ملخص
من غير الواضح ما إذا كانت جولات التصعيد هذه بين اتحاد الشغل وحكومة الرئيس سعيد ستكون لها تداعيات على الوضع العام، خصوصاً بعد اعتقال الشرطة في الأيام الماضية سياسيين بارزين على غرار شيماء عيسى وأحمد نجيب الشابي، تنفيذاً لقرارات قضائية صدرت ضدهما في إطار قضية التآمر على أمن الدولة.
أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل المركزية النقابية في البلاد إضراباً عاماً، في خطوة تنذر بتصعيد غير مسبوق مع السلطات بقيادة الرئيس قيس سعيد، خصوصاً مع تأزم الوضع السياسي على إثر صدور أحكام باتة ضد معارضين بارزين متهمين بالتآمر على أمن الدولة، وعلى هامش مشاركته في مؤتمر للكونفدرالية العامة للشغل في المغرب، كشف القيادي باتحاد الشغل التونسي حفيظ حفيظ عن هذه الخطوة وشن انتقادات حادة ضد الرئيس سعيد، قائلاً إن "البلاد تعيش حصاراً حقيقياً على الحريات العامة والفردية منذ ثلاثة أعوام"، ولئن أثارت هذه التصريحات جدلاً في البلاد فإنها أيضاً طرحت تساؤلات حول ما إذا كانت العلاقة بين اتحاد الشغل والرئيس التونسي تمضي نحو قطيعة تامة قد تؤدي إلى معركة كسر عظم.
معركة كسر عظم
يأتي هذا الإعلان بعد أيام من نشوب سجالات حادة بين الطرفين حول الترفيع في الأجور بصورة آلية من خلال فصول في قانون المالية، إذ طالب الاتحاد العام التونسي للشغل بالتفاوض معه حول هذا الأمر ورفض الزيادة الآلية. وعد الناشط السياسي هشام العجبوني أن "إقرار الإضراب العام من اتحاد الشغل يبعث برسائل مفادها رفض الاتحاد سياسة الإقصاء، فالإضراب رد على أسلوب الإدارة السياسية للرئيس قيس سعيد الذي يتجاوز المؤسسات التقليدية، ويمرر قرارات اجتماعية واقتصادية من دون مشاركة النقابة، وأيضاً توجيه رسالة إلى سعيد مفادها بأنه لا يزال قادراً على حشد الشارع والضغط سياسياً على رغم محاولات تهميشه"، وتابع العجبوني "كذلك يبعث برسالة تعكس الإصرار على الدفاع عن الدور التاريخي للاتحاد كممثل للعمال، حتى لو أدى ذلك إلى مواجهة مباشرة مع السلطة، وأعتقد أن البلاد تتجه بالفعل نحو معركة كسر عظم بين قيس سعيد والاتحاد، وذلك لعدد من الأسباب أهمها التصعيد المتبادل، فالرئيس يحاصر الاتحاد بقرارات مثل منع التفرغ النقابي ووقف الاقتطاع الآلي، بينما يرد الاتحاد بالإضرابات وتعبئة الشارع"، ومضى قائلاً إن "هناك خطاباً عدائياً أيضاً بين الطرفين، فالاتحاد يتحدث عن استهداف المنظمة النقابية العريقة ومحاولة تهميشها، بينما يصف أنصار الرئيس النقابة بأنها عصابات فاسدة تعطل الاقتصاد، وأعتقد أن هناك استهدافاً وجودياً للاتحاد الذي لا ينظر إليه فقط كخصم اجتماعي، بل كجسم وسيط ولاعب سياسي، مما يجعل الصراع سياسياً بالدرجة الأولى، وليس نقابياً فحسب".
