Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

القوات الأميركية في سوريا: إلى أين؟

دمشق اعترفت أن مطلق النار كان عضواً في جهاز الأمن لكنها وصفته بأنه عنصر في "داعش" وقد اخترق الجهاز

مركبات قتالية أميركية خلال مناورة مشتركة مع قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرقي سوريا عام 2021 (أ ب)

ملخص

السلطات السورية تفضل الاستفادة من القوة الأميركية الرمزية في شرق سوريا، للضغط على قسد لنزع سلاحها والرضوخ للسلطة في دمشق، وتوفير وجود رمزي للحد من التوغل الإسرائيلي.

منذ حادثة إطلاق النار على عسكريين أميركيين ومترجم مدني وقتلهم في مركز تابع للأمن الحكومي السوري على مقربة من تدمر في البادية السورية، تتركز الأنظار الصحافية والحكومية والاستخبارية الإقليمية والدولية بشدة على الوقائع التي حدثت، الوقائع التي لم تكن معروفة في الأقل من الرأي العام، والتطورات المنتظرة الممكنة وخطورتها. فما هو الوضع الحالي، ولو كانت المعلومات المتوفرة محدودة جداً.

أولاً، على الصعيد الإعلامي، توالت تقارير عدة، بعضها متناقض، لكنها باتت تستقر حول الوقائع تدريجاً. أول البيانات الصادرة عن القيادة المركزية الأميركية، التي أثرت في الروايات الصحافية الأميركية، بما فيها المحافظة، قالت وبتريث إن دورية مشتركة أميركية ـ سورية "تعرضت لكمين" من "داعش" أدى إلى مقتل عسكريين ومترجم أميركيين، وإن القوات الشريكة (Partners) قضت على مطلق النار، وعلى إثر ذلك هددت الإدارة بأنها "ستنتقم وتقتص من الفاعلين".

إلا أن معارضة الحكم، عبر مغردين، نشرت معلومات حول الفاعل وظروف القتل، ونشرت اسم مطلق النار وبعض الوقائع المادية، وبينت أن الفاعل هو عضو في جهاز أمني سوري، وقد تنقل في مواقع ضمن "النصرة" و"هيئة تحرير الشام"، ودخل مع رئيسه إلى جهاز الأمن، وأن هذا الأخير تم تعيينه مسؤولاً أمنياً في منطقة تدمر، مما سمح له أن يحضر مع المسؤول الأمني خلال اجتماعه مع الوفد الأميركي، وبالتالي فتح له ثغرة ليردي العسكريين الأميركيين والمترجم أرضاً.

السلطات في دمشق اعترفت أن مطلق النار كان عضواً في جهاز الأمن، لكنها وصفته بأنه عنصر في "داعش" وقد اخترق الجهاز. "الرواية السورية" أصبحت أكثر وضوحاً من الرواية الرسمية الأميركية، ربما لأن المجتمع السوري يعرف داخله أكثر مما يعرفه المجتمع الخارجي والحكومات الأجنبية، وربما أيضاً أن فصائل سورية معارضة للحكم تعرف بدقة ما يجري داخل الأجهزة والاختراقات المتبادلة.

والموضوع بحد ذاته ليس صعباً للفهم، لكنه صعب للتفسير لدى الرأي العام الأميركي، إذ إن اختراق عنصر "داعشي" لقوات الأمن، وهي بغالبها آتية من "هيئة تحرير الشام" وجبهة "النصرة"، أمر يحدث ويمكن اعتباره عادياً في سوريا الآن. والنظام الجديد أيضاً يخترق "داعش" والجماعات المماثلة بصورة دائمة.

إذاً، لماذا هناك قلق في الولايات المتحدة حول الموضوع في بعض حلقات الإعلام، وبعض أعضاء الكونغرس، وعدد من خبراء مكافحة الإرهاب؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الجواب المختصر هو أن الحالة في سوريا لا تزال غير مستقرة تماماً، وأنه على رغم أن "هيئة تحرير الشام" قد حسمت السلطة لصالحها بقوة، وحصلت السلطات الجديدة على أعلى الاعترافات الدولية، وخطب الرئيس السوري أحمد الشرع في الأمم المتحدة، واستقبل في البيت الأبيض والمؤتمرات العربية والإسلامية، وزار موسكو وكبار العواصم العربية، إلا أن السؤال الصعب يبقى قائماً.

