لنفسه وهو يرفع الأثقال في الخامسة والنصف صباحاً في تدريبات منتظمة، متفاخراً بالقول، "لديّ طاقة رجل يبلغ من العمر 30 عاماً ونشاط شاب يبلغ من العمر 20 عاماً. أريد أن أعيش حتى أبلغ من العمر 120 عاماً، ولهذا السبب أعتني بنفسي". في غضون ذلك، تسعى حملته إلى تذكير الناخبين بماضي لولا المجيد. لقد ولد لمزارعين كفيفين أميين، وترك المدرسة بعد الصف الخامس للمساعدة في إعالة أسرته كلماع للأحذية وبائع للفستق. لم يتعلم القراءة حتى سن العاشرة وذهب للعمل وهو مراهق في مصنع لقطع غيار السيارات. بعد تعرضه لحادث هناك تكلفته خنصره الأيسر، ظهر كزعيم عمالي في الضواحي الصناعية في ساو باولو. أسهم دوره المقدام في الحركة النقابية الشعبية على إنهاء الديكتاتورية التي امتدت في البرازيل بين 1964 و1985. وبينما تتذكر فئة عمرية معينة من البرازيليين تفاصيل سيرة لولا الذاتية عن ظهر قلب تقريباً، إلا أن هذه التفاصيل جديدة بالنسبة لعديد من الناخبين في بلد كان فيه الشخص العادي يبلغ من العمر 21 عاماً فقط عندما انتهت ولاية لولا الرئاسية.

في الواقع، كانت الحملة الانتخابية البرازيلية لعام 2022، في جزء كبير منها، عبارة عن نقاش عن الماضي، تمحور حول سؤالين محل نزاع حاد: ما مقدار الفضل الذي يستحقه لولا على سنوات الازدهار، وما مقدار اللوم الذي يجب أن يتحمله بسبب الانهيار الذي أعقب ذلك؟ فيما يتعلق بالسؤال الأول، من الواضح أن لولا والشعب البرازيلي البالغ تعداده 210 ملايين نسمة استفادوا من رياح قوية مواتية خلال فترة رئاسته. لقد شهد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين فترة نمو استثنائي وتقدم اجتماعي في معظم أنحاء أميركا اللاتينية، ويرجع ذلك أساساً إلى ارتفاع الطلب على سلع المنطقة من الصين. في هذا الصدد، تم تسجيل نمو في صادرات أميركا اللاتينية إلى الصين من أقل من 6.5 مليار دولار في عام 2002 إلى 67.8 مليار دولار في عام 2010، ما وفر مكاسب غير متوقعة من العملة الصعبة التي استخدمتها العديد من الحكومات، بما في ذلك حكومة لولا، لتمويل برامج الرعاية الاجتماعية وغيرها من الإنفاق العام. استفادت البرازيل أيضاً من موجة من إصلاحات السوق الحرة التي تم إجراؤها في عهد سلف لولا المباشر، فرناندو هنريك كاردوسو، الذي ترأس البلاد من 1995 إلى 2002. أنهت هذه الإجراءات سنوات من التضخم الجامح وجلبت الاستقرار للنظام المالي، ما جعل ازدهار الائتمان الاستهلاكي في السنوات اللاحقة ممكناً.

كان جزء كبير من الحملة الانتخابية البرازيلية لعام 2022 عبارة عن نقاش حول الماضي.