تدحرج العلاقة
وانتقد الأمين العام لاتحاد الشغل نور الدين الطبوبي أمس الخميس بشدة سياسات حكومة الرئيس سعيد التي تتعلق بالحريات العامة وحرية الصحافة واستقلالية القضاء، مما يعكس حجم الهوة بين الطرفين. وقال الباحث السياسي المنذر ثابت "بالفعل تدحرجت العلاقة بين الطرفين من أعلى مستويات التحالف في دعم الاتحاد لمسار الـ25 من يوليو (تموز) إلى أدنى المستويات، إذ توترت العلاقة باتهامات متبادلة وتصعيد خطابي بين الطرفين، والاتحاد يتجه إلى إضراب عام كان متوقعاً في إطار الدفاع عن الحق النقابي كما يقول وحقه في أن يوجد في الساحة الاجتماعية"، ولفت ثابت في تصريح خاص إلى أن "الإشكال المطروح أن الاتحاد وفق الشعارات وخطاب أمينه العام نور الدين الطبوبي طرح المسألة السياسية ودور الاتحاد السياسي وهو دور مرفوض من السلطة وأيضاً بعض الأحزاب السياسية"، وشدد على أنه "في كل الحالات العلاقة متوترة وخفض هذا التوتر غير مطروح في هذا الظرف، لأن المسألة مصيرية بالنسبة إلى الاتحاد، وبالنسبة إلى السلطة فإن اختبار وزن الاتحاد سيكون محدداً لحسم طبيعة العلاقة التي تسعى قرطاج إلى إرسائها في العلاقة مع المركزية النقابية، لذلك ستظل السلطة تراقب قدرة الاتحاد على التحشيد وإنجاح الإضراب العام والموعد النقابي المرتقب، وهو الإضراب العام وبناء عليه ستتم بلورة رد الفعل".
خيارات مختلفة
يثير التصعيد المستمر بين الاتحاد والسلطات في تونس تساؤلات حول خيارات كلا الطرفين لإدارة الصراع، ورأى ثابت أن "الاتحاد يراهن خارجياً على غطاء النقابات الحرة كما كان أيام المواجهة بين الزعيم الحبيب عاشور والرئيس الحبيب بورقيبة"، ولفت إلى أن "الاتحاد يملك أيضاً حزاماً من الأحزاب السياسية المعارضة الراديكالية التي تتقاسم معه المصير منذ سبعينيات القرن الماضي، لكن يبدو أن حركة النهضة الإسلامية أيضاً سيكون لها دور في دعم القيادة الحالية للاتحاد على رغم بعض الاحترازات".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تأزم الوضع
ومن غير الواضح ما إذا كانت جولات التصعيد هذه بين اتحاد الشغل وحكومة الرئيس سعيد ستكون لها تداعيات على الوضع العام، خصوصاً بعد اعتقال الشرطة في الأيام الماضية سياسيين بارزين على غرار شيماء عيسى وأحمد نجيب الشابي، تنفيذاً لقرارات قضائية صدرت ضدهما في إطار قضية التآمر على أمن الدولة.
وقال العجبوني "بالفعل ستكون لهذا التصعيد تداعيات على الوضعين العام والسياسي، فالصراع بين الطرفين سيؤدي حتماً إلى تأزيم الوضع الاجتماعي، وفي ظل أزمة اقتصادية خانقة، قد يؤدي الإضراب إلى شلل قطاعات حيوية، ويزيد من تذمر وغضب المواطنين"، وأكد أن "نجاح الاتحاد في حشد الشارع قد يظهر أن الرئيس غير قادر على احتواء الغضب الشعبي، مما قد يضعف موقفه السياسي، لا سيما في ظل تصاعد الأصوات المعارضة لسياساته وخياراته والمحاكمات الجائرة لخصومه السياسيين والضرب الممنهج للحقوق والحريات"، وخلص إلى أن "الإضراب العام إذاً ليس مجرد تحرك نقابي، بل هو محطة حاسمة في صراع سياسي أوسع بين رئيس يسعى إلى تركيز كل السلطات بين يديه وضرب كل الأجسام الوسيطة، ومنظمة شغيلة تدافع عن وجودها ودورها".