ملخص
وضعت "اليونيسكو" الجيزة على قائمة المدن الإبداعية في مجال صناعة الأفلام، وهي واحدة من أهم المدن المصرية على مر التاريخ، وحظيت باهتمام عالمي أخيراً بالتواكب مع افتتاح المتحف المصري الكبير.
على الجانب الغربي لنهر النيل تقع مدينة الجيزة، التي تعد واحدة من أهم المدن المصرية على مدار التاريخ، فقديماً كانت عاصمة لمصر، وفي كل العصور كان لها مكانة وشهرة كبيرة لأسباب متعددة، على رأسها أنها تضم واحداً من أهم المواقع الأثرية في العالم، وهي الأهرام.
في العصر الإسلامي كان لها وضع مهم، لوجودها بالقرب من عواصم مصر الإسلامية من الفسطاط وحتى القاهرة العاصمة الحالية، وكلمة الجيزة في اللغة العربية تعني جانب الوادي، ويقال إنه أطلق عليها هذا الاسم لأنه يجري اجتياز النيل للوصول إليها.
أخيراً أعلنت "اليونيسكو" الجيزة ضمن القائمة العالمية للمدن الإبداعية في مجال صناعة الأفلام، ويوجد حالياً على مستوى العالم 350 مدينة على قائمة المدن الإبداعية لـ"اليونيسكو" في مجالات إبداعية متنوعة مثل الحرف التراثية والعمارة والتصميم والسينما وفن الطهي والأدب وفنون الإعلام والموسيقى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وتهدف شبكة "اليونيسكو" للمدن الإبداعية التي أطلقت عام 2004 إلى تعزيز التعاون الدولي بين المدن التي جعلت من الإبداع عاملاً استراتيجياً في تنميتها المستدامة، وتحفيز المبادرات التي تضع الإبداع في صلب التنمية الحضرية، لا سيما من خلال الشراكات التي تشمل القطاعين العام والخاص والمجتمع المدني، وتعزيز ابتكار وإنتاج وتوزيع ونشر الأنشطة والسلع والخدمات الثقافية، ودمج الثقافة والإبداع بصورة كاملة في استراتيجيات وخطط التنمية المحلية.
وليست المرة الأولى التي تنضم فيها مدينة مصرية إلى قائمة المدن الإبداعية، لكنها المدينة الثالثة بعد أسوان التي انضمت عام 2005، والقاهرة التي انضمت عام 2017 وكلاهما عن الحرف التقليدية.
عاصمة مصر القديمة
تاريخ طويل وممتد لأقدم العصور تتميز به الجيزة وحضارات متلاحقة مرت عليها فمن حضارة مصر القديمة إلى اليونانية الرومانية مروراً بالمسيحية ويليها الإسلامية، إلا أنه أول ما يتبادر إلى الأذهان عند الحديث عنها في العالم كله الأهرام التي يقترن اسمها بالمدينة وتعرف في العالم كله بأهرام الجيزة، وفي الفترة الأخيرة كانت المدينة موضع اهتمام عالمي بالتواكب مع افتتاح المتحف المصري الكبير، الذي يمثل جسراً جديداً بين الماضي العريق والمستقبل باستخدامه أحدث التقنيات الحديثة.
يقول بسام الشماع، عضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية، "الجيزة التي كان تعرف قديماً بمدينة (منف) هي عاصمة مصر فترة طويلة، واختارها الملوك الأوائل في الأسرة الأولى لموقعها المميز، وبنوا حولها سوراً، وكان بها أول حكومة مركزية في العالم، وفي الفترات التي لم تكن فيها العاصمة كانت من أهم المدن، وكان الملوك يحرصون على أن تكون لهم آثار فيها حتى لو كانت عاصمتهم في مكان آخر، فمثلاً على رغم تألق إنشاءات رمسيس الثاني في الأقصر أقصى الجنوب وفي الشرقية شمالاً، إلا أنه حرص على أن يكون له أثر في الجيزة، وتمثاله العظيم الذي يستقبل الجموع في المتحف المصري الكبير حالياً جرى اكتشافه في ميت رهينة بالجيزة، وهناك تمثال آخر له لا يزال في موقعه في ميت رهينة، الملوك كان لديهم اهتمام بأن يكون لهم وجود في المواقع التي بنى فيها أجدادهم إنشاءات عظيمة".
ويضيف الشماع "الجيزة لها صفات متفردة، إذ تحتوي على أكبر جبانة من حيث مساحة التاريخ والجغرافيا، فهي ممتدة زمانياً ومكانياً فمنذ عصر مصر القديمة وحتى بدايات العصر المسيحي، وهي تستخدم للدفن ووجد عدد كبير جداً من التوابيت في مناطق مختلفة من أهمها سقارة، ولا يزال يكتشف المزيد، فكان لها استخدام ديني طقسي حتى وقت دخول الإسلام لمصر وتغير الطقوس، ولا يزال متوقعاً أن تكتشف فيها مواقع أثرية جديدة، فهي مدينة المفاجآت الحضارية، والجيزة بها العجيبة الوحيدة الباقية من عجائب الدنيا السبع القديمة، وهي أهرام الجيزة التي تعد واحداً من أهم المواقع الأثرية في العالم كله، وتضم الجيزة أيضاً أهراماً لملكات سواء بجوار أهرام الجيزة أو في سقارة، ووجد بها أول نص ديني طقسي مسجل، وهو متون الأهرام".