لا يزال منتقدو لولا يجادلون بأنه كان محظوظاً بشكل غير عادي، وأنه لم يفعل في منصبه سوى القليل عدا الحفاظ على إطار الاقتصاد الكلي الذي ورثه عن كاردوسو. صحيح أيضاً أنه في سياق إقليمي، لم يكن أداء البرازيل في العقد الأول من هذا القرن مذهلاً، إذ شهد الناتج المحلي الإجمالي لكل من تشيلي وكولومبيا وبيرو نمواً أسرع. كان تفوق البرازيل، على الأقل في البداية، محصوراً في في ضمان توزيع الثروة على نطاق واسع بين جميع شرائح المجتمع. كانت مبادرة "بولسا فاميليا" التي أطلقها لولا تمنح راتباً بمبلغ 35 دولاراً شهرياً للبرازيليين الأشد فقراً الذين استوفوا شروطاً معينة، مثل إبقاء أطفالهم في المدرسة. لقد ساعد في خفض معدلات الفقر من 40 في المئة إلى 25 في المئة بنهاية فترة ولايته، وخفض معدلات وفيات الرضع، وأصبح نموذجاً يتم تقليده على نطاق واسع في أماكن بعيدة مثل جنوب أفريقيا وإندونيسيا، كما أجرت حكومة لولا زيادات قوية في الحد الأدنى للأجور، الذي ارتفع بنسبة 50 في المئة فوق معدل التضخم خلال السنوات الثماني التي قضاها في السلطة، ما سمح لملايين البرازيليين بشراء السيارات ومكيفات الهواء وغيرها من تجهيزات الطبقة المتوسطة لأول مرة.

لم تكن هذه الإنجازات ممكنة لولا تبني لولا خاصية نادرة في اليسار بأميركا اللاتينية، والمتمثلة في الانضباط المالي. من خلال التصدي للضغوط المستمرة من قاعدته لإنفاق المزيد، حققت حكومة لولا أهداف الميزانية الطموحة عاماً بعد عام، مما سمح للبرازيل بكسب ثقة المستثمرين وسداد مليارات الدولارات من القروض لصندوق النقد الدولي قبل سنوات من الموعد المحدد. وعلى عكس العديد من معاصريه، بمن فيهم رئيس فنزويلا هوغو شافيز، بنى لولا ائتلافاً واسعاً شمل الطبقة العاملة إضافة إلى الصناعيين والمصرفيين، الذين شهدوا ارتفاعاً في الأرباح بفضل ضم ملايين العملاء الجدد. أحدثت هذه البراغماتية لبساً على مر السنين حول حقيقة ما يعتقده لولا - وهو غموض اعتنقه كثيراً وكان يصف نفسه بـ"المتحور المستمر" (walking metamorphosis) نسبة إلى أغنية البوب البرازيلية من السبعينيات.

كان واضحاً دوماً أن الصين هي السبب الرئيس لنجاح البرازيل. لقد أدى النمو الصيني الهائل إلى طلب متزايد على لحوم البقر وخام الحديد والبترول وفول الصويا والسكر ومشتقاتها - وهي سلع تمثل نحو نصف إجمالي صادرات البرازيل، لكن كانت هناك مرحلة قرب نهاية فترة ولاية لولا عندما بدت البلاد وكأنها بلغت سرعة نمو تسمح لها بالتحرر من ماضيها المضطرب، حيث كان لولا زعيمها الشهم والحكيم. عندما تم اختيار ريو دي جانيرو لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية لعام 2016، انهار لولا بالبكاء وعانق بيليه، أسطورة كرة القدم البرازيلية. وعندما اكتشفت شركة النفط المملوكة للدولة بتروبراس احتياطيات ضخمة جديدة غير متوقعة من النفط البحري، أعلن أن ذلك "دليل على أن الإله برازيلي في النهاية". بحلول الوقت الذي غادر فيه لولا منصبه في نهاية عام 2010، افتخر بالحصول على تأييد شعبي يفوق 80 في المئة وأصبح أحد أكثر القادة شهرة في الجنوب العالمي. لقد بدا رمزاً لما اعتقده الكثيرون أنه نظام عالمي جديد تشهد فيه القوة والديناميكية الاقتصادية تحولاً لا رجعة فيه بعيداً من الغرب المتقادم والممزق بالأزمات.

