ملخص
أدت القيود المفروضة على تصدير النفط إلى زيادة كلفة شحن النفط الروسي بحراً، لكنها في الوقت نفسه وسعت اقتصاد الشحن غير القانوني، مع تداعيات طويلة الأمد
منذ بداية الحرب الروسية في أوكرانيا فرض الغرب عقوبات اقتصادية على روسيا بهدف خنق أرباحها من مبيعات النفط، ومع إعلان أوروبا جولتها الـ19 من العقوبات بدأت حقيقة مزعجة تتضح.
وجدت روسيا بسرعة طريقة لتجاوز قيود الأسعار والحظر على الصادرات لتحقيق أرباح من النفطـ فبناء أسطول ضخم من السفن المتقادمة غير الواضحة الملكية، والتي تنقل الوقود بصورة سرية إلى أسواق بعيدة، مكنها من التهرب من العقوبات وتحقيق أرباح مالية.
لكن من الواضح الآن أن التوسع الكبير في هذا "الأسطول الخفي" يحمل آثاراً خطرة، وربما طويلة الأمد، فالسفن المتهالكة تشكل أخطاراً بيئية جسيمة، كما أدى هذا التوجه إلى خلق اقتصاد شحن غير قانوني ضخم قد يستمر بعد انتهاء الحرب، مما يفتح الباب أمام دول مثل روسيا وإيران للاستمرار في التحايل على النظام الدولي، بينما تظل الصين والهند من أبرز العملاء.
وقال المتخصص في مجال الأمن البحري ومؤسس مؤسسة الأبحاث "آي أركونسيليوم" إيان رابلي لصحيفة "نيويورك تايمز"، "كثر يريدون الجزء السهل فقط - فرض العقوبات - لكننا في الواقع تسببنا في مشكلة أكبر. العقوبات لم تضعهم خارج السوق، بل أخرجتهم من الأعمال الشرعية".
ووفقاً لشركة الأبحاث "أس أند بي غلوبال ماركت إنتيليجنس" يشكل الأسطول الخفي الروسي نحو 17 في المئة من جميع ناقلات النفط العاملة في المحيطات اليوم. وتشير تقديرات الشركة إلى أن عدد السفن في هذا الأسطول بلغ 940 سفينة في وقت سابق من هذا العام، بزيادة قدرها 45 في المئة مقارنة بالعام الماضي.
وعلى رغم وجود بعض السفن ذات ملكية وممارسات شحن مشكوك فيها قبل الحرب الروسية على أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022 فإن هذه الظاهرة ازدادت بصورة كبيرة بعد اندلاع النزاع.
وبحلول نهاية ذلك العام حظرت أوروبا واردات النفط الروسي بحراً، مما اضطر روسيا فجأة إلى الاعتماد على الهند والصين لشراء نفطها، ومع انشغال سفنها بالرحلات الطويلة إلى هذه الموانئ البعيدة كان لزاماً على روسيا زيادة عدد السفن.
وسعت روسيا إلى تجنب حد السعر الأقصى، إذ فرضت مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي وأستراليا قيوداً على الشركات لتقديم التأمين والخدمات الأخرى في حال بيع النفط الخام الروسي بسعر يتجاوز 60 دولاراً للبرميل، وهو الحد الذي خفضه الاتحاد الأوروبي وبريطانيا لاحقاً إلى مستويات أدنى.
لماذا تفرض الدول مزيداً من العقوبات؟
بدأت السفن المرتبطة بروسيا باستخدام تأمين مشكوك فيه أو من دون تأمين على الإطلاق، كما شرعت في رفع أعلام دول ثالثة وإرسال معلومات موقع مزيفة لإخفاء أماكن تحميل حمولتها.
وبذلك أصبح من الصعب تحديد ما إذا كان النفط قد جاء من روسيا، مما منح المشترين ما يعرف بـ"الإنكار المعقول".
ومع أن هذه السفن أصبحت ضرورية لاقتصاد النفط الروسي، فإنها تحمل أخطاراً جسيمة لحدوث انسكابات نفطية أو كوارث بحرية أخرى. ويبلغ متوسط عمر هذه السفن نحو 20 عاماً، وفق بيانات "أس أند بي غلوبال "، مقارنة بـ13 عاماً للأسطول النفطي بصورة عامة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقالت مديرة مكتب منظمة غرينبيس أوكرانيا ناتاليا جوزاك، "غياب التأمين مع قدم السفن يزيد فقط من خطر الكوارث البيئية".
وليس الخطر البيئي وحده ما يهدد، إذ شكك البعض في أن السفن السرية قد تنفذ أعمال تخريب تحت الماء - تستهدف خطوط أنابيب أو كابلات - وتبدو وكأنها حوادث عرضية.
ويأتي للأسطول الخفي عيب آخر واضح، إذ خلص مكتب المحاسبة الحكومي الأميركي في تقرير هذا الشهر إلى أنه "قلل من فاعلية حد السعر الأقصى"، مما أبقى الأموال تتدفق إلى خزائن موسكو وساعدها في تمويل الحرب في أوكرانيا.
التحدي الحقيقي يكمن في التنفيذ
غير أن المؤيدين يقولون إن ذلك لا يعني أن العقوبات خطأ، إذ أشار المسؤول السابق في وزارة الخزانة الأميركية وأحد مهندسي حد السعر بن هاريس إلى أن العقوبات، حتى وإن كانت غير مثالية، تفرض كلفة على روسيا، فشحن النفط إلى الهند أو الصين وبناء الأسطول الخفي مكلف للغاية، مضيفاً "التحدي الحقيقي يكمن في التنفيذ".
وفي الوقت الحالي تفرض الدول مزيداً من العقوبات لمكافحة الأسطول الخفي، إذ أدرج الاتحاد الأوروبي أكثر من 500 سفينة خفية على قوائم العقوبات في أحدث إعلان له، مما جعل الموانئ أكثر تردداً في التعامل معها. كما تلاحق الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأستراليا هذه السفن، بهدف تحويلها إلى "منبوذين بحريين".
لكن روسيا تستمر في إضافة سفن جديدة لتحل محل المفقودة، وقال مبعوث الاتحاد الأوروبي للعقوبات، ديفيد أوسوليفان "لديكم تعبير مريع في أميركا: لعبة المطرقة والحفر، والتحايل يشبه ذلك إلى حد كبير".
ومع ذلك فإن روسيا تتحمل كلفة السفن الجديدة، بحسب ما يوضح أوسوليفان "كل ما قمنا به يكلفهم كثيراً".
لكن الحل غير مثالي، إذ وجدت سفن الأسطول الخفي طرقاً لتجنب القوائم السوداء، مثل تفريغ الحمولات في البحر أو تغيير تسجيلاتها لإخفاء هويتها.
وفي الوقت نفسه حذر إيان رابلي أن الغرب يدفع روسيا لإنشاء اقتصاد غير قانوني واسع النطاق، بينما يؤكد المسؤولون الحكوميون أن البديل - عدم اتخاذ أي إجراء - ليس خياراً حقيقياً.