ملخص
فضيحة فساد كبرى أطاحت مقربين من زيلينسكي وأجبرت مدير مكتبه على الاستقالة، مما يهدد مكانة الرئيس داخلياً وخارجياً ويمنح الكرملين فرصة لتقويض شرعيته، على رغم أن التحقيقات تكشف عن فعالية المؤسسات الأوكرانية مقارنة بغياب الشفافية في روسيا.
تطغى حال من الارتباك على دوائر القصر الرئاسي في كييف. فقد استقال مدير مكتب الرئيس فولوديمير زيلينسكي، أندريه يرماك، من منصبه، بعدما قامت شرطة مكافحة الفساد ومحققون بتفتيش مكتبه ومنزله، في إطار تحقيق ضمن قضية احتيال بقيمة 100 مليون يورو (116 مليون دولار أميركي).
هذه العملية - التي أطاحت حتى الآن بالحياة السياسية لوزيرين، ودفعت بشريك تجاري سابق وصديق مقرب من زيلينسكي إلى الهرب من البلاد التي مزقتها الحرب - تعد انتكاسة استراتيجية كبيرة.
ما حصل يثبت، إن كان ثمة حاجة لإثبات، مدى اتساع الفساد في أوكرانيا وعمقه، ودرجة الاستخفاف التي يمارس بها. فالأموال المفقودة يزعم أن مقربين من الرئيس زيلينسكي اقتطعوها منذ عقود كانت تهدف إلى إصلاح قطاع الطاقة الأوكراني وحمايته، وهو القطاع الذي يتعرض لهجمات روسية متواصلة منذ أكثر من عامين.
ويأتي هذا التطور فيما يطبق فصل الشتاء بقبضته الجليدية على البلاد، مما قد يجبر الناس على مغادرة أوكرانيا، ليس بسبب الحرب بل نتيجة الصقيع. ويحدث ذلك خلال وقت تحقق فيه روسيا مكاسب محدودة على الجبهة الشرقية.
يشار إلى أن حكومة فولوديمير زيلينسكي كثيراً ما كانت هدفاً لحملات تصيد روسية، صورتها على أنها غير شرعية وفاسدة. وفيما أن الادعاء الأول هو باطل تماماً - بحيث إن الرئيس الأوكراني وحزبه حققا فوزاً كاسحاً في الانتخابات - إلا أن الاتهام الثاني لا يمكن الجدل فيه. فقد قامت شخصيات أوكرانية نافذة باختلاس أموال مخصصة لدعم المجهود الحربي. ربما تكون أفعالهم كلفت أرواحاً أوكرانية، وتهمة الخيانة هي أقل ما ينتظرهم.
بعض من هؤلاء اعتقلوا. ووُجهت تهم إليهم أو سيصار إلى ذلك، وحوكموا وأُصدرت قرارات قضائية في حقهم، وأُخضعوا للمفاعيل الكاملة للقانون العام داخل أوكرانيا. و تولت اعتقالهم هيئة أنشئت خصيصاً بعد الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2014، لملاحقة الفاسدين داخل النظام.
خلاصة القول أن النظام غير المثالي يبدو فعالاً. والحكومة الأوكرانية تعمل كما ينبغي.
وهذا بعكس روسيا، إذ لا يمكن لعملية كشف فساد كهذه أن تتم أساساً إلا إذا أصدر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمراً بها. أما في أوكرانيا، فالرئيس زيلينسكي لا يملك أية سلطة قانونية على أجهزة مكافحة الفساد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إنها لحظة حرجة بالنسبة إلى زيلينسكي وأوكرانيا على حد سواء. فخروج يرماك الذي تولى خلال الأشهر الأخيرة قيادة المفاوضات المتعلقة بوقف إطلاق النار أو حتى اتفاق سلام، يشكل خسارة كارثية للرئيس.
يذكر هنا أنه نظراً إلى كون عدد كبير من المتورطين في هذه الدراما القذرة - المعروفة في التحقيق باسمها الرمزي "عملية ميداس" Medas Operation - هم من الدائرة المقربة للغاية من فولوديمير زيلينسكي، فإن ذلك سيعرض مكانته في الداخل كما في الخارج للخطر.
أما رحيل يرماك فسيبعث الدفء في القلوب الأكثر برودة داخل الكرملين، بينما ستنضم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في واشنطن - التي تؤيد بوتين بقوة - إلى الجهود الرامية إلى تقويض شرعية الرئيس الأوكراني.
على غرار الرئيس الروسي، طالب الرئيس الأميركي مراراً عدة بأن يسعى زيلينسكي إلى إعادة انتخابه، على رغم أنه قائد في زمن الحرب، وأن أية انتخابات لا يمكن إجراؤها قانوناً قبل تحقيق السلام. ودعا ترمب الرئيس الأوكراني إلى أن يتنازل عن أراضٍ لروسيا - وهو أمر لا يمكن أن يفعله أيضاً من الناحية القانونية.
في المقابل، يصف بوتين حكومة زيلينسكي بأنها "غير شرعية". والحقيقة أنها ليست كذلك بأي تعريف، وهذا كذب، لكنه كذب يناسب فريق البيت الأبيض الموالي للكرملين وزعيمه الأعلى.
إلا أن زيلينسكي - كما سيقول كل أوكراني - ليس أوكرانيا، وأوكرانيا ليست زيلينسكي. وفي حال ترك منصبه سيظهر زعيم آخر وسيكون رئيس البرلمان، من حيث المبدأ، هو التالي في الترتيب.
كان زيلينسكي سفيراً عظيماً لبلاده، لكن لا توجد عبادة عمياء لشخصيته في أوكرانيا. وكثيراً ما كان الأوكرانيون في حيرة من أمرهم من افتتان الخارج بزعيمهم في زمن الحرب.
أوكرانيا على عكس روسيا، ليست دولة يحكمها شخص واحد. وهذا الانبهار يمكن أن يستخدم كسلاح ضد كييف، وسيستخدم بالفعل.
هناك الآن علامات ضعف بادية على أوكرانيا، والكرملين يستشعر فرصة للانقضاض.
© The Independent