بعد السقوط

لطالما شهدت أميركا اللاتينية طفرات وانهيارات دراماتيكية. ومع ذلك، وحتى بمعاييرها التاريخية، فإن ما حدث بعد ذلك كان مذهلاً. ففي أوائل عام 2010، بدأت الصين في إعادة توازن اقتصادها بعيداً من الاستثمار ونحو زيادة الاستهلاك المحلي، ما أدى إلى انخفاض أسعار بعض السلع العالمية عن مستوياتها المرتفعة. وفي تناغم تام تقريباً، عانت الاقتصادات في جميع أنحاء أميركا اللاتينية من تدهور معدلات التبادل التجاري. ومع انخفاض أسعار النفط، عانت فنزويلا من كساد عميق أدى، إلى جانب ديكتاتورية موغلة في القمع، إلى خلق أزمة إنسانية دفعت ستة ملايين من سكانها إلى البحث عن ملاذ في الخارج. بالنسبة للأرجنتين، التي حققت صادراتها الزراعية نمواً قوياً في الفترة ما بين 2003 و2010، فقد تخلفت عن سداد ديونها مرة أخرى بحلول عام 2014. وشهدت كولومبيا انخفاضاً في عائداتها التصديرية الإجمالية بمقدار الثلث في عام واحد فقط. وحتى تشيلي، أكبر منتج للنحاس في العالم والطفل المدلل السابق للاستقرار في المنطقة، دخلت في فترة من الاضطرابات الاجتماعية والتقلبات الاقتصادية التي لم تخرج منها بالكامل بعد. خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، بلغ متوسط ​​النمو الاقتصادي في أميركا اللاتينية ككل 2.2 في المئة فقط سنوياً - أي أقل من المتوسط ​​العالمي البالغ 3.1 في المئة، وأدنى معدل في أي مجموعة رئيسة للبلدان التي يراقبها البنك الدولي.

يبدو أن صور الزعيم الأيقوني المحبوس في زنزانة طولها 10 قدماً وعرضها 16 قدماً تنبئ بالتأكيد بنهاية مأساوية.

مع ذلك، يمكن القول إن الانهيار الوحيد الأكثر إثارة للدهشة هو انهيار البرازيل. لقد حظيت ديلما روسيف، التي اختارها لولا بعناية كخليفة له، والتي كانت أيضاً من حزب العمال، في البداية بقبول شعبي لا يقل تقريباً عن قبوله، لكن عندما بدأ الاقتصاد في التدهور، حاولت الحفاظ على الرخاء من خلال تدخل الدولة على نحو فظ في الاقتصاد واللجوء للخداع في نظام المحاسبة لتحقيق أهداف الميزانية الصارمة التي خدمت لولا بشكل جيد، لكن مقاومة التباطؤ الحتمي دفعت الأمور نحو الأسوأ، ما أدى إلى تخويف المستثمرين والمستهلكين على حد سواء. وبحلول عام 2013، بدأ التضخم يرتفع، وخرج أكثر من مليون برازيلي إلى الشوارع للاحتجاج على ارتفاع أسعار تذاكر الحافلات وغيرها من الإحباطات. وباعتبارها موظفة عامة لم يسبق لها أن ترشحت لمنصب عام حتى أخرجها لولا الأضواء، لم تكن تمتلك الكاريزما ولا المرونة الأيديولوجية التي كان يحظى بها مرشدها. في غضون ذلك، لم يتمكن لولا، الذي أبعده سرطان الحلق خلال جزء من هذه الفترة، من المساعدة في تصحيح مسار السفينة، لذا تعمقت دوامة البرازيل، وبحلول عام 2015، كانت البلاد غارقة في أسوأ ركود لها منذ أكثر من قرن.