ويستكمل "يوجد بالجيزة أيضاً أكبر تمثالين لأبو الهول في العالم، وهما التمثال الشهير بجوار الأهرام، وتمثال آخر وجد في ميت رهينة من الألباستر الأبيض، وهو أكبر تمثال وجد في مصر من الألباستر، ولم يجزم العلماء حتى الآن على وجه الدقة بالعصر الذي ينتمي إليه".
إلى جانب المناطق الأثرية، التي تعد من الأهم في العالم كله تضم الجيزة مجموعة من المواقع ذات الطابع التاريخي والثقافي، التي تمثل قيمة كبيرة ومن بينها جامعة القاهرة التي تعد الأهم في البلاد، التي جرى البدء في إنشائها عام 1925، وحديقة الحيوان التي تعود لعصر الخديوي إسماعيل، التي تعد الأولى في الشرق الأوسط، وتضم الجيزة مجموعة متنوعة من المتاحف على رأسها المتحف المصري الكبير الذي جرى افتتاحه حديثاً والمتحف الزراعي المصري، ومجموعة متنوعة من متاحف الفنون مثل متحف محمود خليل وحرمه ومتحف آدم حنين ومركز رمسيس ويصا واصف المختص بالسجاد اليدوي، كما يضم متحف طه حسين الذي كان منزله سابقاً، وتحول إلى مركز ثقافي ومتحف.
صناعة السينما في الجيزة
اختيار مدينة الجيزة كمدينة إبداعية في صناعة الأفلام يرجع إلى أنها تضم مجموعة من المنشآت وثيقة الصلة بصناعة السينما، على رأسها استوديو مصر الذي جرى افتتاحه في السابع من مارس (آذار) عام 1935 من خلال شركة مصر للتمثيل والسينما، التي كانت إحدى المؤسسات العملاقة التي أنشأها الاقتصادي المصري طلعت حرب منذ عام 1927.
وأول فيلم جرى إنتاجه في استوديو مصر كان فيلم وداد عام 1935 لكوكب الشرق أم كلثوم، لتتوالى من بعده الإنتاجات السينمائية التي وضعت مصر في مكانة كبيرة بعالم صناعة السينما، لتحصل على لقب هوليوود الشرق.
لاحقاً جرى إنشاء استوديو الأهرام عام 1944 في وقت كانت السينما المصرية قد قطعت شوطاً، وأصبحت تجربتها أكثر نضجاً وتألقاً وانتشاراً فكان هناك حاجة ماسة إلى وجود استوديوهات أكثر لمواكبة الإنتاج السينمائي المتزايد.
يوضح الناقد السينمائي محمود قاسم "أول ظهور للسينما في مصر كان في الإسكندرية على يد توجو مزراحي، ومع نقل هذا الفن الجديد إلى العاصمة في القاهرة بدأ ظهور مجموعة من الاستوديوهات، وبحلول منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي جرى افتتاح استوديو مصر الذي شكل علامة فارقة في صناعة السينما في مصر، إذ توالت فيه الإنتاجات لأعمال تعد حالياً من كلاسيكيات السينما المصرية، وجزء من التاريخ الفني للبلاد، لاحقاً كان هناك حاجة ماسة إلى وجود استوديو سينمائي بالمستوى نفسه فجرى إنشاء أستوديو الأهرام، وكلاهما يمثل جزءاً مهماً من تاريخ صناعة السينما في مصر".
ويضيف قاسم "في هذا العصر كان استوديو مصر واستوديو الأهرام من أهم مراكز صناعة السينما في مصر، ونتج من هذا اتجاه كثير من الفنانين لتكون الجيزة محل إقامتهم ليكونوا بالقرب من استوديوهات التصوير، فحضر بحي الهرم منازل لكثير من الفنانين من بينهم يوسف وهبي الذي تحولت فيلته حالياً إلى فندق، والمخرج على بدرخان، والفنان محمود ياسين وغيرهم، وفي عام 1959 وفي منطقة قريبة من استوديو الأهرام جرى إنشاء أكاديمية الفنون التي تضم معهد السينما والفنون المسرحية وغيرها من المجالات الفنية، كما يوجد في الجيزة المركز القومي للسينما، فالمنطقة بها كثير من المنشآت المعنية بصناعة السينما التي توالت في فترات متعاقبة".ويتابع "استوديو مصر واستوديو الأهرام يمثلان بصورة خاصة قيمة كبيرة في تاريخ السينما المصرية، وأتمنى أن يجري تحويل أحدهما إلى متحف تروي تاريخ صناعة السينما في مصر بكل مراحله ليتضمن المعدات والكاميرات والأفيشات وكل ما يتعلق بالسينما، فسيمثل هذا قيمة وإضافة للمكان والمدينة على السواء".