Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

اقتصاد بوتين ينهار لكنه يعلم أن العقوبات ستكلف ترمب ثمنا باهظا

يرى الرئيس الأميركي أن موسكو تواجه مأزقاً اقتصادياً كبيراً إلا أن نظيره الروسي يملك ورقة رابحة

يواصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تحدي الرئيس الأميركي دونالد ترمب والغرب، لكن إلى متى؟ (سبوتنيك)

ملخص

يواجه بوتين اقتصاداً متراجعاً وعزلة متنامية فيما تلوح واشنطن بعقوبات ثانوية قد تشل موارده، لكن كلفة تنفيذها قد تصيب ترمب وحلفاءه بأضرار فادحة. على الرغم من الإنهاك المالي وتراجع الدعم الشعبي، يمضي الكرملين في التصعيد العسكري والضغط على أوكرانيا.

قد يكون الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أيامه الأخيرة - لكن فقط إذا ما وفى الرئيس الأميركي دونالد ترمب بوعده، ومضى قدماً في تنفيذ تهديداته بتدمير الاقتصاد الروسي.

فعلى مدى الأعوام الثلاثة الأخيرة، لم تنجح 18 حزمة عقوبات أعلنها الاتحاد الأوروبي على موسكو، بإحداث أي تأثير في الآلة الحربية للكرملين. والسبب هو أن أوروبا – على رغم خطابها الداعم لأوكرانيا - تواصل ضخ أموال في خزينة موسكو. ولا تزال روسيا ثالث أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال للاتحاد الأوروبي، وقد ارتفعت واردات دوله من روسيا بنسبة 25 في المئة عام 2024.

وإذا ما مضى الرئيس الأميركي في تطبيق العقوبات الثانوية التي هدد بها، على الدول التي تشتري النفط والغاز واليورانيوم من روسيا - وفي مقدمها الصين والهند وحتى الاتحاد الأوروبي - فسيجد الزعيم الروسي سريعاً أن موارده المالية تتناقص.

مع ذلك، لا يُظهر فلاديمير بوتين أية علامات خوف. لا بل على العكس، يبدو أنه يصعّد ويزيد من نبرة التحدي. فعلى رغم التهديدات المتكررة التي أطلقها سيد البيت الأبيض، بفرض عقوبات قد تتسبب بشل الاقتصاد الروسي، تواصل موسكو إطلاق طائراتٍ مسيرة وصواريخ باليستية على مدنٍ وبلداتٍ في مختلف أنحاء أوكرانيا. كذلك انتهكت طائرات مقاتلة روسية المجال الجوي الأوروبي مراتٍ عدة، بما في ذلك توغل استمر 12 دقيقة فوق إستونيا الجمعة الماضي.

من الواضح أن بوتين غير مكترثٍ بتهديد ترمب ولا يأخذه على محمل الجد. لا بل إن سيد الكرملين لم يُعلق إطلاقاً على التحذيرات الأخيرة من جانب الرئيس الأميركي، بينما أشار المسؤول الروسي ديميتري بوليانسكي (وهو نائب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة)، إلى أن ما قاله ترمب لا يعدو كونه منشوراً على وسائل التواصل الاجتماعي، وأنه ينبغي على الناس عدم المبالغة في رد الفعل، وقال "لا تذهبوا بعيداً في الحماسة لكل تغريدة تُكتب".

 

اللافت أن أسواق المال العالمية، لا تتفاعل إلا نادراً مع كل تهديد يطلقه الرئيس الأميركي بشن حرب تجارية ضد روسيا. فمن الناحية النظرية، قد تؤدي العقوبات الجديدة الشاملة التي يلوح بها ترمب إلى خفض 5 ملايين برميل من النفط التي تصدّرها روسيا يومياً، إلا أن أسعار النفط الخام لا تزال ثابتة، ولم تتغير قيد أنملة.

هناك في الواقع ثلاثة أسباب وجيهة تدفع بوتين إلى اعتبار تهديدات ترمب جوفاء والشعور بالثقة في أنه قادرٌ على كشف مناورته. أولها أن الرئيس الأميركي نادراً ما نفذ أياً من التعريفات الجمركية العقابية التي هدد بفرضها على معظم دول العالم خلال الأشهر الستة الماضية.

ثانياً، هناك مسألة التداعيات الاقتصادية على الولايات المتحدة نفسها إذا مضى ترمب في تنفيذ تهديداته. ففرض رسوماً جمركية بنسبة 100 في المئة على الصين والهند وتركيا وبلجيكا وإسبانيا وغيرها من كبار مستوردي النفط الروسي سيشل الاقتصاد العالمي سريعاً. كما أنه سيدمر علاقة واشنطن مع نيودلهي، ويدفع الهند والصين إلى تقارب أوثق. وقطع الإمدادات النفطية والغازية الروسية عن أوروبا سيطلق شرارة فوضى اقتصادية فورية.

أما السبب الثالث، فهو أن فرض حظر فعلي على النفط الروسي سيؤدي إلى سحب أكثر من 10 في المئة من المعروض العالمي من المادة، ويسرع حدوث صدمة أسعارٍ حادة على غرار أزمة عام 1973، مما سيرفع كلف الطاقة بصورة جنونية، ويدفع بالولايات المتحدة وأوروبا نحو الركود. من هنا يتضح سبب رهان بوتين على أن ترمب لن يكون مستعداً أبداً لتحمل مثل هذه الكلفة، لمجرد إنهاء ما دأب الرئيس الأميركي على وصفه مراراً بـ"الحرب التي لم يكن ينبغي أن تحدث على الإطلاق".

 

ربما يعوّل فلاديمير بوتين على أن يبقيه ذلك في منأى عن تهديدات ترمب بفرض عقوباتٍ ثانوية. لكن هذا لا يعني أن الاقتصاد الروسي في وضع جيد. وفي هذا الإطار يوضح ألكسندر كولياندر الزميل الأول في "مركز تحليل السياسات الأوروبية"، أن "الانتعاش الملحوظ الذي شهده الاقتصاد الروسي بعد غزو فلاديمير بوتين لأوكرانيا بدأ يفقد زخمه"، مضيفاً "لقد انتهى الأمر".

تجدر الإشارة إلى أنه خلال العامين الأولين من الحرب، أسهم الإنفاق العسكري الحكومي في نمو جامح للناتج المحلي الإجمالي لروسيا بنسبة 4.3 في المئة. إلا أن هذا المعدل من المتوقع أن ينخفض ​​بصورة حادة إلى 1.4 في المئة فقط عام 2025. وللمرة الأولى منذ أعوام، تعاني روسيا عجزاً مالياً يبلغ نحو 1.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. والأمر الأكثر إثارةً للقلق هو انخفاض أسعار النفط العالمية بنسبة 35 في المئة هذا العام. ونتيجةً لذلك، يخطط "البنك المركزي الروسي" لطبع أوراق نقدية بقيمة 15 تريليون روبل (142 مليار جنيه إسترليني أو 190 مليار دولار أميركي) بحلول أكتوبر (تشرين الأول) - وهو أكبر إصدارٍ نقدي منذ حقبة التضخم المفرط في تسعينيات القرن الماضي، وفقاً لوثائق داخلية سرّبها قراصنة أوكرانيون. ومع حلول الشتاء، قد تواجه روسيا صدمة تضخمية حادة.

وكان مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي من المؤيدين لأوكرانيا قد شاركوا مقاطع فيديو تظهر مسافرين روسيين اضطروا إلى النوم على أرضية المطارات بعد إغلاقها بسبب تهديدات الطائرات المسيرة الأوكرانية، فيما اشتكى آخرون من تفويت رحلاتهم المتوجهة إلى مدينة البندقية. مع ذلك، فإن تعطل العطلات الفاخرة لا يقارن بالمعاناة شبه اليومية التي يواجهها الأوكرانيون العاديون، مع تصعيد روسيا وتيرة هجماتها بالطائرات المسيرة وزيادة حدتها.

المفارقة أنه وعلى رغم التحديات الهيكلية التي قد يواجهها الاقتصاد الروسي، لا يزال الروس قادرين على شراء سياراتٍ ألمانية فاخرة أكثر من الألمان أنفسهم. فبحسب بيانات منصة "تحليل صناعة السيارات" Car Industry Analysis، سجلت شركة "بي أم دبليو" مبيعاتٍ بلغت 3,504 سيارة من طراز X7 الفاخر - أحدث طرازاتها من فئة السيارات الرياضية المتعددة الاستخدام - في روسيا خلال عام 2024، متجاوزةً بذلك رقم مبيعاتها في ألمانيا الذي كان في حدود 3,323 سيارة فقط. وذلك على رغم العقوبات التي تُجبر المستوردين على تمرير هذه السيارات عبر دولٍ سوفياتية سابقة، مما يرفع سعرها على المستهلك الروسي من 87 ألف دولار (64 ألف جنيه إسترليني) إلى 170 ألف دولار (126 ألف جنيه إسترليني).