في غضون ذلك، كان المدعون العامون يحققون في مشكلة مزمنة لدى حزب لولا العمالي: الفساد. كادت فضيحة المال مقابل الأصوات أن تؤدي إلى إجراءات عزله خلال ولايته الأولى، ولكن في عام 2014، بدأ فريق من المدعين العامين في الكشف عن أدلة على وجود مخطط فساد أكبر بكثير يتعلق بشركة "بيتروبراس"، وهي قضية عرفت باسم "فضيحة عملية غسيل السيارات" في إشارة إلى أصلها، حيث ظهرت خيوطها في تحقيق صغير بمحطة بنزين في برازيليا كانت تستخدم لغسل الأموال. قبل فترة طويلة، وجدوا دليلاً على أن الشركات كانت تفرض رسوماً زائدة على عقود بناء منصات النفط والمصافي ومشاريع أخرى، ثم تعيد توجيه الأموال إلى قائمة طويلة من السياسيين في أحزاب متعددة. امتدت شبكة الرشى إلى عدة دول وأرسلت العشرات من أقوى السياسيين وقادة الأعمال في أميركا اللاتينية، بمن فيهم رئيسان سابقان لبيرو، إلى السجن. وصفتها وزارة العدل الأميركية في ذلك الوقت بأنها "أكبر قضية رشوة أجنبية في التاريخ"، لكن في الواقع، ليس واضحاً إلى أي حد كان المخطط غير مسبوق في قوس التاريخ السياسي البرازيلي. لقد وثق الصحافي البرازيلي مالو غاسبار في كتاب حديث، أن إحدى الشركات الرئيسة المشاركة في المخطط، وهي عملاق البناء "أوديبريشت،" انخرطت في عمليات فساد مماثلة مع الحكومات البرازيلية السابقة منذ السبعينيات على الأقل. وأشار مراقبون سياسيون آخرون إلى أنه من دون الخطوات التي قام بها لولا وروسيف لتقوية النظام القضائي في البرازيل، مثل السماح بإبرام صفقات مساومة خلال المحاكمات لتخفيف العقوبة وتعيين مدعين عامين مستقلين، ربما لم تكن قضية غسيل السيارات لتظهر أبداً، ناهيك بمتابعتها قضائياً. ربما لم يكن الجديد في الأمر هو الفساد نفسه، بل حقيقة اكتشافه وإصدار عقوبات ضده.

لكن في ظل السقوط الحر للاقتصاد وكشف النقاب عن الفضيحة في الصحافة كل يوم تقريباً، لم يكن البرازيليون في حالة مزاجية لمثل هذه التفاصيل الدقيقة. لذا، صوت الكونغرس، بدعم بقية الناس، لصالح عزل روسيف في عام 2016. وبعد ذلك بعامين، حكم على لولا بالسجن لمدة 12 عاماً بتهمة الحصول على شقة على شاطئ البحر مقابل مساعدة إحدى الشركات المشاركة في عملية "غسيل السيارات،" ليستكمل بذلك سقوطه من القمة. كانت الحكمة التقليدية تشير إلى نهاية حياته السياسية المشهورة وقضاء بقية حياته وراء القضبان.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في تحول رمزي، تم حبس لولا داخل مبنى للشرطة في كوريتيبا، العاصمة الكئيبة لولاية بارانا، الذي دشنه هو نفسه عندما كان رئيساً. لم يأمل أحد سوى لولا وأنصاره المتشددين أن يحصل على فرصة أخرى للبراءة. وفي هذا الصدد، قارن نفسه بالبطل الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا، قائلاً "سأثبت أن اللصوص هم من اعتقلوني،" مضيفاً، "أريد أن أخرج من هنا بنفس الطريقة التي أتيت بها: ورأسي مرفوع".

في الواقع، حدث هناك تحول كبير آخر في الحبكة، بفعل فشل خلفاء لولا. كان ميشيل تيمر، الذي أصبح رئيساً بعد إطاحة روسيف في عام 2016، شخصية رهيبة للغاية في المظهر والأسلوب لدرجة أن أحد حلفائه شبهه ذات مرة بـ"كبير الخدم في فيلم رعب". بحلول نهاية فترة ولايته، تراجعت شعبيته إلى أربعة في المئة فقط. وفي انتخابات 2018، التي منع لولا من خوضها لأنه كان في السجن، فاز بولسونارو بتفويض قوي لتنفيذ أجندة مؤيدة للأعمال التجارية وقمع الفساد، لكنه، أيضاً، فشل في الارتقاء إلى مستوى التوقعات. لقد أكسبه أسلوبه المثير للانقسام، والذي تضمن رمي الصحافيين والنساء واليساريين بالشتائم، لقب "ترمب المناطق الاستوائية". وعلى نحو مشابه للرئيس الأميركي الذي أعجب به، قلل بولسونارو من أهمية تهديد "كوفيد-19"، وهو نهج أسهم في تسجيل البرازيل لواحد من أعلى معدلات الوفيات من الفيروس في العالم. ودخل في صراع مع الكونغرس والمحكمة العليا بدلاً من التركيز على الاقتصاد. نتيجة لذلك كله، واصل عدد كبير من البرازيليين في استطلاعات الرأي اعتبار لولا أفضل رئيس في تاريخ بلادهم، حتى عندما كان محبوساً.

مع تحول الرياح السياسية مرة أخرى، ألغت المحكمة العليا في البرازيل في عام 2019 حكمها الصادر قبل ذلك بثلاث سنوات، والذي كان يقضي ببقاء السجناء في الحبس في انتظار الاستئناف. استفاد من القرار ما يقدر بـ5000 شخص، لكن واحداً على وجه الخصوص أتيحت له فرصة إعادة تأكيد هيمنته على السياسة البرازيلية. خرج لولا من السجن خلال ساعات، بعد 580 يوماً خلف القضبان، ليجد نفسه في أحضان حشد بهيج من المؤيدين وهم يلوحون بأعلام حزب العمال الحمراء المزخرفة بصورته. بعد أربعة أشهر، قضت المحكمة بأن القاضي الرئيس في قضية غسيل السيارات كان متحيزاً في أحكامه ضد لولا، بعد أن أظهرته رسائل نصية مسربة وهو يوجه المدعين العامين حول كيفية متابعة القضية، من بين انتهاكات أخرى. بعد ذلك بدأت جميع التهم المعلقة ضد لولا تتساقط واحدة تلو الأخرى. أخيراً، في أوائل عام 2021، أعاد له أحد القضاة حقوقه السياسية. يقول أصدقاء لولا إنه تفاجأ عندما وجد نفسه مرشحاً للرئاسة مرة أخرى، ومتقدماً في استطلاعات الرأي لسباق 2022.

إيفيتا ما زالت حية

إن أشهر عودة سياسية في أميركا اللاتينية، والتي يمكن القول إنها عودة كانت مشؤومة، هي تلك التي شهدها الرئيس الأرجنتيني خوان بيرون، الذي قاد بلاده خلال فترة ثراء غير عادية بين عامي 1946 و1955، لدرجة أنه تفاخر ذات مرة بأن البنك المركزي الأرجنتيني اضطر إلى تخزين أكوام من الذهب في الممرات. وفي ظل الدمار الذي لحق بأوروبا بسبب الحرب العالمية الثانية، استطاعت الأرجنتين لفترة من الوقت تصدير ليس فقط المنتجات الزراعية، ولكن الصناعية أيضاً إلى عالم منشغل بإعادة البناء. وإلى جانب زوجته، إيفا بيرون، المعروفة باسم "إيفيتا،" وزع بيرون بسخاء الأرباح غير المتوقعة على الطبقة العاملة في البلاد، لكن بعد تلاشى الازدهار ووفاة إيفيتا بسبب السرطان، أطيح في انقلاب ونُفي إلى الخارج، بل إن الحكام العسكريين في البلاد منعوا استخدام اسمه في سياقات معينة. ومع ذلك، لم يستطع أحد أن يتجاوز إرثه، واستمر في تعذيب خلفائه على مدى السنوات الثماني عشرة التالية، حتى رضخ الجنرالات أخيراً وسمحوا له، وهو في السبعينيات من عمره وفي حالة صحية سيئة، بالعودة إلى الوطن ومحاولة استعادة ازدهار الأرجنتين المفقود.

