ملخص
بعد فوز مشروع تطوير مدينة إسنا بجائزة أغاخان للعمارة لهذا العام من المتوقع أن توضع المدينة على خريطة السياحة بخاصة مع ما تضمه من آثار تعود لكل العصور
على الضفة الغربية لنهر النيل وعلى بعد 55 كم جنوب الأقصر تقع مدينة إسنا المصرية، واحدة من المواقع التاريخية والأثرية المهمة ذات التاريخ العريق. المدينة الهادئة الواقعة على شاطئ النيل تضم توليفة متنوعة من الآثار التاريخية تعود إلى حضارات متعاقبة مرت على مصر، فمن معبد إسنا المعروف بمعبد خنوم، إلى مجموعة فريدة من الآثار الإسلامية والمسيحية إلى تراث ثقافي غير مادي متنوع، مما يجعلها واحدة من المدن التي يمكن أن تحظى بمكانة كبرى في السياحة إذا روج لها بصورة فعالة.
في الأعوام الأخيرة حظيت إسنا باهتمام وجرى تنفيذ مشروع متكامل لتطوير المدينة واستعادة هويتها على محاور عدة، جانب منه اهتم بعمارتها بإعادة إحياء مجموعة من المباني التراثية الفريدة، بينما اهتم جانب آخر بالتنمية المحلية بكل أبعادها.
فاز مشروع تطوير مدينة إسنا بجائزة أغاخان للعمارة لهذا العام مما أعاد مصر إلى واجهة المشهد المعماري العالمي، وجائزة أغاخان أطلقت عام 1977، وسبق لمصر الفوز بها مرتين عام 2004 عن مشروع مكتبة الإسكندرية، وعام 2001 عن متحف النوبة، وهي تعد من الجوائز الرفيعة في مجال العمارة.
مشروع تطوير مدينة إسنا جرى بالتعاون بين جهات عدة، وهي وزارة السياحة والآثار المصرية ومحافظة الأقصر، ومؤسسة تكوين لتنمية المجتمعات المتكاملة، وبدعم من حكومات الولايات المتحدة وهولندا والوكالة الإسبانية للتعاون الدولي من أجل التنمية.
وبحسب ما أعلنته لجنة الجائزة فإن المشروع نجح في تقديم نموذج رائد يجمع بين التراث والتنمية المستدامة، ويرتكز على الحفاظ على الطابع المعماري، إذ جرى تطوير وترميم واجهات 14 مبنى ذات طراز معماري فريد، وتوثيق أكثر من 20 مبنى تراثياً، إضافة إلى 25 وصفة طعام محلية، وتمكين المجتمع المحلي من خلال دعم مشروعات صغيرة في مجالات الحرف التراثية التي تميز المدينة، والتركيز على الطابع الثقافي المميز بكل فروعه، مثل دعم مشروع مطبخ محلي تقوم عليه سيدات من مدينة إسنا يقدم الأكلات الشعبية التي تشتهر بها المنطقة، كما جرى تدريب أكثر من 400 شاب وفتاة في مجالات الحرف التقليدية والترميم والإرشاد السياحي.
آثار إسنا
تضم مدينة إسنا مواقع أثرية متعددة تعود إلى عصور مختلفة، من أهمها معبد إسنا، الذي جرى ترميمه بصورة كاملة، والكشف عن الألوان الأصلية للنقوش الفريدة على جدرانه، التي كانت مغطاة بأكوام من الأتربة المتراكمة عليه منذ عشرات السنين، ونجح المرممون في إعادة المعبد إلى حالته الأصلية منها السقف الذي يظهر للمرة الأولى، بخاصة أنه طبقاً لما أفادت وزارة الآثار المصرية فإن النشر العلمي السابق للمعبد الذي أنجزه عالم المصريات الفرنسي سيرج سونيرون لم يحتو على رسم أو صورة لسقف المعبد، لذلك لم يتخيل المرممون الألوان الزاهية للرسوم والنقوش التي ظهرت مع عمليات الترميم.
يرصد الباحث في الآثار أحمد عامر أهم المواقع الأثرية في المدينة، قائلاً "إسنا واحدة من أهم مدن الجنوب ذات التاريخ العريق، تضم واحداً من أجمل المعابد المصرية القديمة، وهو معبد خنوم الذي كان مكرساً لواحد من أهم الآلهة المصرية القديمة، الذي صور بهيئة الكبش، والمعبد يعود إلى العصر اليوناني - الروماني، تحديداً القرن الأول الميلادي، عانى المعبد الإهمال فترة طويلة، ومن امتداد الزحف العمراني حوله، واستخدم في عهد محمد علي باشا مخزناً للقطن، لكنه في الفترة الأخيرة رمم بصورة كاملة واستعاد رونقه".
