ملخص
أوضح العامل في مجال بيع وشراء العقارات محمد عبدالعزيز أن "التلاعب في الأراضي موجود منذ أمد بعيد، لكنه تفاقم بسبب الصراع القائم في إقليم دارفور، إذ ظهرت عمليات فساد كبيرة في الأراضي وانتشار عقود مزورة في مناطق مختلفة، وجرى بيع المنازل من دون شهادات بحث".
بينما يحلم مواطنو إقليم دارفور بالعودة إلى منازلهم عقب إسكات صوت البنادق والرصاص في الحرب الدائرة بين الجيش وقوات "الدعم السريع" لأكثر من 31 شهراً، اتسعت الفوضى في مختلف مناحي الحياة، إذ يشهد الإقليم عمليات احتيال واسعة في ما خص الأراضي السكنية وبيع منازل المواطنين المهجورة، مما أدى إلى تزوير عقود وشهادات البحث، بيد أن الصدفة أدت دوراً في اكتشاف تورط مسؤولين في الإدارة المدنية التابعة لـ"الدعم السريع" وجهات نافذة، إلى جانب وسطاء في مجال العقارات في تلك العمليات، ولم يقتصر التزوير في أوراق رسمية على مساكن المدنيين فحسب، بل شمل الساحات العامة المخصصة للأندية الشبابية، وهي مساحات ظلت عقوداً جزءاً من البنية المجتمعية للأحياء.
فساد
هذه التجاوزات دفعت والي ولاية جنوب دارفور بشير مرسال إلى إصدار قرار بإيقاف وإنهاء تكليف 67 موظفاً في وزارة المالية والتخطيط والصحة والتربية، وإحالتهم إلى التحقيقات في قضايا تتعلق بالفساد والتصرف في استثمارات الأراضي والعقود الحكومية، لكن كون أن الجهة التي أصدرت هذا القرار لا تبسط سيطرتها فعلياً على هذه الولاية، فإن تنفيذه يصبح شبه مستحيل ولا يعدو أن يكون مجرد بعد سياسي أكثر من كونه إجراء قابلاً للتنفيذ.
شبكات تزوير
المواطن ياسر إبراهيم أحد سكان مدينة نيالا قال "الحرب التي شهدها إقليم دارفور أدت إلى تهجير أسرتي من منزلها بحي المطار بحثاً عن الأمان بعيداً من القصف والقذائف الملتهبة، إلى جانب المخاوف من انتهاكات ’الدعم السريع‘ التي طاولت سكان المدينة على نطاق واسع"، وأضاف إبراهيم "من المؤسف أن سماسرة العقارات استغلوا خلو المنازل من سكانها، وعرضوا بموجب عقد الملكية المسجل باسم والدي منزلنا للبيع مقابل 100 مليون جنيه سوداني (166251 دولاراً)، مما يعني أن هناك جهات تقوم بمساعدتهم داخل وزارة التخطيط العمراني ووجود شبكة تزوير تمارس التلاعب في عقود الأراضي، إذ كانت هناك مساومات بين المشتري والسماسرة حتى وصل سعر المنزل إلى 60 مليون جنيه (9975 دولاراً)، وهو رقم لا يساوي قيمة الأرض وهي خالية"، وأضاف "الصدفة وحدها أدت دوراً في كشف شبكة التزوير وبيع منزلنا من دون إحاطتنا بالأمر، وذلك عندما أصر المشتري على التعرف إلى صاحب المنزل قبل إكمال عملية البيع، وبالفعل وصل إلى والدي لتتبين الحقيقة، وبعدها تأكد لنا أن من الممكن أن تباع الأراضي والمنازل من دون علم أصحابها وفق عمليات البيع المزورة والتصرف فيها على أوسع نطاق، فقد بات واضحاً أن هناك جهات نافذة تسهل عملية استخراج شهادات البحث وعقود الأراضي"، ولفت إبراهيم إلى أن "ما طاول أسرتي لم يكن استثنائياً، بل ينسحب على عشرات الأسر التي بدأت تتكشف لها الحقائق يوماً بعد يوم، وهو أمر خطر للغاية".
عقود مزورة
من جانبه أوضح العامل في مجال بيع وشراء العقارات محمد عبدالعزيز أن "التلاعب في الأراضي موجود منذ أمد بعيد، لكنه تفاقم بسبب الصراع القائم في إقليم دارفور، إذ ظهرت عمليات فساد كبيرة في الأراضي وانتشار عقود مزورة في مناطق مختلفة، وجرى بيع المنازل من دون شهادات بحث، بل إن هناك بعض المنازل وجد لديها أكثر من ثلاث شهادات مزورة، مما تسبب في مشادات بين المشترين، نظراً إلى بيع المنزل لأكثر من شخص في ظل غياب محكمة التسجيل التي كانت تتبع فرز العقود السليمة من المزورة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
سوق "البوكو"
على الصعيد نفسه أشار الباحث في مجال الأراضي محمود بشرى إلى أن "الحرب أسهمت في أن يصبح الفساد فضاء مفتوحاً للتلاعب في أوراق رسمية، والمؤسف أن ما حدث في شأن العقود المزورة تم بواسطة موظفين في وزارة التخطيط العمراني، وسماسرة تربطهم مصالح مع هؤلاء الموظفين"، وتابع بشرى "للأسف توجد سوق تتم فيها عمليات بيع الأراضي يعرف باسم البوكو، إذ يجرى عبره بيع العقود المزورة، ويمارس التجار بداخله أسوأ أنواع المعاملات، إذ إن هناك أفراداً يعملون في وزارة التخطيط العمراني متورطين في عمليات تخطيط وبيع غير مشروعة للأراضي عبر هذه السوق"، ولفت إلى أن "سوق البوكو ظهرت في بدايات الألفية، إذ تمارس فيها التجارة غير المشروعة، وتعد الأوسع انتشاراً في دارفور خصوصاً في مجال السيارات المهربة من دول غرب أفريقيا وليبيا بلا مستندات قانونية لتباع بأسعار منخفضة مقارنة بالسوق الرسمية، لتصبح هذه السوق بمرور الوقت سوقاً شاملة تباع فيها أي سلعة خارج الأطر القانونية ومن دون سند"، وأضاف الباحث في مجال الأراضي "في تقديري أن الصمت المطبق من قبل الجهات المسؤولة يفتح مجالاً لإثارة مزيد من الشكوك حول التزوير في العقود الرسمية وشهادات البحث والعقود الجاهزة للبيع، لكن واضح تماماً أن حجم الفساد كبير، وأنه مثبت بالأدلة، إذ إن هناك متهمين الآن داخل زنازين سجون مدينة نيالا برعوا في الاعتداء على ملكية الأراضي".