كان القيام بذلك كارثة منذ البداية. في 20 يونيو 1973، أثناء انتظار وصول بيرون من إسبانيا، اشتبكت حشود متنافسة من أنصار اليسار واليمين، الذين ادعى جميعهم أنهم الورثة الحقيقيون للجنرال، في مطار بوينس آيرس. مات ما لا يقل عن 13 شخصاً. وبمجرد توليه منصبه، أثبت بيرون أنه غير قادر على التعامل مع بيئة داخلية وخارجية أكثر سلبية، وفشل في تحقيق الاستقرار الاقتصادي خلال الحظر النفطي العربي عام 1973 وما أعقبه من ارتفاع في التضخم العالمي. توفي بمرض القلب عن عمر يناهز 78 عاماً بعد أقل من عام في المنصب. أعقبت ذلك فترة من العنف والفوضى الشديدين، بلغت ذروتها مع واحدة من أكثر الديكتاتوريات وحشية في أميركا الجنوبية، لكن ظلت الحركة التي ألهمها، والمعروفة بـ"البيرونية"، القوة الأكثر هيمنة في السياسة الأرجنتينية اليوم، وهي ليست أيديولوجية جامدة بقدر ما هي تذكار لثروة قد خلت.

هناك أمثلة أخرى على فشل محاولات العودة للسياسة، والتي تعد ربما أقل دراماتيكية، لكنها متشابهة في المسار. في فنزويلا، عاد كارلوس أندريس بيريز إلى منصبه في عام 1989 في سياق عالمي مختلف تماماً، وهو الذي استفاد كرئيس للبلاد بين عامي 1974 و1979 من نفس الصدمة النفطية التي أسقطت بيرون. واجه أعمال شغب ومحاولات انقلاب، وعزل بعد أربع سنوات بتهمة الاختلاس ليجد نفسه سريعاً في السجن. في الآونة الأخيرة، حاول العودة عدد من القادة الذين أشرفوا على فترة ازدهار في بداية هذا القرن. من بينهم، كريستينا فرنانديز دي كيرشنر، التي قادت الأرجنتين بين عامي 2007 و2015، والتي تشغل حالياً منصب نائب رئيس حكومة بيرونية تعاني انهيار شعبيتها ومعدل تضخم يزيد على 50 في المئة، وهو أحد أعلى المعدلات في العالم. في التشيلي، عاد رئيسان سابقان، اليساري ميشيل باتشيليت واليميني سيباستيان بينيرا، في أواخر عام 2010 لولاية ثانية دون أن يحقق نجاحاً كبيراً. وفي كولومبيا، ساعد ألفارو أوريبي، الذي حكم البلاد من 2002 إلى 2010 وترك منصبه بمستوى شعبية لولا، على انتخاب اثنين من خلفائه الأنصار، لكنه انفصل عن أحدهما وشهد على نهاية ولاية إيفان دوكي في عام 2022 وشعبيتها في الثلاثين في المئة. أخيراً، في فنزويلا، يؤسس الديكتاتور الحالي نيكولاس مادورو، ما لديه من شرعية على الذاكرة التشافيزية لسلفه هوغو شافيز، الذي توفي بسبب السرطان في عام 2013 قبل انهيار الاقتصاد.

مع دخول الحملة إلى مرحلة أخيرة، يكتفي لولا بترديد أعظم أغانيه.