 

من الواضح أن بوتين لا يزال مصراً على المضي في هوسه بإخضاع أوكرانيا، مهما كلف الأمر. ففي ربيع هذا العام، دفع ترمب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بعنف إلى التراجع عن معظم الخطوط الحمراء التي كانت قد وضعتها كييف، في محاولةٍ لفرض اتفاق لوقف إطلاق النار كان من شأنه أن يمنح الزعيم الروسي سيطرةً كاملة على 22 في المئة من الأراضي الأوكرانية التي احتلها حتى الآن. غير أن بوتين رفض اتفاق السلام هذا، واستمر في المطالبة بتغيير النظام في كييف، والحصول على تعهدٍ بعدم انضمام أوكرانيا إلى "حلف شمال الأطلسي" (ناتو)، فضلاً عن فرض قيود على حجم جيشها.

لكن استطلاعات الرأي تشير إلى تراجع التأييد الشعبي داخل روسيا لهذا الإصرار. فوفقاً لدراسة أجرتها "ليفادا" Levada - المؤسسة المستقلة الوحيدة المتبقية لاستطلاعات الرأي في روسيا - أيد 64 في المئة من المشاركين في يونيو (حزيران) الدخول في محادثات السلام، بزيادةٍ مقدارها ست نقاط مئوية عن استطلاعات مارس (آذار)، في حين انخفضت نسبة الذين يريدون مواصلة الحرب إلى 28 في المئة، مقارنةً بـ34 في المئة في مارس.

وعلى رغم غياب أي مؤشراتٍ واضحة على وجود سخط شعبي واسع من النظام في روسيا، تتزايد الدلائل على صراع داخل أوساط النخبة في البلاد، في شأن تدفق الأموال، وتقاسم موارد الدولة. ففي يوليو (تموز)، أقدم وزير النقل المُقال حديثاً رومان ستاروفويت، على الانتحار بإطلاق النار على نفسه، لينضم إلى لائحة كبار الشخصيات الروسية الذين لقوا حتفهم في ظروف غامضة منذ بدء الغزو الشامل لأوكرانيا، وهي لائحة تضم مسؤولين حكوميين وضباطاً في المؤسسة العسكرية ورجال أعمال نافذين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لكن ما دام تدفق أموال النفط والغاز مستمراً، لا يواجه بوتين أية معارضة جدية على حكمه. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد وصف الجيش الروسي في منشورٍ له على منصته "تروث سوشال"، بأنه "نمِرٌ من ورق"، وقد أصبح واضحاً أنه لا توجد أية إمكانية لأن تحقق روسيا الإخضاع العسكري والسياسي لأوكرانيا الذي يحلم به بوتين. لقد كانت الحرب خطأً إستراتيجياً فادحاً بالنسبة إلى روسيا، أضعف موقعها الجيوسياسي بصورة موضوعية وكلف مئات آلاف الأرواح.

قد تكون تعليقات الرئيس الأميركي مجرد مناورةٍ مكشوفة، لكن من الواضح أن واشنطن بدأت تفقد صبرها تجاه فلاديمير بوتين، وهي مستعدة لتشديد الضغوط الاقتصادية عليه بخطواتٍ محدودة - حتى لو بقيت القنبلة الاقتصادية المتمثلة في فرض العقوبات الثانوية مجرد تهديدٍ استعراضي.

هذا يعني أن هامش المناورة المتاح أمام بوتين يتقلص، وأن الوقت المتبقي لديه لإنهاء الحرب ينفد. وأضاف ترمب على "تروث سوشال"، "مع الوقت والصبر والدعم المالي من أوروبا، لا سيما من ’الناتو‘، فإن العودة إلى الحدود الأصلية التي انطلقت منها هذه الحرب تظل خياراً مطروحاً بقوة". ومع ذلك، فإن سمح ترمب للكرملين بالاحتفاظ بمكاسبه الإقليمية، فسيتيح ذلك لبوتين الادعاء بنوعٍ من الانتصار، حتى وإن بقيت الغالبية العظمى من أوكرانيا مستقلة وحرة. في غضون ذلك، يبقى على بوتين أن يقرر كم من الدماء ستُراق قبل أن يحد من نزف خسائره.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من آراء