ملخص
قالت وزيرة الرعاية الاجتماعية السودانية سليمى إسحاق إن "العنف الجنسي وقع في الخرطوم والجزيرة ودارفور على نطاق واسع، وكان الجنود يقتحمون المنازل ويأخذون الفتيات والنساء عنوة تحت سمع ونظر أسرهن، مما أدى إلى هروب الأسر خوفاً من وصمة العار".
لم يعد الاغتصاب والعنف الجنسي الذي طاول النساء والفتيات والأطفال منذ اندلاع الصراع المسلح في السودان بين الجيش وقوات "الدعم السريع" في منتصف أبريل (نيسان) 2023 مجرد أثر جانبي، بل بات سلاحاً ممنهجاً استخدم الترهيب وإذلال المجتمعات وكسر إرادتها في ظل الإفلات من العقاب بسبب غياب المؤسسات العدلية.
ووثق عدد من المنظمات المعنية بحقوق الإنسان العديد من الانتهاكات التي مورست في حق النساء بخاصة عمليات الاغتصاب، إذ أكدت وحدة مكافحة العنف ضد المرأة وقوع نحو 546 حالة اغتصاب خلال فترة الحرب، فيما أشارت مبادرة القرن الأفريقي لمساعدة النساء "صيحة" إلى حدوث ما يقارب 298 حالة عنف جنسي.
ولاحقاً أفادت شبكة أطباء السودان استناداً إلى معلومات طبية وميدانية وقوع 32 حالة اغتصاب جديدة لنساء وفتيات خلال رحلات الهرب من مدينة الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور إلى منطقة طويلة عقب سقوطها في يد "الدعم السريع".
ونوهت تقارير أممية بالزيادة المقلقة في جرائم العنف الجنسي في السودان، مؤكدة أنها عكست تحولاً كبيراً في الحرب المشتعلة الآن، مما يشير إلى أن الاغتصاب لم يعد مجرد حادث عرضي أو تصرفات فردية بل جزء من استراتيجية متعمدة لتدمير المجتمعات وتهديد استقرارها، في وقت أصبحت النساء في مناطق النزاع الأكثر تضرراً في ظل عواقب اجتماعية وإنسانية طويلة المدى.
اعتداءات ممنهجة
في السياق، قالت وزيرة الرعاية الاجتماعية ومديرة مكافحة العنف ضد المرأة، سليمى إسحاق إن "العنف الجنسي الذي تعرضت له النساء منذ اندلاع الحرب في السودان كان منهجياً في ظل تداول مقاطع الفيديو عبر مجموعات مغلقة من الجنود الذين اغتصبوا النساء والفتيات تحت تهديد السلاح".
ولفتت الوزيرة إلى أن "العنف الجنسي وقع في الخرطوم والجزيرة ودارفور على نطاق واسع، وكان الجنود يقتحمون المنازل ويأخذون الفتيات والنساء عنوة تحت سمع ونظر أسرهن، مما أدى إلى هروب الأسر خوفاً من وصمة العار".
وتابعت إسحاق "الاعتداءات طاولت النساء من جميع الأعمار، بدءاً من الطفلات وصولاً إلى نساء بلغن أعماراً متقدمة، وهو يعكس غياب نمط استهداف عمري محدد وارتكابه من طرق مختلفة سواء كان استرقاق أو استعباد أو اغتصاب جماعي أو تحرش، لا سيما أن السودان منذ تفشي ظاهرة الاغتصاب يواجه تحدياً بالغ التعقيد في التوثيق الدقيق للعنف الجنسي مع غياب الشفافية وضعف الاستجابة الدولية".
ومضت الوزيرة قائلة "وحدة مكافحة العنف ضد المرأة وثقت نحو 546 حالة عنف جنسي منذ بداية الحرب، إذ لعبت الخدمات الصحية دوراً محورياً في رصد حالات العنف الجنسي، وإن ما تم الإعلان عنه حتى الآن جزء ضئيل من الحقيقة لا يتعدى الاثنين في المئة".
وأشارت إسحاق إلى أن "المجتمع الدولي تقاعس عن حماية النساء السودانيات في بداية الحرب، إذ لم يعمل على الاعتراف بجرائم ’الدعم السريع‘ بشكل واضح ، وعلى رغم ذلك كان للمنظمات الدولية دور أساس في توثيق هذه الجرائم التي ارتكب معظمها جنود يرتدون زي ’الدعم السريع‘".
ولفتت الوزيرة إلى ضرورة التركيز على دعم الناجيات اللاتي تعرضن للعنف الجنسي منذ اندلاع الحرب في العاصمة الخرطوم وحتى اجتياح مدينة الفاشر، وأهمية العمل على تعزيز قدراتهن للتعافي وإعادة بناء حياتهن في ظل طول أمد الحرب".
صدمة عميقة
من جانبها، أوضحت الأخصائية الاجتماعية ثريا إبراهيم أن "الحرب في السودان أسهمت في إفراز العنف الجنسي ضد النساء مع توقف خدمات الرعاية الإنجابية والصحة الجنسية والدعم الطبي والنفسي والاجتماعي، مما أدى إلى تفاقم أوضاع المتضررات من الاغتصاب".