لماذا يحدث هذا بشكل مستمر؟ يشير البعض إلى عادة أميركا اللاتينية الطويلة مع الزعماء الأقوياء والشخصانيين أصحاب الحكم المطلق، مثل سيمون بوليفار وخوان مانويل دي روساس الذي تولى الرئاسة بعد حروب المنطقة من أجل الاستقلال في القرن التاسع عشر. ويسلط آخرون الضوء على "لعنة الموارد،" التي أصابت، على مر السنين، دولاً منتجة للسلع على تنوعها مثل أنغولا وهولندا والسعودية. ومع ذلك يرى آخرون تراجعاً أوسع للديمقراطيات الغربية، مشيرين إلى أن السياسة الأميركية، أيضاً، أصبحت تهيم عليها أكثر في السنوات الأخيرة سلالات مثل بوش وكلينتون، وربما الآن ترمب، وهم سياسيون وعدوا باستعادة حقبة من العظمة الماضية المفترضة، لكن يبدو أن أميركا اللاتينية تنتمي إلى عصبة خاصة بها.

تكمن أحد التفسيرات المعقولة في كون أميركا اللاتينية قد شهدت ركوداً أو تقلصاً من حيث الإنتاجية منذ أواخر الستينيات. ويعود هذا البلاء إلى مجموعة متنوعة من الأسباب، بما في ذلك ضعف الاستثمار وعدم كفاية البنية التحتية، وإزاحة القطاع الخاص من قبل قطاع حكومي متضخم في بعض البلدان، لكن النتيجة النهائية هي أن اقتصادات أميركا اللاتينية كانت تعمل من دون محرك رئيس للنمو، ما جعلها تعتمد على محركين رئيسين آخرين على مدار الستين عاماً الماضية: الأول هو توسيع القوة العاملة، لكن هذا المحرك قد يتلاشى قريباً أيضاً، حيث بدأ انخفاض معدلات المواليد في المنطقة لما يقرب مستويات أوروبا الغربية، ومن المتوقع أن يبدأ سكان أميركا اللاتينية في الشيخوخة بسرعة بحلول عام 2030. والثاني هو صادرات السلع، وهو عامل لا يخضع لسيطرة أي أحد، ولكن قد يصبح أكثر أهمية في تحديد مصير المنطقة في السنوات المقبلة.

مع ذلك، لا يعد أي من هذا سبباً لفقدان الأمل في أميركا اللاتينية أو الاستنتاج بأن المنطقة مقدر لها إلى الا بد أن تكون شاهداً سلبياً على الدورات العالمية. لقد شهدت العقود الماضية تقدماً واضحاً، من حيث الموجة الكبرى لإعادة الديمقراطية في الثمانينيات، والإصلاحات الاقتصادية المستقرة في التسعينيات، وجهود إعادة التوزيع في العقد الأول من هذا القرن. كانت كلها معالم بارزة. اليوم، هناك العديد من التوجهات الإيجابية. لقد أصبحت أميركا اللاتينية الآن السوق الأسرع نمواً في العالم من حيث رأس المال الاستثماري. وتشهد النساء والأقليات المهمشة تاريخياً، أخيراً، صعوداً إلى مناصب قيادية في الحكومة والشركات. لقد تفوقت بعض البلدان، مثل بنما وأوروغواي، على دول أخر، ويمنح نجاحها الأمل في ما يمكن أن تحققه التجارة والجهود المبذولة في مجال الإدماج الاجتماعي، ولكن إذا كان هدف المنطقة هو تحقيق مستويات معيشة قريبة من أوروبا الغربية والولايات المتحدة، كما قال لولا وسياسيون آخرون من جيله منذ فترة طويلة، فإن الوضع الراهن لن يكون كافياً. تحتاج أميركا اللاتينية اليوم إلى قادة لا يمكنهم فقط توزيع الثروة، ولكن أيضاً المساعدة في تكوينها. وسيشمل ذلك إصلاحات طموحة في مجالات من التعليم إلى الطاقة الخضراء وتفكير جديد جريء في شأن التحالفات التجارية ودور المنطقة في سلاسل التوريد العالمية، لكن من غير الواضح ما إذا كان لدى أي من رؤساء المنطقة، في الماضي أو الحاضر، الرؤية أو الانضباط أو التفويض السياسي لإنجاز ذلك.

عودة إلى المستقبل

مع دخول الحملة إلى مرحلتها الأخيرة، اكتفى لولا في الغالب بترديد معظم أغانيه. تحدث عن الأفكار القديمة، مثل إنشاء عملة مشتركة لأميركا الجنوبية، والتي رفضها معظم الاقتصاديين باعتبارها غير عملية، وزيادة كبيرة في الإنفاق العام، على الرغم من أن البرازيل لديها بالفعل ثاني أكبر قطاع عام بين اقتصادات أميركا اللاتينية الرئيسة، بعد الأرجنتين. تعرضت صورة لولا في اجتماع عقد في أبريل مع 19 من أقرب مؤيديه لانتقادات شديدة من زملائه التقدميين لغياب النساء، باستثناء امرأتين فقط (إحداهما كانت خطيبته) ولم تكن أي منهما سمراء - وهو إغفال مذهل في بلد يمثل فيه يمثل فيه الملونون أكثر من نصف السكان. كان معظم مساعديه المقربين وجوهاً مألوفة منذ رئاسته الأولى. بالنسبة لنائبه، اختار جيرالدو ألكمين، حاكم ساو باولو السابق البالغ من العمر 69 عاماً، والذي هزمه للفوز بالرئاسة في عام 2006، لذا فقد أعرب البرازيليون الشباب عن خيبة أملهم لأنه لم يكن يركز أكثر على الطاقة المتجددة والمساواة بين الجنسين.

في السياسة الخارجية، بدا من المرجح أن يسعى لولا إلى أحياء الرابط بين دول الجنوب التي شدد عليها خلال رئاسته الأولى، عندما وسعت البرازيل العلاقات الدبلوماسية والاستثمارية مع دول في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا وأماكن أخرى في أميركا اللاتينية. في هذا الصد، قال سيلسو أموريم، الذي كان وزير خارجية لولا خلال رئاسته الأولى ويتوقع من قبل البعض أن يتولى هذا المنصب مرة أخرى إذا تم انتخاب لولا، إن توثيق العلاقات مع الصين أمر "لا مناص منه،" على الرغم من إشارته أيضاً إلى أن البرازيل ستنمي علاقة إيجابية مع الولايات المتحدة، لكن فيما يتعلق بالقضايا الرئيسة الأخرى، بما في ذلك الاقتصاد، رفض لولا مراراً الإفصاح عن تفاصيل خططه، قائلاً إن سجله يجب أن يتحدث عن نفسه.

بعد عقد من الاضطرابات، قد يكون هذا كافياً لمعظم البرازيليين. في ساو باولو وريو دي جانيرو في مارس، أخبرني بعض الناس أنه ليس لديهم أوهام لاستعادة لولا لحيوية رئاسته الأولى. بدلاً من ذلك، يريدون فقط زعيماً أفضل من بولسونارو لحمايتهم من الأوبئة، والحفاظ على الديمقراطية البرازيلية، وخفض التضخم - الذي ارتفع مرة أخرى وسط الحرب في أوكرانيا، مما يعرض الاقتصاد لخطر عام آخر من تباطؤ النمو للغاية. ولقد عبر الكثيرون عن خشيتهم من محاولة بولسونارو تخريب انتخابات أكتوبر إذا خسر، على غرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب. قال ماركوس دانيا، وهو عامل مصنع في أوساسكو، خارج ساو باولو: "نريد فقط رئيساً عادياً". وإذا  لم يتوقع البرازيليون رئيساً منقذاً، ناهيك بإله، فقد يحصلون على ما يريدون.

• بريان وينتر رئيس تحرير مجلة "أميريكاز كوارترلي". كان مقيماً في البرازيل كمراسل من 2010 إلى 2015 وهو مؤلف أو مؤلف مشارك لأربعة كتب عن المنطقة

مترجم عن فورين أفيرز، أغسطس/ يوليو 2022 

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير