Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فسطاط مصر... تعود من دائرة النسيان

تبنت الدولة مشروعاً متكاملاً لإحيائها وافتتاح متحف الحضارة وضعها في بؤرة الاهتمام وستشهد افتتاح أكبر حديقة مركزية في الشرق الأوسط

منظر عام لمتحف الحضارة المصرية الواقع في حي الفسطاط بمصر القديمة (رويترز)

ملخص

منطقة الفسطاط في القاهرة هي الموقع الذي بنيت ضمنه أول عاصمة إسلامية، ولكنها مع الزمن حرقت واختفت معالمها، وتبنت مصر خلال الأعوام الأخيرة مشروعاً لتطويرها بدأ بافتتاح متحف الحضارة مروراً بترميم الآثار التي تضمها، وأخيراً إنشاء مشروع متكامل يحتضن أكبر حديقة في الشرق الأوسط

إلى الجنوب من القاهرة تقع منطقة الفسطاط التي كانت يوماً أول عاصمة أنشأها المسلمون في مصر مع دخولهم إليها عام 641 ميلادياً، والمنطقة شهدت إقامة أول جامع في أفريقيا، وكانت نواة للامتداد العمراني الذي توسع مع تغير العواصم وصولاً إلى إنشاء القاهرة في عصر الفاطميين التي ظلت عاصمة للبلاد حتى يومنا هذا.

مر على هذا المكان كثير من الحضارات والثقافات، وهو يمثل حالياً أحد نقاط الجذب الثقافي والسياحي في القاهرة، نظراً إلى أن الفسطاط تضم منطقة مجمع الأديان، وبها جامع عمرو بن العاص والكنيسة المعلقة إحدى أقدم الكنائس في مصر، ومعبد بن عزرا اليهودي.

ويقع ضمن المنطقة أيضاً المتحف القبطي، إضافة إلى منطقة تضم كثيراً من الحرف التراثية المختلفة، على رأسها صناعات الفخار، وأضاف إلى المنطقة كثيراً افتتاح متحف الحضارة منذ أعوام عدة باعتباره مثّل وجهة جديدة أحيت المنطقة وألقت الضوء عليها، بخاصة مع ما صاحبه من مشاريع تنموية استهدفت استعادة الوجه الحضاري لجانب مهم من قلب القاهرة.

أول عاصمة إسلامية

عن بداية إنشاء مدينة الفسطاط  في بداية العصر الإسلامي، وأسباب اختيار هذا الموقع بالتحديد يقول أستاذ الآثار والفنون الإسلامية في جامعة القاهرة محمود إبراهيم "الفسطاط هي أول عاصمة إسلامية في أفريقيا وبناؤها في هذا الموقع كان وليد الصدفة، ففي هذا المكان كان فسطاط عمرو بن العاص عندما دخل مصر، وكلمة الفسطاط تعني المخيم، ففي هذا الموقع عسكر الجيش ونصب مخيمه إلى جوار حصن بابليون آخر حصن سقط للبيزنطيين في مصر، وكان عمرو بن العاص ينوي أن تكون الإسكندرية هي العاصمة إلا أن الخليفة عمر بن الخطاب اعترض، وأراد أن تكون العاصمة في الصحراء حتى لا تتغير عادات الجنود، ولأن الإسكندرية يمكن السيطرة عليها من الأسطول البيزنطي المسيطر على البحر المتوسط".

ويضيف، "مع البدء بإنشاء الفسطاط العاصمة الجديدة حول مخيم الجيش بدأت تظهر بعض الخدمات المدنية مثل الحرف والصناعات المختلفة، وبدأ بناء المنازل تباعاً وإعمار المنطقة بالسكان لتصبح الفسطاط واحدة من أجمل المدن وأكثرها تطوراً في هذا العصر، حتى إنه صار يطلق عليها مصر فمن يتوجه إلى الفسطاط يقول إنه ذاهب إلى مصر مثلما يحدث الآن مع القاهرة من أهل الأقاليم المختلفة، وحتى الآن منطقة الفسطاط وما حولها تعرف عند المصريين بمصر القديمة".

 

ظلت الفسطاط واحدة من أجمل المدن في العصر الإسلامي وأكثرها تطوراً، ولاحقاً تبدلت الأحوال وتغيرت العواصم ودمرت الفسطاط ولم يبقَ منها غير أطلال، وعلى مدى أعوام كشفت حفريات الفسطاط التي أجريت في المنطقة عن كثير من القطع الأثرية الفريدة التي ضمت إلى متحف الفن الإسلامي وغيره، ولا تزال الحفريات مستمرة للوقوف على ملامح من العاصمة الإسلامية الأولى في مصر.

ويقول إبراهيم "ظلت الفسطاط عاصمة لمصر حتى سقوط الدولة الأموية وفرار آخر خلفائها مروان بن محمد الذي قتل في صحراء الفيوم، وحتى بعد تغير العاصمة ظلت الفسطاط هي المدينة ذات الكتلة السكانية الأكبر والمظاهر الحضارية وتركزت فيها الحرف والصناعات والملامح الحضارية والفنية، فالعواصم الإسلامية المبكرة في مصر وخارجها في هذا العصر كانت لها صبغة عسكرية مثل القيروان والكوفة والبصرة، وحتى في مصر بعد الفسطاط نشأت مدن العسكر والقطائع، ولاحقاً القاهرة التي كان يغلب عليها في بداياتها هذا الطابع، فكانت عواصم للحاكم ومقار للحكم".