وأشارت إبراهيم إلى أن "هناك تحديات لا تزال ماثلة تواجه النساء في مناطق النزاع تمثلت في الحمل الناتج من العنف الجنسي، إلى جانب الإجهاض والنزيف والأمراض المنقولة جنسياً وسوء التغذية، فالوضع يحتاج إلى توعية مجتمعية، بما في ذلك الأهل والأصدقاء، إذ يشكلون عاملاً حاسماً في تجديد قدرة الناجيات في تقبل التجربة ومعالجتها والتكيف مع تبعاتها، فضلاً عن تقديم التمويل وتوجيهه للصحة الإنجابية والاهتمام بالأزمات التي تعترض النساء أثناء النزاع، إلى جانب توفير مراكز صحة متكاملة وتدريب فرق تعمل في زيادة الوعي حول ضرورة إزالة الوصمة الاجتماعية المرتبطة بالعنف الجنسي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأردفت المتحدثة "تجربة الاغتصاب بخاصة الجماعي تتسبب في صدمة عميقة تختلف ردود أفعال الضحايا، ولها آثار نفسية تتمثل في الهلع والذعر والاضطرابات والوسواس القهري، وكذلك الاكتئاب والصمت والانزواء والتفكير في الانتحار، وربما الإدمان في ممارسة الجنس بمحض إرادتها، إذا لم يتوافر الدعم النفسي في ظل وجود وصمة اجتماعية".
وأوضحت الأخصائية الاجتماعية بقولها "الخدمات النفسية والاجتماعية المقدمة حتى الآن للناجيات من العنف الجنسي غير كافية بحجم الكارثة، إذ تواجه النساء صعوبة في الحصول عليهما في الوقت المناسب فور وقوع الاغتصاب تفادياً للوصمة التي تتعلق بالعلاج النفسي".
وشددت إبراهيم على ضرورة توفير برامج دعم نفسي شامل لهؤلاء الناجيات، وتخصيص مبالغ مالية لهن مع الاستمرار في هذا الدعم، وعلى رغم هذا الواقع المؤسف والتمادي في اغتصاب النساء مع اتساع رقعة الصراع، لا تكون المرأة ناجية فحسب، بل ضحية تتطلب دعماً طويل الأمد لمساعدتها في تجاوز المحنة.
جرائم حرب
إلى ذلك، قال المحامي ياسر زين العابدين إن "العنف الجنسي الذي برز في حرب السودان يعتبر من أسوأ الأزمات الإنسانية والوجه القبيح في هذا النزاع، وهو من الأفعال خارج نطاق القانون تشمل الاغتصاب الجماعي والاستعباد الجنسي والزواج القسري، إلى جانب أشكال أخرى توثر على النساء والرجال".
وأضاف زين العابدين "وفقاً للمادة 149 من القانون الجنائي السوداني المعدل لعام 2020، عرف ارتكاب الاغتصاب باستخدام القوة أو التهديد أو العنف أو الاحتجاز أو الإكراه، وجميعها اتبعها جنود ’الدعم السريع‘، فضلاً عن أن القانون شمل الحالات التي يتم فيها ارتكاب الاغتصاب ضد أشخاص غير قادرين على التعبير في الامتناع، ويهدف التعديل إلى توسيع نطاق الحماية القانونية للضحايا وتعزيز سبل محاسبة الجناة وعدم الإفلات".
وواصل المتحدث قوله "قضايا العنف الجنسي أصبحت أداة في هذه الحرب الوحشية منذ اندلاعها، إذ استباح جنود الأطراف المقاتلة أجساد النساء والفتيات لترتقي إلى جرائم حرب".
ولفت المحامي إلى أن "غياب الأمن والمؤسسات العدلية في معظم مناطق النزاع أسهم في الإفلات من العقاب، إلى جانب أن غالبية الناجيات يتخوفن من الإبلاغ الذي بات ضرورة في الإدانة، فضلاً عن أن الأسر تمنع الناجية من اتخاذ خطوة ضد هذه الانتهاكات تجنباً لنظرة المجتمع السلبية".
غياب العدالة
من جهته، أفاد رئيس مجلس أمناء هيئة محامي دارفور المكلف الصادق علي حسن بأن "السعي للعدالة يجب أن لا يتوقف، وقد لا تلوح فرص لتحقيق العدالة والإنصاف بصورة عامة في ما يتعلق بالانتهاكات التي طاولت المدنيين المتأثرين بالحرب من النساء والفتيات والأطفال على نطاق واسع، إذ هناك مجموعات بأكملها ينسب إليها المشاركة في الأفعال التي تندرج ضمن الجرائم التي وصفت بالجرائم ضد الإنسانية، لذلك يظل العمل محصوراً في الملاحقات الجادة للقيادات، والذين ارتكبوا جرائم متعددة، وفي كل الأحوال الحق في المقاضاة مكفولاً لأصحاب الحق الخاص".
ويرى حسن أن "الأجهزة العدلية في مناطق سيطرة الجيش قد لا تكون قادرة على منع مرتكبي الجرائم، إضافة إلى مناطق نفوذ ’الدعم السريع، التي لا يوجد بها أصلاً نظام عدلي أو قضائي وفي الحالتين النتيجة هي الإفلات من العقاب".
وأشار رئيس مجلس هيئة أمناء محامي دارفور إلى أن "هناك تحديات تواجه وصول الناجيات للعدالة منذ بدء الحرب باعتبارها بينة لتكون سنداً قانونياً، فضلاً عن صعوبة الإبلاغ، والمخاوف تمتد من تعمد طرفي الحرب والأطراف المتحالفة في طمس الجرائم، إذ إن مرحلة ما قبل المحاكمة يعتمد على المعلومات والأدلة".