ويضيف عامر، "تضم إسنا أيضاً وكالة الجداوي، وهي مسجلة أثراً إسلامياً، وتطل على معبد إسنا وعلى واجهتها نصوص وزخارف إسلامية مميزة للنص التكريسي، الذي يعود إلى عام 1207 هجرياً، وهي مكونة من طابقين، وتضم 40 حجرة، وقد جرى افتتاحها للجمهور بعد نحو 70 عاماً من الإغلاق، وكانت محطة للقوافل السودانية فقد كانت إسنا مركزاً تجارياً في الصعيد، باعتبارها متصلة بدرب الـ40 الموصل بين دارفور وأسيوط، وكانت هذه الوكالة مقراً واستراحة للتجار في رحلتهم من السودان للصعيد".
ويشدد الباحث في الآثار على الأهمية التاريخية لإسنا في التراث الإسلامي والمسيحي، "يوجد بإسنا المسجد العمري الذي يعود إلى بدايات دخول الإسلام لمصر، وقد أعيد بناؤه أكثر من مرة أشهرها عام 474 هجرياً في عهد الخليفة المستنصر بالله، وحالياً لم يبق من المسجد القديم إلا المئذنة، كما تضم المدينة واحداً من أهم أديرة الصعيد، وهو دير الفاخوري الذي يقع على بعد 18 كم شمال غربي المدينة، ويضم رفات القديس متاؤس الفاخوري، وقد اشتق اسمه من مهنته، إذ كان يعمل في حرفة الفخار، ولا يزال الدير قائماً ومستمراً حتى الآن".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
إسنا في دائرة الضوء
مثل هذه الجوائز التي تحظى بأهمية عالمية غالباً ما تكون سبباً رئيساً في وضع المدن التي تحصل عليها في دائرة الضوء، وتكون عاملاً في زيادة التدفقات السياحية القادمة إليها، بخاصة مع التوجهات الحديثة في مجال السياحة، التي لم تعد تقتصر على المدن الكبرى والإقامة في الفنادق الفاخرة، إنما امتدت إلى المدن وحتى القرى الصغيرة ذات القيمة التاريخية أو الثقافية، فيما أصبح يطلق عليه السياحة الريفية التي تعتمد بصورة كبيرة على التفاعل مع أهل المدينة والإقامة في البيوت أو الفنادق المحلية البسيطة، وخوض تجربة الحياة مثل أهل المنطقة، وهو ما يمكن أن يتحقق في كثير من المدن المصرية ومن بينها إسنا.
يتفق مع هذا الرأي المتخصص السياحي، محمد كارم، قائلاً "الأشكال الجديدة من السياحة التي انتشرت في الأعوام الأخيرة تمتلك مصر كل المقومات لتكون وجهة مثالية لها، وفوز إسنا بجائزة أغاخان أخيراً سيضعها في بؤرة الاهتمام، وسيلقي الضوء عليها بصورة كبيرة، فإلى جانب السياحة الثقافية يهتم الناس بالتعرف على طابع المدينة والحرف التراثية والأكلات وغيرها، ويساعد هذا على تحقيق التنمية بالمدينة بخلق كثير من فرص العمل لأبناء المنطقة ويدفعهم إلى أن يكونوا أكثر حرصاً على السياحة باعتبارها مصدراً لدخلهم".
ومن منظور كارم فإن "السياحة قاطرة التنمية في مصر خلال الأعوام المقبلة، وتبذل مصر كل الجهود لزيادة عدد السياح إلى 30 مليون سائح سنوياً تحقيقاً للخطة الموضوعة، المدن الصغيرة مثل إسنا وغيرها كثير يمكن أن تضيف للقطاع السياحي بوضعها على خريطة السياحة في مصر".
لكن كارم يرى أن هذا يتطلب مجموعة من العناصر، "أهمها وجود طرق جيدة تسهل الوصول إلى المدينة، هذا واحد من أهم العوامل التي تساعد على زيادة التدفقات السياحية". وكذلك توافر الخدمات مثل الفنادق والمطاعم وغيره، وأخيراً التسويق السياحي للمدينة في المعارض الخارجية، فهذا له أثر كبير سواء على المدن التي جرى تطويرها وهناك رغبة في زيادة التدفقات السياحة إليها مثل إسنا أو في حال المدن الجديدة مثل العلمين وغيرها، وأخيراً في حال إسنا فإن فوزها بالجائزة يمكن أن يمثل لها دفعة قوية يجري البناء عليها لتصبح واحدة من نقاط الجذب السياحي المتعددة في مصر".