ويتابع أن "الفسطاط دمرت في نهاية عصر الدولة الفاطمية بسبب ضعف الحكام والنفوذ الكبير للوزراء، فخلال عهد الخليفة العاضد كان هناك صراع بين وزيرين هما شاور وضرغام، ومن تبعاته أن قام شاور بإحراق المدينة التي ظلت النار مشتعلة فيها لأكثر من 50 يوماً، وأتت عليها بالكامل، بالتالي فقدنا جانباً كبيراً من التراث الإسلامي".

وجه جديد للفسطاط

وخلال العقود الأخيرة ضرب الإهمال مناطق عدة في الفسطاط، فامتدت إليها العشوائيات وبعض المناطق تحولت إلى مكبات للقمامة، وكانت أجزاء واسعة من المنطقة في حال لا تليق بتاريخها العريق، وفي الأعوام الأخيرة جرى تبني مشروع لإعادة الواجهة الحضارية لمنطقة الفسطاط وإعادة إحيائها ووضعها على الخريطة السياحية لما تضمه من مقومات تؤهلها لذلك.

وضمن مشروع تطوير منطقة الفسطاط أُنشئت حديقة تلال الفسطاط على مساحة 500 فدان، وهي تمثل أكبر حديقة مركزية في الشرق الأوسط، وتعد مساحتها 10 أضعاف حديقة الأزهر، وتضم ثماني مناطق ولها 14 بوابة، وتضم أيضاً منطقة التلال والوادي فهي مكونة من ثلاث تلال متباينة الارتفاع يمر بينها الممر المائي، وتتدرج في مجموعة مصاطب تبدأ من حافة النهر، وتنتهي في قمة التل التي تمنح الزائر رؤية بانورامية على المشروع بالكامل والمنطقة المحيطة تمتد حتى قلعة صلاح الدين والأهرامات، ويضم المشروع مناطق خدمات وفنادق و"مولات" ومطاعم ومناطق ترفيهية، ومن المتوقع أن يكون الافتتاح الرسمي لها في بداية عام 2026.

وضمن أهداف مشروع إحياء منطقة الفسطاط، افتتح مهرجان شتوي في حديقة تلال الفسطاط يهدف إلى الترويج لهذا الموقع كوجهة ترفيهية وسياحية في قلب القاهرة بموقع متميز يطل على كثير من المقاصد التاريخية والأثرية، ليكون مهرجاناً شتوياً في مصر على غرار مهرجان العلمين الصيفي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأعلن استمرار العمل في تلة الحفائر على مساحة 47 فداناً لمواصلة التنقيب عن بقايا الفسطاط القديمة، وأنه سيجري إنشاء ممشى سياحي يطل على التلة ليتمكن الزوار من مشاهدتها في إطار العمل على ربط القديم بالحديث والأثري بالعصري.

وفي إطار الاهتمام بالمواقع التاريخية القائمة بالفعل التي تعد مزارات سياحية مهمة، أنجز ترميم متكامل لمسجد عمرو بن العاص وأُنشئت ساحة جانبية للصلاة على مساحة 12 ألف متر مربع، ورفعت أيضاً كفاءة المنطقة المحيطة بكنيسة أبو سرجة ضمن مشروع تطوير مسار رحلة العائلة المقدسة، باعتبار هذه الكنيسة كانت إحدى محطاتها.

عند بداية إنشاء متحف الحضارة، وقع اختيار منطقة الفسطاط لتكون مقراً لهذا المتحف الجديد الذي بالفعل افتتح رسمياً في أبريل (نيسان) عام 2021، ليشكل عاملاً إضافياً للتدفق السياحي وانطلاقة لتغيير المشهد من حوله ليتوافق مع وجود واحد من أهم المتاحف التي تضمها القاهرة.

وعن قيمة وأهمية مشروع تطوير الفسطاط وكيف سيضيف إلى العاصمة بوجوده ضمن منطقة تقع في قلب القاهرة، يقول أستاذ التصميم البيئي في كلية التخطيط العمراني بجامعة القاهرة عباس الزعفراني "منطقة الفسطاط تمثل جزءاً من المنطقة التاريخية في القاهرة طبقاً لـ"يونيسكو"، ولها تاريخ طويل وممتد منذ أن كانت عاصمة لمصر، وبدأ مشروع إعادة إحيائها خلال الأعوام الأخيرة مع مشروع تطوير عين الصيرة التي كانت تعاني ارتفاع منسوب المياه الجوفية، وجرى العمل على معالجة هذه المشكلة عبر مشروع كبير لخفض المياه الجوفية، فكانت هذه البداية التي بنيت عليها التطورات اللاحقة التي شهدتها المنطقة".

ويضيف الزعفراني أن "لمنطقة الفسطاط تاريخاً طويلاً يعرفه المتخصصون، لكن الشخص العادي قد لا يدرك أهميتها وقيمتها التاريخية، فمنذ أعوام عدة ومع قرب افتتاح متحف الحضارة وقتها بدأ مشروع متكامل لإحيائها، وكانت هناك خطوات جدية لتطويرها، ولا سيما أن وضعها كما كان عليه لم يكن لائقاً، فحدث تطوير شامل للمباني والمنطقة المحيطة، وامتد على مدى أعوام عدة حتى وصل إلى المشهد الحالي فأصبحت وجهة حضارية للعاصمة، مما وضع المنطقة على خريطة السياحة، فيأتي الناس لزيارة المتحف وكل المعالم الموجودة بالفسطاط، وفي الوقت نفسه فإن حديقة الفسطاط تمثل رئة خضراء جديدة ومتنفساً لسكان المدينة".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات