Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف أصبح النفط أداة سياسية فاعلة في حرب أكتوبر؟

أظهر تأثيره في ردع كثير من الدول الداعمة لإسرائيل ومكن الدول المنتجة من زيادة الأسعار وأعطاها السيادة في الإنتاج والتصدير

الملك السعودي فيصل بن عبد العزيز مع الرئيس المصري أنور السادات (أ.ف.ب)

ملخص

أظهر تأثيره في ردع كثير من الدول الداعمة لإسرائيل ومكن الدول المنتجة من زيادة الأسعار وأعطاها السيادة في الإنتاج والتصدير

يعد الـ15 من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973، تاريخاً محفوراً في أذهان كثيرين ممن عاشوا تلك الفترة الزمنية، أو من الأجيال التي لحقت بهم، لا سيما أنه ارتبط بأكبر أزمة اقتصادية عاشتها الولايات المتحدة الأميركية وعدد من الدول الغربية وأخرى ممن أعلنت تأييدها لإسرائيل في حربها ضد العرب، بعدما قرر العاهل السعودي الملك فيصل بن عبدالعزيز قطع إمدادات النفط من قبل الدول العربية الأعضاء في منظمة "أوبك" والتي عرفت تاريخياً في ما بعد بـ"صدمة النفط الأولى".

يروي وزير النفط السعودي الأسبق علي النعيمي في كتابه "من البادية إلى النفط" تفاصيل عن تلك الحادثة التاريخية التي ترجع أسبابها إلى العقد الخامس من القرن الماضي، إذ قال "تعطلت الأعمال في منطقة الشرق الأوسط عام 1956 بسبب العدوان الثلاثي على مصر في تلك الفترة وما تبعه من أزمة تمثلت في إغلاق قناة السويس الذي أحدث أزمة دولية خلال تلك الحقبة الزمنية".

وأزمة السويس تلتها أزمة أخرى تمثلت في حرب 1967، عندما هاجمت القوات الإسرائيلية ثلاث دول عربية والتي تعرف بــ"حرب الساعات الست"، وكانت من نتائجها هزيمة العرب وانتصار إسرائيل واحتلالها شبه جزيرة سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والقدس القديمة ومرتفعات الجولان السورية.

وأصبح وضع هذه الأراضي لاحقاً نقطة خلاف رئيسة في الصراع العربي- الإسرائيلي، عدا شبه جزيرة سيناء التي عادت للمصريين بعد توقيع اتفاق السلام في أواخر سبعينيات القرن الماضي.

التوتر يسبق الحرب

عاشت منطقة الشرق الأوسط توترات عالية بعد حرب 1967 بلغت ذروتها كما يروي النعيمي في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973، حين شنت مصر وسوريا هجوماً مفاجئاً على إسرائيل، فـ"في خضم ذلك الصراع فرضت دول منظمة ’أوبك‘ زيادة كبيرة على أسعار النفط، نظراً إلى التهافت على شرائه مع استمرار الحرب".

واستطرد بالقول "عندما أعلن الملك فيصل الحظر، وقع فرانك جونغرز رئيس شركة ’أرامكو‘ التنفيذي في ذلك الوقت بين فكي الرحى، فإما الامتثال للملك أو المجازفة بتأميم الشركة بأكملها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولفت النعيمي إلى أن رئيس الشركة، المعين حديثاً في ذلك الوقت، انصاع لأمر الملك فيصل بن عبدالعزيز، مما أدى إلى تعرضه لانتقادات لاذعة في أميركا، وأرجع وزير النفط السابق السبب إلى أن "شركة ’أرامكو‘ في ذلك الوقت كانت تقع تحت سيطرة أربع شركات نفط أميركية".

وعلى رغم الهجوم من قبل الإعلام الأميركي على السعودية وشركة "أرامكو" المنتجة للنفط إثر حظر تصديره، فإن الرياض استفادت من تلك الواقعة، وبحسب ما ورد في كتاب "من البادية إلى النفط"، حصلت الحكومة على 25 في المئة من أسهم "أرامكو"، مما خفض ملكية شركات النفط الأميركية لها.

لم تكن الأولى

حادثة قطع إمدادات النفط في "حرب أكتوبر" لم تكن الأولى التي تستخدمها العرب لمواجهة العدوان الإسرائيلي على الأراضي العربية، بل كانت الثالثة والأكثر تأثيراً، إذ سبقتها قرارات حظر كما قال أستاذ الاقتصاد في جامعة الملك عبدالعزيز سيد فتحي الخولي في كتابه "اقتصاد النفط"، وأول قرار من هذا النوع اتخذ من الدول العربية كان عام 1956 بعد اعتداء بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر، بسبب إعلان الرئيس المصري حينها جمال عبدالناصر تأميم قناة السويس.

وقال الخولي "أعلنت الحكومة العراقية استعدادها لدعم مصر وقطع علاقاتها بالدول المعتدية، في حين اتخذت الحكومة السورية قرار نسف محطات الضخ التابعة لخطوط الأنابيب شركة (نفط العراق) على أراضيها، مما أدى إلى انخفاض حجم إمدادات النفط للدول الأوروبية، كما عملت القاهرة على إغلاق قناة السويس التي كان يمر من خلالها 77 مليون طن من النفط سنوياً، وفي الرياض تم إيقاف ناقلات النفط التي تنقل البترول إلى لندن وباريس".

وعلى رغم الخطوات التي اتخذها عدد من الدول العربية باستخدام النفط كسلاح فإن الخولي يرى أن "ذلك السلاح لم ينجح بالشكل المطلوب، ويرجع ذلك إلى أن القرارات المتخذة من جانب الدول العربية كانت بشكل منفرد"، مضيفاً "تعلمت الدول العربية من خلال هذه التجربة أن للنفط العربي دوراً قد يخدم مصالح القضية العربية في المستقبل إذا تم بصورة منتظمة وجماعية منسقة".

وخلال اجتماع قمة الخرطوم لقادة جامعة الدول العربية عام 1967 بعد حرب النكسة، أعلن القادة العرب حينها "الاستثمار في النفط كوسيلة لزيادة الضغط على إسرائيل وداعميها الغربيين".

يذكر الخولي في "اقتصاد النفط" أنه على رغم إجماعهم على استخدام النفط كوسيلة ضغط فإنها فشلت للمرة الثانية، وأرجع ذلك إلى أسباب عدة من أبرزها "ضخامة الخسائر المادية والمعنوية على أثر حرب 1967، إضافة إلى عدم التزام بعض الدول القرار وعدم سيطرة الدول العربية على إنتاج النفط وضخامة الكميات المطروحة في تلك الحقبة الزمنية من النفط في الأسواق العالمية".

 

وعلى رغم عدم تحقيق الدول العربية أهدافها المتوقعة من اللجوء إلى النفط كسلاح سياسي عامي 1956 و1967، فإن التجربة نجحت عام 1973، لا سيما أن هناك تعدداً في استراتيجيات استخدامه كسلاح، تنوعت بين الحظر تارة وخفض الإنتاج تارة أخرى، إضافة إلى قرار منظمة "أوبك" حينها برفع أسعاره.

أثر القرار على الغرب

أرغمت قرارات حظر النفط على الدول الداعمة لإسرائيل في حرب 1973، بريطانيا وفرنسا على تبني موقف الحياد ورفض استخدام مطاراتهما لنقل العتاد العسكري إلى إسرائيل.

في الولايات المتحدة، ألغت شركات الطيران الأميركية 160 رحلة يومية في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1973 لمواجهة أزمة إمدادات الوقود، وعلى صعيد المواصلات الداخلية واجه أصحاب السيارات صعوبات كبيرة في الحصول على الوقود، وتكدست الطوابير الكبيرة أمام محطات التزود في عدد من الدول الغربية.

وتسبب حظر تصدير النفط بكثير من الخسائر الاقتصادية في الولايات المتحدة وفقدت سوق الأوراق المالية 97 مليار دولار تقريباً.

وفي السابع من نوفمبر 1973، أصدر وزراء خارجية السوق الأوروبية المشتركة بياناً طالبوا فيه إسرائيل بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة.

ومن النتائج الإيجابية التي تسببت فيها صدمة النفط عام 1973، أو ما تسمى "الأزمة الأولى للنفط"، ارتفاع سعر البرميل من 2.32 إلى 11 دولاراً، وعلى رغم أن حظر النفط العربي دام فقط أشهراً إذ تم الإعلان عن انتهائه في الـ18 من مارس (آذار) 1974 بعد دخول الدول العربية في مفاوضات سلام، لكنه كان وسيلة فاعلة حينها كعامل ردع لكثير من الدول التي تدعم إسرائيل في حربها ضد العرب ومكّن الدول العربية من زيادة الأسعار وأعطاها السيادة في الإنتاج والتصدير.

وهنا يعلق وزير النفط السعودي السابق بأن سياسة استخدام البترول كسلاح في سبعينيات القرن الماضي نجحت على المدى القريب وأسهمت بشكل واضح في رفع أسعاره التي بلغت ثلاثة أضعاف بعد "حرب أكتوبر".

لكن على المدى البعيد، ووفقاً للنعيمي، فإن "وزير النفط السعودي في تلك الفترة أحمد زكي يماني صرح خلال سبعينيات القرن الماضي بأن سياسية حظر النفط عامي 1973 و1974 لم تنجح، بل جرّت علينا ثلاثة أمور كلها لا تصب في مصلحة السعودية ولا غالبية أعضاء منظمة ’أوبك‘ الآخرين، إذا دفعت تلك السياسة الدول ذات الأنظمة الاقتصادية القوية إلى ترشيد استهلاك الطاقة وزيادة تطوير مصادر الطاقة البديلة، إضافة إلى تكثيف البحث عن مكامن للنفط خارج منطقة الشرق الأوسط".

من جانبه يرى الخولي أنه على رغم عدم الوصول إلى النتائج المرجوة من استخدام النفط كسلاح على المدى الطويل، فإن الدول العربية استطاعت حينها لفت نظر الدول الصناعية الكبرى إلى ضرورة قيام نظام اقتصادي دولي جديد يؤمن للدول المنتجة للنفط حقها المشروع في التطور والرفاه.

اقرأ المزيد

المزيد من البترول والغاز