فبغض النظر عن قوة الدعم الأميركي للرئيس الشرع، وبعد سنوات من ملاحقة القائد الراديكالي لجبهة النصرة، تتجه أنظار المحللين إلى قدرة سلطته على تأمين المصالح الأميركية والصديقة المشتركة، لا سيما وأن "الشراكة الأميركية ـ السورية الجديدة" تشمل دخول شركات ومصالح أميركية وغربية كثيرة إلى الأراضي السورية، وهي ربما السبب الأساس وراء دعم الإدارة للحكم الجديد في دمشق.

لذلك، فإن سيطرة "الحكم الأموي الجديد" على كامل الأراضي مسألة أساسية بالنسبة إلى هذه العلاقات والمصالح معاً. بالطبع، إن إطلاق النار على عسكريين أميركيين خلال اجتماع في حضانة الأمن السوري أمر قد يحصل، وقد حصل من قبل في دول أخرى كأفغانستان أو العراق ولبنان، إلا أن معانيه هنا لها ثقل استراتيجي ويطرح أسئلة أساسية بالنسبة إلى وجود القوات الأميركية في سوريا.

فهذه الأخيرة تم نشرها أساساً مع حملة التحالف الدولي التي تقودها واشنطن ضد تنظيم "داعش"، ولا تزال توجد في شرق سوريا منذ 2014. وقد أسهمت في إسقاط "خلافة داعش" إلى حد كبير، ودعمت قوات سوريا الديمقراطية، وواجهت "الميليشيات الخمينية" في الهلال الخصيب، ومكنت القوة الأميركية في المنطقة.

وكانت إدارة الرئيس دونالد ترمب الأولى قد استمرت بدعمها على رغم الإعلان بأن الوجود العسكري الأميركي سينحسر وينتهي، والسؤال اليوم بعد عام من سقوط بشار الأسد وقيام الجمهورية العربية السورية "الثانية" بقيادة الشرع، هو حول مستقبل القوات الأميركية في بلاد الشام: هل ستبقى لمساعدة السلطات في استرجاع كل المناطق والضغط على إسرائيل لكي تتوقف عن التدخل في الجنوب، أم أنها ستنسحب من كل سوريا للسماح للحكم المركزي بإعلان استقلال تام عن الخارج؟

السلطة في دمشق تفضل الاستفادة من القوة الأميركية الرمزية في شرق سوريا للضغط على قسد لنزع سلاحها والرضوخ للسلطة في دمشق، وتوفير وجود رمزي للحد من التوغل الإسرائيلي.

ولكن القيادة في الدولة السورية تريد أن تبقى هي في موقع الإمساك بالقرار، وبالتالي تقدير زمان خروج هذه القوات، إلا أن استهداف عسكريين أميركيين يقومون بمهماتهم يسبب إحراجاً للرئاسة السورية، إذ إن ذلك سيهز الرأي العام الأميركي ويقود إلى انسحاب سريع لهذه القوات، مما قد يضعف السلطة تجاه أخصامها الداخليين وإسرائيل، أو زيادة العدد والعتاد للقوات الأميركية مع خطر اشتباك أكبر مع "الدواعش" وقوى مزاحمة أخرى، مما يؤدي إلى عدم استقرار يقلق الشركات الوافدة التي ستتجنب الإسراع في الاستثمار.

فأياً كان اتجاه الأحداث، فإن المخاطرة موجودة. لذا، فإن حادثة تدمر ليست نهاية العالم بحد ذاتها، لكنها قد تنذر بحالة جديدة قد تهدد "الربيع الأموي"، ما لم يقم توازن تعددي جديد في سوريا.

اقرأ المزيد

المزيد من آراء